السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أوشكت على السادسة والعشرين من عمري، وبفضل الله منتسب للدعوة، وأعمل بالجامعة، قضيتي في حياتي هي توظيف دراستي في مجال الدعوة، كما أني حاصل على درجتين "ليسانس" وعلى وشك التسجيل للماجستير، لم يكن الزواج مطروحا على دفتر أولوياتي رغم إلحاح أهلي وإخواني، خاصة أنني أملك شقة وأسرتي مقتدرة.
قصتي بدأت عندما رأيت أختا تشارك بنشاط في عمل دعوي، أعجبت بها، لكنني تجاوزت ذلك ومضيت، ونظرا لترددي على كليتها لارتباطها بدراستي بدأت أراها كثيرا، ولا أراها دائما إلا على خير، قررت صلاة الاستخارة ورأيت أربع رؤى كلها خير شديد الوضوح، وذات مؤشرات دينية، وكانت الرؤيا الأخيرة وكأنني في عقد قران بالمسجد، وعن طريق بعض الأخوات المقربات جدا علمت أنها شخصية جميلة وجذابة ونشيطة، ومن بيت طيب، كما أنها شديدة الحرص على الطاعة حتى أنها صممت على ارتداء الخمار رغم معارضة الأهل، وكانت تحرص على الذهاب للمسجد لحفظ القرآن حتى في أيام الامتحانات.
إلى هنا كانت الأمور تسير على ما يرام حتى ظهرت كارثة لي، وهي أن أخاها متهم في قضية قتل، ومسجون على ذمتها، وسوف يخرج بعد سبع سنوات، وقد كان هذا الشاب سويا حتى أدمن بسبب صحبة السوء، وارتكب الجريمة على أرجح الأقوال وهو يحاول اقتراض مال من قريبة له في محلها فتشاجرا، ورفعت عليه السكين فطعنها هو.
تلقيت هذا الخبر وكأنه طعنة، بدأت في السؤال عن البيت ككل من أعمام وأخوال ووجدت أن البيت مستقر تماما وأن أخواتها المتزوجات مستقرات، وأن أعمامها وأخوالها أسر طيبة، بل إن جدها كان معلما وخطيبا وإمام للمسجد في هذه البلدة والناس تذكره بالخير... صدقوني لم ينفتح قلبي من قبل لمثل هذه الفتاة، رغم أن فترة دراستي وعملي بالجامعة تقارب التسع سنوات، وقد عرض علي الزواج من قبل ممن هن أجمل منها، بصراحة لا أعرف ماذا أفعل بهذا الشعور.
أخشى أن يكون أي سعي للزواج هو هروب من هذه الفتاة، وهل ذنبها هو أخوها وكيف كانت الرؤى الصريحة التي رأيتها، وهل أخفي موضوع أخيها على أهلي حتى يتم الزواج؟ وأنا أتذكر كيف أن سيدنا عمر منع رجلا أن يخبر خاطب ابنته بأنها أصابت حدا ثم تابت، وهل أذهب لأبيها وأصارحه وأطلب منه رواية صادقة بل إنني أفكر في زيارة أخوها إن لزم الأمر للوقف على حاله الآن.
آراء إخواني من حولي متباينة بين من يقول لي وما ذنبها خاصة أن الأسرة بشكل عام طيبة، وأن الجريمة عرض طارئ، ولا تدل على طبيعة إجرامية، وبين من يقول الملتزمات كثيرات وسوف تجد من ينفتح لها قلبك بعدها، رغم أنني أشك في هذا، وأنا أحاول أن أطرد هذا الميل القلبي لها فأجد صعوبة؛ وذلك لشخصيتها بنشاطها وابتسامتها الدائمة، وحرصها على الطاعة قد ولدت احتراما عميقا لها، اختلط بعاطفة احسبها صادقة وليست نزوة عابرة، فماذا أفعل؟
سؤالي الآن هو هل أخفي موضوع أخيها عن أهلي في البداية حتى يروا الفتاة، وأنا متأكد من أنهم سيرتاحون لها كثيرا، ويمكن حينئذ لو علموا أن يكون الرفض أشد حدة أم أنني يجب أن أصارحهم من البداية؟
علما بأنه من غير المحتمل تماما أن يعرفوا شيئا عن هذا الأمر حتى بالسؤال
إلا إذا أخبرتهم أنا، فكيف أتصرف؟؟؟
17/2/2022
رد المستشار
أخي العزيز "جسار" ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ذكرت في بداية الرسالة أن قضيتك في حياتك هي توظيف دراستك للدعوة، وهذا يشكل محورا هاما في شخصيتك وسلوكك؛ فأنت تسخر علمك وحياتك لله، وأعتقد أن هذا المحور الهام وراء إعجابك الشديد بهذه الفتاة؛ فهي تفعل ما تتمنى أنت فعله، وتعطيك الصورة المحبوبة للزوجة الصالحة الخيّرة، وللداعية النشطة، وهذه الشخصية تتفق مع المنظومة التي رسمتها لحياتك.
