معاناتي بسبب الغربة
أنا فتاة عمري 24 عاما أقيم في السعودية، تحطمت أحلامي مع قيود الغربة، وحرمت من حق دراستي الجامعية.. مرت سنون وأنا بين جدران المنزل.. فقدت كل صديقاتي وأصبحت أسيرة الوحدة والغربة.. فأهلي بطبعهم انطوائيون لا يحبون الاختلاط بالآخرين على أساس أننا في غربة مع أننا ليست لنا علاقة بوطننا الأصلي.. وكنا مجبورين على الالتزام بهذه القوانين.
أصبت بالاكتئاب.. كنت أبكي أبحث عن صديقات.. كنت أحلم أن أجد إنسانا يحبني وأحبه ولا سبيل.. هذه ليست مشكلتي فهذه أيام وعدّت مع أنها تركت كثيرا من ترسبات الإحباط والألم.
قبل عامين أتى ابن خال أمي إلى السعودية.. لم يكن يهدف للعيش فيها ولكنه عندما رآني حاول التقرب مني وأنا بصراحة أعجبني اهتمامه بي، خاصة أني أفتقد هذا الشيء، ثم خطبني وقال إن وافقت فسيستقر في السعودية.. وذلك لأن أهلي لا يرضون بأن أعيش بعد الزواج في بلد آخر.. أقنعتني أمي به. وأثنت على أخلاقه فهو من رعى جدتي قبل وفاتها وكان يحملها بيده.
وافقت عليه، ولكني أجد فيه 3 عيوب ترددني نحوه مع أن الكمال لله.. أولا: هو فقير، ثانيا: تعليمه متوسط، وثالثا: مطلق.
تجاوزت عن الأول والثاني وخفت من طلاقه.. فهو مطلق ابنة خاله مع أننا لا نعرف أقرباءنا إلا بالأسماء فقط.. عندما أسأله لم طلقتها يرتبك ويراوغ ولا يذكر لي أي سبب.. إلا قوله: (والله لا أستطيع أن أخبرك هي كانت غلطة).. أنا شخصيا استخرت الله فيه كثيرا وقمت بدوري بالاستكشاف أسأل أهلي يقولون عدم تكافؤ، وعندما ألححت.. عرفت الحقيقة منهم، وهي أنه تزوجها ولم يجدها عذراء.. فأخذها إلى الطبيب وأكد له عدم عذريتها فلم يقربها وطلقها بعد 5 أشهر.
ووالد الفتاة كبر الموضوع واشتهرت الفضيحة في وطني الأم، علما أن الفتاة كنت مخطوبة لأخيه الكبير وعندما رفضها حتى لا تصبح هناك مشكلة وعدت الأم الأب بأنها ستعطيه ابنه الآخر وهو ضعيف الشخصية، وعلمت بهذه المعلومة من أخيه شخصيا، وأصبحت الفتاة في وجهة نظر الكثير ضحية لأنه لم يغط عليها.. عندما سمعت هذه القصة لا أنكر تعاطفي معه من جهة ومع الفتاة من جهة أخرى.. ولكن الكثير يلقي باللوم عليه.
هو يتواصل معي ما جعلني أحبه فلن أنسى أنني كنت أبكي كي أجد إنسانا أحبه هو محترم ويصلي ووالده شيخ يدرس القرآن ويعالج بالقرآن.. تنامت مشاعري نحوه بالتدريج البطيء وأحبني هو بقوة وأنا والله أحبه ولا أريد أن أتزوج من غير حب.
السؤال الذي يؤرقني: هل ما فعله مع بنت خاله وهو طلاقها يعطيني الحق برفضه؟ وهل هو نذل؟ أم له الحق فهو رجل شرقي وهو بدوي نوعا ما؟ وهل أستمر معه دون قلق فالبعض يقول إن لم يحافظ على ابنة خاله فهل سيحافظ علي؟
أنا فتاة ملتزمة نوعا ما وأدرس في تحفيظ كتاب الله. وهو يقول لي إنه منجذب نحو التزامي ومحافظتي على الصلوات. وأنا أحيانا أتخوف من فقره. ولكني أحبه وأستطيع أن أميز شعوري هذا عن أي إحساس آخر.
