مشروع اجتماعي مفيد
أنا متزوجة وأقولها وبكل ثقة: إنني سعيدة جدا؛ فأنا وزوجي بيننا تقارب كبير في الأفكار والثقافة، ولي ثلاثة أبناء، بفضل الله على خلق ودين، أكبرهم 10 سنوات.
أخذنا أنا وزوجي على عاتقنا الإصلاح للأسرة، ثم العائلة والمجتمع، والحمد لله وفقنا إلى حد كبير، لكن بعد كل ذلك فوجئت بزوجي يقترح عليّ مشروع الزواج من أخرى لم يحددها بعد، لكن ظل يناقشني كثيرا في المبدأ إلى أن وافقت أن يتزوج؛ وذلك لقناعتي بأهمية التعدد وخاصة في زماننا، واتفقنا على شروط من يتزوجها، وقد تتعجبون لتجاوبي مع زوجي في هذا الأمر، لكن الأسباب التي طرحها كانت مقنعة، أحدها أن يتركني أنطلق للمجتمع وأسانده في هذه الفكرة، وبذلك نطرح نموذجا في المجتمع للزواج بطريقة مثالية.
هل ما أقدم عليه أمر غريب وقد يتعبني مستقبلا؟ وهل سيحطم المجتمع من حولي هذه الأفكار؟ وهل هذه التجربة ستكون ناجحة بناء على الأهداف التي ذكرت؟
علما أن زوجي إذا أصر على شيء لا يتنازل عنه إلا بأمر شرعي، وليس لدي مخرج شرعي، لا أخفيكم سرا أنني متخوفة جدا من هذه التجربة. وقد سألت المتزوجات اللاتي تزوج أزواجهن عليهن فشعرت بالألم وتوقفت عن الأسئلة.
أريد دعما لمبدئي، وهل طريقتي مع زوجي سليمة؟
وكيف أضمن عدم الغيرة؟
27/5/2022
رد المستشار
سعدت أيما سعادة بالتواصل مع إنسانة ناضجة وواعية لأهمية دورها ودور أسرتها في المجتمع، حيث يمثل الدور الذي تقومان به بدايات لتفعيل "الأسرة كوحدة من وحدات المجتمع المدني"، وهو موضوع أعتبره الآن في قائمة أولوياتي، وقد تتاح لي الفرصة في مشكلة قادمة للحديث حول رؤيتي لهذا الأمر، وتناول تجربتكما بنوع من التوثيق يعتبر مهما وضروريا حتى يمكننا إخضاعها للتقويم والتحليل ولتكون مثالا يحتذى ونموذجا قابلا للتكرار.
في الواقع أجد أن رسالتك قد شغلت مساحة لا يستهان بها من تفكيري في الفترة السابقة؛ لأنها فيما أذكر أول رسالة تأتينا من زوجة يعرض عليها زوجها فكرة الزواج الثاني ولا تصاب بحالة التشنج والرفض غير المبرر، ثم تتساءل بموضوعية وعقلانية عن تأثير هذا الزواج على أسرتها، وكيف يمكن التغلب على آثار هذا الزواج السلبية على هذه الأسرة.
والحقيقة أن سبب تأخري في الرد عليك يكمن في أنني كنت أحاول أن أحلل جوانب الموضوع بحيث لا يقتصر الرد على اقتراح بالموافقة على هذه الفكرة أو رفضها، ومن نظرتي للقضية التي تثيرينها يمكننا أن نلمح النقاط التالية:
أولا: لماذا يرفض مجتمع الزوجات فكرة تعدد الزوجات تماما ويعتبرها نهاية العالم؛ حتى إن إحداهن كانت تناقشني وهي محتدة جدا ولسان حالها ينطق بما لم تنطقه بلسانها عن نظرتها بأن التشريع الإسلامي يظلم المرأة أيما ظلم حينما يبيح التعدد؟ (ولقد اخترت مجتمع الزوجات بدلا من مجتمع النساء لوجود نسبة لا يستهان بها من فتياتنا الآن ترحب بأن تكون زوجة ثانية، في مقابل أن تستمتع بمميزات الزوج الناضج، والذي يستطيع أن يوفر لها كل متطلباتها بعيدا عن صعوبات البداية، ويتيح لها أن تتحمل مسئوليات الزوجية بعض الوقت فقط)، ثم لماذا يرحب مجتمع الرجال بهذه الفكرة على طول الخط؟
المشكلة عندنا -رجالا ونساءً- أننا أصبحنا نتعامل مع كل أمورنا بسطحية منقطعة النظير؛ فالمرأة تتخيل أن زواج زوجها من أخرى سيكون وبالا عليها على طول الخط، وأن الحياة في هذه الظروف ستكون مستحيلة، بينما يتصور الرجل أن التعدد سيوفر له حلولا لكل مشكلاته وأنه سيرفل في بحور من السعادة حتى يلقى الله ليتمتع بزوجاته المتعددات ومعهن الحور العين؛ فتعدد الزوجات سيوفر له الإشباع العاطفي والجنسي وسيبعد عنه شبح الملل الزوجي وسيجعله ينام قرير العين لأنه أدى دوره نحو المجتمع لأنه شارك بجهده في حل مشكلة العنوسة ومشكلة الأرامل والمطلقات.
