أحتاج رأيكم بشدة
بدأت قصتي منذ حوالي اثني عشر عاما عندما كنت طالبة في السنة الثانية في المرحلة الجامعية، وكنت أرتدي الحجاب الكامل بحمد الله.
في تلك السنة لفت نظري أحد أساتذتي، وكان متزوجا وله طفل واحد، فمكث يراقبني بشدة، ويلفت انتباهي بنظرات قوية، وعندما أنتبه إليه كان يظل ناظرا إليّ ولا يغض بصره، فكنت أستحيي وأخجل وأغضّ بصري وأنصرف.. وأحيانا كان يوقفني ليتحدث إلىَّ في أحوال الدراسة وما إلى ذلك.. فكنت لا أسترسل في الحديث معه بل كنت أجاوب على أسئلته إجابة سريعة لكي أمضي في سبيلي..
واستمر هذا الحال لمدة عامين تقريبا وهو ما زال متزوجا وأنا لم أرتبط بعدُ حتى جاءت السنة النهائية لي في الكلية، وقد عاود هذا الأستاذ النظر إليّ في صمت كذلك، وأنا في حقيقة نفسي أحببته بشدة ولكنني لم أصرّح لأحد بهذا الشعور الذي نما بداخلي؛ لأنني أعرف أن هذا الشعور خاطئ فهو ليس في محله وهذا الرجل متزوج.. فحدثت نفسي بأنني يجب أن أضع حدا لهذه النظرات التي هي سهم من سهام إبليس.. كما أنني قلت: كيف يخون امرأته كل هذه الفترة –سنتين تقريبا– دون أن تعلم!!
لذا عندما نظر إليّ وأنا في السنة النهائية أعرضت عنه بشدة؛ رافضة هذا الأسلوب الرخيص.. عندها انزعج وانصرف وهو غاضب مني فلم أهتم؛ لأن ما بُني على باطل فهو باطل.. وبعدها مباشرة علمت من زميلاتي أنه طلق امرأته.. عندها كنت أحضر جميع محاضراته ولكنني كنت شديدة الخجل غاضة للبصر.. وللأسف أعتقد أن غضّ البصر هذا ما هو إلا إعراض مني عنه.
هكذا مرّت وانقضت السنة دون أن يتقدم إليّ طلبا للزواج؛ لأنه اعتقد أنني أرفضه لأنني لم أبادله النظرات إعلاناً مني على موافقتي عنه!
لذا عندما لم يتقدم لي قررت أن أتزوج، واخترت من هو صاحب الدين والخلق كما أرشدنا رسول الله عليه الصلاة والسلام.. ولكن للأسف لم يكن كذلك بعد أن تزوجت منه وأنجبت طفلين.. وحدثت مشاكل عديدة انتهت بطلاق والحمد لله.. وهنا حدثت نفسي -والله كنت صادقة في هذا- بأنني يجب أن أعود وأستأنف دراستي العليا لكي أشغل نفسي عن أحزاني، ولأنني إذا تحسنت نفسيتي فهذا بالطبع سينعكس على أطفالي.. لذا عدت إلى الكلية لأستأنف دراستي، خصوصا أنني حاولت أن أجد وظيفة لكن كل محاولاتي باءت بالفشل.
عندها عاد هذا الأستاذ لملاحقتي ثانية، مع العلم أنه تزوج للمرة الثانية، وأنجب، ولكنه هذه المرة توقف عن النظر لي، ويبدو أنه علم أنني استنكرت عليه الطريقة، ولم يكن هذا رفضا لشخصه هو.. ويبدو أنه علم كذلك أنني أحبه بطريقة عفوية مني، ولكن دون أدنى تصريح له بذلك.. وهو الآن وبعد مضي اثني عشر عاما يحدثني ولأول مرة بأنه يريد أن يتقدم لي كزوجة ثانية له، كما قال لي: "ما لم يُدرك كله لا يُترك كله"، وبدأ فعلا في الالتزام واختارني لتديني، وإنه يحبني من كل قلبه.
وأنا في حيرة من أمري؛ لأنني فعلا أحبه من كل قلبي منذ كنت طالبة في الكلية وحتى الآن، مع العلم أنه لم يكن له أي تأثير على زواجي السابق؛ لأنني كنت أحمّله مسؤولية عدم تقدمه خطوة نحوي.
وفي نفس الوقت أتراجع وأتساءل: ما هو ذنب زوجته الحالية؟ لماذا أشاركها زوجها؟ وأخشى من الله إن كنت سأظلمها بزواجي من زوجها... وما نظرة أولاده له عندما يتزوجني؟ وما نظرة المجتمع كله له؟
إنني والله أخشى عليه أكثر مما أخشى على نفسي.. وأخشى من المستقبل؛ لأنني والله أصبحت لا أثق في أي إنسان آخر بعد فشل زواجي الأول، وأخاف كذلك على أطفالي.. إلا أنني أتمنى الزواج من هذا الرجل، ولكني أخشى الله من الظلم لأي أحد كان.
لذا أرجو من سيادتكم مشاركتي في حل هذه المشكلة.. هل أقبل أم ماذا؟
وما هي تبعات هذا الموقف سواء بالقبول أو الرفض؟
23/5/2022
رد المستشار
أختي الفاضلة: آه من الحب ... هذا المعلوم المجهول، هذا السر القلبي الذي سلب عقول أحكم العقلاء، حب سنوات الصبا والشباب والأيام الخوالي، هذا الحب أصبح اليوم قريبا منك، أصبح قاب قوسين أو أدنى.
