السلام عليكم
حثتني ثقتي فيكم على أن أقصدكم في أمر في غاية الأهمية بالنسبة لي، أمر مصيري في حياتي وينعكس كذلك حتى على مصيري في آخرتي. وسؤالي كالتالي: هل صحيح أن الله قد خلق آدم لعمارة الأرض وحواء لعمارة آدم؟ هذا الموضوع يحيرني ويؤرقني كثيرا.. أكثر مما يتصور أحد بساطته.
أنا فتاة طموحة جدا، لدي أهداف وأفكار عديدة، أحب تطوير نفسي دائما وأحب أن أنجح في كل ما أفعل، وأحب مساعدة من حولي والآخرين، كما أحب خدمة المجتمع والمساهمة ولو بجزء بسيط في إخراجه من ظلمته.
لكني الآن أجدني أعيد النظر في عدة مشاريع كنت أنوي القيام بها، لماذا الآن؟ لأني مقبلة على الزواج، قد يتم ذلك في العام القادم إن شاء الله.. أرى في مشروع الزواج مسؤولية كبيرة خاصة فيما يتعلق بالأطفال وتربيتهم في مجتمع لا يخلو من المخاطر، وتربيتهم تحتاج كثيرا إلى تفرغ لا بأس به، سواء تفرغ من ناحية الوقت أو تفرغ معنوي ورحابة صدر تسع كل ما يجب ويستحب فعله.
ما أرجوه وما أبتغيه هدفا في حياتي يرتبط به كل ما أقوم به، هو "رضا ربي" .. إني مع كل آمالي وكل طموحاتي وأحلامي في الدنيا أفضل رضا ربي في الدنيا والآخرة. لا أريد أن أعيش خبط عشواء، ولا أن أرسم خطوط حياتي هكذا جزافا، ولا أحب فعل شيء لست مقتنعة به تمام الاقتناع، لكن إن حدث واقتنعت به فلن أتخلى عنه أبدا إلا إذا ثبت العكس.
قد يقول قائل: إنه لا تعارض بين عمارة آدم ومشاريعي أو أهدافي، فأقول إني فكرت في ذلك، ووجدت أنه فعلا منها ما لا يتعارض، أهمها مشروع لدي طالما خططت له وانتظرت أن يحين الوقت للشروع فيه، وهو إنشاء روضة أطفال هادفة مربية، لا تكون مجرد "حضانة" فقط.
ولا أخفى عليكم أن مشروعا في صورة مؤسسة هدفها الإشراف الكامل على تنشئة أطفال هم في مرحلة مصيرية لها الدور الأهم في تحديد مستقبلهم ومستقبل شخصياتهم يحتاج لأن أكون مسئولة عنه بشكل مباشر، وهذا يتطلب وقتا وتفرغا نسبيا وبعضا من التضحيات التي ترتبط بأسرتي.
إن ما يدفعني للرغبة في العمل عموما هو أني أحب "الإنجاز"، ولا أريد لحياتي أن تقتصر فقط على إنشاء أسرة ورعايتها، مع العلم أني لا أنتقص أبدا من أهمية إنشاء أسرة، ثم ما يدفعني إلى اختيار مشروع الروضة تحديدا هو إيماني بأني أستطيع عمل الكثير في هذا الميدان، وإيماني بأهمية هذه المرحلة من حياة الإنسان وأسفي على ما تنقله رياض الأطفال من "تفاهات" إلى أطفال أبرياء، ورغبة مني في استغلال شيء من إمكانياتي لصالح أمتي.
لو كان الله، فعلا، قد خلقني لعمارة آدم، وأن هذا هو ما يرضيه أكثر عني، وأنه أصلح أمر لي في ديني ودنياي لتركت كل شيء... كل شيء، وذهبت إلى رضا ربي... والله شاهد على ما أقول.
آسفة على الإطالة، أرجو ألا أكون أثقلت عليكم،
جزاكم الله كل الخير، وأدخلكم جنة الفردوس العليا، آمين.
