سؤالان لممنوعتين من النت
ربما لن تصدقوني لكن والله هذه هي الحقيقة فنحن نعيش في إحدى مراكز محافظة في صعيد مصر، ولكل واحدة من البنتين حكاية وحوار مع أهلها وصلت لحرمان من النت، أنا يمكن أهلي متفتحين نوعا لأنهم متعلمين والحمد لله عن بنتهم راضيين... أرجو ألا تعترضوا على عدم إرسال صاحبة المشكلة بنفسها لأن في مجتمعنا ممكن الحرمان من النت عشان سمعتها وحشه المهم دول السؤالين زي ما كتبوهم على الورق لي
السؤال الأول:
مشكلتي تدور حول أني أفتقد الحنان ليس حنان الأم ولا الأب فأنا من عائلة متدينة ومتحابة ومترابطة، والحمد لله يسود الحب والحنان بين أفرادها، ولكن أحس أني بحاجة لحنان رجل، وأتمنى أن أكون متزوجة من رجل يحيط بي ويحميني ويضمني ... وأنا أتعذب جدا عندما أرى فتاة تجلس مع خطيبها أو حبيبها أو زوجها، حتى إنني أتمنى أن أكون مكانها ... كلما رأيت شابا وسيما تمنيت لو أنه حبيبي ورفيقي.
وأنا أحس أن لي شهوة جنسية كبيرة، ولكن والحمد لله لم أرتكب الحرام، وأدعو الله أن يجعلني أُشبع ذلك بالحلال، وأحاول دائما غض البصر وعدم الاحتكاك بالجنس الآخر، وزاد هذا الحال عندي بعد دخولي للجامعة لأنها مختلطة.
أرسم دائما في مخيلتي حياتي مع رجل معين، وكيف أعيش معه، أتمنى أن أجد ذلك الإنسان الذي يأخذني بين يديه ويعطيني ما أريد، وأنا لن أبخل عليه بل سأكون خير الزوجة (هذا الذي أتمناه وسأسعى له) ... وفي الوقت نفسه أنا أعرف أن أهلي لن يوافقوا على خطبتي بأي شاب إلا بعد أن أنتهي من تعليمي أو على الأقل أكون في السنة الرابعة بالجامعة، برأيكم ما هو الحل لوضعي؟ وهل هو وضع طبيعي تعاني منه أكثر الفتيات؟.
السؤال الثاني:
أنا فتاة أبلغ من العمر 22 عامًا، أعيش في أسرة متواضعة، والحمد الله جميلة، حرمت منذ طفولتي من حنان الأم الذي هو الصدر الدافئ والحنان الذي لا يعوضه أحد في هذه الدنيا مع أنها على قيد الحياة، ونعيش في منزل واحد؛ فهي لا تدري عني شيئا سوى ماذا آكل؟ وماذا أشرب؟ ومتى أنام؟ لا شيء غير ذالك، وباقي الإخوة كل واحد بهمه، والأب مغترب طوال الوقت لا مجال لي للبوح أو الحديث بما حدث معي طوال النهار.
حاولت البحث عن هذا الحب الضائع والحنان المفقود خارج المنزل، فأحببت شابًّا وجدت فيه كل ما افتقدته في حياتي وفي منزلي المكان الذي أشكو منه وأبكي فيه، لكن بعد سنة من معرفتي به اكتشفت أنه متزوج؛ فاحتقرت نفسي وكدت أنتحر، وبعد فترة حاولت أنه أنهي الحديث معه لكن بلا فائدة، وبقيت علاقتي به حتى الآن، لكن لا أفكر به إلا كأخ وإنسان يسدي لي النصيحة، ولكن الحب انتهى.
وما زلت أبحث عن الحب الذي يعوضني حرمان السنين إلى أن تعرفت على صديق لأخي، دخل منزلنا، ويمكن القول بأنه أصبح من أهل البيت ... أحببته، لكن لا أدري ما شعوره نحوي؟ فلم يصارحني بشيء، لكن هناك أشياء يحس بها الإنسان ولا تقال، وأريد أن أعرف شعوره نحوي ولا أدري ماذا أفعل؟ هل أصارحه فأنا لا أقوى على ذلك؟ هل أبقى صامتة؟ وهل أنا أتوهم الحب فقط من أجل تعويض ما فقدته طوال حياتي؟ لا أدري
أرشدوني؛
فأنا ضائعة وتائهة وأكاد أموت.
