بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. إخواني في موقع مجانين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أحييكم وأشكر لكم هذه الخدمة الرائعة التي تقدمونها للشباب العربي ولعل وعسى أن يعيدنا الله إلى صراطه المستقيم. أبدأ قصتي التي أتمنى أن يتسع صدركم لقراءتها والتمعن فيها ومشاركتي الرأي بحل لها:
أنا شاب فلسطيني الأصل من مواليد عام 1982، ولدت على أحداث أيلول، ومن ثم على الحرب الأهلية في لبنان، ومن ثم اجتياح لبنان، ومن ثم وثم وثم وثم، أي إني من جيل لم ير الراحة قط، ولربما من سوء حظي أنني تربيت في بيت لا يسمع إلا الأخبار ويشارك الأمة همومها وجروحها ويتألم شديد الألم عند نكستها، فماذا تتوقعون أن تكون نفسية وعقلية هذا الشاب؟!
ولقد كنت أعيش في بلد عربي يقمع حتى الذباب إن لم يعتنق الحاكم ربا وولده نبيا ورسولا، وكان حب هذا الحاكم للقضية الفلسطينية يعبر عنه بقمع الشباب الفلسطيني ووضعه في ظلمات السجون لتجنب أخطارهم، وأنا واحد ممن غمروا بكرم وحب هذا الحاكم، ففكرت ووالداي بأن أغادر تلك البلاد حفاظا على نفسي وديني من جبروت الطغيان، واستطعت أن آتي بمنحة دراسية للاتحاد السوفيتي لدراسة العلوم السياسية، ووصلت موسكو وكان غورباتشوف ماضيا في طريق تسليم البلاد للأمريكان، وما هي إلا عشرة أيام وبدأت المافيات الروسية تجوب الشوارع وتقتل الناس وتسرق...، وانعدم الأمن وأصبحت البلاد غابة للوحوش، ونصحتنا الشرطة الروسية بمغادرة البلاد حفاظا على أنفسنا، ولكن لم يكن هناك مطار يعمل ولا وسائل للنقل.
وضعت أنا ومن معي في تلك الغابة، وهداني الله إلى شخص كريم الأخلاق نقلني بسيارته إلى جمهورية روسية بعيدة بعض الشيء عن موقع الأحداث، وهناك اشترى لي جواز سفر مزورا، وأمّن لي الدخول إلى مطار تلك الجمهورية، وانتظرت عدة ساعات أجرب كل مرة الصعود لطائرة مقلعة ولكن دون جدوى، وأخيرا وجدنا طائرة مقلعة ولكن لا نعرف إلى أين، وأدخلني ذلك الشخص المتعاون معي إلى تلك الطائرة وكان هو ضابط الأمن الذي سيفتش المسافرين وتركني وودعني، وقال لي ارحل وفقك الله، وهنا بدأت المأساة.
بعد ساعات قليلة وجدت نفسي في أحد مطارات ألمانيا يتيما حزينا لا أعرف أين أذهب، فنظرت حولي فلم أجد عربيا واحدا أسأله، وفي حيرتي تلك أتاني شرطي ألماني وسألني أين أوراقك؟ وأجبته لا أملك أوراقا؛ فأنا قد مزقت جواز السفر المزور في الطائرة حسب تعليمات من سفرني من روسيا، وفجأة انقلب الشرطي إلى ثور هائج وألقى بي أرضا وبدأ بتفتيشي بطريقة مذلة، ومن ثم أمسك بي وكأنه أمسك بشخص من الفضاء وأرسلني إلى مركز الشرطة الموجود في المطار، وقال لهم "أزيل"، وكانت تلك أول كلمة أتعلمها من اللغة الألمانية، ولكن لم أكن أعرف ماذا تعني.
وأخذوني إلى مكان خاص مليء بالعرب والأجانب من كل الجنسيات الفقيرة وكأنهم خرفان في حظيرة ضيقة، وسألت أحدهم ماذا تفعلون هنا؟ فضحكوا عليّ، وقالوا لماذا أنت هنا؟ فقلت لا أعرف، فأخبروني بأني أنا الآن موجود في مكان لتقديم طلب اللجوء السياسي في ألمانيا؛ فسقط قلبي وأصابني الدوار وقلت يا ربي ماذا أفعل، والدايّ مارسا اللجوء في الدول العربية منذ خمسين عاما وأنا سأمارسه في أوربا الآن؟ وبدأت قصة الديمقراطية الأوربية المزعومة تتبين وتنكشف تحت ضوء الحقيقة، واكتشفت بأنني مكروه أينما كنت، فكلما قلت لهم فلسطيني قالوا وأين تلك البلاد، حتى خرائطهم تختلف عن خرائطنا ولا يوجد لوطني في خرائطهم مكان؛ فكانت تلك الصفعة الأولى حين أخبروني أني بلا وطن وأنني من شعب غير موجود.