ليس هذا فقط، ولكن من الواضح أن مشاعرك تحركت نحوها بشكل تعتقد أنه صادق، ولكن المفاجأة أن هذه المنظومة اهتزت بدخول معلومة مناقضة لها تماما (فيروس) وهي أن أخاها قام بجريمة كبيرة -جريمة قتل لإحدى قريباته- يقضي بسببها عقوبة السجن التي ستنتهي بعد سبع سنوات، يضاف إلى ذلك أنه مدمن، ولا يعرف أحد على وجه اليقين ماذا سيفعل بعد خروجه من السجن؟
وفي حالة الزواج من هذه الفتاة سيصبح هذا الشخص خالا لأبنائك، فضلا عن كونه أخا لزوجتك. وقد يدفعك حسك الدعوي إلى تحمل هذه التناقضات سعيا لعدم تحميل هذه الفتاة خطأ ارتكبه أخوها؛ خاصة أنه بدا لك أن ما حدث يبدو وكأنه جملة اعتراضية في حياة هذه الأسرة، وأن السياق العام للأسرة جيد، وربما قد تشعر بالذنب إذا قررت الابتعاد عنها بسبب ما جناه أخوها، وتعتبر ذلك ظلما لها على اعتبار قوله تعالى: "وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى".
وحتى لو تجاوزت أنت صعوباتك ومخاوفك الشخصية في هذا الأمر فإنه يبقى موقف أسرتك من هذا الأمر، ذلك الموقف الذي جرى العرف عليه وهو أن أسرة المنشأ لها تأثير كبير على أخلاق أفرادها، وهذا ما يتفق أيضا مع رأى الكثيرين من علماء النفس، وقد تكون هناك استثناءات لهذه القاعدة العامة، ولكن هذه الاستثناءات تحتاج لتأكيدها بطرق عديدة، وتحتاج للاطمئنان إلى أصالتها وصدقها؛ لأنها أحيانا ما تكون محاولة لرد الفعل أو الفعل العكسي قصير الأمد أو قشرة تخفي عكسها.
هذا هو المأزق الذي تعيشه، ولا يكفي فيه ما رأيته من أحلام -وإن كانت توضع في الاعتبار كمبشرات ومطمئنات لها احترامها- لذلك بجدر بك التأني بعض الوقت لاستجلاء الموقف بشكل أكثر وضوحًا، إضافة إلى مصارحة أهلك منذ البداية بكل ما تعرفه، حتى ولو كانت نتيجة ذلك هي الاعتراض على هذه الزيجة.
وأنا أنصحك بذلك لسببين: الأول هو أن الصدق في هذه الأمور وفي غيرها منجاة من كل المهالك، حتى ولو أتى بما لا نحب، والثاني هو أن الأهل ربما يكونون أكثر قدرة على رؤية الموضوع بموضوعية أكثر منك؛ لأنك في هذه الظروف واقع تحت تأثير مشاعرك وميولك الشخصية، كما أن شخصية الفتاة تشكل النموذج المثالي المتوافق مع محور شخصيتك، وهذا ربما يجعلك -دون أن تدري- تخفي عن نفسك جوانب عنها وعن أسرتها تكون جديرة بالاعتبار، فعلى سبيل المثال ذكرت أنت أن أسرتها كانت معترضة على ارتدائها للخمار، وهذا ربما يضع علامات استفهام حول ما ذكرته عن أسرتها.
كما أنني أرجو ألا يتم هذا الأمر بعيدا عن رضا أسرتك، حتى لو كانت لديك قناعات قوية بسلامة موقف هذه الفتاة هي وأسرتها، وبأن جريمة أخيها مجرد جملة اعتراضية في حياتهم، ولكن يمكنك -في حالة اقتناعك بها وبأسرتها- أن تحاول نقل قناعتك إلى أسرتك وسماع وجهة نظرهم في هذا الأمر، فإذا تيسر لك ذلك وتم الأمر فبها ونعمت، وإن لم يتيسر فعليك بالدعاء لها بالتوفيق.
وتأكد أن الله مطلع على السرائر، وأنه لن يضيع هذه الفتاة في حالة صدق نيتها، وسيهيئ لها الخير بزواجها منك أو من غيرك "وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ" صدق الله العظيم.