السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشكر جميع القائمين على موقع مجانين على المعلومات المفيدة والمواضيع الشيقة التي يقدمها الموقع، وأود أن أخص بالشكر المسؤولين عن صفحة الاستشارات على الدور العظيم الذي يقومون به من خلال فتح قلوبهم وصدورهم لأبنائهم الشباب.
مشكلتي هي ليست مشكلة؛ حيث لا أعلم إن كنت أستطيع أن أصنفها بأنها مشكلة، بقدر ما أصنفها بأنها حيرة أعيش فيها، وقد تبدو لكم دوامة الحيرة أو سخيفة أو بسيطة، ولكن أردت أن أبوح بها لكم؛ لأنني لا أجد صدرًا رحبًا أو قلبًا يملك من الخبرة والحكمة ما تملكونه ليبصرني بأمري بعد التوكل على الله.
أنا شاب عمري 22 سنة من إحدى دول الخليج، أدرس في الولايات المتحدة منذ سنوات، وباق على تخرجي عام إن شاء الله تعالى، الحمد لله أنا ملتزم وأمارس الدعوة بشكل كبير لدرجة أنها في كثيرة من الأحيان تطغى على جميع اهتماماتي؛ لذلك منذ دخولي الجامعة في الولايات المتحدة أصبحت عضوًا فعالا في رابطة الطلاب المسلمين، وبحكم هذا الأمر أصبح لدي علاقات عديدة مع الإخوة والأخوات المسلمين في الجامعة، من هؤلاء الأشخاص إحدى الأخوات العاملات ربطتني بها علاقة عمل في نطاق الدعوة في الجامعة فقط؛ فكانت جميع المكالمات أو الإيميلات في مجال الدعوة فقط لا غير.
بعد فترة أحسست بميل ناحيتها فهي نشيطة جدا وملتزمة، وأنا من النوع الذي يقدر المرأة القيادية وتعجبني.. المشكلة والحيرة تكمن في الأمور التالية؛ هل ما أحس به مشاعر صادقة أو حب صادق أم هو فقط إعجاب؟ وأفكر أحيانا بالارتباط بها أي الزواج، ولكن أحس أنني من بيئة مختلفة، وأفكر كذلك في العواقب حيث إنني من إحدى دول الخليج؛ فهذا الأمر يكون مرفوضا غالبا عند الأهل، خصوصا إذا علمنا أن الأخت أمريكية من أصول باكستانية أو هندية، لا أعلم.
ولكن أيضا أفكر أن الإسلام دين عالمي والزواج ارتباط مقدس لبناء أسرة مسلمة تنهض بالأمة، فيجب ألا يحد الزواج بدولة أو بعادات وتقاليد ليس لها أساس من الدين، حيث أحس أننا باستطاعتنا تأسيس أسرة مسلمة سعيدة ومنتجة. وأحس إن رجعت إلى بلدي وتزوجت هناك لن أكون الشخص المتزوج بل الأسرة أبي وأمي، بمفهوم آخر هم من سيختارون الزوجة لي بحكم عدم قدرتي على البحث في بلادنا، خصوصا إذا علمنا أن بعض العائلات لها برستيج بالزواج، يعني يجب أن تكون الفتاة من عائلة معينة معروفة، ويملكون مالا وما إلى ذلك، أحس أن الزواج في بلادنا معقد في حين هنا الزواج بسيط.
قد تكون أفكاري غير مرتبة أو متسلسلة، وقد تكون مشكلتي سخيفة أو حيرتي ليس لها داع، ولكن فضلت البوح بما أحمل في صدري لعلي أجد من يشاركني بشيء من المشورة والنصح.
ولكم جزيل الشكر ووافر الامتنان.
والسلام عليكم
28/2/2022
رد المستشار
يا بني،، أكبرت فيك هذه النفس الطيبة العالية التي ترى ما يخصها صغيرًا إلى جانب ما تهتم به من عمل ونشاط ودعوة، ولكن السلامة النفسية والاستقرار العاطفي للداعية، أو صاحب الهم والهمة والنشاط.. هي كلها من الاعتبارات والأسس المهمة، فلا تستصغرن هذا الشأن.
