أخيرا وصلت .. أرجو الرد
أنا فتاة بالسابعة عشرة من عمري، نشأت في بيت يعمه الأمن والطمأنينة، لكنني أفتقد للصراحة بين والدي أو إخوتي؛ لأنني لم أعتد على وجودهم لفترات طويلة بجواري مذ كنت طفلة؛ وذلك لانشغالهم كل في عمله، سواء أبي أو أمي، أو إخوتي وهم في كليات القمة؛ الأمر الذي دفعني لأخذ المشورة منكم.
إخوتي.. إنني الآن في عامي المدرسي الأخير؛ أي العام الذي يعتمد عليه كل مستقبلي.. الأهل والأقارب والأصدقاء والمعلمات يتوقعون مني مجموعا مرتفعا جدا، وكلمة "ادرسي" لا تفارق آذاني لكثرة ما سمعتها منهم، حتى أنني أصبحت أبتعد عن كتبي كل الابتعاد؛ أملا أن تفارقني تلك الكلمات... أصبحت ألهي نفسي بالروايات أو الجلوس على الحاسوب والإنترنت لفترات طويلة؛ وهو ما كان سببا في مشاكل أخرى، أو بالهروب من واقعي باللجوء للنوم لساعات طويلة، وأصبحت أخشى الرسوب فعلا لما ينتابني من ساعات طويلة من التفكير والسرحان في أمور بالية لا معنى لها، إلى أن بات الفشل حليفي الدائم.. هذا أولا.
ثانيا: مشكلتي مع الإنترنت تكمن في الشات والمواقع الفاسدة، وأما الشات فإنني تعرفت على شباب كثر، وكلهم كانوا يحبونني فعلا؛ لدرجة أن كلا منهم يعطيني كلمة المرور والمستخدم والرقم مجانا فقط مقابل أن أشبك وأتكلم معهم. لا أعلم هل هذا براعة مني في انتقاء الكلمات التي تفعل بهم هذا؟ مع أنني أكتب بكل بساطة وعفوية في تلك المواقع. أصبحت أسهر على جهاز الحاسوب إلى آذان الفجر، ثم أتوجه للنوم لمدة ساعتين أو ثلاث لأستيقظ بعدها وأمسك كتابي وأشرد في فكري، وما إن أستيقظ من أحلامي حتى يكون قد مضى ثلاث أو أربع ساعات.
وأما المواقع الفاسدة فقد كانت تنزل على شكل دعايات على حاسوبي، بداية إلى أن انتهى الأمر بي لأبحث أنا عن مثل تلك المواقع؛ وهو ما أصبح يدعوني إلى التفكير في أنه كيف يمكن لي أن أنظر إلى مثل هذا وأنا أقوم بالعبادات؟ وبدل أن أترك النظر لتلك المواقع تركت العبادات، ولم أستطع الرجوع إليها. وقد أصبحت أشعر بأنني فتاة جنسية للغاية؛ فقد أصبحت دون قصد أجد نفسي ألهو في أعضائي، وعندما أرقد إلى سريري أتخيل أن هنالك شخصا يلهو معي أيضا؟! فماذا أفعل علما بأنني حاولت ترك الحاسوب مرارا، ولكنني لم أفلح؟
ثالثا: ابن الجيران شاب وسيم جدا يكبرني بثلاث سنين، غرفة نومه موازية لغرفتي، وأول ما أفتح الستار في الصباح أجده على النافذة بانتظاري، وكان يفعل المستحيل، ولكنني كنت دائما لا أبالي، إلى أن جاء يوم خطفت بصري قُبلة منه كان قد بعثها لي، وقتها لم أجد بُدا من النظر إليه لأرى ماذا يريد، مع العلم أنني محجبة، والآن وقد ظهرت عليه من غير حجاب طلب أن أكلمه بالهاتف.. رفضت، سألني إذا ما كنت أرغب بالنظر إليه وهو مجرد من الثياب؟! رفضت أيضا، وغاب بعدها إلى أن مرت ثلاثة أيام، ولم أجده كسابق عهده، استخدمت الهاتف لأسترق السمع لصوته وأغلق فورا.. فلا أدري هل أصبحت عاشقة له؟ مع العلم أنه أخبرني أنه يرغب في التقدم لخطبتي، ولكنني أبيت ذلك، وآسفة لكل الشباب فيما سأقول. رفضت لأنني بصراحة أقرف من الشباب، وأشمئز منهم كل الاشمئزاز، حين يراودني التفكير بتركيب أجسادهم وما يفعلونه، وهنا المشكلة أنني أعشق وأشمئز؛ فهل هذا انفصام في شخصي؟
