أنا وزميلي المتدين
أنا الآن في المرحلة الجامعية، طبعًا أدرس في جامعة مختلطة، ومشكلتي أنني أميل إلى زميل لي وأرتاح إليه، أنا فتاة ملتزمة، والمشكلة أنني كلما رأيته أرتاح بشكل كبير؛ مما يسبب لي هذا المشاكل الدينية ومن أهمها غض البصر.
وبعدها أندم على ما فعلت وأقرأ القرآن وأدعو الله أن يفرج عني، وأعزم على أنني لن أراه أو أفكر فيه، ولكن عندما أراه تلقائيا؛ أنظر إليه وأفكر فيه لدرجة كبيرة،
مع العلم أن الشاب أيضا متدين،
فماذا أفعل؟؟؟
14/3/2022
رد المستشار
أختي العزيزة: شكراً على سؤالك الذي يفتح ملفات كثيرة، وأرجو أن تكون إجابتنا وافية بإذن الله.
أولاً: دعيني أحرر مسألة "الحب" ففيها لبس كبير.
ما هو الحب العاطفي ـ بين رجل وامرأة ـ وما هي أسبابه؟!
الحب العاطفي حالة قسرية ـ لا إرادة للإنسان في أصل حدوثها ـ تقع للإنسان عن طريق السمع أو البصر أو غير ذلك من سبل الإدراك، وبهذا فإن مشاعر الحب ـ كما يقول الشيخ البوطي ـ "لا تدخل في الأحكام أو المحظورات الدينية" التي تتعلق أساساً بأفعال المكلفين الإرادية، وكذلك فإن كل الأفكار الداخلية خارجة عن نطاق التكليف، ولا يحاسب الله عليها، ولقد صح عن الرسول أنه قال: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به نفسها ما لم تقل أو تفعل" أ. هـ.
إذن محض مشاعر الميل إلى الجنس الآخر، أو محض مشاعر الميل إلى شاب بعينه ليس ذنباً أو معصية، إنما هو شعور طبيعي خاصة في مثل هذه المرحلة من العمر.
التعبير عن هذا الشعور والميل بأفعال، وما يكتنف الأمر من مواقف وأعمال هو الداخل في نطاق التكليف والمحاسبة، وعليه فإن محض الميل ليس عيباً، ولكن إطلاق البصر بدلاً من غضه ـ مثلاً ـ هو أمر مذموم شرعاً كما تعرفين، وهو مدخل إلى تقوية مشاعر الميل الطبيعي للرجال، والميل الخاص لهذا الشاب.
أختي الفاضلة:
أسير في حقل ألغام، وأنا أتحدث عن الحب بين الرجل والمرأة، والمسألة شائكة بفعل ركام كبير من الهواجس والتصورات التي أفسدت علينا قلوبنا وحياتنا، حين ارتبطت تلك العاطفة السامية بأنواع من المهازل فأصبح الحب مرادفاً لكل معنى سلبي، ومدخلاً لشرور كثيرة، وكلمة يستحي أصحاب المروءة منها بسبب ما تعلق بها عندنا من مفاسد ليست منه، بل كانت منا: إعلاناً وفناً وأدباً وممارسة.
إن الله –سبحانه- وقد وضع -في الأصل- هذا الاستعداد، وتلك الطاقة في روح الإنسان ونفسه لتكون دافعاً لكل خير، فجعل الإيمان قرين الحب في أكثر من موضع قرآني، وخرج الرسول يوماً على الصحابة سائلاً: ما الإيمان؟! فخاض الناس في الأمر، وخرجوا بإجابات متعددة عن أركان الإسلام، وأعمدته، ولكن الرسول لم يكن يقصد أياً منها... حتى قال أحدهم: الإيمان هو الحب في الله، والبغض في الله... فرد المصطفى: وهل الإيمان إلا الحب والبغض!!
