مشكلة عدم إدراك
السلام عليكم ورحمة الله... لدي مشكلة وأتمنى أن تعتبروني أختكم الصغيرة فممكن أن تكون أسئلتي عقلية بديهية لكن أريد الإجابة منكم ... هل من الطبيعي أن أشعر أنني لا أعرف كيف أدرك وجود الله!! يعني إن حاولت أن أشعر أن الله في السماء أخاف أن يصاحب الأمر شيء من الممنوع الشعور به اتجاه الله لأن الله لا يمكن أن ندرك وجوده ... ومن وجه آخر لا أعلم كيف الإنسان المسلم الطبيعي يكون إيمانه وتعامله مع الله!!
هل الطريقة الصحيحة أني لما أذكر الله أشعر أن الله غيب وأني أذكر أنه شيء غير موجود معنا؟ والمشكلة الأكبر هي وقت السجود ... لا أعلم كيف أسجد لله!! أنا أشعر أنني لا أستطيع أن أفكر بطريقة صحيحة ... حتى كانت تأتيني صور وكنت لست مدركة أن الله شيء وهذه الصور شيء آخر ... يعني كنت أجعلها شيء واحد لكن بعد فترة طويلة أدركت أن الله شيء فوق السماء (حتى شعرت أني كنت غير مؤمنة به) وأن هذه الصور إنما هي مجرد صورة في دماغي وليست الحقيقة الخارجية.
حتى إذا قرأت عن اسم من أسماء الله أو صفة عنه أشعر أنني كنت أؤمن بضدها، يمكن لأني لم أتقبل الإيمان بالله بشكل فيه تقبل مجهول والاعتراف بعدم المعرفة أو الإحاطة به (أي إيمان بالله بشكل مجمل مثل أي شخص مثلا يدخل في الإسلام فيؤمن بوجود الله ثم يتعلم عن الله شيئا فشيئا فلا يجد في نفسه انتقاضات لأنه بالأصل طريقة إيمانه صحيحة، وهذا الذي أفتقده أنا يمكن)
للعلم أنه يوجد لدي أفكار أخرى أيضا لكن لا أريد أن أطيل عليكم
فما تشخيصكم لطريقة التفكير هذه والأفكار ذاتها؟؟؟
30/4/2022
رد المستشار
قرأت رسالتكِ يا "Samia"، وفهمتُ قدْرَ ما فتح الله سؤالك، واستشكالكِ، وأسأل الله أن يفتح لي في الجواب، ولكِ في الاستقبال.. آمين... أقول: بعد بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على الصادق الأمين، وآله وأصحابه أجمعين، أما بعد
- تختلط عليك بعض المفاهيم، وتداخل عندكِ المعاني، وهذا يحتاج إلى ضبط التصورات لأنه تلقائيا تنضبط الحقائق في الذهن تباعا.
تقولين ...
أولا: (هل من الطبيعي أن أشعر أنني لا أعرف كيف أدرك وجود الله)؟.
نعم، طبيعي جدا، لأن الإدراك يعني: الإحاطة بمعرفة حقيقة الذات العليّة، وهذه معرفة مستحيلة، ليس لنا أن نحيط بالله... (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير).
لكن ....
١- عدم الإدراك لا يعني عدم المعرفة بالله -جل جلاله-، لأن المعرفة به -جل جلاله- لا تتلخص في إدراك حقيقة الذات العليّة، بل وفي الحقيقة ما يهمنا نحن في التعامل مع الله هو معرفة صفات هذا الإله، فذاته -جل جلاله- لا تحدد المعاملة، والتواصل بيننا وبينه -جل شأنه-، وإنما ذلك لصفاته -جل شأنه-، بل ذلك حتى في تعاملاتنا مع بعضنا ... فعندما نريد أن نتعامل مع أحد ... فإن معرفة ذات الشخص، من طول وعرض وشكله وهيئة ليس هو ما يحدّد سيْر العلاقة وضبطها، بل إن صفاته هي التي ينبني عليها كل هذا، ولله المثل الأعلى، وتعالى الله طبعا عن الطول والشكل والعرض وإنما ذلك للمثال والتوضيح.
