ما هي مشكلتي؟
لا أعرف كيف أبدأ أو ما هي مشكلتي، كل ما أريد معرفته: هل أنا على خطأ؟
أنا فتاة أبلغ من العمر 20 عامًا، أدرس بكلية علمية صعبة جدًّا، مشكلتي في شخصيتي لدرجة أن بعض أقاربي ينادونني بالكائن الفضائي، فهل أنا غريبة الأطوار حقا؟! وأنا أعشق القراءة بشكل كبير جدا؛ ونظرًا لصعوبة دراستي ولأسباب أخرى فأنا أبحث عن أي وقت لأمارس هوايتي، وأعشق الأدب والروايات والكتب النفسية والاجتماعية، وهذا ما جعلني ولله الحمد مثقفة، والكثير يلجأ إلي لحل مشكلاتهم هذا من ناحية.
من ناحية أخرى فأنا ملتزمة بديني والحمد لله، ولا أحب ما يفعله الكثير من أبناء جيلي من التبرج والأغاني والاهتمامات العجيبة. وأنا أحب أن أسير على أصول المجتمع ما لم تتعارض مع الدين كالتزام المواعيد وغير ذلك، كما أنني أحاول دائما مراعاة مشاعر الغير حتى لو كانت علاقتي بهم سطحية.
وتمسكي بهذه المثاليات التي لا أدري لماذا لا يعتبرها الناس ضروريات يسبب لي مشاكل، أسهلها أنه عندما يكذب عليّ أحد أو يسبني أغضب؛ فيرى من حولي أنه لا مبرر أبدًا لغضبي، فالدنيا كلها هكذا، ولماذا هذا كله، وأن ما أفعله أمر مضحك وهكذا، فلا ألبث أن أكتم غضبي وأسكت رغم أن داخلي يمور، وأيضًا أتبع مبدأ من أخطأ في حقي مرة فليسامحه الله، وإن أخطأ ثانية فليسامحه الله أيضا، ولذلك أنفجر غضبا عندما يتكرر الخطأ.
أما الشيء السلبي في شخصيتي فهو أنني لا أستطيع التعبير عن نفسي وعن مشاعري، وقد أفرغ مشاعري بالكتابة، وأعتقد أن ذلك يرجع لتربيتي الصارمة، كما لاحظت أنني منذ أن أصبحت في الجامعة فقدت الكثير من ثقتي بنفسي، وأعتقد أن ذلك نتيجة تذبذب مستواي الدراسي؛ نظرا لصعوبة الدراسة.
ما يزعجني كثيرا تعامل الناس الغرباء معي، فقامتي صغيرة ووجهي طفولي؛ فمن يراني لا يعطيني أكثر من 14 سنة؛ فيعاملني على أساس أنني طفلة، والمشكلة أن بعض أقاربي وصديقاتي يعاملنني على هذا الأساس، وهذا يجعلني دائما مستثارة من داخلي؛ ولكن لعدم قدرتي على التعبير أظهر وكأنني باردة الأعصاب.
وهناك شيء آخر، وهو أنني أحب أهلي جدا، وأفعل لهم كل ما في وسعي لإسعادهم كاستمراري في الكلية رغم معاناتي في الدراسة، والمشكلة أن أهلي تعودوا على أن أعطي دون أخذ؛ فأي طلب أطلبه أو رفض أرفضه يعد جريمة وأمرا عجيبا، وهذا كله يشعرني أنني وحيدة في هذا العالم لا أحد يفهمني أو يفهم ما أقوله أو أفعله.
وشعوري بالضآلة في هذا العالم يتضاعف وأحلام اليقظة تطاردني دائما كنوع من الهروب النفسي، ووصل بي الحال أنني أصبحت أحس أنني أتعامل مع الناس بثلاث شخصيات؛ الأولى في الجامعة وهي الطالبة العادية التي لا شيء يميزها غير صغر جسمها ووجها الطفولي، والثانية مع أهلي وهي الطالبة المجتهدة العملية التي يعتمد عليها جدا، والثالثة مع نفسي.
وأخيرًا هل أنا مريضة نفسيا وأحتاج علاجا نفسيا، أو أنني طبيعية،
أو أنني حقا مجرد إنسانة غريبة الأطوار؟؟
18/2/2022
رد المستشار
مرحبًا بك يا أختي صاحبة السؤال "هل أنا مريضة نفسية وأحتاج علاجا نفسيا أو أنني طبيعية أو أنني حقا مجرد إنسانة غريبة الأطوار؟!" قرأت رسالتك عدة مرات؛ لأن فيها من الخفة والمرارة ما يمثل خلطة جديدة عليَّ بحق، ووجدتك عدة مرات أثناء قراءتي لما كتبته أنت عن نفسك.. تأخذينني بكلامك إلى حيث أراك إنسانة مثالية تتحلى بالثقافة والحس الأدبي والفني، كما تضيء بالتزامها الديني، ويوحي لي نشاطك وحيويتك بخفة روحك حتى أراك ذلك الكائن الفضائي الذي وصفك به البعض من قبل.