إنها أكثر الكلمات تكراراً في حياتنا وأغانينا وأفلامنا وأحاديثنا اليومية، لكنها أبعد المعاني عن واقعنا بحقيقتها الرفيعة العالية، ولعلك تقرئين ما كتبه "ابن حزم" في رسالة "طوق الحمامة"، وما كتبه "ابن القيم" في أكثر من كتاب، وما صنفه كثيرون في هذه العاطفة الرائعة، والنعمة الربانية الغالية. أعود من هذه "المرافعة" إلى مشكلتك لأقول لك: إن الارتياح والميل إلى صورة ترينها لا يبرر كل النتائج "الثقيلة"، والتداعيات الكبيرة التي تتحدثين عنها.
وعندما تقاومين التفكير فإنه يزداد، ولكنني لا أدري على أي أساس تبنين هذه العواطف؟!
فكما فهمت منك أنك لا تعرفينه بالقدر الذي يسمح بالطموح إلى الارتباط به –كونه زوجاً مناسباً محتملاً على سبيل المثال-، إنك تعشقين مجرد صورة دون أن تعرفي ما وراءها!!
وربما لو عرفت لتغير رأيك، ففي كل إنسان عيوب ونواقص، ولا يوجد إنسان مثالي إلا في أحلامنا "مناماً ويقظة". خلط كبير يقع حين نطلق على ما أنت فيه الآن حباً، وشكراً لك؛ لأنك لم تسمه كذلك.
ما أنت فيه من ميل وراحة وتفكير وانشغال بال أمر لطيف جداً، ومؤلم بألم لذيذ لكنه غير موضوعي ولا منطقي ولا واقعي، إنه خيال رومانسي حالم لا غبار عليه، والمهم ألا يكون مدخلاً إلى شغلك عن دراستك، أو توريطك فيما لا يتناسب مع التزامك الديني من أفعال أو تصرفات.
فإذا كنت تسألين: وما نهاية مشاعري هذه؟!
فأنا أسأل معك نفس السؤال: هل تتوقف المسألة عند مستوى المشاعر الداخلية، والأفكار والخيالات الحالمة أم أنك تريدين تحققاً لها في الواقع: الأمر الأول لا مشكلة فيه، والثاني يحتاج إلى كلام مختلف، ومعالجة مستقلة، فكما أسلفت لك أن المستوى الشعوري لا نملك إلا تحيته واحترامه وتقديره، وتمنياتنا لك بالاستمتاع بما فيه من جمال وألم.
أما الثاني الواقعي يا أختي فأقول لك فيه بعد أن تحدد الأمر، وتحرر:
واضح أنك أختي عديمة الخبرة في مجال الرجال، وقد يكون هذا مفهوماً ومقبولاً، بل ومرغوبا ـ أحياناً ـ في حق من تجلس في بيتها، أو لا تختلط بهم، إنما في مثل حالتك فأنت مع الرجال طالبة وزميلة اليوم، وربما غداً في العمل أو غير ذلك، وانعدام معرفة الفتاة بالرجال يكون مقدمة طبيعية للإعجاب غير المنطقي، والهيام ـ على غير أساس موضوعي ـ بأول رجل تفكر فيه، أو تقابله.
إذا مارسنا الاختلاط مختارين أو مجبرين فلنعرف كيف نديره، وندير حركتنا فيه، وليس صواباً أن تمارسي العزلة وسط جمهور مختلط، بل هناك من الأنشطة العامة التي تضم مجموعات من الشباب والفتيات، والنشاط الدراسي والعلمي نفسه ما يتيح لك التعرف ـ مع وجود مسافة معقولة ـ على أنواع وأنماط من الشخصيات تساعدك على تحديد ماذا تريدين من صفات في زوج المستقبل مثلاً.
إن قلبك الرقيق، وشعورك المتدفق، وعقلك الواسع لا يكفي لاستثماره أو ملئه تلك المقررات والمناهج الدراسية البسيطة، أو حتى الطقوس العبادية المعتادة، إنك في مرحلة نمو وتطور يجعلك ويمكنك من استيعاب مساحات الدراسة والعبادة، والاجتهاد فيهما إلى أبعد الحدود. فهل تفعلين؟!
لكن نفس المرحلة تفتح أمامك عالماً واسعاً من المعرفة والخبرات، والفرصة متاحة لاكتساب هذه المعارف والمهارات التي ستحتاجينها غداً في بيتك زوجة وأماً، وفي دراستك، وفي عملك، وفي حياتك كلها.
