أحمد الله إليكم الذي وفقكم إلى ما تسدونه إلى جمهور العرب والمسلمين لا سيما الشباب منهم من نصائح لا يجازيها شكر إلا من الكريم الشكور -سبحانه وتعالى- وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين، وبعد: فمشكلتي تحتاج إلى شرح أحسب أن صدركم سيتسع له، وأجركم على الله، وهي تتطلب ملخصًا عن حياتي؛ فإليكم ذلك:
تفتحت على الحياة طفلًا صغيرًا، أتلقى الدروس مع باقي الأطفال ذكورًا وإناثًا، أذكر أنني في الثامنة أو في التاسعة من عمري بدأت أميل إلى إحدى زميلاتي، وبدأت أذوب فيها لا سيما عيناها، كان حبًّا بريئًا طاهراً كالطفولة، كان الأطفال يهمسون بذلك فيما بينهم، وكانت تلك الزميلة تسمع، وكانت ترضى بذلك، وتستريح له، ولم أكن – بحكم التقاليد – يسمح لي أن أقول ذلك، بالرغم من أنني كنت ابن تسع سنين فحسب، ومرت الأيام، وشارفت المراهقة، وانفصلنا عن الإناث، ولم تزل في قلبي، وبلغتُ مبالغ الرجال، وقلَّبت أمري؛ فوجدت أن ظروفي الاجتماعية لا تسمح بشيء من أفكار الارتباط، وهي في مثل سني فلا بد إذن أن يعمد أهلها إلى تزويجها.
وأصبحت في وجل، أنتظر ذلك الخبر، كما ينتظر أحد مصيبة ما، فكنت إذن في ألم وحسرة لا يعلم بهما إلا الله ، فما أملك أن أفعل وأنا طفل مراهق إلاّ أن أحاول توطين نفسي على الصبر إن وقع خبر زواجها، ثم وجدت أنني أستطيع، وكيف لا، والله – سبحانه وتعالى- يقول: "ادعوني أستجب لكم"، فربما اختليت بنفسي؛ فرفعت يداي إلى السماء بقلب يعصره الألم، وتغشاه السكينة والخشوع؛ فأتوسل إلى الله –عز وجل- وأدعوه ألا ييسرها زوجةً لغيري، فاستقرت نفسي لذلك، وعرفت أنني ما ادخرت جهداً، وما أويت إلاّ إلى ركن شديد، ثم كبرت أكثر، ودخلت الجامعة، ولم أرها منذ افترقنا إلا مرة أو مرتين، وشيئاً فشيئاً نسيت، وهل يبقى حب دون وسيلة من نظرة أو كلمة لسنين تزيد على العشر؟! ثم قيل في أحاديث جانبية: إن فلانة – مَن أحب – قد سميت لقريبها فلان خطيبة له، ما أذكره من مشاعري آنذاك عدم اهتمام مشوب بضجر من ذلك الحديث، وكأن نفسي منه تنقبض.
ثم بعد شهور علمت أن أمر خطبتها فشل، فسررت وقلت في معرض مناسب: إن ذلك خيرٌ لها بالطبع، فعسى أن يرزقها الله بخير منه – وكان قريبها ذلك غير معروف بدين أو خلق – شعرت وكأن شيئاً يزعجني، ثم انكشف عني ولله الحمد. ثم كبرت أكثر فأكثر وتخرجت في الجامعة، وعملت، وبدأت أفكر بالارتباط كما يفكر الشباب؛ لتستقر بلابلي وتهدأ نفسي، فنظرت أمامي وورائي؛ فلم أجد في الفترة الجامعية غير بدايات حب انتهت هي من تلقاء نفسها، أو أجهزت أنا عليها لأسباب وجيهة أهمها عدم الاستعداد المادي للارتباط، فوجدت في مخزون ذاكرتي بقايا ذلك الحب الذي خَفَتَ كثيراً للبعد الذي قطع عنه شريان الحياة، إلا ما غذّاه الفكر من تصورات، وغذته الذاكرة من استرجاعات لصور مرت، وخلفت في القلب والعقل أثراً، أي أنني بدأت أراجع قصة فتاتي تلك، أتصلح لي زوجة وهي لم تكمل تعليمها حتى الثانوي؟
والأهم من ذلك أنني أنظر إلى إخوتها وأقاربها؛ فأجدهم جميعًا هم وإياها نتاج بيئة التخلف التي تطلق العنان للذكور ليفعلوا ما يشاءون من خير أو شر لا فرق ، بل يتباهون بخطاياهم على مبدأ أن الرجل لا يعيبه شيء؟! وفي نفس الوقت تفرض تلك البيئة على الإناث أقسى أنواع القيود من الكبت والتضييق، وحتى حرمانهن من إكمال التعليم – لا سيما الجامعي منه – بدعوى المحافظة على الدين والخلق؟! فأنتج ذلك رجالًا هملاً مستهترين وإناثًا ضعيفات الشخصية والقدرة على التعامل مع المجتمع ، فهل من حسن النظر إلى أبنائي أن أختار لهم أخوالًا وخالات كهؤلاء. ولكن ألم أعاهد الله أن أتزوجها إذْ دعوته ألا ييسرها زوجة لغيري، فهل يجب علي شرعًا الوفاء بذلك العهد؟!