٢- عدم الإدراك للذّات لا يعني خلل في الإيمان به -جل جلاله- على العكس تماما، "عدم الإدراك" له دلالة أخرى هو أنك تتفكرين في الله -جل جلاله-، وهذا لا شك دليل إيمان، فقط يلزم وضع بعض المفاهيم والتصورات في مكانها.
مثلا:- قال الله تعالى (لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار) ،قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "تفكروا في صفات الله، ولا تفكروا في ذات الله" .... الأثر الشهير "كل ما خطر ببالك، فالله خلاف ذلك".
كل هذه الأخبار لكي تفْصِل في العقل بين أمرين:
١-التعامل مع الله.
٢- محاولات إدراك ذات الله، أو تصوّر الذات على صورة معينة .. تعالى الله.
لكن .....
يمكن صُنْع حيلة صغيرة بها نُنَحِّي الصور التي تَرِدُ على ذهنكِ أثناء الصلاة، أو أثناء التفكّر في الله -جل جلاله- وهو صُنْعُ صورة ذهنية بديلة مكونة من كلمة واحدة هي "الله" واجعلي حروف الكلمة عبارة عن نور ... فالله -جل جلاله- فحين تحدث عن نفسه قال -جل شأنه- (الله نور السموات والأرض...) ... اصنعي هذه الصورة معي الآن، واستحضري هذا الصورة الجديدة كلما روادتْكِ الصور القديمة، ومع التكرار والمدوامة ستحضر دوما هذه الصورة الجديدة في ذهنك عن الله -جل جلاله-، وبهذا نكون عالجنا أيضا نقطة استشعارك أن الله غيب بمعنى ليس موجود كما ظننْتِ.
٣- بالنسبة إلى السؤال الذي تفضّلْتِ به وقلتِ: هل الطريقة الصحيحة أنّي لما أذكر الله أشعر أن الله غيب وأني أذكر أنه شيء غير موجود معنا؟
- هنا معنى "الغيب" غائم جدا عندكِ، فالغيب: لا يعني عدم وجود الله معك أو معنا.
- يحضرني موقف أذكره لكِ ... كنتُ أدرس أدلة وجود الله مع شيخ لي وكان من أجمل ما يقوله: (متى غابَ "الله" حتى يستدل عليه؟!) .. هنا يوضح الشيخ فرْقا يعتبر صوفيا أكثر في معنى الغيب.. نعم هو غيْب لكن بالنسبة لنا من جهة معينة هي الرؤية العينية، لكن من جهة الحقيقة فالله ليس غائبا، إذ كيف يغيب من يُمسك السموات والأرض عن أن تزول، كيف يغيب من يرزق كل يوم العباد، كيف يغيب من يعلم السر وأخفى؟!!
يقول الله تعالى: "وهو معكم أينما كنتم" فاعلمي أن معكِ بمعيته ورعايته وحفظه، يسمعكِ، ويراكِ، وأقربُ إليكِ منكِ، وأعرفُ منكِ بنفسكِ... فقط وفقط ليس لنا إدراك لذاته -جل جلاله-، وعدم الإدراك لا يعني عدم الحضور معنا، الله حاضر معنا -جل جلاله- (وإذا سألكَ عبادي عني فإني قريب)، لكن حضور ليس بالذات، كيف؟ لا نعلم، لكننا نعلم في الصلاة وفي السجود، وفي قصص الذين استجاب الله أدعيتهم، وفي قصص الذين كانوا مضطرين إليه ولم يخذلهم، وفي قصص الذين قلوبهم تعيش معه على الدوام ولا تغفل عنه أبدا.. جعلنا الله منهم.