رضيت بالأمر الواقع وقلت لنفسي: امش معهم حتى يتسنى لك الخروج من هذا السجن والهرب إلى مكان آخر، وفعلا بعد ثلاثة أشهر أخرجوني من ذلك السجن إلى منزل يسكن فيه الكثير من الناس، وقالوا لي أنت حر الآن تعيش كما تريد، ولكن بعدها اكتشفت أنني لست حرا، فكل حركاتي مقيدة، ويجب عليّ أن أختم على كارت أخضر في موعد كل وجبة للطعام، فرضيت وصبرت، وكنت قبلها لا أعرف الصبر ولا أعرف لله طريقا، فكانت حياتي بعيدة عن الدين والدنيا أتمنى الشهادة ولكن في سبيل فلسطين، ولم يخطر ببالي يوما أن أكون ملتزما دينيا ومسلما صالحا لدينه ودنياه.
وهداني الله في تلك الفترة إلى شاب صومالي يعبد الله وحده ويصلي وحده وبدأت أكلمه وأسأله عن الدين والصلاة، وكان كلامه عذبا ومقنعا وفيه نفحة إيمانية، فقررت الصلاة ودعوت الله أن يهدي قلبي إلى ما يحبه ويرضاه، والحمد لله هداني الله هداية سريعة، وبدأت أشعر بلذة الإيمان وبلذة الصلاة وكأني أصلي منذ زمن طويل، ولكن سئمت الصلاة في ذلك المنزل، وأردت أن أصلي في المسجد وكانت أقرب مدينة لي فيها مسجد تبعد عني ثلاث ساعات ونصفا في القطار، وكان ما يؤرقني هو ذلك الكارت الأخضر وكيفية الخلاص من الختم اليومي.
قررت الهرب إلى بلاد أخرى أرتاح فيها وأعبد الله فيها بصدق وإخلاص فنصحوني بالذهاب إلى هولندا، وقالوا لي إنها تعطي الإقامة خلال أيام وتعطي الجنسية خلال خمس سنوات، فقررت الرحيل إلى هولندا وبدأت أجمع المال الكافي للسفر، وبعد عناء شديد جمعت المبلغ وتوكلت على الله وذهبت إلى هولندا. ونزلت في محطة قطار مدينة أمستردام، تلك المدينة المخدرة، وتاهت خطاي في تلك المدينة أبحث فيها عن ملجأ أنام فيه فلم أجد ولم أكن أعرف أحدا في تلك البلاد، ونمت في محطة القطار، وأقمت الصلاة هناك، وكان المسلمون المارون ينظرون لي بنظرة غريبة توحي بالخجل من سلوكي هذا، ولم يحاولوا مرة أن يدلوني على مسجد أو مصلى.
ونمت في المحطة وكانت كل يوم تأتيني شرطية هولندية بعد منتصف الليل وتقول لي نم في مكان آخر؛ لأن المحطة ستغلق أبوابها، واستمرت المعاناة عشرة أيام، وفي كل يوم نفس الموال حتى رق قلب هذه الشرطية عليّ، وقالت لي سآخذك بعد انتهاء دوام عملي إلى مركز للجوء تنام فيه وتأكل فيه خيرا مما أنت فيه. وفعلا أخذتني إلى ذلك المكان، وطلبت اللجوء وأعطوني مكانا أنام فيه، ولكن رغم ذلك لم يطب لهم أذاني وإقامة صلاتي وكأني أقطع أوصالهم بالركوع والسجود فقرروا التخلص مني وإرسالي إلى مكان آخر، فأرسلوني إلى بيت فيه ثلاثة من الشباب يدعون أنهم من فلسطين وسكنت معهم وتعرفت عليهم وكانوا للأسف من جنسيات أخرى، ولكن طلبوا اللجوء على أنهم من فلسطين ولم يضرني ذلك، ولكن بعدها عرفت أنهم مجرمون يسرقون ويقتلون ويسطون بالسلاح على محطات البنزين والحوانيت.
وبسبب ذلك طلبت من البلدية نقلي إلى مكان آخر فأرسلوني إلى مكان مؤقت حتى يجدوا مكانا آخر لي، وفعلا تم نقلي بعد عشرين يوما إلى مكان بعيد جدا عن المكان الذي كنت فيه، وهناك سكنت في بيت في قرية صغيرة لم ير أهلها شعرا أسود قط، وكنت بالنسبة لهم كالغول يمشي في الشارع حتى أطفالهم الصغار إذا رأوني نشف الدم في عروقهم من البكاء دون أي سبب. وبدأت أحاول التأقلم مع هذا المحيط الجديد فبدأت بعمل علاقات داخل هذه القرية وأبث بينهم الشعور بالأمان من هذا الغريب، وأنني لست من آكلي لحوم البشر؛ فهناك من صدقني وتجاوب معي ولكن الأغلبية كانت كارهة لوجودي بينهم.