اسمحي أن أقول لك يا أختي: إن حياة معظم فتياتنا الملتزمات، وغير الملتزمات راكدة وفارغة بدرجات متفاوتة حتى لا أبالغ إذا قلت إن أفضلهن حالاً ربما لا تملأ سوى 25% من وقتها بما هو أنفع، ولا تستثمر سوى النسبة نفسها تقريباً من ملكاتها وقدراتها ومواهبها، والنتيجة أننا نحصد أجيالاً فاشلة وتائهة تترنح في عالم متغير وصعب.
أتحدث إليك عن الفراغ لأن العلاقة وثيقة بينه وبين تنامي مشاعر الميل العاطفي غير المحسوب حتى تصبح هي أغلب قضايانا، أو هواجس واهتمامات شبابنا فنبدو في ملهاة ـ تبكي من شدة الضحك ـ لفريق يرى "محض" الحب بالمعنى الذي شرحته رجساً من عمل الشيطان، وفريقا يمارس كل الرذائل تحت مظلته، إنها طبيعة المرحلة السنية.
أوصيك إذن بالاجتهاد في دراستك، واستثمار أكبر قدر من طاقاتك فغداً لن تجدي الوقت اللازم لذلك، كما أوصيك بالتعرف على عالم الرجال في إطار الضوابط الشرعية من غض للبصر، وعدم خلوة، وأدب ووقار في الحديث ...إلخ.
أما صاحبنا الذي عليه "العين" فستقابلين غيره الكثير، أما إن كنت تصرين عليه؛ فينبغي دراسة حالته أولاً بمعرفة ظروفه ـ وللمرأة في ذلك طرقها ـ دون أن يشعر، فإذا كان هناك اطمئنان لتلك الظروف ـ رغم إنني أعتقد إنه من نفس سنك ـ بشكل دقيق، فأمامك مع وجود رغبة حقيقية في الارتباط به سبيلان: الأول التوجه إلى الله -سبحانه- بالدعاء أن يلفت نظره، وقلبه إليك، وبيده تعالى مفاتيح القلوب وأسرارها، والسبيل الثاني يدلك عليه الشيخ البوطي حين يقول رداً على سؤال فتاة شغف قلبها بحب شاب حتى تريد الزواج منه فكان من جوابه:
"والذي أراه حلاً لمشكلتك النفسية أن تبلغي هذا الشاب عن طريق أي من أفراد عائلتك، أو صديقاتك اللائي تثقين بهن، هذه المشاعر التي تحسين بها تجاهه، وليس في ذلك أية غضاضة أو عيب ما دام السبيل إلى ذلك بعيداً عن الانحراف والانزلاق إلى ما لا يرضي الله"
ويحذر البوطي: وليس من الحكمة أن يقوم بمثل هذه الوساطة أحد من خارج الدائرة الموثقة "من أهلك والثقات من أقاربك وصديقاتك"، وهذا أفضل لأن هذه الدائرة ستكون أحكم في تقرير مناسبة هذا الشاب لك، وتكافؤ الأسرتين، وربما رأوا من الحكمة لفت نظر الشاب بطريقة ما إليك وإلى استعدادهم لتزويجك منه إن هو أبدى الرغبة في ذلك، وليس في هذا ما يشين.
هذا هو كلام فضيلة الشيخ الدكتور البوطي، وأرى أنه يتفق مع سماحة وسعة وعمق الإسلام فهل يقبل مجتمعك، وهل تقبل عائلتك مثل هذا المنطق؟! وهل أنت عارفة وراغبة بأحوال هذا الشاب لدرجة الارتباط به؟! وهل أنت متأكدة فعلاً من مشاعرك نحوه؟!! هذه أسئلة إجابتها عندك أنت، وفي كل الأحوال ليس هناك ما يدعو للاستعجال، أدعو الله أن يربط على قلبك، ويشفي صدرك، ويزوجك من يحب.
ونسأل الله أن يختار لك الأفضل لرعاية هذا القلب البكر الذي جاءنا يشكو ألم أول خفقة.
واقرئي أيضًا:
الحب في الصغر ترعاه المسؤولية
مشاعر تحت العشرين.. حب حقيقي أم مراهقة؟
همسة والحب الصامت