السلام عليكم
تأتيني دائمًا وساوس، أعتقد أنها نوع من الوسواس القهري لصعوبة تخلصي منها، وأعتقد أحيانًا أنها ضعف في الإيمان.. لم أكن أشعر بذلك من قبل على الإطلاق، حتى وقعت في علاقة حب مع شاب صديق لي من فترة الثانوية (وللأسف الحب في بيئتنا بهذه الطريقة حرام، وربما أنتم يا علماء، لكم السبب الكبير في ذلك، عرَّفتم آباءنا أن الدين حلال وحرام؛ فعندما نحب نتخفى ونشعر بالجريمة، رغم أنها عاطفة فطرية؛ فلا نستطيع مفاتحة الآباء في حبنا؛ لكي يرشدونا وينصحونا؛ لأننا لو فاتحناهم فسنكون مجرمين ومدانين في نظرهم، يوقعون بنا أشد العقوبات وأقساها.. فنضطر إلى الكتمان..)
المهم أن هذا الشاب كان ودودًا معي، واستمرت العلاقة بيننا (سبع سنوات) حتى السنة النهائية في الجامعة، وبالضبط قبيل الامتحانات الأخيرة.. حيث حدث لي ما لم أكن أتوقعه، فقد قُطعت العلاقة بشكل مفاجئ عندما سافر فجأة إلى سوريا، وقضى فترة انقطع عني فيها، وأنا في انتظاره أعد الأيام والليالي.. وعندما وصل فاجأني ببرود علاقته معي رغم إخلاصي له، وأصبح يطلب مني مطالب غريبة (كالخروج معه والاختلاء به والتمشي إلى جواره) متعللاً بأن ذلك دليل على المحبة..!! وعندما رفضت ذلك وبشدة، اعتذر عن مواصلته معي، وأعاد لي الرسائل والصور التي كانت بيننا، تاركًا وراءه جرحًا عميقًا وطائرًا مذبوحًا..!!
كم بكيت وكم انتحبت؛ حتى انتابتني الحالة النفسية التي تطورت إلى الوسواس الذي ذكرته لكم في البداية.. لأن علاقتنا كنت أتصور أنها فوق مستوى القطيعة (كما وعدني أن نهايتها الزواج)، وعلى الرغم أنها كانت علاقة نظيفة لم يتخللها السقوط والابتذال، فإنها كانت بالنسبة لي مأوى وحنانًا وحبًّا وعاطفة وفكرًا وهيامًا..!! وفي الوقت الذي تمنيت فيه أن نلتقي كمتزوجين، إذا بالعلاقة تنهار وتتبخر تاركة في نفسي تجربة مريرة وآلامًا نفسية رهيبة؛ حتى كادت تخنقني وتقضي عليّ.. لم أكن أعلم ماذا أفعل؛ فأنا في أسرتي المحافظة لا أستطيع البوح بآلامي، أو بالعلاقة التي كانت بيني وبينه..!!
وصرت كوردة تذبل يومًا بعد يوم، ولا يعرف الذين من حولي لماذا، كان الألم النفسي يعتصرني، يمزقني يوميًّا، ولا أحد ألجأ إليه؛ لجأت إلى مالك القلوب، أسأله أن يخفف عني ويخرجني مما أنا فيه.. وبالفعل بدأت أشعر برغبة قوية في العبادة والصلاة، وبدأت أقوم الليل وأكثر من تلاوة القرآن، وأشغل نفسي بأعمال مفيدة كالقراءة وزيارة الصديقات، والعمل معهن في المجال التربوي والقيام بأعمال البيت.. وأحسست أن الله منَّ علي بعاطفة من عنده وحنانًا لم أشعر بمثله من قبل، وفي هذه الأثناء جاء ابن عمتي – وهو شاب متدين – ليخطبني.. ووافقت عليه رغم عدم رغبتي، فما زالت مشاعري غير مستقرة وجرحي لم يندمل، فلم أستطع أن أبادله نفس المشاعر رغم أنه يحبني ومتعلق بي.. ولكن ثقتي بالرجال لم تَعُد طبيعية بسبب الموقف الأول، فقد تولدت عندي قناعة أن الرجال كلهم سواء خونة، ولا أمان لهم (يضحكون على بنات الناس).. ومن هذه القناعة أصبحت أتعامل رغم أنني لست مستيقنة بها.. فحينًا يساورني شك فيها، وأحايين أخرى أجزم بصوابها.
لم أستطع أن أضع خطيبي في مكان المحبة.. بل على العكس ما زلت أتخوف منه، وأنه ربما يضحي بي مقابل تأثير والدته عليه – لأنه يحبها ولا يخالفها – حتى لو كان على حسابي، وهي عمتي وأنا أعرفها لا ترتاح إليَّ كثيرًا - ومن هذه الحالات والاضطرابات والمخاوف التي أمر بها برز الوسواس القهري؛ ليضربني في العمق، فأحيانًا أفكر بطريقة تخرجني من الملة، وأشعر أن ذلك خارج إرادتي رغم الفترة الإيمانية التي عشتها، إلا أن هذه الأفكار كثيرًا ما تسيطر عليّ ولا أستطيع الفكاك منها..!! وقدري أنني وُلدت في عائلة لا تفهمني وتتهمني بضعف الإيمان، ولم تستطع أن تقدم لي حلاًّ لمشكلتي.. ألجأ إلى المولى عز وجل أن تكونوا سببًا في إخراجي من حالتي، فهي تتطور وتنحو نحوًا خطيرًا، ربما يفقدني نعيم الدنيا والآخرة.