أما ما تشعر به تجاه هذه الأخت فهو إعجاب وانجذاب مبدئي لهذه الشخصية النشيطة مع التزامها، وأنت تحب المرأة القيادية أو تقدرها، وبالتالي أسقطت كل المشاعر البريئة، والعواطف التي من المتوقع أن يحملها شاب مثلك في سنك وظروفك على هذه الأخت، والفارق بين الإعجاب والحب الحقيقي أن الأول يكون مجرد شعور مرتبط بانطباعات تتعلق بالشكل أكثر مما يرتبط بمعلومات عن واقع الطرف الذي نعجب به.
وفي مذهبي فإن الحب لا يكون حقيقيا إلا إذا عرفنا من نحب معرفة تظهر معها لنا عيوبه قبل مميزاته، ثم نرى بوضوح، كما نشعر بصدق، أن هذا الطرف بما هو عليه يبدو الأقرب إلى قلوبنا من بين الناس، وكذلك الأنسب لظروفنا، لنرتبط به بالميثاق الغليظ الذي يطرحه الله سبحانه، ولكن أكثر الناس لا يعلمون خطورته، ولذلك يهملون أو يتسرعون أو يندفعون.
إذن بينك وبين الحب خطوات وخطوات تذكرني بمن كانت تقول: أنت فين والحب فين؟!!
وتذكر أن الشخصية القيادية المتميزة المحبوبة في العمل والدعوة والزمالة قد لا تكون الأنسب لك كزوجة، فهي ليست كالخاملة أو الهادئة الطباع محدودة العلاقات، بل ستظل هكذا نشيطة، فهل هذا سيناسبك زواجا؟! عليك أن تفكر حتى لا تظلمها أو تقعدها أو تظلم نفسك أو أهلك، فنحن قد نحب طرفا، ولكننا لا نتزوجه؛ لأنه ليس الأنسب لنا ولظروفنا، والزواج من ناشطة يفرض أعباء ومسئوليات كما يمنح مميزات، ويلزم النظر في هذا الأمر.
ثم هناك البعد الثقافي، وهو ما ينبغي مراعاته من طرفك وطرفها قبل أهلك أو أهلها، فليس الخليج العربي بعادات أهله وتقاليدهم مثل مسلمي آسيا بعاداتهم وثقافتهم، ويختلف الأمر إذا كانت الفتاة قد ولدت في أمريكا وتربت هناك، وبعض الأهل بل أغلبهم في الخليج وغيره لا يدركون أن ابنهم الذي أرسلوه ليدرس في الغرب يبدأ في تغيير قناعاته وربما نظرته وتفضيلاته، فهو لا يهتم كالشاب المقيم بأن يتزوج من نفس البلد، بل يبدأ في رؤية الجانب السلبي من العادات والتقاليد المحلية في بلده، وبخاصة فيما يتعلق بالزواج والمستقبل، وأعرف دارسة شابة من بلدك تتعلم في أمريكا منذ سنوات، وعندما وصلت إلى سن الزواج صارت تخشى الارتباط بشاب من بلدها الأصلي؛ لأنها ببساطة أصبحت "مختلفة"، وانتهى بها المطاف إلى الزواج من أجنبي مسلم بعد طول رفض من أهلها ثم موافقة، ومثلها كثيرات.
ولن تكون المشكلة الأصعب هي حصولك على موافقة أهلك، فليس الذكر كالأنثى، وستحصل على موافقتهم بشيء من التودد والإلحاح والإصرار بأدب، إنما الأهم أن يكون اختيارك هو الأنسب لك أنت، وعلى هذه النقطة ينبغي أن يكون تركيزك في المرحلة القادمة. وهنا أنصحك مبدئيا بما يلي:
1- تعرف أكثر على ظروف الفتاة من ناحية تاريخ فترة بقائها في أمريكا بمعنى: منذ متى وهي هناك؟! وإلى متى ستظل؟! وتعرف على خلفيتها الاجتماعية والثقافية: فمن أي بلد بالتحديد جاءت أصولها؟! وما هو المستوى الاجتماعي لعائلتها؟!