ومن ناحية أخرى إنني أسمع عنها من قريبات لي حديثا يفهم منه أنها على قدر وفير من الجمال، فيختلط ذلك بذكرياتي التي أسلفت شرحها فأرى نوعًا من الحنين إليها يزداد إذا قادتني قدماي لحيها الذي تسكن، وربما يخفت بعد ذلك، ثم لداعٍ ما يعاود ذلك الحنين الظهور، فهل هذا شيء من الحب، فبالله عليكم ما هو الحب؟! فأنا لا أستطيع أن أحدده، وما أسلفت الإشارة إليه من بدايات للحب في الجامعة، إنما هي راحة وسرور برؤية شخص ما وشوق إلى رؤيته إن غاب لا أكثر، ولست على يقين من صحة أنه بدايات حب ، فالحقيقة أنني الآن أنتظر منكم تحديدًا لمعنى الحب، حتى تعلقي بفتاتي وأنا صغير، لا أدري أهو الحب أم ماذا؟! فهل الحب ينبت في ظل الطفولة التي لا تعرف عن علاقة الجنسين بعضهما ببعض شيئًا؟! وبصورة أخرى ما هي علاقة الحب بالجنس؟!
وألخص مشكلتي بسؤالين:
1. هل ما دعوت به الله هو عهد واجب التنفيذ؟
2. هل ما أحسست به هو الحب، فما الحب؟ فأنا في حيرة من حقيقة مشاعري تجاهها. وأضيف أخيراً إنني تمنيت لو أنني أرى تلك الفتاة؛ لأحدد حقيقة شعوري، ولكن لم يحدث ذلك إلى الآن، وطبيعة البيئة التي تعيش فيها تلك الفتاة تعقد هذه المسألة.
ولا شك في أن أكثر ما يؤرقني هو الجانب الشرعي من مشكلتي، فأريحوني بالجواب؛ أراحكم الله.
مع خالص الشكر والتحية والاعتذار عن الإطالة.
19/6/2022
رد المستشار
أهلا وسهلا ومرحبا بكم "حامد العمر"
أولا: ما شاء الله تبارك الله، قرأتُ رسالتك وأثناء القراءة كنتُ أنسى لبرهة أنني أقرأُ استشارة، فبلغت اللغة عندكم وكذلك العرض مبلغا رائعا، كأنني أقرأ رواية فيها الجانب العذب مركّز جدا، ومهندم، ومرصوص ونقلاته الزمنية بخفة عجيبة ما شاء الله.
ثانيا:- فيم يتعلق بالأسئلة التي تركتها، فأجيبكم بإذن الله كمحلل لا كفقيه، لأن "افعل أو لا تفعل" على معنى شرعي مرتبط بالثواب والعقاب أحب أن يجيبك فيه فقيه متخصص، يرتبه لكم د. وائل هندي بإذن الله تعالى.
- فأقول بعون الله ومدده وفتحه وتوفيقه، أنني قدْر ما فتح الله لي وجدتُ شخصا يريد أن يؤخذ بيده أحد ما! نحو اتجاه ما! فيُغلِقَ على نفسه التشتيت،
- تقول .. أنك "دعوت الله ألا ييسرها زوجة لغيري"، وذلك في أزمنة قد مضت، وتسأل.. "هل ما دعوت به الله هو عهد واجب التنفيذ"؟ ... فالدعاء الذي أمامي ليس فيه عهد، فلم تقطع على نفسك عهدا تجاه الأمر، ولم تقل في الدعاء "اللهم إن لم تيسرها للزواج حتى تنتهي أموري المادية، فأعاهدك ألا أتركها" ... لكن ارجع لنفسك وابحث فيها، هل من داخلها قصدت معنى من معاني العهد بشكل من الأشكال، وكان في نفسك نوْع عهد بينك وبين الله حين دعوْتَ، أم الأمر كان كما في نص كلامك "وأدعوه ألا ييسرها زوجةً لغيري" .. ولا معنى آخر تحت هذا، فظاهر الدعاء لا يقول بأن فيه عهد عاهدت الله على فعله، لأن العهود خاصة التي بين العبد والرب، تُشعر الإنسان عند عدم الالتزام بها بأنه ينتهك حدّا بينه وبين الله، ينبعث ذلك من رباط وثيق بين العبد والرب، وتبدو شخصا كهذا ما شاء الله وزادك، لذلك في هذه النقطة .. سأقول لك ارجع فابحث في نفسك، وفي قصدك ونيتك حين دعوت.
ثالثا: إن بحثت ووجدت أنه لم يكن ثمّة عهد، فلا شك بإذن الله أنك في حلّ من أمرك بين أن تُقدِمَ على خطبتها أم تختار خيارا آخر، وإن وجدت في نفسك أنك كنت تعاهد الله على الخطبة إن لم ييسرها لغيرك، فالوفاء بالعهد بين الرب والعبد أمرٌ مَدح الله فيه الموفون بالعهود في آيات القرآن الكريم، ويفيدك في هذه الجزئية على معنى فقهي .. أي أنه يجب أن تفعل، أو لا .. الفقيه بإذن الله.