والواقع أن كلا التصورين ساذج وسطحي، فالزواج الثاني مسئولية تضاف إلى مسئوليات الزوج، حيث يصبح ربانا لسفينتين في بحر متلاطم الأمواج وعليه أن يحسن قيادة وتوجيه دفتي السفينتين حتى يصلا لبر الأمان ولا يحسن القيام بهذا الدور إلا رجل آتاه الله سبحانه القدرة على هذا، وأعانه بزوجتين تتمتعان بقدر من الحكمة والعقلانية والقوة بحيث يمكن أن تعيناه على تحقيق التوازن، ويمكنكما معا أن تراجعا مشكلتي: "الزواج الثاني.. قيد على قيد" و"الزواج من ثانية.. وسيكولوجية الرجل الشرقي".
وخلاصة ما أريد قوله إن الحياة في ظل التعدد هي حياة لها مشاكلها وتوابعها وسلبياتها وكذلك بها جوانبها الإيجابية، والنجاح في هذه الحياة لن يتأتى إلا بمعرفة السلبيات وإعداد العدة للتغلب عليها والتعرف على الإيجابيات ودعمها.
ثانيا: إذا وصلنا لهذه النقطة فقد يكون من المفيد أن نناقش معا وهم أن زوجك يريد أن يتزوج ليسمح لك بالانطلاق في المجتمع، والحقيقة أنني لم أفهم ما يقصده من هذا الأمر، وقد يكون حديثه مبررا إذا كنتما بغير أطفال بحيث يسمح لك غيابه بعض الوقت عنك أن تتخففي من مسئولياتك الزوجية، أو إذا كان ينوي أن يتزوج من أخرى تتعهد برعاية أطفالك أثناء انطلاقك وانشغالك في تحقيق طموحاتك أو في خدمة المجتمع!
لكن الأمر جد مختلف مع وجود أطفال؛ لأن معنى زواجه أنك ستتحملين المزيد من مسئوليات الأطفال أثناء غيابه وهذا بالطبع سيؤدي إلى المزيد من الخصم للوقت والجهد والعقل المخصص لطموحاتك الشخصية أو للانطلاق في المجتمع، المهم أنكما لا بد أن تزيحا هذه الفكرة الحالمة وتتعاملا مع الواقع بكل معطياته، وليعترف زوجك لنفسه صراحة أنه يريد الزواج من أجل التغيير والتجديد والتنوع أو من أجل مزيد من المتعة، على أن يكون مدركا لتبعات هذه المتعة (وكما يقولون في المثل الشعبي المصري: مفيش حلاوة من غير نار).
ثالثا: إذا كنا ندرك دوافع الرجال الرئيسية للتعدد، فهل يمكننا أن نحاول أن نتفهم دوافع الزوجة الأولى لرفض فكرة التعدد؟ فالزواج عبارة عن شراكة بين طرفين يتعهد كل منهما ضمنيا أن يكون الآخر المحور الذي تدور حوله حياته، ومن أجل هذا الاتفاق الضمني تقدم الزوجة الأولى كل ما تملك؛ تقدم نفسها وقلبها ووقتها وجهدها وقد تقدم مالها وهي آمنة ومطمئنة أنها ستظل محور اهتمام هذا الزوج والحبيب، وتكون فكرة الزواج الثاني إيذانا أو إنذارا بانتهاء هذه الحقبة؛ لأن الزوجة الجديدة تشغل كل حيز تفكير الرجل، وذلك لأنها الأحدث وقد تكون الأجمل والأصغر سنا، تشعر الزوجة الأولى بطعنة غادرة في أنوثتها وما أقسى أن تطعن المرأة في أنوثتها، وتشعر أنها قدمت كل ما تملك لأجل لا شيء، ينتابها شعور طاغ بأنها مجروحة ضعيفة وتحتاج للدعم من الزوج والحبيب، تحتاج منه أن يقدم لها بعضا مما قدمت في السابق، وتحتاج منه أن يدلل لها على أنها ما زالت محور حياته ... لكن الزوج يكون في هذه الأثناء غارقا في بحور السعادة ولاهيا عن هذه الزوجة المجروحة والتي يمنعها جرحها ويعيقها من أن تدخل في منافسة مع الزوجة الثانية، وقد يدفعها هذا الجرح لاصطناع المشاكل؛ فتصبح مصدر النكد للزوج وهو ما يضاعف من سحب رصيدها عنده.
