آبائي وأمهاتي السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
مربيَّ أقولها بكل فخر فقد كان لصفحتكم الكثير من التأثير في حياتي..
سيدي الدكتور أحمد.. أرجو أن يتسع صدرك الحنون لابنة جاءت تبثها أحزانها.. ولم تجد بعد الله غيركم فاسمعوني بالله عليكم.. لأسهل عليك بعضًا من مشكلتي .. أنا فتاة في أوائل العشرينيات من عمري ومتفوقة في دراستي ولله الحمد.. موصولة بالله، مرحة بشهادة الجميع، لست بالجميلة ولكن شكلي مقبول والحمد لله.
نشأت في أسرة كبيرة فقد كان لأبي أربعًا من النساء طلق اثنتين وأمي توفيت والآن هو يعيش مع التي تزوجها مؤخرًا ولديه 4 من الأطفال منها.. لدي إخوة وأخوات شقيقات.. أعيش في الغرب مع أسرتي منذ حوالي 4 سنوات والحمد لله تأقلمنا على الحياة فأنا أدرس في الجامعة، ولم يبقَ لي الكثير لأتخرج وإخوتي وأخواتي بعضهم تخرج حديثًا وبعضهم يعمل.
أبي شخصية عملية. كان يشغل منصبًا مرموقًا قبل أن يتقدم به العمر.. يحب التعليم لدرجة أن كل إخوتي وأخواتي من رواد الجامعات هذا شيء يحسب له؛ لأنه دائمًا ما كان يحثنا على المذاكرة والاجتهاد ولم يبخل علينا بشيء في مجال التعليم.. بالرغم من ذلك علاقتي بأبي لم تكن قوية لربما لكثرة زيجاته وعدم اقتناعي بها فلم يكن ذلك الأب الذي لطالما حلمت به!! في عدم وجود الأم وغياب الأب زادت صلتي بإخوتي وكانوا أقرب لي من أي شخص آخر. (آسفة سيدي لسرد كل هذه التفاصيل وإنما أردت أن أعطيك صورة واضحة للبيئة التي أعيش فيها).
منذ أن جئنا لأمريكا تعرفت على شاب من بلدي الأصلي في الحقيقة تعرفنا عليه كأسرة؛ لأنه كان صديقًا لأخي فقد جاء إلى هنا للدراسة والعمل.. أعجبت به من كثرة الحديث عن التزامه ودماثة أخلاقه.. كان مضرب المثل للجميع أعجبت به حتى قبل أن أعرفه وتعرفت عليه عندما أحضره أخي دارنا ووجدت أنه والحق يقال عند حسن ظني به.. علمت من معارفنا أنه قد خطب فتاة في بلده منذ عدة أشهر.. حزنت بعض الشيء ولكن تمنيت له كل الخير.
زادت معرفتنا به في كل مرة يحضر فيها مع أخي حتى إنني كنت أتبادل معه الأحاديث في شتى أمور الحياة.. وفي مرة التقيته في الماسنجر وسألته ممازحة عن مدى قرب الزفاف فقال لي إنه قد فسخ خطبته منذ عدة أشهر.. لا أكذب عليك سيدي أني شعرت بسعادة غامرة وأحسست أن الله كان رحيمًا بي؛ إذ إنه لم يكمل ارتباطه.
أصبحت ألاقيه في الماسنجر أحيانًا، حيث إنه يسكن في مدينة أخرى ونتحاور في أشياء كثيرة إلى أن قال لي يومًا إنه يريد الارتباط بي على أن نقضي فترة من الوقت للتعرف على بعضنا البعض، حيث إنه لا يريد أن تتكرر تجربته الفاشلة تلك.. وافقت لعلمي بمدى صدقه، وحيث إن هذه أول علاقة أكون جزءًا فيها فقد كنت خائفة بعض الشيء. أعملته بأني أريد أن أخبر إخوتي بالذي بيننا، حيث إن ذلك سيتيح لنا فرصة الحديث بحرية ومن غير خوف بعدم معرفتهم، ولأن أسرتي تثق به فقد وافقوا وهو وافق على هذا الاقتراح.
