بداية.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أشكر كل السادة العلماء والأساتذة الكرام على كل ما يبذلونه من جهد ووقت لشباب هذه الأمة، وفقكم الله وجزاكم الله ألف خير..
أما بعد، فإني فتاة في الـ28 من عمري، قدر الله أن أتعرف بالصدفة على شاب مند حوالي 5 سنوات.. أنا أعمل أستاذة للغة الإنجليزية في السلك الإعدادي، وهو ضابط في صفوف الدرك الملكي.. بمجرد أن فاتحني في موضوع الزواج عرضت الأمر على أمي، لأن والدي متوفى، فما كان منها إلا أن رفضت الأمر جملة وتفصيلا، والسبب عمله، فهي ترى أن من يمتهن تلك المهنة يكون صعب المراس وأخلاقه سيئة، ويشهد الله أن هذا الرجل من أفضل من قابلت في حياتي خلقا.
المهم، أني أبلغته برأيها في الموضوع، ومع ذلك قال إنه يصر على أن يأخذ فرصته ويقنعها.. تمسكه بي وطهارة العلاقة التي كانت بيننا أسباب دفعتني لأحاول مع أمي مرات ومرات، ولكن دون جدوى. تقدم للزواج بي عدد من الرجال لم أقو على قبول أي منهم، لأني كنت أرجو أن يهدي الله أمي وتغير رأيها، وفي تلك السنوات كان هو قد تمكن من جمع مبلغ محترم من المال ومن توفير سكن لائق، وطلب مرة أخرى أن يتقدم لطلب يدي.
قبل شهرين فاتحتها في الموضوع من جديد، وهذه المرة بحضور إخوتي وللإشارة فهم أصغر مني سنا، أقنعتها بأني أقترب من العنوسة، وأن هذا الرجل يستحق فرصة، فوافقت على أن يقابل عمي، فإن وافق كان بها، وإن لم يفعل فعلي أن أنسى الموضوع.
عمي لم يجد عيبا في الرجل سوى أنه يسكن في مدينة تبعد مائة كم عن محل إقامتي، وأن هذا سيكون مشكلا إلى حين حصولي على حق الانتقال بالزوج، إضافة إلى رأيه في مهنته، المهم أن هذا كان كافيا لتكرر أمي رفضها من جديد. أنا لا أريد أن أعصاها، ولكني أحب هذا الرجل ولا أريد غيره، أعيش في حزن كبير منذ سنوات، ولكني أريد رضا أمي.
انصحوني، جزاكم الله خيرا، واعذروا أسلوبي الركيك..
وكل عام وأنتم بخير.
14/2/2022
رد المستشار
تناثرت معان كثيرة برأسي حين قرأت رسالتك، ولكن طاردتني بقوة جملة وشهادة وحجة!!
الجملة.. كانت لشكسبير حين قال: "أكون أو لا أكون تلك هي القضية".
والشهادة.. "براءة للحب مما التصق به من شبهات وطعنات ترجع لمعدن المحبين والتصقت به زيفا".
والحجة.. "على كل فتاة وكل شاب أدار ظهره لأهله مقطّعا صلة أصيلة ومقدسة بينه وبينهم، لم تكن لتقطع لو كان صبر على رفضهم حينا".
ووسط كل تلك المتناثرات وجدتني أغضب.. نعم أغضب لاستكانتك التي صارت "غير مقبولة أو مفهومة"، وخوفك الذي صار هو محركك الأساسي، والذي لا أجد له مبررا حقيقيا، حتى وصل بك الحال لأن يلوّح لك قطار الزواج بأنه سيشرع في المغادرة تاركا إياك وحيده بلا زواج، ومع ذلك لا زلت تصمتين"
لا تتصوري أنك في حالة "بر" فلقد تجاوزته لما هو أبعد من ذلك، فالبر هو "الأدب" الذي أمرنا الله عز وعلا بالتعامل به مع والدينا للدرجة التي ترقى بألا نقول لهما "أف" رغم مشروعية عدم طاعتهما في بعض الأحيان.
ولقد بررت بأمك وأهلك بجدارة مذهلة استنفذت منك 5 أعوام من عمرك، ولكنك نسيت أنك نضجت بشكل كاف نضجا يجعلك تحسمين قرارك -في أدب جمّ- لتحيي حياة ترتضينها لنفسك متحملة مسئوليتها تحملا كاملا. وأخشى أن تكون أحاسيس الحيرة والخوف والتردد هي الأسباب الحقيقية لعجزك في اتخاذ هذا القرار الذي تأخر كثيرا ويستنبطه أهلك لمعرفتهم بك.
فحين تجد الفتاة رجلا عرفته بحق طيلة 5 سنوات أثبت لها فيها جديّة رغبته في الارتباط بها، منتظرا أن يفوز بها بشرع الله؛ وحين تصر الفتاة -رغم توافد من يرغبون بالارتباط بها- على شخص بعينه؛ وحين يكون رفض الأهل رفضا ليس قاطعا يهدد بقطيعة أو ما شابه، فلتذهب مخاوف مهنة العريس بما تجلبه من طباع، وكذلك حق الانتقال بالزوج إلى الجحيم.
فزمن القهر للزواج بشريك لا نريده ولّي بغير رجعة.. فحين ترد إلي مشكلات أرى فيها عوائق، أجنب عائق رفض الأهل جانبا، لأنه يكون أهونها ونظل نبحث عن جديّة الارتباط والشرعية والإمكانات والقدرة على تحمل المسؤولية، وكلها توافرت لديك ولديه بالصبر والأدب والدأب .
أما رفض الأهل.. فإنه يتضخم حين يلمحون التردد والحيرة في قرارات الأبناء، فيظلون على موقفهم، أما حين يثبت الأبناء بالإصرار المهذب، ووضوح وجديّة قرارهم بالارتباط بمن اختاروا وتحمل مسئولية الاختيار تحملا كاملا، فلا يبقى إلا مباركتهم.. ولو بعد حين.
فانتظارك للأمل من الخارج، وافتقارك للجراءة في اتخاذ القرار لن يقوم بهما سواك، وتذكري أن لكل منّا في حياته لحظات حاسمة، ولكل علاقة ساعة صفر عندها يتم اتخاذ قرار جديد مختلف جدير بالاختيار، فكم من أناس عاشوا وماتوا دون أن يجدوا قلبا يحبهم بصدق ويتحمل من أجلهم المشقة عن "رضا".
ترى هل تصورت أني أحرضك ضد طاعة والدتك أو ضد برك بها؟ حاشى لله، كل ما أردته أن تضيفي لإصرارك المهذب قرارا جريئا، بأنك اخترت اختيارا تتحملين فيه المسؤولية كاملة، وسيحظى ذلك القرار بالقبول لدى أهلك، والضامن لذلك أمران:
أولهما: ابتغاء مرضاة الله بزواج يتمم تلك العلاقة الطاهرة.
ثانيهما: حسن خلقك وحسن خلق محبوبك.
وحينها سيسعد الجميع ويرضى.. فقط لا تترددي، وتوكلي على الله فهو خير من نتوكل عليه.