تقولين:"أي شخص مثلا يدخل في الإسلام فيؤمن بوجود الله ثم يتعلم عن الله شيئا فشيئا، فلا يجد في نفسه انتقاضات لأنه بالأصل طريقة إيمانه صحيحة، وهذا الذي أفتقده أنا يمكن" هذا الإيمان بوجود الله الذي قلتِ عنه يتعلّمه المسلم الجديد.. والذي فيه مشكلة معك لأنك لم تتعلميه أو لا تعرفين إليه سبيل ...
أولا:- هذا الإيمان المتعلق بهذا الوجود الإلهي ليس إيمانا فارغا أو إيمان بشيء في فراغ، فيؤمن به صاحبه على أوامر من الدين وانتهى، بل هو إيمان ممتلئ تماما، هو إيمان بشيء يجد القلب معه امتلاء تام لفجوة ما؟! داخل القلب امتلائا تاما،
- شعور حقيقي بشيء موجود يملؤ في الروح معاني الاطمئنان والسكينة، وهذا الشعور الذي يملؤ القلب هو الذي يجده -على حد وصفك- المؤمن الجديد، ليس لأنه تعلّم الإيمان بطريقة صحيحة، بل لأنه أدرك في قلبه الفرق العميق ما بين الأمرين، (أمر الإيمان/ وأمر ما قبل الإيمان) ولأننا قد آمنا من صغرنا لا نستشعر هذا الامتلاء الروحي بهذا الفارق الذي يجده المؤمن الجديد.
لكن .... هناك لا شك طرق كثيرة يمكن معها أن يجد الإنسان هذا الشعور الكامل داخل قلبه.
منها مثلا:- "الذكر" ... يمكن أن تجعلي لكِ وِرْدا من الذكر (استغفار أو صلاة على الحبيب أو لا إله إلا الله ... أو الله) -على نية ضبط معاني الإيمان، واستشعار معاني القربى، وطرد الصور السيئة- وتلتزمين وقتا معينا وعددا كبيرا ما شاء الله لك وفتح لك، لكن حاولي أن تتخطى الخمسمائة أو الألف صباحا أو مساءا أو صباحا ومساءا ... فإن هذه أقصر طريقة لاستشعار قلبك سريعا معاني الإيمان والتواصل مع الله جل جلاله ونفي المشتتات والوسوسات والظنون والصور التي تلاحق ذهنك.
مثلا: الدعاء، لكن باستشعار قلبي وإقبال تام على الله ولو في سجدة واحدة أو ركعتين قضاء حاجة، مع التأكيد على النية ... نية الصلاة لدفع الصور وضبط الإيمان في القلب، لكن الذكر أسرع في تحصيل الأمر، لأن فيه سلوك ذهني يأتي بالأمر المُراد سريعا -سبحان الله-.
واقرئي على مجانين:
وسواس التشكك الكفري : العجز عن الإدراك إدراك !
التعليق: السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته جزاكم الله خيرًا أختي أ.شيماء على هذه الإجابة التي حرصت على قراءتها للاستفادة مما فيها من طريقة إجابة أو أدلة قد تكون خافية علي... لفت نظري قول السائلة: (يعني إن حاولت أن أشعر أن الله في السماء أخاف أن يصاحب الأمر شيء من الممنوع الشعور به تجاه الله لأن الله لا يمكن أن ندرك وجوده ........ والمشكلة الأكبر هي وقت السجود ... لا أعلم كيف أسجد لله!!) إن الله تعالى ليس له جهة، لأنه هو خالق الجهات والزمان والمكان، فإن قلنا إن له جهة معينة، فأين كان عندما لم يكن هناك زمان ولا مكان؟ ثم إن الأرض كروية، فالسماء بالنسبة لمن هو في القطب الجنوبي تكون أسفل منا!! فكيف يحسن أن نقول إنه في السماء؟!! ولا أدري إن كان هناك علاقة بين هذا وبين قولك: (لا أعلم كيف أسجد لله) هل لأنك تتخيلين الله في السماء، فيتعارض مع السجود على الأرض؟ هذا الإشكال سيزول عندما تنفين عن الله المكان والزمان... استشعري معاني العظمة والقدرة والكرم، إلخ...، واملئي قلبك بهذه المشاعر...