رابعا: من فترة وجيزة قرأت أن الصيام باطل إذا رافقه لعب في الأعضاء وإنزال للسائل، وأنا من الناس الذين كانوا يلهون ولا يعلمون في شهر رمضان.. فماذا عساي أن أفعل؟ وكيف لي أن أتخلص من هذه العادة القذرة؟ آهٍ إخوتي إن ما يؤرقني حاليا أنه كلما جاء زائر إلينا يخرج ويتغنى ببراءة وجهي وطفولته، وبياض قلبي، وجمال أخلاقي، ورشاقة قوامي، وعذوبة لساني، ورنين صوتي، وابتسامة ثغري. ولكن الأهم هو التزامي، وكل هذا لا يتفق وما أنا فيه.
على الحقيقة لا يتفق وممارستي التي أقوم بها مع نفسي.. فهل أكون تلك الفتاة الخائنة للثقة التي منحها إياها والداها،
أم أكون فتاة في قمة النفاق، أم أنه الغموض والكتمان، أم ماذا؟
12/3/2022
رد المستشار
رسالتك يا ابنتي تصلح أن تكون نموذجًا يدرس..
فهي تضم أشهر 5 مشكلات يمر بها شبابنا وبناتنا، وهذا الترتيب الذي سردت به أحداث وتطورات المشكلات هو –تمامًا- نفس الترتيب في معظم الحالات!!
أولا- المذاكرة: وهي الصخرة الأولى التي يصطدم بها الشاب عند انتقاله من سن الطفولة إلى سن الشباب، مرورًا بجسر المراهقة؛ حيث يكثر "السرحان" ويقل التركيز، وتحدث التغيرات النفسية والبيولوجية، وتصبح المذاكرة ثقيلة الظل بعد أن كانت بالأمس عملا هينًا يقوم به بسهولة عندما كانت القدرة على الحفظ أكبر، والعقل غير مشغول بشيء.
ثانيًا- إدمان الإنترنت: المواقع الإباحية والشات؛ حيث يجد الشاب في شاشة الكمبيوتر متنفسًا لطاقته، وخروجًا عن ملل المذاكرة، ومن جهود الحياة الاجتماعية التي تخلو من الأنشطة والاهتمامات والترفيه النظيف.
ثالثًا- الغوص في مستنقع الجنس: عادة سرية وإدمان مواقع إباحية، وهذه هي الاستجابة الطبيعية لضغوط المثيرات الجنسية الخارجية من ناحية، وتدفق الرغبة المتزايدة داخليًّا -في هذه السن بالتحديد- من ناحية أخرى، وعدم وجود أنشطة واهتمامات تساعد المرء على الانشغال والتسامي عن رغباته من ناحية ثالثة، وتأخر سن الزواج وتعقيد سبله وعدم إتاحتها من ناحية رابعة.
رابعًا- البحث عن حب: لإشباع احتياجات الوجدان -وليس الجسد فقط- التي تفور في هذه السن؛ فيسقط الفتى أو الفتاة أمام أول من يطرق الباب، وليكن ابن الجيران الذي ألقى القُبلة من النافذة، أو ابن العم.. أو ابن الخال.. أو... أو...
خامسًا- صراع الضمير:
فبعد كل ما سبق ليس متوقعًا أن يشعر الشاب بالطمأنينة والراحة، بل يطارده التمزق ووخز الضمير، وحدوث التصدع الهائل في بنائه؛ فقد أصبح الآن شخصين: شخصا يحمل بقايا الخير والفطرة النقية وأطلال الطفولة، وآخر عاشقا ومدمن جنس وفاشلا دراسيًا!!
