علاقة على النت
أنا فتاة أبلغ من العمر 15 عاما، تعرفت على شاب من خلال الإنترنت عمره 21 عاما.. بدأت العلاقة بصداقة، ثم تطورت إلى حب، وقد كنا نتكلم في التليفون وقابلته مرتين، وقد تم كل هذا بعد سفر أبي وابتعاده عنا.. وقد كنت خلال فترة علاقتي به أحاول بشتى الطرق إنهاء هذه العلاقة؛ لأني أعرف جيدا أنها حرام ولا ترضي الله.
ولكني للأسف لم أستطع، وشعرت بذنب كبير حيث إنني ملتزمة دينيا.. هو أيضا كان ملتزما دينيا ويصلي دائما بالمسجد.. وبالرغم من كل هذا لم أستطع إيقاف العلاقة حتى سافرنا إلى أبي وهناك وجدتها فرصة جيدة لإنهاء علاقتي به، حيث كنا نتحدث عن طريق الإنترنت، وقد احترم هو قراري كثيرا ووافق عليه.. فقد اقتربت كثيرا من الله، وأيقنت أن الوقت قد حان لأغلب مراد الله على مراد نفسي.. وأن أتركه لله وأنا موقنة أنه من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
وأنا الآن لست نادمة على هذا القرار بل أحمد الله كثيرا، ولكني أحببته فعلا وهو أيضا يحبني جدا وينوي حسب قوله الزواج بي والتقدم بعد الانتهاء من دراسته، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا أرى للمتحابين غير النكاح.. فهل من الممكن بعد هذه العلاقة الحرام أن يعوضنا الله ويبارك لنا ونتزوج في المستقبل؟ علما بأنني قد قطعت صلتي به نهائيا.. وهل من الممكن أن أتكلم إلى أخته وأتخذها كصديقة لي عندما أعود إلى بلدي لكي أطمئن عليه ويطمئن علي من خلالها حتى يستطيع أن يتقدم لطلب يدي من أهلي؟ علما بأنني أخبرته أنه إذا أراد مني التحدث إلى أخته أن يرسل إلي رسالة على بريدي الإلكتروني بعد عام من الآن في ميعاد رجوعي إلى بلدي حتى أعطيه فرصة للتفكير جيدا وأجنبه الحرج.
فهل إذا تزوجنا سيكون زواجا ناجحا بعد توبة كل منا، وقد كنا من قبل نتكلم في أمور محرمة وهل سيحترمني بعد ذلك؟ وإذا حدث وتقدم لي.. هل أخبر أهلي أني عرفته من خلال الإنترنت؟ أم أخبرهم أن أخته صديقة لي علما بأن موضوع التعارف عن طريق الإنترنت لن يكون مقبولا لدى أهلي.. فهل يجوز في هذا الموقف القول بأنني عرفته عن طريق أخته؟ وهذا لن يكون كذبا؛ لأنها ستكون فعلا صديقة لي.
وهل الدعاء إلى الله أن يكون هو زوجي حلال أم حرام؟.. وهل التفكير فيه حلال أم حرام علما بأني أحاول عدم التفكير به وشغل نفسي بأشياء أخرى؛ لأني أفكر فيه كثيرا. أرجو أن تفيدوني برأيكم، فأنا في أتم الحاجة إليه.
وإن شاء الله سأنتظر رأيكم، وسأنفذ ما ستقولونه لي.
أنا وهو فلقد أخبرته أني سأستشيركم.
11/2/2022
رد المستشار
الجملة الأخيرة من خطابك ملأتني شعورا بالخجل من نفسي والمسؤولية في نفس الوقت!!
الشعور بالخجل لأنني تأخرت في إجابتي عليك؛ وذلك بسبب انشغالي في إعداد وإلقاء عدد من المحاضرات والدورات خلال الشهر الماضي، ولا أدري إن كان الله تعالى سيقبل هذا العذر في التأخير أم لا، فأرجو أن تسامحيني ليسامحني سبحانه وتعالى..!!
إن الشعور بالمسؤولية فهو لأنك تمنحين هذه الثقة للصفحة، وتطمئنين للرأي الذي سترشدك إليه، وهذا -في الحقيقة- يحثنا أن نحشد كل خبراتنا وجهدنا لنكون أهلا لهذه المسؤولية. مشكلتك بها سؤال واحد صعب ومجموعة من الأسئلة السهلة... لذلك دعيني أجيب على الأسئلة السهلة إجابات قصيرة وسريعة وأرجئ السؤال الصعب للنهاية.
تسألين: هل من الممكن بعد هذه العلاقة الحرام أن يعوضنا الله ويبارك لنا ونتزوج في المستقبل؟
وأقول: نعم ممكن فالتوبة تمحو كل ما قبلها تماما.. يقول تعالى: (وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى).