ومرت الأيام إلى أن جاء اليوم الذي أخذوا فيه قرار المحاولة لتنصيري ودخولي دينهم؛ فبدأت الحرب وبدأت المضايقات والحصار النفسي والعزلة، حتى إنهم توعدوا كل شخص يدخل بيتي أن يعاقب، ولكن الله معي فزاد إيماني وزادت عزيمتي في مواجهة المخطط، ولكن كنت وحدي أحارب وحدي وأقاوم وحدي، وكنت دائما أقول ألا إن نصر الله قريب، وأدعو الله أن يبعد عني أهل الشر والمكيدة وأن يهديني إلى سواء السبيل.
إلى أن بدأ أهل القرية يرسلون النساء إلى بيتي للتعارف، وحاولوا جاهدين إخراجي عن ديني وكنت أواجههم في كل مرة وأرفض طلباتهم في كل مرة، ووضعوا لي في صندوق البريد رسائل الغرام وصور الدعارة وأفلاما وكتبا تعلم التواصل الجنسي ومن كل ما هو من عمل الشيطان. ولما باءت كل محاولات أهل القرية بالفشل أخرجوا علي وشاية بأني لوطي وأني أحب الرجال ويرسلون أطفالهم الصغار ليقولوا لي هل أنت لوطي؟ ومَن هو مَن تمارس الجنس معه؟
عرفت حينها أن المواجهة تزيد حدة وتأخذ طريقا آخر؛ فقررت أن أخرج من عزلتي تلك وأن أجد لنفسي متنفسا آخر فبدأت التردد على كل المساجد وأعرض عليهم أن أعلم أطفالهم اللغة العربية والقرآن الكريم حتى وجدت أحد المساجد السورينامية التي قبلت أن أتطوع لتعليم اللغة العربية، وفعلا درستهم كبارا وصغارا مدة ستة أشهر وأدفع من نقود طعامي ثمنا للدفاتر والأقلام، إلى أن ضاقت بي الحال ولم أعد أجد ما آكل من الطعام، وكانت عزة نفسي لا تسمح لي بطلب شيء من الناس فقررت الصيام طاعة لله وتوفيرا للطعام واستمر الصيام خمسين يوما إلى أن بدأت أشعر بأن صحتي تتدهور وينتابني شعور بالدوار وهبط من وزني 17 كيلوا غراما، حتى صرت كعود القش أمشي كالخيال في الشارع؛ فتوقفت عن كل نشاطاتي وعدت إلى تلك القرية المشئومة أدعو الله أن يفرج عني وأن يكون عونا لي في محنتي هذه.
ولكن القدر كان قد قدر وكان الامتحان صعبا وكنت يومها في السنة الرابعة لي في هولندا ولم آخذ إقامة ولا حتى تحقيقا أوليا مع السلطات الهولندية لمعرفة من أنا وما هو سبب طلب للجوء، فبدأت أطالب بالتحقيق، وبعد فترة جاء موعد التحقيق وجلس المحقق يسألني من أنا ولماذا جئت؟ وقصصت عليه قصتي بالكامل، ولكنه أهملها وبدأ يسألني في السياسة وعن رأيي في معاهدة السلام واتفاقية أوسلو ونظرتي لليهود وأكثر ما غاظه وأثار غضبه هو لحيتي الطويلة، وقال لي لماذا تربي لحية القرود، فلما سمعته ثرت ثورة عارمة وكدت أقتله لولا عناصر شرطة الأجانب الذين كانوا موجودين في التحقيق فصلوا بيني وبينه وأخرجوني من المبنى ووضعوني في سيارة تابعة لهم وأرسلوني للمنزل وقالوا لي سيأتيك الرد خلال ستة أسابيع.
وجاء الرد بالرفض والطرد من هولندا خلال أربعة أسابيع، وبدأت معاناة المحاكم والمحامين والبيروقراطية المفجعة التي يعملون بها، ورغم كل ذلك صبرت ويأتيني الرفض تلو الآخر والطرد تلو الآخر ولكني مقيد ومفلس إلا من رحمة ربي وليس عندي الإمكانية للسفر لبلد آخر؛ فعرض علي صديق أن أتزوج من امرأة مسلمة تحمل الإقامة في هولندا لربما تحسنت أموري، وأخذت أوراقي. ووجدت من النساء ما يندى له الجبين خجلا وحسرة على أمة كانت خير أمة أخرجت للناس.
