السلام عليكم
أنا فتاة عمري 21 عامًا، وهي سن تبدو فيها الشهوة للزواج واضحة، ولكنني أريد أن أرتقي برغباتي، هل من طريقة؟ كل من تقول لهم ذلك يقولون لك: "التزم الطريق القويم"، ولكنني أريد حلاًّ لنفسي، وطريقة عملية وعلمية للسمو برغباتي، بعيدًا عن الشعارات الخاصة بالإيمان والصبر. فكل من الإيمان والصبر موجودان، والحمد لله.
أنتظر ردكم
ولكم الشكر
23/2/2022
رد المستشار
الأخت الكريمة، ما رأيك أن نقوم أولاً بتعديل بعض الكلمات في سؤالك حتى نستطيع الإجابة عليه؟
أنت تبحثين عن طريقة (عملية) و(علمية) .. من أجل (السمو) برغباتك بعيدًا عن (الشعارات)، مثل الإيمان والصبر... دعينا نحذف كلمة (السمو) برغباتك؛ فالشهوة للزواج ليست رغبة (دنيئة) حتى نسعى للسمو بها، وإنما هي غاية (سامية)، وعندما تحدث الله عنها اعتبرها (آية) من آياته، "وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنفسِكُمْ أَزْوَاجًا"، ولكن مشكلتنا هي أننا نتمحور حول هذه الرغبة، مع قتل وتهميش الرغبات الأخرى التي تزخر بها النفس الإنسانية.
فمن الرغبات النفسية مثلاً: الرغبات الاجتماعية مثل حب الإنسان لعمل الخير، أو أن ينشغل الإنسان بأخيه الفقير أو المريض أو اليتيم، وأن يشتاق إلى لذَّة تقديم العون لمن يحتاجه، أو أن ترتوي روحه عندما يرسم بسمة على وجه حزين أو بائس، أو أن يتطلع الإنسان إلى القيام بدور للأخذ بيد مجتمع نحو الحرية أو الإيجابية أو الإبداع، أو أن يشارك مع مَن يجاهدون من أجل نسج منظومة جديدة للقيم التي نحتاجها لخدمة ديننا وشعوبنا، حتى نُريَ الله منا خيرًا.
هذا نموذج للرغبات الإنسانية، ولكنه - مع كل أسف - مصاب بضمور مخيف؛ بسبب ذلك الفراغ الاجتماعي الذي يخيم على الكثير من مجتمعاتنا.
كيف يمكن إحياء هذه الرغبات الاجتماعية؟
السبيل الوحيد هو الإيمان بها وبقيمتها، والإيمان بوجودها مختبئة في ثنايا نفسك، والإيمان بأهميتها، وضرورة إحيائها بالممارسة والتدريب، سواء بصفة فردية، أو من خلال مؤسسات محترمة.
وتراثنا الإسلامي حافل بعشرات الآيات والأحاديث التي تتناول هذه الجوانب، وتؤكد على قيمتها في توازن بناء الشخصية، وعلى ثوابها وأجرها العظيم عند الله تعالى.
من الرغبات النفسية أيضًا: الرغبات الذاتية مثل اكتشاف هواية أو موهبة شخصية، والدأب والحرص على استخراج هذه الموهبة من باطن النفس، وصقلها وتطويرها، وأنا دائمًا أقول: إن بداخل كل إنسان (كنزًا)، وهو شيء ما يتقنه ويحبه قد اختصه الله به، والإنسان الناجح هو الذي استطاع استخراج كنزه، والإنسان الفاشل هو الذي يكتفي بأن يكون صورة من الآخرين.
هذه الكنوز، وهذه المواهب شديدة التنوع - وهذا من فضل الله -، فهناك شخص موهبته الرسم، وآخر الشعر، وثالث كتابة القصة، ورابع التربية والعطف على الصغار، وخامس الخط، أو الكمبيوتر، أو الرحلات، أو..، أو...
ونكرر السؤال السابق: كيف يمكن إحياء هذه الرغبات الذاتية؟
أقول أيضًا: بالإيمان بوجودها في أعماقنا، وبالممارسة والتجريب حتى نستطيع اكتشافها وتنميتها..
هناك رغبات أخرى: رغبات روحية مثل حب الصلاة، وحب تلاوة القرآن، وحب مناجاة الله سبحانه، وترطيب اللسان بذكره تعالى..
وهناك رغبات ترويحية: مثل الاسترخاء، والتأمل، والصداقة، والزمالة، والمزاح... أعتقد أني قد أجبت على هذا الشطر من سؤالك، وتوصلنا معًا إلى ضرورة إحياء كل هذه الرغبات الضامرة، وهذا لا يكون إلا بالإيمان بها، والتدريب، والممارسة، وعمل خطط زمنية للتقدم فيها بشكل متوازن ومتدرج، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي.
والآن اسمحي لي بالعودة إلى سؤالك مرة أخرى، ودعيني أتوقف عند كلمة (الشعارات) مثل الصبر والإيمان، وأنك تعتبرين هذه الشعارات غير (عملية) وغير (علمية) الصبر والإيمان والتزام الطريق القويم من الممكن أن تكون (شعارات)، ومن الممكن أيضًا أن تكون توجيهات علمية وعملية، وهذا يتوقف على أسلوب فهمنا لهذه المعاني، والروح التي نطبقها بها، فإذا تعاملنا معها على أنها معانٍ جوفاء نتشدق بها في حصص اللغة العربية، والتربية الإسلامية، فهي عندئذ شعارات لا قيمة لها، ولكن إذا استشعرنا معانيها الحقيقية، وعمق تأثيرها في النفس فسيختلف الأمر كثيرًا.
وتعالي أتجول معك حول بعض الآيات التي خاطب الله تعالى بها رسوله (صلى الله عليه وسلم) والمسلمين في رحلة جهادهم الشاقة، ومع تعرضهم للاضطهاد والتعذيب والتشريد، وهي أمور أشد قسوة من الحرمان من الزواج، فستجدين أن خطاب الله تعالى يدور حول هذه (الشعارات)، وربما تعلمين من دراستك للتاريخ كيف كان لهذه (الشعارات) أبلغ الأثر في تثبيت المسلمين وفي تغيير وجه الأرض، يقول تعالى: "فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُل" (الأحقاف: 35). ويقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ" (لبقرة: 153). ويقول: "وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ" (المدثر: 7). ويقول: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (آل عمران: 200). ويقول: "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ" (هود: 112).
هذه توجيهات علمية وعملية لمن فهم معناها، وأحسن تطبيقها بكل ثقة وإيمان أن الله تعالى مطَّلع عليه، وأنه يسمع، ويرى، ويؤيد، ويعين، ويثبت في الدنيا والآخرة.
أختي الكريمة... أرجو أن تكوني قد فهمتِ رسالتي، وأرجو أن تتابعينا بأخبارك، وتبعثي لنا برسائل نجاحك في (إحياء) الرغبات الأخرى الضامرة في نفسك، وفي تطبيق معاني الإيمان، والصبر، والاستقامة بروح (عملية وعلمية) بعيدًا عن روح الشعارات.