وقد تمر هذه الأزمة إذا استطاع الزوج بحكمته أن يدرك احتياجات زوجته العاطفية وإذا استطاع أن يحتوي أزمتها وأن يداوي جراحها، وأن يشعرها بكل فعل وقول أنها ما زالت محور حياته، فتعدد الزوجات ينجح إذا توافرت للزوج الحكمة والحنكة التي تمكنه من أن يحل المعادلة الصعبة وأن يشعر كل زوجة من زوجاته أنها هي وحدها محور حياته، ولنا في ذلك أسوة بالحبيب المصطفى الذي قدم لكل زوجة من زوجاته خاتما وطلب منها ألا تخبر أحدا كائنا من كان، وعندما سئل عن أحب زوجاته إلى قلبه قال بأبي هو وأمي: "التي أعطيتها الخاتم" فأين نحن من فقه الرسول الكريم وأين نحن من سنته وهديه؟!
رابعا: حتى تنجح حياتكما في ظل تعدد الزوجات لا بد من أن تتفاهما من البداية على كل الأمور ولا بد من وضع النقاط فوق الحروف، ويجب بأي حال من الأحوال ألا تتركا حياتكما للظروف والأحوال وللرياح تتقاذفها حسبما تريد، ولا بد أن تكون من سترشح للزواج الثاني على علم بكل بنود هذا الاتفاق على أن يترك لها حرية الموافقة أو الرفض أو الاعتراض، ولا يعني هذا أبدا أن الزوجة الثانية ستكون في مرتبة أدنى وليس لها حق الاختيار أو أن الأطراف الأخرى تفرض عليها ما تريده، ولكن هذا الوضع مؤقت لأنها حتى الآن لم تصبح عضوة في الشركة ويحق للعضوين الأصليين في الوقت الراهن أن يقررا وعليها هي أن توافق من البداية أو ترفض الانضمام لهذه الشركة، ولا بد من الاتفاق حول كيفية تقسيم الوقت والمسئوليات والتعامل مع الأمور المادية، من هي الزوجة الثانية وما الشروط الواجب توافرها فيها؟ وهل مسألة الإنجاب من الزواج الثاني مطروحة أم لا وفي هذه الحالة قد يكون من الأفضل أن تكون زوجة عقيما؟
ولا يفوتني أن أؤكد أن العدل المطلوب لا يعني المساواة المطلقة، فأنت زوجة ومعك الآن ثلاثة أطفال صغار، وتقسيم الأموال والأوقات والجهد بالتساوي بين الأسرتين يحمل في طياته ظلما لك ولأسرتك، والتفاهم حول كل أمر من الأمور وحبذا لو كان من خلال بنود مكتوبة بوضوح كصورة من صور العقد الذي توافق كل الأطراف عليه بمن فيهم الزوجة الثانية وأهلها.
خامسا: مشكلة الغيرة ستضمحل جدا إذا نجح زوجك في أن يشعرك دوما أنك ما زلت محور حياته وأن الزوجة الأخرى لم تسحب من رصيدك عنده، ومن الضروري أن يحرص زوجك على أن يشعرك أنه معك في بيته لا بالجسد فقط، ولكن بالقلب والعقل والروح أيضا، ومن الضروري أن يحرص كل الحرص على تجنب المقارنة بين الزوجتين، فلكل ميزاتها وعيوبها المختلفة عن الأخرى، ودخوله حتى إن لم يكن قاصدا لدوامة المقارنة يدفع بحياتكما للمزيد والمزيد من المشاكل التي يمكنكما أن تتجنباها ببعض الحكمة في التعامل.
الخلاصة أنه من الأفضل أن يجعل خصوصيات كل بيت بعيدة عن البيت الآخر، ومن الضروري أن يتعامل بذكاء مع إلحاح أي من الزوجتين بدافع الفضول للتعرف على خصوصيات الزوجة الأخرى.
أختي الكريمة، أقترح عليكما قبل أن تقدما على أي خطوة أن تعرضي ردي على زوجك وأن تتناقشا معا حول كل جزئية من جزئياته، وحبذا لو أطللعتم جمهور القراء على نتاج تجربتكما.