2/5/2022
رد المستشار
الأخت الفاضلة... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أسعدتني رسالتك بما فيها من معان سامية، وهمة عالية، وطموحات مشروعة وواقعية، ولا ينقص من ذلك مخاوفك من تعارض طموحاتك وأحلامك مع دورك تجاه زوجك وتجاه أسرتك، ولكن لا أخفيك أنني استشعرت تمردا خفيا على دور المرأة في الحياة أو ربما في مجتمعاتنا -كما يصوره بعض الناس- على أنه دور تكميلي ثانوي، وكأن آدم هو الأصل وحواء هي ديكور الحياة أو وسيلة ترفيه له وفقط، أو أن العلاقة بآدم هي علاقة مسكونة بالصراع والتحكم والاستبداد والإلغاء للمرأة واحتياجاتها وطموحاتها.
ربما يكون هذا هو تصور بعض الناس أو كثير من الناس ولكنه ليس بالضرورة التصور الديني الصحيح، وليس بالتصور الإنساني السليم؛ فالله سبحانه وتعالى خلق آدم وحواء متساويين في الحقوق ومختلفين في الأدوار، وكلاهما مكلف بالعبادة لله التي من ضمنها عمارة الكون، وكل يعمر الكون من خلال طبيعته وملكاته، وليس متصورا أن الله العادل يخلق الرجل كمنتج درجة أولى والمرأة كمنتج درجة ثانية، تعالى الله عن هذا الجور وهذا العبث. وربما لا يكفي نطاق هذه الرسالة لتتبع وذكر الآيات التي تعطي لكل من الرجل والمرأة حقهما، ولكن يمكن الرجوع إلى ذلك في آيات كثيرة في القرآن الكريم.
وحيرتك ربما يقللها ترتيب الأولويات في المراحل المختلفة؛ فمثلا ربما تكونين مشغولة جدا ببناء بيتك وأسرتك في السنوات الأولى للزواج؛ حيث يتطلب ذلك وقتا أطول للقرب من الزوج والحمل والولادة ورعاية الأطفال، وهذا لن يمنعك تماما من ممارسة بعض الأعمال، ولكن في مراحل تالية من العمر؛ حيث يكبر الأولاد وينشغل الزوج بأعماله ومشروعاته، وتصبح أحوال الأسرة أكثر ثباتا، عندها ربما تجدين أمامك وقتا أطول للعمل في المشروعات العامة خارج البيت، خاصة أن ما تفكرين فيه من عمل حضانة تربوية هو مشروع رائع ومناسب لطبيعتك كأنثى، وهو يشكل رسالة عظيمة تليق بشخصيتك الناضجة وتطلعاتك النبيلة وسعيك لرضا ربك.
والعلاقة بآدم تحت ظلال الإيمان لا تحمل ذلك النوع من الصراع الذي يتحدث عنه من افتقدوا نعمة الإيمان؛ لأن الله سبحانه قد جعل تلك العلاقة قائمة على ثلاثة أركان هي السكن والمودة والرحمة، وهى أشياء تضمن السعادة للطرفين ليس فقط في الدنيا، وإنما أيضا في الآخرة.
والحب في كنف الأسرة المسلمة شيء لا يوصف؛ لأنه يربط الدنيا بالآخرة ويربط الأرض بالسماء، ويتيح آفاقا من الاستمتاع الحلال لا يدانيه شيء في الدنيا. ومن نعم الله أن كلا الزوجين يُؤْجَرَان على حسن العلاقة ويؤجران على ما يستمتعان به معا، ويؤجران على تربية الأبناء، ويفرحان بهم في الدنيا والآخرة.
فإذا استقرت هذه الصورة الصحيحة عن العلاقة بآدم... وعن طبيعة العلاقة الزوجية وطبيعة الحياة الأسرية، فإننا نتصور أنك سوف تقومين الآن لتتوضئي وتصلي ركعتين تطلبين في دعائك فيهما وأنت ساجدة أن يرزقك الزوج الصالح الذي تقر به عينك ويعينك وتعينيه على أمور الدنيا والآخرة، وأن يرزقكما الذرية الصالحة التي تمثل امتدادا لفعل الخير في هذه الدنيا، ومصدرا للدعوات الصالحات بعد الممات.
هذه هي قصة الحياة، وقصة العلاقة بين آدم وحواء كما علمنا إياها ديننا الحنيف... ولهذا فنحن نسعى لإقامة الحياة الزوجية والحياة الأسرية كجزء من عبادتنا لله وعمارتنا للكون.