ابني وأبوه
بدأ ابني (9 سنوات) يتحدث بالسوء عن أبيه؛ فهو لا تعجبه تصرفاته ودائما يذكر لي أنني كان يجب علي أن أتزوج من هو أفضل منه، واليوم سألته من يراه أفضل من والده فذكر لي عدة أسماء لأقارب على درجة عالية من التواجد في حياة أبنائهم، ولا أدري ما تأثير ذلك على ابني في المستقبل، وماذا عليَّ أن أفعل؟؟
مع العلم أن الأب لا يفعل شيئا يقرب منه ابنه إليه؛ فالكسل هو سمته الأساسية، ويقول لي: إن ملاحظاتي له بصفة مستمرة أمام الولد هي السبب، فهل هذا الكلام صحيح؟
يعني هل السبب هو انتقادي أنا لغياب أبيه المستمر والمتزايد؟؟
مع العلم أن الولد في سن يستطيع فيها أن يلاحظ كل شيء بنفسه.
8/4/2022
رد المستشار
الأخت الكريمة "حصة" حفظها الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ،،،
أهلا وسهلا بك على موقعك، ونحن نرحب دائما بأسئلتك واستفساراتك، ونعتذر لك عن التأخر في الرد لكثرة المشاغل والارتباطات.
الأخت الكريمة: اعتدنا أن نسمعَ كثيراً من النصائح والوصايا للزوج أن يعتني بكلماته وأحاديثه عن زوجته أمام أولادها وبناتها، وكم هو قبيح فعلاً أن تُهان حرة، لكن القليل من ينصح الزوجات أن يقدرن الأزواج أمام الأولاد والبنات، ويترفعن عن انتقادهم أو ذمهم، وأن يخبرنَ أولادهن وبناتهن كم هو عظيم جدًّا، وكم هو رائع ذلك الرجل الأب، وإن كان فيه نواقص
فبعد عشرات السنين، عندما يتقدم الزوجان في العمر، وقد أفضى بعضهما إلى بعض أجملَ المشاعر والعواطف والهموم، وقضيا أجمل أوقات المتع؛ حينها تكون جذور تلك العلاقة قد امتدت بعيدا، ولا يجوز فيها إلا أجمل الروايات عن الماضي، وأروع الأحاديث عن المستقبل معاً، فيسمع الأبناء والبنات من أمهم حكايات عن أبيهم، وكيف أنه – في حياته وليس بعد أن يموت – كان من أحسن الآباء، فالزوج والزوجة كتفان يسندان بعضهما البعض، وقلبان وعقلان يفيضان بالمحبة لبعضهما البعض.
الأخت الكريمة: كيف لا يُوصف الزوج أمام ابنه بأنه جميل!؟ وكيف لا تُوصف المرأة أمام ابنها بأنها جميلة !؟، فعلى الرغم من أن الشعراء قد أكثروا في غزل النساء عموما، الا أن النساء لم يُكثرن من الغزل إلا في ذلك الرجل الذي قضينَ معه أجملَ ساعات العمر والصِّبَا، ومدحنه أمام أولاده وأمام الناس.
كيف لا؟ وقد وصف اللهُ العلاقة بين الرجل والمرأة بأن كلَّ واحدٍ منهما جزء من الآخر وقطعة منه (وَمِنْ آياتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُواْ إِلَيْهَا)، يسكن كلاهما إليها ويرتاح لها روحاً وجسدا. وما حق هذه العلاقة إلا جميل الذكر والثناء، يسمعه ويرثه الأبناء والأحفاد في امتداد الزمان والمكان واحداً بعد الآخر.
لكن ما يستدعي الأسف الشديد، أن كثيراً من النساء – خزانات الرحمة والمحبة – يسبقن الرجال في الخشونة والجفاف الذي تتصحر معه الحياة، وتفقد المحبة معناها الكامل، وتموت العلاقة في صمت أمام أعين الأولاد والبنات، فلا يدركن أثر ما يحكينه من حكايات أو يتكلمن به من خفايا أمام الأبناء، فيحكين ويسردن كل ما بداخلهن وهن غير واعيات أنه ربما تكون كلمة مما يقولن سببا لتعاستهن!!
الأصل ولا شك أن تكون الصراحة والحب والود متواجدة بين أفراد الأسرة, لكن هناك أمورا لا يستحب للأم أن تتحدث بها أمام أبنائها، حتى لا تعكر صفو حياتهم، وتوغل صدورهم، وتؤلم نفوسهم، وحتى تنعم – هي نفسها – بحياة هادئة، لذلك، لابد من أن تكون الأم ذكية في تعاملها مع أبنائها، وإن لم تكن ذكية فعليها أن تتعلم الذكاء لكي تحافظ على بيتها، فأحيانا تعتبر الأم أن أبناءها بمثابة أصدقاء لها فتتحدث امامهم بكل ما عندها، لكن ذلك الحكي قد يوقعها في المشكلات، لذلك كانت نصيحة التربويين للأم دائما أن تكون حكيمة فيما تحكيه وتقصه لأبنائها، فلا ينبغي لها مثلا أن تحكي لأبنائها عن عيوب أبيهم، فتشويه صورة الأب ينقص من قدره أمام أبنائه ويقلله في نظرهم، فلا تنتقدي زوجك أمام أبنائه, بل احكي لهم عن مميزاته وخبرته، واسترى عيوبه، وارفعي من قدره أمامهم، واظهريه بصورة أفضل مما فيه، كذلك لا ينبغي لك التوسع في مدح رجال آخرين أمام أبنائك، أو وضعهم في مقارنة مع زوجك بحجة أن لهم دورا في حياة أبنائهم، فهذا أيضا شيء غير مرغوب فيه، لأنك بذلك تثيرين غضب أبنائك وغيرتهم، وتسقطين صورة أبيهم في نظرهم.