وصبرت إلى أن اتصل بي صديق وقال لي هنا امرأة عربية الأصل طلقت حديثا من زوجها ولديها طفلان وتبحث عمن يعلمها القرآن والصلاة وتقوى الله فوافقت على أن أتصل بها وأعلمها ما استطعت، وعندما اتصلت بها وتحدثت معها بدأت تبكي وتشتكي زوجها السابق بأنه وحش وأن أهله يقولون لها إن ضرب المرأة فرض في دين الله وبما أنها لا تتكلم العربية فهي من مواليد بلد أوربي وتزوجت صغيرة السن ومن أبوين أميين ولكنهما طيبان، فقد كرهت هذا الدين الذي يفرض على الرجال ضرب النساء وبما أنها تحمل عقلية أوربية ولا تعرف عن العرب إلا جمالهم وأحصنتهم وأنهم مسلمون.
وأخذت أكلمها وأحاول تغيير هذه الصورة البشعة للرجل المسلم المؤمن، وبعدها طلبت مني الحضور إلى منزلها للحديث عن قرب بدلا من الحديث الهاتفي في كل مرة، فرفضت وقلت لا يجوز لي هذا فأنت بلا أهل ولا أخ ولا زوج، وخلوتي معك حرام وحرام، فقالت لي وما الحل قلت لها الهاتف خير وسيلة، وبعدها صارحتني بحبها لي وأنني رجل أحلامها الذي تحلم به... ومن كل هذا الكلام.
فقلت لها أدخل بيتك زوجا فقط فوافقت، وكان الزواج بالمسجد وعلى يد الإمام، وذهبت إليها وسكنت معها ولكنها تعرضت للضغط من الحكومة بسبب وجودي عندها، وقامت الدولة بسحب إقامتها ودفعها للعمل لاسترجاع إقامتها في البلاد، وفعلا ساعدتها بكل ما أستطيع ودعمتها معنويا، وكنت لها أبا وأخا وزوجا، وكانت تقول لي لو لم يكن هناك الله لعبدتك أنت، وكنت أصدقها وأزيد من مساعدتي لها إلى أن استرجعت إقامتها وأوراقها فاستراحت هي وبدأ تعبي أنا؛ فخلال تلك الفترة التي دامت حوالي العامين كنت أنا من يطبخ ويغسل ويعتني بالأطفال وبمدارسهم.
وبعد أن أخذت إقامتها ومن ثم الجنسية الهولندية بدأت تتكبر عليّ، وكنت حينها قد طردت الطرد الأخير عن طريق القاضي ولم أعد لاجئا في هولندا وإنما موجود بطريقة غير شرعية وليس عندي نقود ولا أملك جواز سفر، وأصبحت مكبلا يقتلني الملل، وبدأت زوجتي بالضغط عليّ من كل الجوانب مستغلة وضعي الصعب في البلاد، وبدأت تفرض عليّ أمورا غريبة أولها بدأ بحلق لحيتي بحجة أنها لا تحب اللحى وثانيا بأنها دائما متعبة وتحب النوم وتكره الخلوة الشرعية، وبدأت حقوقي كزوج تنهار يوما بعد الآخر وأصبحت خلوتي معها في كل شهر مرة وعندما تريد هي، متناسية كل ما لي من رجولة.
وبدأت الأمور تتفاقم وتبين لي أن لها جسم امرأة وعقل رجل فتتصرف وكأنها رجل في كل أمورها وتؤمن بالمساواة بين الرجل والمرأة، ولكني لم أكن أتوقع أن تكون زوجتي من هذا النوع، فجلست أدعو الله أن يخفف عني هذا البلاء وأن يكون سندي في حياتي، وبدأت تستفزني وتثير غضبي وأنا صابر وأقول الحلم سيد الأخلاق، ولكنها كانت تعتقد بأني جبان أخافها وأخاف على نفسي من الضياع بلا منزل أسكنه ولا طعام آكله.
وبدأت تتجبر أكثر إلى أن وصل بها الحال إلى شتمي وكنت أسكت وأقول هي غاضبة، وهي مريضة تعاني من مرض نفسي هو كره الرجال ومحاولة الانتقام من زوجها الأول بإهانة كل رجل، وكان سلوكها حين تغضب بأن تقاطعني ولا تتحدث معي أبدا، ويطول الخصام أياما طويلة تصل إلى ستة أسابيع لا تحدثني فيها وتحرض أطفالها عليّ، وتقول لهم لا تسمعوا كلامه أنا أمكم وهو غريب، ولكن الأطفال كانوا يشعرون بأنها غير طبيعية وأنها تتصرف كالرجل وهم متعلقون بي بشكل كبير ولا يرضون ذهابي من بيتهم أبدا، ولكن أمهم حقودة وتملك قلبا أسود يكره الناس ويحقد عليهم وإذا غضبت من أحد تحقد حقدا كبيرا وتتمنى له السوء حتى ولو كان من أطفالها وفلذة كبدها.