وبالفعل بدأنا بالحديث عن طريق الهاتف واكتشفت الكثير في شخصيته مما زادني حبًّا واقتناعًا به.. بعد مرور أقل من شهرين على أحاديثنا قال لي إنه يحبني واقتنع بعقلي ومستعد للارتباط بي وعلى ذلك فهو يريد أن يطلع أسرته على الأمر.. وهنا كانت الكارثة!!! أسرته ترفض الموضوع جملة وتفصيلاً.. فهم يريدون له الارتباط إما بفتاة من الأسرة أو بفتاة هم على معرفه واقتناع تام بها وبأسرتها. أخبرني حبيبي بموقفهم واعتذر لي عن موقفهم هذا، علمًا بأن حبيبي شديد الحب لأهله ويحرص على برّهم بشكل كبير، وهذا من الأشياء الكثيرة التي جعلتني أحبه وأحترمه، فعلى رأي المثل اللي مالوش خير في أهله ما لوش خير في حد.
آثرنا التريث فالمسألة مسألة وقت.. على أن يحاول حبيبي المحاولة معهم من جديد عندما يذهب لإجازة الصيف، فالكلام وجهًا لوجه أفضل من الهاتف.. لم أحاول الضغط عليه؛ لأني أعلم بمدى حبه لي ومدى حبه لأهله؛ لذا لم أحاول أن أضعه بين نارين. وعلى كلٍّ فأنا لم أكمل دراستي الجامعية بعد.. بعد سنة تقريبًا من هذا سافرت وأسرتي إلى بلدي، وهناك تقدم لي الكثير، ولكن التزمت الرفض بسبب جديد في كل مرة.. ولكن أبي كان يحاول معي، حيث إنه من أشد المشجعين لأن أتزوج من أقاربي، بل إنه في فترة من الفترات كان يلمح أنه لن يقبل أن يتزوج أي من إخوتي خارج الأسرة (عثرة جديدة) على الرغم من ذلك أحس أن أبي لن يبق على إصراره إذا رأى أني وجميع إخوتي في صفي، علمًا بأنه على معرفة كبيرة بحبيبي، بل إنه كان يشيد بأخلاقه والتزامه في أحيان كثيرة، ولكن مبدأه أن لا زواج خارج الأسرة!!!
خلال هذه الفترة من شد وجذب كنت أتقابل مع حبيبي مرة أو مرتين في الشهر، وحدث في مرة أن بدأنا نحوم حول حمى الله.. في ذلك اليوم رجعت إلى بيتي وأنا لا أصدق أن ذلك حدث مني ومنه.. أنا التي كنت مضرب المثل بين إخوتي وهو الذي يشيد الجميع بأخلاقه والتزامه.
جلست أستغفر وأدعو الله أن يرحمنا ويجمعنا في حلاله بإذنه.. والحمد الله مرت فترة الشعور بالذنب وتحدثت معه أن لا داعي لأن نتقابل، ولكن بعد فترة انقطاع لعدة أشهر نعود لما كنا عليه ونعود ونستغفر، وهكذا ساعات كثيرة كنت أقول إن هذا الذي يحدث انتقام من ربنا وسخط علينا (لكن والله العظيم إن إحنا مش متعمدين المعصية وبنتوب في كل مرة توبة نصوح لدرجة أني ما بتخيل أني ممكن أعمل المعصية دي تاني)، لكن أرجع وأقول إن ربنا رحيم ويقبل التوبة من عبيده.. إلى أن جاء يوم قبل عدة أشهر، حيث تحدثنا في ما يمكن أن نفعله لنتجنب حدوث هذا الأمر مرة أخرى والحمد لله توصلنا إلى عدة قرارات اتخذناها لنجنب أنفسنا معصية الله. والحمد لله تبنا إليه فكثيرًا ما كنت أذكر نعم الله علينا وأبسطها أن منحني قلب هذا الإنسان الذي لم أكن لأحلم به... أجازيه بالمعصية... ربي ما عصيناك طغيانًا منا ولكن غلبتنا الدنيا.. فرحماك ربي أستغفرك وأتوب إليك.
بعد فترة عدة أشهر من عدم اللقاءات التي أصبحت في أضيق الحدود فقط لمناقشة أي تطورات في علاقتنا. حبيبي عُيِّن في وظيفة حديثًا مما يعني أنه لن يذهب إلى إجازة الصيف حتى العام القادم، وعليه قرر أن يفتح الموضوع مع أهله من جديد، حيث إنه لن يستطيع الانتظار لسنة أخرى لمداولة الموضوع.. شجعت الفكرة بل إني عرضت عليه إذا كان سبب رفض أهله هو عدم معرفتي أو معرفة أسرتي فلم لا يحاولون التعرف عليّ حتى وإن كان عن طريق الهاتف أو الماسنجر في الوقت الراهن... وسعد بهذا الاقتراح وبعد اتصالات دامت قرابة الشهر بينه وبين أهله طلب رؤيتي لمداولة هذا الموضوع. أخبرني أن أهله على موقفهم، بل إنهم زادوا تعنتًا وقالوا له إنه إذا أصر على رأيه فعليه الذهاب وحده لإتمام هذا الزواج!!! صدمت بموقف أهله بعد كل هذا الوقت.. أخبرته بأنه من الواضح أن لأهله أسبابًا أخرى لا أفهمها.. داومت على صلاة الاستخارة كل هذه الفترة وهو كذلك على أن يسهل الله لنا ويجمعنا في حلاله، واقترح عليّ أن نفكر ونأتي بحل آخر من الممكن أن يقنع أهله.
