السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مشكلتي كبيرة ومعقدة بعض الشيء، والرجاء الرد علي في أسرع وقت ممكن، أنا شاب خليجي، قارب سني على الـ 21 عامًا، منذ أن كنت بالمدرسة وأنا طالب مجتهد، أسمع كلام والدي، وأطيعه طاعة عمياء، ولكنني بعد أن انتهيت من الثانوية العامة وصار عمري 17 عامًا، أحببت أن أصنع مثل باقي الشباب كتعلم لقيادة السيارة، وفعلًا تعلمت القيادة في فترة الصيف، وأخذت الرخصة، لكن والدي كان دائمًا يمنعني من الخروج؛ ولو للحظات على الأقل لممارسة ما تعلمته، وكان دائمًا يخيفني من القيادة، وأنه ستحصل لي حادثة بالتأكيد، وأنه لا جدوى مني فأنا لا أعلم القيادة؟!
وبفضل الله حصلت على مجموع كبير بالثانوية؛ مما أهّلني للدراسة بالخارج، وفعلًا سافرت، وأنا في تقدم والحمد لله، ولكنني كلما أرجع في الإجازة الصيفية؛ أحاول أن أقنع والدي بأن أقود السيارة؛ لكنه يرفض حتى إنه لم يشترِ لي سيارة، وقال: أخاف عليك من الزحمة، واستمرت هذه القصة ثلاث سنين، وأنا قاربت على الانتهاء، وحتى الآن لم أقدْ سيارة، وأقسم أني فعلًا صرت أخاف من القيادة، وكأنها وحش مريب.
وقد شككت في نفسي أني فعلًا لا جدوى مني، فأخذت دروسًا مع مدرب قيادة في البلد الذي أدرس فيه، وبعد فترة قال: إنك تحتاج للممارسة فقط، وعندما رجعت إلى بلدي في الإجازة؛ حاولت أن آخذ سيارة البيت وقدتها، ومن سوء حظي أني عملت حادثًا بسيطًا، ولكن الخطأ لم يكن من جانبي، ويا ليتني لم أقدْ، قامت الدنيا ولم تقعد، نهرني أبي، ووبّخني، وأمرني بعدم القيادة، لا في بلدي ولا في البلد الذي أدرس فيه، ولكي يتأكد أني لن أقود سيارة مرة أخرى؛ حلّفني على ذلك؛ وفعلًا لم أفعل.
إخواني الأعزاء، أغيثوني، ماذا أفعل في هذا الأب، والله، إني أرى أصحابي يقودون، وكل واحد منهم عنده سيارة، وأنا جالس في البيت مثل البنات ...... قاطعت أصدقائي لهذا السبب، وأصبحت منطويًا على نفسي، معزولًا عن العالم، عصبيًّا جدًّا، والأدهى من هذا وذاك أني كرهت أبي؛ لمعاملته القاسية، وأحس أنه ارتكب جريمة في حقي، وأنا الآن في الغربة، وقد اقتربت إجازة الصيف، لكن ليس لدي أي رغبة في الرجوع؛ لهذا السبب قد سئمت نظرة الناس وتعليقهم علي بأني كالبنت؛ أحب الجلوس في البيت.
وامتحانات الجامعة اقتربت؛ وأنا دائمًا أفكر في هذه المسألة حتى إني والله أحلم بكوابيس أن أبي يوبخني،
أغيثوني أغيثوني أغيثوني أغيثوني أغيثوني
14/6/2022
رد المستشار
أخي العزيز، قد يبدو للوهلة الأولى أن مشكلتك لا تستحق كل هذا الحزن الذي أنت فيه، ولكن إذا فهمنا أن لكل إنسان اهتمامات وإدراكات للحياة، تختلف باختلاف الظروف والبيئة المحيطة؛ يمكننا أن ننفذ إلى ما وراء التفاصيل إلى معالم أرى أنها جديرة بالمعالجة.
أولاً: فكرة تعبر عنها بقولك "أحببت أن أصنع مثل باقي الشباب" بمعنى أن كل شاب حولك يمتلك سيارة؛ ولذلك ترى أنه من البدهي أن تكون لديك سيارة بغض النظر عن حاجتك لها، أو قدرة والدك مثلاً على أن يشتري لكل ابن من أبنائه سيارة؛ لأنه لو اشترى لك واحدة فلا بد وأن يشتري للكل ... فهل تنوي أن تسير في حياتك بمنهاج "أنا مع الناس" – أحسنوا أم أساءوا – بغض النظر عن الظروف، إنك بهذا يا أخي العزيز، تتنازل طواعية عن حقك الطبيعي، وحريتك الغالية في الاختيار لصالح الانقياد لما يمارسه الناس من حولك، وهو أمر لا يليق بشاب يحترم عقله.
ثانياً: يحرص بعض الآباء على أبنائهم حرصاً يقيد من حركة الأبناء – بعض الشيء – ولا ينتبه الأبناء غالباً إلى أن هذا التقييد مرده إلى الحرص، وإن خانه التعبير أحياناً... فهل تشك في حب والدك لك وحرصه عليك؟!! وهل نجحت في تجربتك "المختلة" أم أخطأت؟! لقد أخطأت خطأ مزدوجاً: حين أخذت سيارة البيت رغم معرفتك برفض الوالد لذلك، وحين وقع منك هذا الذي تصفه بالحادث البسيط، فهل كان مطلوباً من الوالد أن يعطيك السيارة مرة أخرى، أو يشتري لك واحدة جديدة لتعود إليه – يوماً – "محمولاً على الأعناق" في تابوت أو نعش موتى لا قدر الله وأنت تعرف خطورة حوادث السير في بلادكم.
ثالثاً: هل كل الناس ينتقلون بالسيارات؟ وهل البديل الوحيد للخروج بالسيارة هو الجلوس في البيت؟! وهل الجلوس في البيت شر كله؟! وهل محض الخروج هو الخير العظيم الذي تحرمون منه بناتكم؟! وهل سألت نفسك هذه الأسئلة؟!
لا يا أخي العزيز، إن أغلب الناس لا ينتقلون بالسيارات الخاصة، والخروج والحركة متاحان على الأقدام، أو باستخدام المواصلات المختلفة من تاكسيات أو نقل جماعي أو غير ذلك، والجلوس في البيت للقراءة أو حتى للخلوة بالنفس لا غنى عنه للإنسان السوي، والبنت مثل الولد ينبغي أن تخرج حين تكون هناك حاجة لذلك، وفي الأثر: "وليسعك بيتك"
أنصحك يا أخي، بأن تنتهي من دراستك بنجاح، وأن تفكر بعد ذلك في الزواج – فهو أهم من السيارة – وأن تطلب دعم والدك حين تجد الفتاة المناسبة، واعلم أن نضج تفكيرك، وانتقالك من نجاح إلى نجاح في الحياة العملية، ثم تكوينك لأسرة تكون أنت قائدها، كل هذا من شأنه أن يغير من نظرة والدك جذريًّا، ويومها سيقوم هو من تلقاء نفسه بشراء سيارة هدية مستحقة لابن جدير بالثقة، تكون عونًا له في تدبير شئون الحياة، وصديقك يا أخي، من صدَقك "بفتح الدال" لا من صدّقك "بتشديد الدال"،
ودمت سالماً... والسلام.