وكنت عندما أدافع عن أحد من أولادها حين تعاقبه تموت غيظا، وتقول لي وما شأنك أنت، وتنتظرني حتى أذهب قليلا خارج البيت وتغلق الباب من الداخل وتمنعني من دخول المنزل وترهب أطفالها بالضرب إذا فتحوا لي الباب، وكنا بعدها نتصالح ويستقر الحال بنا أسبوعين أو ثلاثة وتعود للمشاكل ونتقاطع خمسة أو ستة أسابيع.
وهكذا الحال طوال فترة زواجي معها لا خلوة شرعية ولا راحة نفسية إلى أن جاء اليوم الذي بدأت فيه أمي بالضغط عليّ لكي أنجب طفلا منها، وتقول لي أنا سأموت ولم أرك ولم أطمئن بأن لك أطفالا... وحاولت مراوغة أمي سنوات ولكنها لا تعرف إلا كل ما هو جيد وحسن عن زوجتي ولا تعرف ما أقاسيه من تعب ومن إرهاق نفسي، حتى في صلاتي أصبحت ضائعا تائها ولا أعرف كم ركعة صليت وفي أي سورة كنت أقرأ.
وحفاظا مني على بقاء الأسرة مجمعة كنت لا أحدث أحدا من أصدقائي أو أهلي عما أعانيه مع هذه المتوحشة، حيث بدأ سلوكها يسوء أكثر، وكلما دعاني أحد من أصدقائي لزيارة عائلية رفضت هي الذهاب وتقول لماذا أذهب أنا، هم أصدقاؤك وليسوا أصدقائي، وبدأت أشعر بالخجل من كل الناس، حتى إنني لا أرد على الهاتف خوفا من أن يكون صديقا يدعوني، وكل أصدقائي وزوجاتهم يكنون لها كل الحب والتقدير من أجلي فقط؛ فهم لا يعرفونها عن قرب ولكنها حقودة ولا تحب الخير لأحد، ولا أعرف لماذا؟
المهم منذ بضعة أشهر مضت وكنا في حالة الخصام المعهودة وكنت لم أرها أو ألمسها منذ أسابيع، أتت لي وقالت أنا حامل وعمر الطفل الآن ستة أسابيع، فشعرت وكأني سقطت من الطابق العاشر على الأرض، ورجفت ركبتاي واصفر وجهي وانتابني الحزن الشديد، فاختليت بنفسي ودعوت الله من كل قلبي وسألته الفرج وبكيت وبكيت وأنا الذي لم أبك يوما في حياتي إلا عندما كنت طفلا، وبدأت أصول وأجول في المنزل أفكر في حل لما أنا فيه.
وبعدها بفترة قالت لي أنا سأبدأ مشروعا جديدا وهو حانوت لبيع الملابس، فقلت لها على بركة الله وساعدتها على أنها أم طفلي وزوجتي التي أدعو الله أن يهديها وأقمت لها كل شيء حتى صار الحانوت كاملا، وبدأت تعمل فيه، وهذا الحانوت كان في مركز تجاري، كل من حولها من الحوانيت لأناس هولنديين ولكنهم يهود وصهاينة فلم أكن أعرف أنهم يهود.
وبعد أسابيع من عملها هناك بدأت تترجاني ألا أذهب لذلك السوق وألا أهتم بشأن الحانوت فاستغربت هذا الكلام وقلت لها ما بالك تتهربين مني، فنصبت لها في الحانوت مايكروفون لاسلكي موصولا بجهاز الكومبيوتر المحمول الخاص بي، وبدأت أستمع لما يدور بالحانوت من كلام مع أصحاب الحوانيت الأخرى، وسمعتهم يقولون لها هذا إرهابي، والفلسطينيون قتلة ومجرمون وأنت امرأة جميلة وما زلت صغيرة فكيف ترتبطين بشخص من مجتمع إرهابي وشكله يقول إنه أصولي ومتطرف، وهو مع كل ذلك لا يملك إقامة في هولندا ولا حتى أي جنسية في الدنيا فلا يوجد أي بلد في العالم يمكن أن يتعرف عليه أو أن يمنحه الجنسية وهو لا يعمل، بحكم أن هولندا تربط حتى النفس بالإقامة الشرعية فلا مجال لعمل ولا لدراسة ولا لأي شيء بدون تلك الإقامة الشرعية.