17/5/2022
رد المستشار
صديقتنا صاحبة السؤال الأول رغم أنها وجدت حبًّا مع أبيها وأمها فإن هذا الحب لم يشبع احتياجها لذلك النوع "الآخر" من الحب. أما صديقتنا صاحبة السؤال الثاني فهي أسوأ حظًا لأنها لم تجد لا هذا ولا ذاك .. البشر إذن سواء رشفوا من صنوف الحب الأخرى أم لا، يظل العطش لهذه الكأس بالذات موجودًا.
أحسب أن فارق السن بيني وبينكما لا يمنعني من أن أحلق معكما في سماء الحب والأحلام والرومانسية، وأن أعترف: ما أجمل هذا الحلم الذي تحلمان به .. أقدم حلم في تاريخ البشرية، وأول حلم راود الأنثى على سطح الأرض: الفارس ... والجواد الأبيض.
الرجل الذي "يعوضني حرمان السنين" -كما تقول صديقتنا الأولى- و"الذي يحفظني ويحميني ويضمني، ويعطيني كل ما أريد بالحلال" كما تقول صديقتنا الثانية... الرجل الذي يلبي الاحتياجات الوجدانية والجسدية التي لا يمنحها إلا هذا النوع من الحب دون غيره. ولكن فارق السن بيني وبينكما يحتم علي أن أهبط معكما قليلا إلى أرض الواقع لأضع هذا الحلم الجميل في إطاره.
1- الأرض التي نعيش على سطحها هي في الأصل دار عمل (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا)، ولكن الله سبحانه وتعالى جعل هذه الحياة مطعمة بالكثير من المتع والنعم، ليس ليبتلينا بها فقط كما يحسب البعض، ولكن حتى لا تكون الحياة مستحيلة، فنحن لسنا آلات أو ماكينات .. نحن بشر .. هكذا خلقنا الله، وخلق لنا من المتع ما يسد احتياجنا، وهذا من فضله تعالى.
فلكي يهوّن على الأم -مثلا- آلام الحمل والوضع ومسئولية حضانة الولد، وضع في قلبها حب الولد، وأمتعها بابتسامته وصوته وملاعبته.. وأيضًا فإن العلاقة بين الزوج والزوجة تحوي مسئوليات وأعباء ضخمة ومرهقة، لذلك جعل الله المودة والرحمة والسكن بين الجنسين.
أقول هذا الكلام حتى لا نفصل الجزء الممتع من هذه العلاقة وهو الحب عن الجزء الشاق وهو المسئوليات والأعباء ... وأنا أعتقد أن الكثير من شبابنا قد عانوا جدًا من هذا الفصل، فجاءت الأغاني والأفلام لترسم صورة للحب، وأكدت هذا الفصل ... فالحب هناك همسات ولمسات، والرجل دائمًا يحنو ولا يقسو، ولا يعود من عمله عابسًا، والمرأة دائمًا جميلة متزينة، لا تحمل ولا تلد ولا تتعب!!
وكان هذا سببًا في وجود حالة من "الفصام"؛ فهناك صورة للحب قد رسمت، وهذه الصورة ليست كاملة، والكل يلهث من أجل الوصول إليها، ولكن في الحقيقة -على هذا الشكل المنقوص- (كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء).
ربما تكون صديقتنا الأولى أكثر توازنا من الثانية؛ فهي تقول مثلا: "أنا لن أبخل عليه بل سأكون خير الزوجة"، ولكن ما زال خطابها يعكس تركيزًا أشد على جانب واحد تقول: "أرسم في مخيلتي حياتي مع رجل، وكيف أعيش معه وكيف يداعبني ويعاشرني ويحضنني" .. طالما أنك "ترسمين" .. فأين باقي المشهد؟!