أنتما قد أذنبتما ذنبا -وهو إقامة علاقة خارج إطار الزواج-، فندمتما عليه بصدق وعزمتما على عدم العودة، فأنتما أهل لوعد الله بمحو الذنب من صحيفة أعمالكما تماما، فلا توجد "لعنة" تطاردكما وتحكم عليكما بالفراق الأبدي بسبب ذنب قد تبتما عنه
وتسألين: هل إذا تزوجنا سيكون زواجنا ناجحا؟
وأقول: إن نجاح الزواج يتوقف على عوامل كثيرة؛ لأن الحب يمر بعدة اختبارات بعد الزواج فإذا نجح فيها استمر الزواج، وإذا لم ينجح فشل الزواج. أنه ليس حتميا أن "ينجح" الزواج اعتمادا على "الحب الكبير" الذي يسبقه، وليس حتميا أن "يفشل" الزواج بسبب أخطاء كبيرة ارتكبت قبله، فالنجاح والفشل يتوقفان على: القدرة على تحمل المسؤولية، وقبول العيوب التي تظهر بد الزواج، وحسن الخلق والعشرة، وإتقان فنون العلاقة الإنسانية..
وتسألين: هل يجوز في هذه الموقف القول بأني عرفته عن طريق أخته؟
وأقول: ربما يفيدك قسم الفتوى في هذا الأمر أكثر مني، ولكني في ضوء دراستي الشرعية وخبرتي الاجتماعية أستطيع أن أعرض "وجهة نظر" لا ترقى لدرجة الفتوى، وهي أن التعارف عن طريق "الشات" -وخاصة إذا كان الطرفان من نفس البلد والثقافة- يشبه التعارف في حفلة عامة، فإذا كانت الثانية وهي الحفلة مقبولة اجتماعيا ودينيا كوسيلة للتعارف من أجل الزواج، فإن الأولى -وهي الشات- يمكن أن تقبل أيضا... أي أنك إذا افتعلت أي مناسبة عامة كحفل خيري أو عيد ميلاد وحضرها هذا الشاب، وأخبر أهلك أنه رآك في الحفل فأعجبته فأراد خطبتك لن يرفضوا... وأعتقد أنك عندئذ لا تكذبين..
وتسألين: هل الدعاء أن يكون هو زوجي حلال أم حرام؟
وأقول: لا حرام إلا الدعاء بحرام... أي أن تدعي الله مثلا: اللهم وفقني في سرقة هذا البنك، أو اللهم وفقني في ارتكاب الفاحشة مع فلان!! أما أن يكون دعاؤك بالزواج الحلال فما الجريمة؟! كل ما هناك أنك ربما تضيقين على نفسك واسعا، وقد يكون من الأفضل أن تفوضي الأمر لله، فتقولين مثلا: اللهم إن كنت تعلم زواجي من "فلان" خيرا لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فيسره لي.
وهكذا تفوضين الله في الأمر لأنه كما تعلمين:
"عسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم".
وتسألين: هل التفكير فيه حلال أم حرام؟
وأقول: سؤالك خطأ.. فالتفكير فيما نحب ونعيش أمر لا إرادي لا نملك السيطرة المطلقة عليه، لذلك رفع الله تعالى عن الإنسان ما تحدثه به نفسه.. كل ما هناك أن على الإنسان ألا يستسلم أو يتمادى في هذا التفكير، وعليه أن يفعل ما تفعلين بأن يحاول شغل نفسه دائما بالخير والأعمال الصالحة، فإن فعل هذا فإنه يخفف كثيرا من وطأة هذه القوة المسيطرة عليه بحيث تحتل أقل مساحة ممكنة في وجدانه، ويحصل على الأجر كاملا من الله تعالى، وله جزاء الصابرين الذين يوفون أجورهم بغير حساب.
** والآن يأتي السؤال الصعب: هل من الممكن أن أتكلم إلى أخته وأتخذها صديقة لكي أطمئن عليه ويطمئن علي والذي سيقرر هذا هو الرسالة التي سيبعث بها إليك بعد عام؟!! هذا هو السؤال الصعب!!
كأنك تسألين: هل يمكن عمل "صلة" بدون "علاقة"؟!
وأقول: إني أجيب في بعض الحالات بـ (نعم) وفي أخرى بـ (لا)!! وذلك حسب الظروف والملابسات.. فعندما يكون عمرك 15 عاما أي أن بينك وبين الزواج زمنا طويلا، فلا أتوقع أن تمر فترة (الصلة) بلا (علاقة) طوال هذا الزمن، لا بد ستحدث تطورات، وستقع علاقة ويزداد تعلقك به، وتتوالى التجاوزات، وعندما يكون كل ما بينك وبين هذا الشاب هو بعض التليفونات ومقابلتان، فهذا يعني أن ما بينكما رغم كل عنفه وقوته إلا أنه لم يرق لدرجة الحب "الحقيقي" الذي تخوضين من أجله مغامرة (صلة) بلا (علاقة)، تلك المغامرة التي يحتمل فشلها قبل نجاحها؟! وبالتالي فإني أميل لأن أقول: (لا).
وأفضل أن يمر هذا الحب بما أسميه: "اختبار البعد" وهو أن يتناسى كل طرف الآخر وينشغل عنه ويقطع صلته به نهائيا، فإن كان هذا الحب وهميا سيسقط بعد سنتين أو ثلاثة أو أربعة، وربما يظهر في حياة كل منكما حب جديد فينسى الحب الأول... وهذا هو ما سيحدث غالبا، أما إن كان حقيقيا فإنه سيصمد رغم البعد، وهذا يحدث نادرا، وعندئذ تكون فرصة الزواج أفضل.
ابنتي الحبيبة... أدعو الله تعالى أن يسعدك، ويختار لك ما فيه خير الدنيا والآخرة.