وبدأت زوجتي تتنكر حتى للزواج الإسلامي وتقول لي زواجنا ليس مسجلا في البلدية ولا في وطني ولا في سفارة بلدي، وبدأت تتكلم وكأننا في حالة الزنا وكأنه لا تربطنا ببعض أي روابط زوجية أو دينية، فحينها أخذت قراري بأن أضع القرآن والدين الحنيف جانبا وأعود قليلا لتلك الأيام التي صنعت مني أسدا لا يهاب الموت، وقلت لنفسي حروب وقتال وموت لم تخفني فهل ستخيفني قردة صماء كهذه القردة. فذهبت إليها وتكلمت معها وناقشتها وقلت لها حقوقها وواجباتها وأثناء حديثنا جاءت ابنتها البالغة من العمر تسع سنوات وجلست بجانبي وعانقتني من خاصرتي، فنادتها أمها قائلة لها تعالي هنا لا تجلسي بجانبه، وعندما همت الطفلة بالقيام شددتها من يدها مخاطبا أمها ولِم هذا؟ فجرتها من يدها قائلة لي اتركها يا كلب، وأنا سمعت هذه الكلمة وكأني لم أكن في الدنيا وكان ردي لا شعوريا وأخذت يدي تنهال ضربا على الفتاة وأمها إلى أن استيقظت وقلت لنفسي: ماذا تفعل جنينك في بطنها فتوقفت فورا عن الضرب وذهبت أستغفر الله في غرفتي وأتوب إليه، إلى أن هدأ روعي.
ومن ذلك اليوم إلى الآن لم نتكلم مع بعض فهي وأطفالها في غرفة وأنا في غرفة أخرى ونحن الآن في الأسبوع الثالث من الخصام، ولكن هذا الخصام من نوع آخر فقد كانت المرة الأولى التي أضرب فيها زوجتي منذ أن تعرفت عليها وتزوجتها منذ سبع سنوات وهي حامل وفي شهرها السابع.
ولكن لمعرفتي الدقيقة بشخصيتها وطباعها فإنني أتوقع الغدر منها في كل لحظة وأحاول أن آخذ الاحتياطات المناسبة من كل حركة منها أو من أطفالها، فلقد علمت أطفالها الحقد والكره والبغضاء والمكر والخديعة؛ فأنا الآن لا أثق بها ولا بأطفالها؛ فسلوكهم مريب وتحركاتهم أكثر ريبة وأعلم أنها تخطط للانتقام مني بمعاونة أطفالها، وبدأت عندي وساوس الشيطان وبدأ الشيطان يلعب بأعصابي فأحضرت السكين التي سأضرب عنقها بها وجهزت لها قبرا، وبدأ الشيطان يلعب بأفكاري ويقول لي اذبحها وغادر البلاد، فماذا يربطك في تلك البلاد إلا العذاب، انتقم لشخصك وقطع أوصالها.
ولكن هدى الله أقوى من وساوس الشيطان؛ فأستيقظ وأقول ماذا أفعل، أنا لست بمجرم وإن كانت هي كذلك، ولست أنا من يقوم بهذا العمل، ولكنها هي كل يوم تنظر إليّ بنظرات الحقد والمكيدة فيعاود الشيطان وسوسته وتثور أعصابي وأفكر في طريقة لقتلها دون مغادرة البلاد وأعاود التوبة. وهذي هي حالتي هذه الأيام، أفكر بمغادرة البيت ولكن أين أذهب لا مكان "يأويني" ولا نقود تسعفني فماذا أفعل؟ ولكن طيبة قلبي وكرم أخلاقي وثقتي الزائدة في الناس، فلقد كانت هذه الزوجة المغضوبة تحرص كل الحرص على أن يبقى جيبي خاليا من النقود، وكلما عملت وأحضرت بعض النقود قالت لي اشتر لي هدية، وكنت أشتري لها كل ما تشتهيه وأنا في أصعب الأحوال، إلى أن جاء اليوم الذي انكشفت فيه حقيقتها، ولكن وأنا بأصعب الأحوال فلا نقود ولا وطن ولا جواز سفر فأين المفر؟
وقمت بالاتصال بكل السفارات وسألتهم أن يقبلوني ضيفا على بلادهم ولكن بلا جدوى، حتى أفقر الدول الأفريقية رفضتني ورفضت ذهابي لبلادهم، وأغلقت الدنيا أبوابها وضاق بي الحال وبدأ اليأس يتسلل لي وأنا أصده بكتاب الله والأمل ولكنه أقوى مني.