صديقتنا الثانية هي الأسوأ حظًا كما قلت، فهي "تائهة وضائعة وتكاد تموت"، كما أنها كادت تقدم على الانتحار لأنها فقدت الشخص الذي حلمت به،أكرر .. الحب ليس متعة فقط، والزواج ليس نزهة .. لا مانع أن نحلم، ولكن حتى لا تتحطم أحلامنا على صخرة الواقع لا بد أن ندرك المشهد كاملا.
2- وأقول لابنتي صاحبة السؤال الثاني:
مهما بلغت بك درجة العطش فإن هذا ليس مبررًا أنك كلما رأيت كأسًا تحتوي على سائل حسبت هذا السائل ماءً .. ربما يكون "خلا" أو "حمضًا" .. مهما كان يشبه الماء فلا يشترط أن يكون ماء!! ليست كل دقة يدقها قلبك حبًا، وليس كل شاب يمر في الشارع هو الحبيب الموعود، وعندئذ ليست المشكلة هي "كيف أصارحه".
تقولين: "حاولت البحث عن الحب.. وما زالت أبحث عن الحب".
هذه الحالة من "البحث" هي مشكلتك الكبرى .. لا تبحثي يا ابنتي؛ فمن يبحث عن الحب غالبا لا يجده .. الحب رزق بيد الله تعالى.
ليست فقط مشكلتك أنك تفصلين بين الحب والواقع، ولكن أنك "تخلطين" بين الحب والوهم والإعجاب العابر، والذي يؤكد كلامي هو قصتك الأولى.. تقولين: إنك بمجرد أن اكتشفت أنه متزوج انتهى الحب!! هو لم يكن حبًا إذن .. هذا الذي ينتهي في لحظة ليس حبًا!! فأول علامات الحب الحقيقي هو المقاومة والتمسك بالحبيب رغم تقصيره في حقك ورغم عيوبه البشرية وأخطائه.
أريد أن أقول: ليس كل السوائل ماء، وليس كل الميل حبًا .. أرجوك كوني أكثر تماسكًا وتعقلا، ولا تبحثي عن الحب بهذه الطريقة؛ لأن هذا يجعل الاستعداد عاليًا لتصديق الوهم.
3- يأتي السؤال الأخير: ماذا أفعل لحين أن يأتي هذا الحب المنتظر؟ قبل كل شيء تذكري النقطتين اللتين أشرت إليهما في كلامي السابق:
- لا تفصلي الحب عن سياق الزواج والواقع والمسؤولية.
- ليس كل ميل أو إعجاب حبا حقيقيا.
وبعد ذلك يبقي عليك أن "تقوي مناعتك"، لا أقول من أجل ألا تتحرك مشاعرك، ولكن لكي تستطيعي "التحكم" أو "السيطرة" على هذه العواطف حتى لا تسوقك إلى علاقة لا يرضى عنها الله. وتقوية المناعة لها وسائل عديدة ذكرناها في رسالات سابقة منها: استثمار الفراغ .. ولا نعني بهذه الكلمة أن تملئي جدولك اليومي بأعمال مكدسة الواحد تلو الآخر، ولكن نقصد به أن تملئي قلبك وعقلك بهدف سام تعيشين من أجله، وهذا الهدف يملأ حياتك بالوسائل والأنشطة من أجل تحقيقه.
* الصحبة الصالحة التي تجتمع على نشاط مفيد، ولا يشترط أن يكون هذا النشاط دينيًا محضًا، فلا مانع أن يكون نشاطًا اجتماعيًا أو ثقافيًا أو... المهم هو الصحبة التي تتواصى بالحق وتتواصى بالصبر.
* هذا بالإضافة إلى التقرب إلى الله تعالى والإكثار من العبادات وخاصة الصوم، وكذلك تجنب المثيرات، والبحث عن القدوة الصالحة سواء من المجتمع القريب أو حتى من التاريخ. وأكرر ... هذه الأمور لا تمنع الحاجة للحب؛ فالحب فطرة بشرية، ولكنها فقط تسيطر على هذه الرغبة وتجعلها تحت تحكم العقل.
ابنتي الحبيبتين .. أدعو الله تعالى أن يرزق كل واحدة منكما الزوج الصالح الذي تقر به عينها وتهدأ نفسها وتجد السكن والمودة والرحمة.