لكنك فجأة مع الأسف تصدمينني بما لم أكن أتوقع ممن لديها كل طاقتك وقدراتك وميزاتك تلك كلها، ففيك ملمح من ملامح الشخصية التي تود أن تكون مثالية هي ومن يتعاملون معها، ويزعجها جدا أن تكتشف أنهم ليسوا، كذلك فأنت تودين أن تكوني مثالية في التزامك بالقيم والمبادئ وتتوقعين أو تطلبين من الآخرين ذلك، وإذا ناقشتك بالطبع فسوف يكون ردك علي هو: أليس من المفروض أن يلتزم معظم الناس بالقيم المثالية؟
وأرد عليك بأن ذلك قد يكون من المفترض لكنه ليس من المفروض. بمعنى آخر: عليك لكي تسلمي من الألم النفسي الذي تسمينه الإحباط وأنا معك في أنه إحباط ينتج عند صدمتك في أن الآخرين لا يعاملونك بمثل ما تعاملينهم ولا يراعون مشاعرك مثلما تراعين مشاعرهم، فعليك أن تجعلي التزامك بما تحبين التزامه من قيم موجهًا في الأساس لتدعيم ذاتك أنت، أي أنك: إنما تحترمين مواعيدك لأنك تحترمين نفسك! ولا تتوقعين دائمًا من الآخرين أن يحترموا أنفسهم؛ فهذا شأنهم.
ثم تعالي هنا يا صغيرتي، إن بعضًا مما كتبته في مقدمة إفادتك عن -ثقافتك وسعة اطلاعك ولجوء الناس إليك لحل مشاكلهم- مثل هذا الرأي في الذات، غريب أن يوجد لدى من تقول العبارة التالية والتي هي جزء من نص إفادتك نفسها: (أما الشيء السلبي في شخصيتي فهو أنني لا أستطيع التعبير عن نفسي وعن مشاعري، وقد أفرغ مشاعري بالكتابة، وأعتقد أن ذلك يرجع لتربيتي الصارمة).
فكيف تكونين مثقفة وتعجزين عن توكيد ذاتك وعن ضبط مشاعرك؟ ما هي الثقافة في رأيك؟ هل تقصدين بها فقط أن تكون لديك معلومات متنوعة وربما كثيرة عن العديد من الأشياء؟ أليس من المفروض أن تزيد ثقافتنا من قدراتنا النفسية والمعرفية؟ أليست فائدة الاطلاع الواسع وتنمية المدركات أن يتسم سلوك الشخص بالرقي والانضباط، وأن يترافق الوعي مع الدور الاجتماعي الذي يقتضي التعبير السليم عن الأفكار والمشاعر؟
ثم كيف تقولين بأنك مرة تنفجرين غضبًا بعد الخطأ الثالث لمن سامحته مرتين، ثم تقولين بعد ذلك بقليل: (لا أستطيع التعبير عن نفسي وعن مشاعري وقد أفرغ مشاعري بالكتابة وأعتقد أن ذلك يرجع لتربيتي الصارمة)؟ ألا ترين معي أن هناك تناقضًا بين هذين الموقفين؟ فمن أين تنفجرين غضبًا في بعض الأحيان، ولا تستطيعين التعبير عن مشاعرك في أحيان أخرى؟
وتدخلين بعد ذلك في الشكوى من أن وجهك طفولي وقامتك قصيرة؟ فأما الوجه الطفولي فنعمة من الله أن تكون في البنت وذلك رأيي أنا. وأما القامة القصيرة فأي قصر تقصدين؟ هل طولك أقل من متر ونصف مثلا؟ أنت لم تذكري بالضبط طولك، وأنا لا أراه أمرًا ذا بال إلا إن كانت فكرتك عن نفسك لا تستمدينها إلا من خلال آراء الآخرين فيك.
ولكن كيف تكونين العاقلة المثقفة التي يلجأ لها الناس لحل مشاكلهم في أول كلامك ثم تكونين صاحبة الوجه الطفولي والقامة القصيرة التي يعاملها الناس على أنها طفلة في الرابعة عشرة من عمرها؟ ألا ترين مرةً أخرى أن هناك تناقضا يحاصر فكرتك عن نفسك ويفسدها؟
وأما شعورك بأنك وحيدة في هذا العالم ولا تجدين من يفهم ما تقولين أو تفعلين فهو أيضًا متناقض مع ما ذكرت في أول الكلام، ونفس الكلام ينطبق على شعورك بالضآلة.
وأما إحساسك بأنك أصبحت ثلاث شخصيات، فأحب أن أطمئنك إلى أنك واحدة فقط، ولكنها تحتاج إلى الكثير من المساعدة من طبيب نفساني متخصص لكي تفهم نفسها وتتعلم كيف تستطيع التعبير عن نفسها وكيف تؤكد ذاتها، فأنت كائن تائه في الفضاء، يحتاج بالفعل إلى من يهديه إلى فهم نفسه، أتمنى أن يوفقك الله.