فماذا أفعل؟ وما هو الحل؟ وقد ضاع الآن من عمري في هولندا 12 عاما قضيتها بالتعب والقهر والمعاناة، وأنا مازلت مكاني وكأني لم أصنع شيئا قط، وقلت في نفسي والله إن نار ذلك الحاكم خير وأحب إلي من جنة أوربا وديمقراطيتها المكذوبة التي تتعمد قتل الإنسان نفسيا وتحطيمه وزرع اليأس فيه وخصوصا للمسلمين منهم.
هذه هي قصتي، وما أتمناه منكم أن تفكروا لي مليا فيها وتحاولوا مساعدتي في اتخاذ قرار مناسب لوضعي الذي أنا فيه، وهل أعترف بالطفل القادم من تلك المتوحشة؟ وإذا قلت إنه ابني فلن يحمل كنيتي لأني لا أملك الأوراق لأثبت من أنا، فسوف يسجل باسم أمه، وإذا كان كذلك فقانونا لا يجوز لي حتى لمسه وهذا ما أتوقع حدوثه.. فما الحل؟
فما الحل؟
أنجدوني أثابكم الله.
27/02/2022
رد المستشار
أخي الكريم.. الشق العام من قصتك، وأعني به رحلتك بين القمع المحلي العربي، والشتات الأوربي تصلح مادة لفيلم يتناول حياة الملايين من الفارين، وتعلم أنك لست وحدك في هذا الدرب البائس، فمعك يسير الكثيرون من أهلنا من مواطني البلدان العربية الطاردة للبشر من مشرقنا العربي الثوري إلى مغربنا المضغوط بين سندان العنف ومطارق الفقر المدقع، وفي كل قطر من أقطارنا جراح نازفة، والحمد لله على كل حال، وأنا على يقين بأن لهذه الأمة فجرا طالعا يقترب بجهادنا من أجل استعادة الكرامة، وحقنا في العدل والحرية ودولة القانون وحقوق الإنسان، وهو ما يعني لدى البعض -وأنا منهم- قيام نظم إنسانية تنطلق من الإسلام الحقيقي العظيم لتطوي صفحة سلاطين ونخب أفسدت الدنيا والدين باسم إصلاح الدنيا تارة، وباسم حكم الدين تارة أخرى، والدنيا والدين من تخلفنا واستبدادهم براء، وأتذكر قول الشاعر الفلسطيني:
سيرحل الليل لن يبقى له أثر إلا صدى مر في التاريخ كالحلم، ولو شاء لقال: مر في التاريخ كأبشع كابوس عاشته شعوب بأكملها من المحيط إلى الخليج، ودعنا نعد إلى قصتك. قلبي معك، وأنت تلجأ إلينا، والمستشار مؤتمن فاستمع إليّ أصدقك القول من قريب، والله حسبي وحسبك، ونعم الوكيل.
لعل نصك الذي كتبته لنا أمامك الآن لترى معي أنك حالة مثالية تدل وتصف كيف يؤثر طول القهر في الإنسان، وانظر معي يا أخي الحبيب لترى عجزك الكامل من أول قصتك إلى آخرها!!! فأنت دائما تضع نفسك في موقع "المفعول به" فهذا ينقلك، وذاك يعطف عليك، وتلك يرق قلبها لحالك، وهكذا.
واستعذاب دور الضحية حالة نفسية معروفة أرى أنك تلعبه بامتياز، وقل لي بربك: هل سمعت عن شخص أقام في أوربا أكثر من عشرة أعوام دون أن يستطيع تدبير نفسه فتكون له أوراق ثبوتية، وأوضاع قانونية، ومصادر ثابتة لعيش؟! معقول!!
ومن مفارقات القدر أنني استلمت رسالتك، وأنا عائد لتوي من "أمستردام" حيث تقطن أنت، ولو استلمتها قبل ذلك بأيام لسعدت بلقائك، وأزعم أنني على إلمام بالوضع العام في قوانين أوربا والغرب عموما فيما يختص بإدارة الإقامة هناك، ولكنني أيضا أطلب من القراء الأعزاء أن يشيروا علينا وعليك بما يساعدك في تعديل أوضاعك لتخرج من هذا الحرج الذي ساهمت أنت بنصيب وافر في صناعته.
تعجبت من شجاعتك، وأنت تقيم الصلاة في محطة القطار ثم تعجز عن إقامة الحياة، لكنني قلت في نفسي: أليس ذلك هو حال الملايين من المسلمين: نقف أمام الله لنردد كلمات وآيات، وندعو على الظالمين، ثم ننصرف منها لنعود إلى وهن العقل والإرادة، وضياع السبيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وأستغرب -كما قلت لك- من السلبية والعجز، وتأمل معي مثلا، وأنت تقول: "كان المارة المسلمون ينظرون لي بنظرة... ولم يحاولوا مرة أن يدلوني على....".