لقد نطق أخيرا حبيب العمر الذي تمنيت الوصال به، والذي لم يفارق خيالك حتى وأنت زوجة لغيره، يخفق القلب منتشيا، يطير ويغرد، فقد حان الوقت لتسكن جراحه وتهدأ بلمسات الحبيب الحانية، أظن أن لسان حالك الآن يردد: من يملك أن يحرمني من النيل من أسباب السعادة؟ ومن يستطيع أن يمنعني من شرب الكأس حتى الثمالة؟ كل ما أخشاه فقط أن تكوني كالظمآن في نهار الصحراء القاسي، يجري وراء سراب يصوره له خداع البصر ماءً زلالا، ويظل يلهث خلف هذا السراب حتى يهلكه العطش، ورجائي لك في هذه الأوقات أن تضعي اعتبارات القلب جانبا لتنظري للأمور بعين العقل واعتباراته؛ لأن من يبحر في خضم الحب مستعينا فقط بمجداف القلب مع إهمال مجداف العقل يوشك أن يغرق في الحب وبحوره..
لهذا فإن عليك أن تضعي الأمور الآتية نصب عينيك وتتدارسيها جيدا لتتمكني من الاختيار على بينة:
1– من الواضح أن قراراتك -ومعذرة يا أختاه- تتسم بالتسرع، وأن حكمك على الناس ينبني على المظاهر والعواطف فقط.. فهذا الأستاذ "أحبه وأريده فقط، وكل ما أعرفه عنه هو نظرات عينيه الجريئة، وأنه تزوج ثم طلق ثم تزوج ثانية وعنده طفلان" ... وإذا كان الحكم بهذا المنظور مقبولا في سنوات الجامعة لانعدام الخبرة، فمن العبث أن تظل هذه النظرة القاصرة حتى الآن وبعد تجربة زواجك المتسرع الفاشل. لا بد من نظرة فاحصة ومدققة للتعرف على عيوب هذا الأستاذ ومميزاته، وهل يتوافر فيه كل ما تريدينه في شريك الحياة؟ وهل عيوبه مقبولة بالنسبة لك؟ وما مدى التزامه الديني والأخلاقي؟ وكيف يمكن قياس ذلك بعيدا عن قوله إنه أكثر تدينا الآن؟
ما أسباب فشل زواجه الأول؟ ولماذا كان يتطلع إليك في هذه الأثناء؟ ولماذا يريد الزواج الآن وقد ترك الأولى وتزوج من ثانية؟
هل هو من الرجال دائمي التطلع للنساء الأخريات؟ وهل إن كان من هذا النوع ستتحملين أن يأتي إليك أو أن تعلمي أنه تزوج من ثالثة ورابعة؟
2– يطلب منك الزواج، فما خطته وخطتك لإنجاح هذا الأمر الخطير؟ هل ينوي الزواج سرا حتى لا تعلم زوجته؟ فماذا لو علمت وخيّرته بينك وبينها واختارها لمصلحة ابنه منها؟ ثم هل عنده القدرة على فتح بيتين ورعاية أسرتين وتوفير الاحتياجات المادية والمعنوية والعاطفية وحتى الجنسية لزوجتين؟
وهل يقدر على العدل ومقتضياته؟ وهل تقبلين أنت بنصف زوج ونصف أب لأبنائك؟ أم أنك ستدركين بعد انقشاع غشاوة الحب، وبعد ذهاب السكرة وعودة الفكرة أن هذا الأمر ليس سهلا ومن الصعب التكيف معه؟
3– تقولين: "أخشى عليه ولا أخشى على نفسي"، ولكن أين أولادك؟ وما وضعهم في هذا الأمر برمته؟ وهل سيقبل بوجودهم في حياتكما أم أنك ستتركينهم لوالدهم؟
4– تخافين من نظرة المجتمع وأقوال الناس، والأمر أكبر من ذلك؛ فأقوال الناس يجب أن تكون آخر ما نفكر فيه إذا اقتنعنا بسلامة موقفنا ونبل مقصدنا.
5– لم تذكري شيئا عن ملابسات زواجك الأول، إلا أنك اخترت من هو على خلق ودين، ولكنك أدركت بعد الزواج أنه ليس كذلك، فما دلائل انعدام الخلق والدين عند زوجك؟ وهل صبرت عليه صبر الزوجة المحبة لزوجها حتى يبرأ من عيوبه؟ وما الجهد الذي بذلته لإصلاح هذه العيوب؟ أم أن الهروب كان أسهل اختيار؟ وهل هناك إمكانية لعودة الأمور بينكما ثانية ومحاولة التأقلم مع عيوبه لأجل أطفالكما؟
أختي الحبيبة، لن يخلو آدمي من عيوب؛ فزوجك السابق له عيوبه الشخصية، وأستاذك له عيوبه أيضا ولكنك لا تدركينها؛ لأنك لم تعاشريه حال غضبه وتعبه، ولأن عين المحب تخفي المساوئ، وهذا بالإضافة للملابسات الاجتماعية المحيطة به وتركه زيجتين، إحداهما ما زالت مستمرة ... لذا لا بد من أن تعتمدي نهجا آخر في حياتك قوامه مواجهة المشاكل بدلا من الهروب منها.
أختي، خلاصة القول في حالك أن تتدارسي أمورك جيدا، واضعة نصب عينيك كل ما ذكرته لك، واعتبارات أطفالك؛ لأنه لن يهنأ لك بال وأولادك يعانون ويتألمون، فإن رجحت كل الحسابات خيار الارتباط به،
فتوكلي على الله بعد استخارته عز وجل والضراعة إليه أن يسدد خطاك وأن يوفقك لما فيه خير الدنيا والآخرة، ولا تنسي أن توافينا بالتطورات.
ويتبع>>>>>> : نظرات وعطش.. هل تبني بيتا ؟ م. مستشار