إن لذلك – أختي الكريمة – فائدة كبيرة عندما يرغب الأب في تقويم أبنائه أو تربيتهم، فقد يعيرونه بفعله الذي وصفته لهم في السابق, لأن كل ما ذكرته لهم عنه سجل في ذاكرتهم ولم ينسوه، فلا تذكري المساوئ، بل اذكرى المحاسن دائما دون المساوىء، فذكرك للمحاسن يجعلهم يعرفون عنك الأصل الطيب، ولا يشعرون أنك أسأت اختيار الأب لهم، فكل أسرة بها الطيب والسيىء فلا تخلو أسرة من هذا وذاك، ولكن بعض الزوجات لا يدركن ذلك خاصة وقت العصبية والخلاف.
كذلك فمن المفهوم بديهة ألا تعيري زوجك أو تحدثيه بصورة مباشرة عن عيوبه، ونواقصه، بل أصلحي ما تجدينه عنده من عيوب بطريقة غير مباشرة, ويمكنك – عند الحاجة – أن تشيري لذلك إشارة لطيفة رقيقة، فالزوج لا يرضي أن يكون في نظر زوجته ناقصا، وقد يسبب ذلك له ضيقا لا ينتهى.
إننا لا نختلف – يا عزيزتي – في أن الصمت وعدم الحوار بين أفراد الأسرة يؤدى إلى الرتابة والملل، لكن على الزوجة الصالحة، والأم الرؤوم أن تختار نوعية الحديث الذى يبني ولا يهدم، ويسعد ولا يحزن، ويقوى العلاقات ولا يضعفها، وعليها أن تنتقي الكلمات لزوجها وتختار أحسنها، فـ"الكلمة الطيبة صدقة".
الأخت الكريمة : إن في انتقادك المستمر لزوجك دليلا على عدم اقتناعك به كزوج لك وكأب لأبنائك، فبدأت في إلقاء اللوم على نفسك لاختيارك لهذا الزوج، ووضعته في مقارنة مع رجال آخرين، وأظهرت عيوبه، وتحدثت بذلك كله أمام الأبناء من ما أثر سلبا على مشاعر ابنك تجاه أبيه لأنه – كطفل صغير– يتأثر بكلام أمه ويتعاطف معه، فتبدلت مشاعره تجاه أبيه، وتوسعت الفجوة بينهما، وبدأ في بناء جدار فاصل بينه وبين أبيه
تقولين أن الأب لا يفعل شيئا يقرب منه ابنه إليه؛ وأن الكسل هو سمته الأساسية، فلماذا لم تحاولي إرشاده وتوجيهه بطريقة لطيفة رقيقة لما يجب عليه فعله ليقرب أبناءه إليه، وتوصلي إليه فكرة أنه يجب أن يكون له دور في تربية الأبناء، وأن هذا الأمر مسؤولية مشتركة بينكما لا يجب أن تلقى على عاتقك وحدك!!؟
أيضا، ذكرت بأنك تنتقدين غياب زوجك المستمر والمتزايد!!!، فماذا عن الأسر التي يكد فيها الأب يشقى لتوفير لقمة العيش والرفاهية لأبنائه وزوجته، ويترتب عن هذا غياب الأب عن المنزل لفترات طويلة، فيصبح غريبا في بيته الذي يحل عليه ضيفا لساعات قليلة يأكل فيه أحيانا وينام، وقد يصبح آخر من يعلم بالقرارات التي يتخذونها في غيبته، سواء في اختيارهم لملابسهم أو لأصدقائهم أو في تحديد مصائرهم بالتعليم أو حتى فيما يرتكبونه من أخطاء، وكلها أشياء وأحداث يعايشها الأبناء والبنات مع أمهم لحظة بلحظة، والأب خارج نطاق الخدمة، فهل هذا مبرر لأن نعتبر مثل هذا الأب ليس له دور في حياة أبنائه، أو أن نضعه في مقارنة مع آباء آخرين تسمح لهم ظروفهم بقضاء وقت أطول مع أسرهم وأبنائهم !؟، ولذلك نقول بأن لكل أسرة ظروفها، والأب له أهميته في حياة أبنائه مهما كانت عيوبه أو سلوكياته أو نقاط الخلاف بينه وبين زوجته.
ومع ذلك، فأنا لا أعفي زوجك من المسؤولية تجاه ما وصل إليه الابن من مشاعر سلبية تجاهه، فهو يشترك أيضا معك في المسؤولية، لأنه فرط في دوره لصالحك، وقد أعطاه الله حق القوامة عليك وعلى الأسرة كلها، وهي مسؤولية أمام الله أشار إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، ومهما كانت مبررات الأب أو مسؤولياته فإنها لا تعفيه من المسؤولية الأسرية والتقصير في حق نفسه أولاً ثم في حق أبنائه وأسرته، إذ إن أصول التنشئة السليمة تقتضى وجود الأب والأم أثناء تطوّر الطفل ونموّه.
وأخيرا، أسأل الله أن يؤلف بين قلبيكما، وأن يصلح بينكما، ويهديكما سبيل الرشاد
وبالله التوفيق.