هل تريد من أي عاقل أن يشتم معك تقصيرهم في "حقك"، أو أن يسب معك الديمقراطية الأوربية "المزعومة"؛ لأن أحدا لم يتقدم من سيادتك ليحل لك مشاكلك أو يهتم بأحوالك، وأنت أصلا لا تتحرك للاهتمام بها أو لتحريك أوضاعك؟!!
طبعا هناك موقف عنصري من الأجانب، وهناك تمييز عرقي، وهناك ديمقراطية انتقائية...إلخ، ولكن هذا لم يمنع إخوانك وأخواتك من مناضلي الحياة اليومية في الغربة الباردة أن يدبروا أحوالهم، ويصنعوا الآلاف من قصص النجاح وسط هذه الأوضاع، ولو فقهوا وتدربوا لاستطاعوا تحقيق المزيد والمزيد من مجرد التنعم بملاذ آمن، وأحوال مستقرة نسبيا، ولو تعاونوا وتخلوا عن الكثير من الأفكار والممارسات البدائية، والمواريث المتخلفة التي اصطحبوها معهم في حقائبهم من "أوطانهم" المسكينة، لو فعلوا هذا لانعتقوا وأعتقوا الكثيرين منا، ولكانوا قوة إيجابية تنشر الحق والسلام والعدل والقسط، والحياة الطيبة في الخارج والداخل، وهذا حديث يطول.
وتحرك قلبي وعقلي حين قلت أنت: فقربت أن أخرج من عزلتي تلك، فإذا بك تكمل بأنك خرجت إلى المساجد التي تحولت في كثير من الحالات إلى ملاجئ للمعاقين اجتماعيا، بدلا من أن تكون نقاط تدريب، ومحاضن إعداد لمواجهة متطلبات الحياة في الغربة، وإعادة تأهيل القادمين من أوطان القهر والاستعباد لينجحوا وينجزوا في بلدان الفرص والحرية الاجتماعية، ويتعلموا كيف يتعاملون مع سلبيات هذه البلدان، ولا تخلو قطعة في أرض الله من سلبيات.
أخي الكريم... أنت لست جبانا ولا ضعيفا ولا ضحية أنك فلسطيني أو مسلم أو... أو...، أنت رجل طيب بسيط، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف في عقله أو عزمه أو فعله، والقوة ليست هي العنف بالضرورة، ولكن القوة في العزم والتدبر؛ فدعك من هذا التخبط الذي أنت فيه، واستشر من حولك عن أيسر السبل لإسباغ الشرعية على وجودك حيث أنت.
وابحث عن عمل ثابت بعد ذلك كما يفعل الرجال، بدلا من العيش عالة على مساعدات الحكومة تارة أو على عرق زوجتك تارة أخرى، فإن هذا أولى أن تصرف فيه جهودك، وتوجه إليه طاقتك من أن تحضر سكينا، وتجهز لزوجتك قبرا!!!
انفض عنك غبار الكسل وميراث القهر وقيود المفعول به، وانتبه فأنت إذا كنت ضحية، فأنت ضحية نفسك وتصرفاتك، ولا يفيدك تعليق المسؤولية على شماعة الظروف، أو في رقاب الآخرين؛ فكف عن التجوال الساذج بين السفارات، ففي كل البلاد تخمة من العاطلين العاجزين ولا حاجة لأحد بزيادتهم واحدا!!.
وأنت ما زلت شابا، وتملك من الإيمان والفرص ما يحتاج منك إلى استثمار أفضل مما أنت فيه وعليه، واعتبر أن سنوات غربتك كانت دروسا وتدريبا على إدارة أفضل لحياتك، ولا تستلم لليأس فإن المؤمن لا يقنط من رحمة الله أبدا، ولكنه يستعين به ولا يعجز، ويحرص على ما ينفعه؛ فقم يا أخي لتضرب في الأرض وتكدح، وعندها ستتعدل نظرة زوجتك لك، وستكون أنت في موقع القوة حين تمسك بالعمل والأوراق الشرعية للإقامة، ثم الجنسية، وأخرج من رأسك أوهام الجنة الأوربية أو العربية، فكلها بلاد فيها ميزات وعيوب، وخير لك أن تجاهد حيث أنت من أن تعود إلى أوطان العطالة والبطالة، فتكون كمن يستجير من الرمضاء بالنار، أو من يهرب من المطر فيقف تحت الميزاب.
وتابعنا بأخبارك يا أخي، لعلّي أزورك يوما في بيتك الذي تقيمه بعرقك وجهدك وتعبك، والله حسبي وحسبك، وهو نعم الوكيل.