السلام عليكم
أنا متزوجة منذ ست سنوات ولديّ طفلتان، كما أنني طالبة في الجامعة. إن مشكلتي تكمن في أنني لا أستمتع برفقة أطفالي، كما أنني أعارض الإنجاب لعدم رغبتي في ذلك، فكلما تذكرت مرحلة الحمل والولادة شعرت بالظلم والألم.
السؤال: هل رغبتي في الانطلاق وإشباع طموحي أنانية مني، وهل ما أشعر به ينافي الأمومة والأنوثة؟
خاصة أن زوجي يعارضني في رأيي, وهو يريد أطفالاً؟
كما أنني لا أريد أن أغضب ربي.
4/2/2022
رد المستشار
سبحانك ربي ما أعظمك.. خلقت البشر مختلفين ليكون ذلك آية على أنك الواحد الأحد. بالأمس كتبت ردًّا على الأخت التي تتضرر من تأخر زواجها، وبالتالي حرمانها من الأمومة، وهي تستصغر ما حققته من دراسة وعمل، وتتشوق إلى الزواج والإنجاب.
واليوم نرد عليك يا أختي الحائرة بين طموحك ورغبتك في الانطلاق، والقيام بأعباء الزواج، ومسئولية الأمومة.
يا أختي لو حرمك الله من الزواج فتأخر، أو من الأمومة ولو إلى حين، لشكوت من البلاء، فاحمدي الله على نعمته، وقومي بمسئوليتك تجاهها، كما تقومين بمسئوليتك تجاه دراستك وطموحك؛ فأنت عقل وقلب، وروح ومشاعر، أنت أنثى وامرأة وإنسان، ودورك في الحياة – مثل كل البشر- متعدد المستويات، ومتنوع الميادين، وأحسب أن هذا لا يغيب عن وعيك، ولكنك تحتاجين بعض العون، فلا تتحرجي من طلبه ممن يقدر عليه في أسرتك أو أسرة زوجك، ولعلك تجدين في جيرانك من تتحرق شوقًا للقيام ببعض هذا الدور معك، وتنتظر منك الإذن والسماح.
ولا مانع من تأجيل إنجاب المزيد من الأطفال حتى الانتهاء من الجامعة، وليعلم زوجك أن كل حرف تدرسينه أو علم تحصِّلينه، أو إنجاز أو نجاح تحرزينه يكون هو شريكًا فيه ومستفيدًا منه هو وبناتك منه معنويًّا، واجتماعيًّا، وربما ماديًّا، ومنتظر منه أن يتعاون معك في هذا الشأن بما يستطيعه. وأنت في حاجة لجدول صارم لتنظيم وقتك بين رعاية البيت، والتحصيل الدراسي، وتحتاجين إلى عون بأجر أو من الأقارب والأصدقاء حتى تمر فترة الدراسة والمذاكرة بسلام.
ومسألة أخرى أتعرض لها بمناسبة سؤالك، وهي ميل بعض النساء إلى تحقيق ذواتهن في البيت والأسرة بشكل رئيسي، على حين تميل أخريات إلى إعطاء اهتمام أكثر للتحقق في ميدان العلم والعمل.
هذه الاختيارات ينبغي أن تكون واضحة ومحور نقاش وتفاهم قبل الزواج، فيعرف الطرفان نوايا بعضهما تجاه هذه المسألة، ولا يحدث بعد ذلك شقاق ونزاع بسبب عدم وضوح الموقف من حسم هذه المسألة، وتركها للزمن حتى تقع المشكلة، وطالما تأخر حسم هذه المشكلة إلى ما بعد الزواج، فإن الفيصل فيها يكون بحسب الشائع في المجتمع المحيط بكم، فننظر إلى الغالب على من هم في مثل ظروفكم المادية والعلمية والاجتماعية... إلخ.