رابعا: تسأل ما هو الحب؟ وهل ما شعرتَ به هو حبّ أم لا؟.
وهو سؤال يحتاج مؤلفات لتفي بسؤال.. ما هو الحب؟، فتتشعب الإجابة نظرا لتعدد الجهات التي تغطي هذا المعنى، ولكن سأحاول أن ألتقط قصدك أنت ومرادك من السؤال، وغالبا تسأل عن ماهية الحب؟ أو كأنك تقول.. ما هي طبيعة هذا الحب؟ وما الذي يحدث خلاله حتى أتمكّن من معرفة نفسي، هل ما شعرت به حب أم لا؟.
- تعريف ماهية الحب لا شك عسير، لأنه أمر نفساني، كأنك تسأل.. ما هو العطش؟، أو ما هو الجوع؟ حتى أتمكّن من معرفة ما أنا فيه، هل أنا عطشان حقا فأحتاج إلى ماء أم لا!، لذلك يمكن باختصار أن يُقال في تلك النقطة "أن الحب: شعور وجداني يجد الإنسان في نفسه أنه يعيش حالة ما! يُفسّرها بأنها اسمها الحب"، تماما.. كالذي سأل عن ماهية العطش؟، فالعطشان يعرف جيدا أن حالته هذه اسمها "عطش"، ولا يحتاج لتفسير فيزيائي للعطش حتى يفهم أن حالته العطشى عطش أم لا، وهكذا الحب.
- أما التعريفات اللغوية والاصطلاحية ونظريات العلماء فيها الشرعيين وحتى الروائيين فنجدها تتردد ما بين معاني التعلق والميل، والشوق، ووصف حالات المحب والمحبوب، وتفسير لماذا يحب هذا ذاك والعكس، إلى غير ذلك مما هو موجود بالكتب التي تفسر وتوضح معنى الحب، لكن لا داعي لكل هذا، لأن ما أنت فيه، نوع تشتيت وليس بحثا عن فهم معنى الحب.
- وأصدقك القول.. فالذي يعيش حالة حب حقيقية لا يُقيّم المحبوب .. (وضعه الاجتماعي، ظرفه الأسري) إلى غير ذلك، فحالته حين الحب لا ترى سوى المحبوب، وتقبله في جميع أوضاعه، فبالنسبة لي -يعني كنظرة شخصية يمكنك جدا ألا تلتزم بها، وأن يكون لها آراء مخالفة- أن ما تعيشه ليس حبا بناءا على عملية التقييم التي قمت بها، ولا أقول أن التقييم سيء، وأن البحث عن التكافؤ بسيء أيضا، بالعكس تماما هو أمر يجب أن يكون في أوليات المُقْدِم على الزواج، لكن من جهة أخرى فالتقييم والبحث عن التكافؤ هو تحرك عقلي، والحب تحرّك قلبي،
يقول الشاعر: وما الحب من حسن ولا من سماحة ... ولكـنه شـيء به النـفس تكـلف
- وبم أنّك كنت تَخْفُت، وتنسى أحيانا الأمر فانظر في قول يحيى بن معاذ رحمه الله: يقول (حقيقة المحبَّة لا يزيدها البرُّ ولا ينقصها الجفاء).
- وفقك الله تعالى وفتح لك، ويسر لك أمرك.
- دمتم سالمين
وتضيف د. رفيف الصباغ أشكر الأستاذة شيماء على إجابتها، وأما لصاحب السؤال فأقول: دعاؤك هذا لا علاقة له بالعهد لا من قريب ولا من بعيد، إنما هو دعاء لحصول ما تظنه خيرا لنفسك. ولكنك بعد أن نضجت وكبرت وازدادت خبرتك في الحياة، وصرت تفكر بالعقل لا بالعواطف، اكتشفت أن هذه الدعوة قد لا تحمل لك الخير، وأنها تضرك أكثر من أن تنفعك. ولا يُلزم احد أن يقدم على فعل ما فيه ضرر، (حتى لو عاهد فعلا) وخاصة في الزواج الذي هو حياة بكاملها.
إن الله لا يرضى لعبده أن يضر نفسه ... وهو سبحانه عالم الغيب والشهادة، ويعلم ما هو الخير لك، فيعطيك إياه سواء وافق ما دعوت به او لم يوافقه لعلمه بعدم خيريته لك.
دعك من إعجاب الطفولة والمراهقة، وذكرياتهما التي لا تتعدى كونها مغامرات وقصصا طريفة ترويها لأولادك وأحفادك في السهرة، وابحث عن الزوجة المناسبة لحياة مستقرة هانئة، جمعك الله بها عاجلا غير آجل
ويتبع>>>>>: السؤال الحائر ..الحب وأشياء أخرى م. مستشار