أفيدوني أشعر أنني إن فقدته فلن أجد فرصة أخرى ،
فهنا الفرص محدودة جدا كما أني لا أرغب إلا في الزواج منه.
27/2/2022
رد المستشار
أختنا الكريمة.. سأبدأ حديثي معك بثلاثة مفاهيم أساسية في أي زواج ناجح:
المفهوم الأول: أن الكمال لله وحده.. وهذه حقيقة أنت نفسك قد ذكرتها في حديثك.
المفهوم الثاني: لا بد من تحديد (السلبيات) التي لا يمكن تحملها، (والإيجابيات) التي لا يمكن التنازل عنها. يعني مثلا.. تستطيعين أن تقولي: أنا ممكن أن أتحمل أي شيء إلا أن يكون زوجي غير متدين أو فاحش القول أو بخيل.. ويمكن أن أتنازل عن أي إيجابية إلا أن يكون متدينا، ومن نفس بلدي، ويقيم معي في السعودية، ثم تعقدي اتفاقًا مع نفسك لتحمل أي سلبية أخرى، والتنازل عن أي إيجابية أخرى.. هذا لا يعني عدم المحاولة في الإصلاح والتغيير، ولكن يبنى كل هذا على قاعدة من القبول والرضا.
المفهوم الثالث: هو أن الزواج عملية (بناء)، بمعنى أنه لا توجد فتاة مثالية تتزوج فتي مثاليا ليعيشوا في (تبات ونبات ويخلفوا صبيانًا وبنات).. كما يحكي لنا في حكايات قبل النوم.. وإنما مع الزواج تبدأ رحلة التعايش والتكيف والتغيير والتعديل فكل منهما يقوم بدور (تربوي) تجاه نفسه وتجاه الآخر وتجاه العلاقة نحو الأفضل.. وخلال هذه المرحلة يُبذل الجهد، ويتدرب الطرفان على مهارات التواصل والذكاء الاجتماعي وفنون العلاقة الزوجية عمليا من خلال الموافق وبعد كل فترة يتوقف كل فرد لتقييم نفسه، ويستخلص الإيجابيات والسلبيات في الأداء ليبدأ كرة أخرى من البناء هذا معناه أن أمامك هذه المفاهيم الثلاثة "أرجو أن تعيدي قراءتها وتستوعبيها جيدا حتى تصبحي قادرة على تطبيقها بإذن الله".
لي تعليق أخير على مسألة طلاق هذا الشاب، أنا أؤمن أن الطلاق بين الزوجين سر لا يعلمه إلا الله.. لذلك لا أستطيع أن أحكم على شخص أنه حسن أو سيء لمجرد أنه طلق، فدائما هناك أسرار أخرى وجزء آخر من الحقيقة لا يعلمه إلا الله والزوجان.. وكثيرا ما نرى شخصا قد طلق امرأة، ثم نجح نجاحا باهرا مع أخرى وعلى أي حال.. إن كان السبب المذكور هو السبب الوحيد والحقيقي للطلاق، فهو لا يعني أن هذا الشخص نذل، بدليل أنه من أخلاقه، مثلا رعايته لجدتك قبل وفاتها.. ولكنه على الجانب الآخر لم يستطع أن يستكمل حياته مع تلك الفتاة.. النفس البشرية قد تستطيع قبول أشياء، وقد لا تستطيع قبول أخرى.. هو لم يستطع –نفسيا- معاشرة امرأة ارتكبت الفاحشة وهذا حقه.. ربما تكون الفتاة مظلومة، قد تكون اغتصبت، وقد تكون أخطأت وتابت وتستحق الستر، وقد تكون فتاة لعوبا لا يستطيع استكمال حياته معها.. هل نلومه؟ الإجابة: أيضا.. لا.
وأخيرًا أعود إليك فأقول: تعرّفي قدر استطاعتك على أخلاق الشاب وطباعة ولا تنسي الاستخارة والاستشارة.. والله تعالى يقدر لك الخير بإذنه.