سيدي لا أجد حلاًّ آخر فهل أجده عندك عسى الله أن يجعلك عونًا لنا.
وشكرا لكم
17/2/2022
رد المستشار
الابنة الكريمة .. تأخرت عليك بالرد فمعذرة، ولم أجد عندي في الحقيقة أكثر مما أقوله عادة في مثل حالتك، وغالبًا فإنك تعرفينه، ولم أجد داعيًا للتكرار!!
متكرر ومتوقع أنه في حال اندفاع العاطفة يحدث ما حصل بينكما، والاختبار ما زال منعقدًا لكما فهل تصبران على ألم الشوق، وجوع الرغبة إيثارًا لسلامة من الإثم، وخوفًا من مقام العزيز الحكيم؟!
أرى أن هذا الصبر والتماسك هو من مفاتيح الفرج، والمصريون يكررون "الصبر مفتاح الفرج"، وفي حالتكما فإنه ليس صبرًا عن المتعة في حرام فحسب، بل أيضًا الصبر في مواجهة ممانعة الأهل، والمعادلة معروفة كما أكررها للجميع: الإصرار على التمسك بالطرف الآخر ليس له عاقبة غير الظفر بمن نريد إن آجلاً أو عاجلاً، وهو قانون لا يختلف، ولا يتغير، ولكن نحتاج معه إلى أمرين:
الأول: مواصلة إظهار الطاعة، وأنه لا زواج إلا بموافقة ومباركة أهله، وأنه حريص على الارتباط بك لا يزال، ولكنه أيضًا حريص على أن يتم هذا بحضورهم، وأن التعارف ممكن بين أهله وبينك إذا نزلت في إجازة؛ لأنهم غالبًا لن يقتنعوا كثيرًا بتعارف الشات أو المحمول أو الإنترنت عامة!!! وأعتقد أن لديهم مخاوف وهواجس عن تلك الفتاة التي نشأت في أمريكا، وأخلاقها التزامها وطباعها، ومدى انسجامها معهم كأسرة، وتجاهل هذه المخاوف والهواجس والشكوك لن يجدي بل يضر.
الثاني: أن يراجع كل منكما اختياره جيدًا من جميع الزوايا والمستويات؛ لأن الغالب في مثل عمرك وعمره هو الاندفاع، وقد رأيت إلى أين أوصلكما؟! فهل إذا أعدت النظر والتأمل والحسابات بالعقل والتفكير وحسابات العقل، والمناسب اجتماعيًّا، وغير ذلك من لوازم علاقة زواج ناجحة، وهل إذا فعل هو مثلك ستخرجان بنفس النتيجة لقناعة ببعضكما البعض؟!
وهل تقرران أنه الأجدر بكما أن تصبرا؛ لأن تقديرات المنطق تتفق مع نبضات المشاعر؟!
أقول هذا لأن من المصائب الشائعة أن رفض الأهل والأخذ والرد معهم يعطل التفكير في أسئلة كبرى هامة تتعلق بسلامة الاختيار أصلاً، والنتيجة تكون مؤلمة فيما بعد حين يحصل الاكتشاف بعد الزواج من أي الطرفين ليسا بالتوافق الذي كانا يظناه!!!
المأزق الأخير الذي لا أعرف له حلاًّ وتوقفت أمامه متأملاً هو أن بيئة مجتمعك الأصلي، وأسرة فتاك غالبًا تنتمي إلى النوع المحافظ، فكيف سينظرون إلى اقتراح أن تذهبي للتعارف عليهم تمهيدًا للزواج من ابنهم؟!!
في كل الأحوال فإن المسألة ليست سهلة، وتستدعي المزيد من التفكير والتأمل، وتستلزم الصبر الجميل في كل حال، والله يقدر لكما الخير حيثما كان، وتابعينا بأخبارك.