وإذا كان متوسط عدد الأطفال عندهم ثلاثة أو أربعة تكون هذه هي الحدود التي من حقك التمسك بها، وليس في المسألة إغضاب لله عز وجل فهو لا يكلف نفسًا إلا وسعها، وأعباء تربية الأبناء اليوم كثيرة من الناحية النفسية قبل المادية، وضعف البنية العائلية والشبكة الاجتماعية الداعمة والمعاونة في التربية وطبيعة التحديات الثقافية والأخلاقية المتزايدة، كلها أسباب تدعو إلى إعادة النظر في منهاج التوسع في الإنجاب دون حساب.
وإن كنا ينبغي أن ندرك أن "فلسطين" حالة خاصة، ولو أدركنا هذا لكان علينا جميعًا أن نضع كل إمكانياتنا الفعلية تحت تصرف من هم في مثل ظروفك، وحتى يحدث ذلك عليك أن تديري أمورك بحكمة واقتدار، طالبة العون من زوجك والآخرين.
ملاحظة ثانية تتعلق ببعض الأعراض التي تصيب الأم بعد الولادة، وتتضمن اضطرابات مزاجية متنوعة، وهي حالة تسمى اكتئاب بعد الولادة وتحتاج إلى علاج إذا أصابتك، وأتركك مع زميلي د. عمرو يقترب من مشكلتك بزاوية مختلفة:
لا أدري لماذا تجنح عقليتنا كثيرًا إلى الثنائيات المتضادة، فإما أبيض أو أسود، وإما كفر وإيمان وأما وطنية وخيانة وهكذا، وأنت أيضًا تصوغين السؤال بنفس الطريقة إما انطلاق وإشباع طموح أو أمومة وأنوثة، وكأن الأمرين متضادان لا يمكن الجمع بينهما والتوفيق للحصول عليهما.
وهي قضية لسنا بصدد تفسيرها والوقوف عندها بالتحليل، ولكن ما يهمنا في حالتك أن أحد أسبابها الواضحة هو رسم صورة معينة للنجاح والطموح والانطلاق لا نريد أن نحيد عنها أو نتصور وجود صور أخرى متعددة وبدرجات مختلفة، وهذا سبب عدم استمتاعك بصحة أطفالك، وعدم شعورك بالمشاعر الطبيعية للأمومة هو أنك ترين في هؤلاء الأطفال حاجزًا ضد نجاحك وانطلاقك بالصورة التي رسمتها في ذهنك، والتي لا ترين صورة أخرى للنجاح غيرها.
ولو أنك نظرت حولك لرأيت كثيرًا من الطالبات الجامعيات قد حققن النجاح ووصلن إلى طموحهن، وكنّ في نفس الوقت أمهات ناجحات يشعرن بالأمومة تتدفق ويستمتعن بحياتهن مع أطفالهن، وبطريقة بسيطة جدًّا هي أنهن رسمن طريقًا للنجاح والطموح يناسب حياة الأمومة، واعتبرن نجاحهن في صحبة وتربية أطفالهن جزءًا من النجاح، وحوَّلن جزءًا من طموحهن في اتجاه طموحات أطفالهن فاتزنت المعادلة.
عدِّلي من صورة النجاح والانطلاق فستجدين مشاعر الأمومة المخنوقة والمكبوتة وقد انطلقت من داخلك، وسترين الحياة في صورة جديدة ليست أبيض أو أسود ولكنها ألوان متعددة وأطياف ممتدة امتداد الحياة نفسها وما فيها من أحداث وغرائب وعجائب لا تقف عند الدراسة أو الطموح فيها... ولا ترى الانطلاق يجب أن يكون على حساب الأطفال.
ليس السؤال: هل أنا أنانية أَم لا، أنا أنثى وأُم أم لا؟! إن السؤال: هل يمكن أن أحقق التوازن الذي يجلب لي السعادة، وما هي التعديلات التي يجب أن أجريها على مسار حياتي حتى تتزن؟
بارك الله لك في زوجك وأطفالك ودراستك، فلا تترددي في تنظيم وقتك، وإشباع كل جوانب تكوينك، ولا تترددي في طلب العلاج إن أصابتك أعراض اكتئاب ما بعد الولادة، التي قد تصل إلى الشعور بعدم الرغبة في الأطفال، وقد تصل إلى الشعور بكراهيتهم.