ماذا أفعل في ورطتي؟
مشكلتي تبدأ منذ كنت طفلة صغيرة، لم أكن أعرف ما يخبئه لي القدر، بل لم أكن أعرف حقيقة ما يتحدث عنه أهلي وقتها، لكنهم استمروا في حديثهم وكانوا مجمعين، ولم يخرج أحد عن هذا الإجماع.
واتفقوا وقرءوا الفاتحة على أنني لابن عمي وابن عمي لي، حدث ذلك وأنا طفلة ولم يتغير رأيهم رغم كل التغيرات التي حدثت؛ فقد تعلمت ولم يتعلم، وتعرفت جيدًا على ديني ولم يتعرف هو ... فلم يقترب من مسجد ولم يقم صلاة، وسارت الأمور مسيرتها، وكان لا بد في نظرهم أن يتم ما يريدون فتم زواجنا؛ رغم كل الفوارق، ورغم معارضتي.
وقد أدت هذه الطريقة في الزواج إلى أن أصبح هينًا في نظري أن أترك مستقبلي كله في مهب الريح، بل وبعد ذلك مستقبل ابنتي الطفلة البريئة التي رزقنا الله -عز وجل- بها في زواج هو -على ما أراه- من صنوف العذاب القاسية التي تصب علي في دنياي.
لا توافق.. لا تفاهم.. لا تعاون.. لا يصلي.. ولا يعمل وإنما يعتمد على ثروة والده الطائلة.. ويعاملني معاملة قاسية!! متخذا من أحد أصدقائه -وهو طالب في الأزهر- مشرعًا وإمامًا. وأحيانًا يطلبني للجماع ولا أجد في نفسي رغبة للاستجابة.
الآن أنا على مفترق الطرق لا أدري ماذا أفعل؟
فأنا لا أريد أن أستمر ولا أحب أن أضيع مستقبل ابنتي.
4/6/2022
رد المستشار
أختي العزيزة: قلبي معك في "العذاب" الذي تشعرين به، ولكن الصورة التي ترسمها كلماتك فيها الكثير من النقص ... على كل حال دعينا مما فعله الآخرون ويفعلونه بك، وتعالي نراجع ماذا فعلت أنت بنفسك وبحياتك: إذا كان أهلك قد اختاروا ما رأوا أن فيه مصلحتك، وكان رأيك مختلفًا فلماذا لم ترفضي وتقاومي؟
وهذا حق منحه الله للمرأة كما تعرفين، لكن كثيرات يهدرنه، أو يخشين من سطوة الأهل، رغم أن هناك طرقًا "سليمة" وفعالة في الرفض، كما أن هناك طرقاً أخرى لتحصل الابنة على ما تريد، ومن تريد ... ثم تتحمل بعد ذلك مسئولية اختيارها، أنت استسلمت أو على الأقل لم تقاومي ببسالة، ولا يكفي أن تقولي كلهم كانوا ضدي على خط واحد، ففي النهاية الأمر إليك، ولا يتم إلا بموافقتك، والعيوب التي تأخذينها على زوجك معروفة وواضحة من قبل الزواج.
* تم الزواج، وأنت تعرفين زوجك وقريبك فهل بذلت أي جهد ـ وأنت المتعلمة الملتزمة ـ في تقويم سلوكه، أو ترويضه بالحسنى، والله إن للمرأة كيداً وأساليب ـ إن أرادت ـ تمكنها من نقل الجبال، وليس فقط تغيير الرجال فهل حاولت بجدية معه؟ أغلب الظن أنك بقيت على رفضك الداخلي لهذا الزواج، ومازلت أسيرة قيود هذا الرفض، وأسيرة الفوارق التي بينكما تقاومين قهر أهلك بالنظر إليه وإليهم من فوق دون محاولة لتغييره، أو إصلاح شأنه.
وبالمناسبة ليس فرضًا عليكِ أن تساهمي في نقله إلى الأفضل ولكنها حياتك، وهو شريكك، وفي إصلاحه مصلحة لك، وسعادة، وراحة بال... فهل حاولت بصدق؟ هل زوجك يخلو من كل فضيلة، وما ذنبه في إجبار أهلك لك على الزواج منه - ربما لغناه - هل يتحمل هو وزر غيره، ويؤخذ بذنبهم؟
هل حاولت يا سيدتي أن تحبي هذا الرجل الذي أغلب الظن أنه يحبك، وإلا لماذا تزوجك أنت، وعنده أموال والده الطائلة؟!!! ولماذا يصبر على مشاعرك المستعلية عليه؟ إن عند الرجل حاسة شديدة الرهافة يدرك بها حب زوجته، واحترامها وتقديرها له، وأعتقد أن موقفك في هذه النقطة "الحب والاحترام والتقدير" يصله باستمرار، وهذا البريد الساخن أو البارد الذي يوصّل رسائله من شأنه أن يزيد من الجفاء وعدم التفاهم والتوافق والشقاق، وندخل في حلقة مفرغة ... إن بذر الحب يأتي بالحب، وزرع العداء والاستعلاء يقتل الحب قتلاً.
* أمامك بعد ذلك عدة اختيارات:
الأول: أن تستمري كما أنت: يخطئ هو، ويقسو في معاملتك، وتردين أنت داخلياً باستمرار رفضه، والعودة إلى نقطة الصفر السوداء حين أجبرك أهلك على الزواج منه، وهذه معركة يا أختي يستخدم فيها ما يستطيعه من عنف، وتستخدمين أنت أقسى أنواعه "العنف السلبي" الداخلي الصامت.
الثاني: أن تحاولي أن تحبيه فإن فعلت؛ فإن من يحب يقبل ويتحمل، ويتفهم، ويتنازل، ويعرف كيف يحتال ليكسب القلوب، ويتخطى العقبات والألغام. فالحب وحده هو طريق تغيير زوجك إلى الأفضل ... وحين تحبينه ستتغير الموازيين والمعايير، والمشاعر والأحاسيس، ونقطة البدء في هذا الطريق أن تنظري إلى ما فيه من مزايا لا تتوافر في غيره "ولا يخلو إنسان من مميزات" .... والرجال كالأطفال مهما كبر سنهم؛ فهل يجد فيك حكمة الأم، ودهاء الزوجة في الاهتمام، والحب والتقدير والتدليل؟
ثالثاً: إن كان في حياتك حب آخر لرجل آخر، فليس من الأمانة الاستمرار مع زوجك الحالي، وليس هناك مبرر مقبول لهذا الاستمرار إذا ظلت الكراهية في قلبك تجاهه.
إن الحال التي أنتما فيها تشبه الطلاق، وهي تسمى "الطلاق المعنوي" وآثارها على الطفلة مدمرة، ربما بصورة أكثر من الطلاق الفعلي، ومن أجل أوضاع استحالة العشرة شرع الله الطلاق، وأباح القانون "الخلع" مؤخراً، وفي الشرع والقانون متسع.
أنت اليوم مالكة القرار تتخذينه، وتتحملين مسؤوليته، دون تعليق على شماعة الأهل "هذه المرة"، فكوني صادقة مع نفسك، ومع ربك، واستخيري في أمرك كله.
وفقك الله إلى الاختيار الصواب، وهداك إلى سواء السبيل، وهو أفضل من سئل، وأكرم من أجاب، كوني على اتصال بنا، وشكراً على ثقتك مرة أخرى.