أتمنى منكم المساعدة
وشكرا لم
28/2/2022
رد المستشار
أختي العزيزة.. تستحق رسالتك عدة وقفات؛ لأنها ثرية بالمعاني، ومستدعية لكثير من الخواطر والتأملات. فمثلاً تتحدثين عن وضعية عاطفة الحب في المجتمع العربي، والحق أن هناك خلطًا شائعًا في صفوف الآباء والأبناء – على حد سواء – بين الميل العاطفي الفطري الذي أودعه الله سبحانه وتعالى في قلوب كل جنس تجاه الآخر، والذي يترجم نفسه إلى إعجاب بشخص معين في مرحلة المراهقة، وبدايات الشباب، وبين التسرع بالارتباط بهذا الشخص، وإعطاء المواثيق والعهود، وبناء الآمال والأحلام.. إلخ، يمكن أن نفهم أن العاطفة مشروعة، لكن هذا التفكير الرومانسي حول أن فلانًا أو فلانة هي كل الدنيا، و.. و.. من بقية مكونات الحب البريء الذي ينمو في القلوب بمعزل عن الأهل، أو العلانية في المجتمع، مبالغ فيه وربما أدى إلى ما لا تحمد عقباه.
هناك الكثير مما يُقال تعليقًا على هذه النقطة، ولكنني أكتفي بالقول: إنه إذا كان الآباء والأمهات والمجتمع كله يخطئ حين لا يعترف بهذه العاطفة الفطرية، والميل الطبيعي، وتوابعه، ولا يتعامل مع المسألة بنضج وتفهم ومسئولية، فإن الأبناء أيضًا يخطئون حين يعطون الأمر أكبر من حجمه، فيصبح هذا الحب – غير الناضج، بحكم نقص الخبرات والتجارب - هو كل الحياة، وحين يفشل لسبب أو لآخر تكون نهاية الدنيا، تكون الدموع، والاضطرابات النفسية، وفقدان الشهية للطعام والنوم.. إلخ.
ألا ترين معي أنه مسلك أرعن، وغير ناضج من الطرفين، وأن كل طرف يدفع ثمن اختياره الخاطئ، ويظل المجتمع يعيش بوجهين، ولسانين، والفوضى هي "نظامه المستقر"!!
الضربة التي تلقيتها أفقدتك توازنك تمامًا؛ لأنك عشت الأمر بكل البراءة والسذاجة المعهودة في مثل هذه الحالات، وفي أقصى لحظات ضعفك الإنساني، وانكسارك النفسي كان من الطبيعي أن تتكاثر بداخلك الهواجس والوساوس، بل دعيني أدهشك إذا قلت لك: إن هذه الهواجس والوساوس بما خلقته من عالم مُوازٍ ومتخيل "رغم أنه كريه ومرفوض" كان من شأنها حمايتك من التشظي الكامل، والانهيار التام، ولكنه كان هروبًا وحلاًّ مرضيًا يلزم العلاج منه.
ثم إنكِ أخطأت تمامًا حين أسرعت بقبول خطيبك الحالي، قبل أن تبرأ نفسك من الجراح، ومن الطبيعي أن يتأرجح موقفك منه، ومشاعرك نحوه بين القبول لشخصه، والرفض بناءً على هواجسك، ووساوس نفسك.
ومن المفهوم أن تسبح روحك في كل الأفلاك، وتتمرد على كل الثوابت والمقدسات؛ لأنها وضعت نفسها في موقع تقديس إنسان لا يستحق، ولم يكن الخطأ من المقدَّس "بتشديد الدال وفتحها"، بل كان من المقدِّس "بالتشديد وكسر الدال"، وحين انهار المثال المكذوب، وظهر أن العجل المقدَّس الذي كان يخور ليس سوى وهم صنعتِه بيديك، ونفخت فيه الروح من مشاعرك، وتصورته على كل نحوٍ جميل، ولم يكن كذلك "إلا في تصورك"، عندما حدث هذا تحطمت المثل، والمعاني النبيلة الفاضلة أمام عينيك؛ فرحت تشكِّين حتى في دينك، وتتشككين حتى فيمن يحبك حقًّا، والأمر يحتاج إلى وقت وجهد وعلاج.
واقرئي أيضًا:
الحب الأول.. إكرام الميت دفنه
أحببته وخذلني.. أزمة الفقد والخزلان!
ويتبع>>>: فشل الحب الأول.. آلام في العمق مشاركة