هذه هي مشكلاتك الخمس كما ذكرتِها وبنفس الترتيب، بدأنا بـ"أولا"، وانتهينا بـ"خامسًا"..
أما عن الحل فسنبدأ بـ"خامسًا" وننتهي بـ"أولا":
(1) بداية: الحل هو آخر ما ذكرته في خطابك.. فأنت يجب عليك ألا تعرفي الصواب من الخطأ فقط -فمن الواضح أنك تعرفينه جيدًا-، وإنما يجب أن تقفي مع نفسك موقفًا شجاعًا وتصري على الصواب مهما كان شاقًّا وصعبًا ومكلفًا.. البداية تكون منك أنت -بعزيمتك وإرادتك- فهذه هي الشرارة الأولى، واعلمي يا ابنتي أن كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون، واعملي أن الله يفرح بعودتك أكثر مما يفرح الأعرابي الذي ضلت ناقته في الصحراء، وعليها طعامه وشرابه حتى كاد يهلك، ثم عادت إليه، واعلمي أيضًا أن التوبة ما هي إلا لحظة صدق يقف فيها المرء أمام ربه ويقول بكل بساطة: "آسف.. أنا أخطأت أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه" .. ويندم على ما فات ويعزم ألا يعود مهما حدث.. وعندئذ وعندما تتقربين إلى الله شبرًا فإنه يتقرب إليك ذراعًا، وعندما تتقربين ذراعًا فإنه يتقرب باعًا، وإذا أتيته تمشين أتاك هرولة!!
هذه هي البداية ، وبدونها فلا أمل في النجاة ... عافاك الله من الشرور.
(2) الخطوة الثانية: وهي التوقف الفعلي والفوري عن كل ممارسة تغضب الله أو تؤثر على مستقبلك... فلا مواقع إباحية، ولا شات، ولا ابن الجيران، ولا عادة سرية.
(3) استثمار الفراغ: وهذا يتم بالإجابة على سؤال واحد، وهو: من أنا؟ وماذا أستطيع أن أفعل؟ حاولي أن تكتشفي ميولك ومواهبك وهواياتك، ثم تقوِّي بتنمية هذه المواهب والميول لصالح قضية كبيرة أو اهتمام محترم، سواء كان اجتماعيًّا أو دينيًّا أو ثقافيًّا.. فإن هذا سوف يستثمر طاقتك الوجدانية والجسدية، ويرشدها ويهذبها ويحميك من موات الفراغ الذهني.
ولعل مشكلة إحياء الرغبات الضامرة.. وتحويل الشعار إلى عمل
تفيدك كثيرًا في هذا الصدد.
(4) وأخيرًا مشكلة المذاكرة.. ولعل هذه هي الأصعب؛ لأن العام الدراسي أوشك على الانتهاء، ولا أدري إن كان ما بقي منه كافيًا للتفوق أو حتى النجاح أم لا..
ولكن على أي حال ما زال الأمل موجودًا، أنا لا أعرف حدود قدراتك الذهنية؛ فهل تستطيعين أن تلملمي مناهجك في شهرين مثلا؟ ... لا أدري، وهل أنت قادرة على عمل جداول محكمة لتنظيم الوقت وتعويض ما فات؟ وهل لديك صديقة وفية يمكن أن تأخذ بيدك وتعينك في هذا؟ وهل أنت مصرة على دخول كلية قمة تحتاج مجموعًا ضخمًا مثل إخوتك، أم أنك تكتفين بالنجاح الذي يؤهلك لأي كلية مناسبة؟ لا أدري. ولكني أقول لك: "من يتقِ الله يجعل له مخرجًا"
.
وأخيرًا.. يا ابنتي أقول لك: ستمر هذه المرحلة بسلام بإذن الله، وستجتازين آلامك بقوة ونجاح، والله تعالى لن يضيعك طالما لجأت إليه.
واقرئي أيضا:
رعب الثانوية .. خطوات عملية
أعوام المراهقة والعواطف