المستوى الاجتماعي المتقارب بينكما سيكون أفضل، وبخاصة بالنسبة إلى أهلك، وربما أيضا أهلها.
2- في نقاش عام انتهز الفرصة لتستشرف رأيها في الخليج وأهله، ومن طرف خفي ينبغي أن تعرف من حديثها هل يمكن أن تنتقل يوما للحياة هناك، وانتبه أن من عاش في الغرب، ولديه فرصة أن يستمر هناك قد يتردد في مسألة العيش بالخليج؛ لأنه يعتبر المناخ الجغرافي والاجتماعي هناك "خانقا"، وهو كذلك بالطبع، مقارنة بما يعيشه الناس من انفتاح -له إيجابياته وسلبياته- في الغرب.
3- حدد أنت أيضا إمكانية بقائك بعد إتمام دراستك للمزيد من الدراسة أو للعمل في الولايات المتحدة، وتذكر أن احتفاظك بخط مفتوح مع ما أنجزته وربطته من علاقات وأوضاع هناك سيشجع فتاتك أكثر على الارتباط؛ لأنه يعني إمكانية العودة إلى أمريكا معك إذا جربت الحياة في الخليج، ولم تعجبها، أو إذا كانت لديك أو لديها فرصة عمل أفضل في أمريكا، وهكذا...
4- عليك بالتفكير جيدًا في فرص عمل ونشاط حركة زوجتك في بلدك، إذا كانت الإقامة ستكون هناك؛ لأن من تعودت على الحركة -كما ذكرت لك- ستتضرر أكثر من الانحباس أو النشاط المحدود، على الأقل حتى يأتي الأطفال، فعليك بالتفكير جيدا في آفاق هذه الناحية.
5- أنصحك مثلما ننصح كل الذين يختارون أن يدققوا في رؤية عيوب الطرف الآخر قبل مميزاته، وحسم أمرهم بأنهم يقبلون بهذه العيوب تمامًا، لو لم تتغير، وأنهم غير قادرين على التنازل عن المميزات بالمقابل، والعيوب قد تكون فردية شخصية في الطرف المقصود أو تكون في ظروفه وخلفيته، أو في مستقبله وأوضاعه.
وأقول لك ولكل شاب يختار للزواج أن يتأمل ويدقق جيدا؛ لأنه سيكون مطلوبا منه في حالة الارتباط بفلانة أن يصبح القوام عليها، والقوامة هي حزمة من المعاني والمسئوليات تحتاج إلى فهم عميق، وقدرة عالية على تحمل المسؤولية.
وتذكر أن من يختار أنثى ليتزوجها سيكون مطلوبًا منه أن يتغزل بجمالها طوال العمر، وأن يتحمل عيوبها طوال العمر، وأن يحنو عليها ويهتم بها، وألا يظلمها -في الحد الأدنى- ولو ظلمته، وأن يكرمها على قدر سعته المادية والنفسية، وأن يحترمها إنسانيا وأنثويا، وأن... وأن... إلى آخر بديهيات ومسئوليات الزواج التي يغفل عنها شبابنا اليوم أكثر من أي وقت مضى، والمقصود هنا أن يختار المرأة التي ترى أنها تستحق هذا، لتقوم به أنت -بعد الزواج- عن طيب خاطر.
ونحن معك فلا تنقطع عنا، وتمنياتي لك بالسعادة والتوفيق، وأرجو أن تكون أنت فاتحة خير لنا ولأفكارنا في مجتمعك الطيب الصغير.
واقرأ أيضا:
الاختيار
كيف نعرف أنه الحب؟