بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله.. أولا أشكركم على هذا الموقع الرائع.. ترددت كثيرا قبل الكتابة لكن إعجابي الشديد لطريقة تحليلكم للمشاكل شدني لاستشارتكم عل وعسى أجد تفسيرا لما يدور حولي وجزاكم الله كل الخير.
قبل أن أسرد مشكلتي ألخص لكم وضعي، سني في بداية الثلاثينيات، عازبة، ملتزمة بديني ولله الحمد، أعمل مهندسة مشكلتي بدأت منذ سنتين عندما كنت أتابع تخصصي في أوروبا التي عشت بها سبع سنوات لطلب العلم، بعد أن أكملت دراستي في بلدي، حيث إنني كنت متفوقة وأتوق دائما لطلب العلم، حتى أنني ولله الحمد لم أعرف معنى العلاقات وغيرها، لأن اهتمامي الدراسي وتعلقي بديني أسمى من الخوض في الحرام. وفي المقابل كنت أحلم دائما بالسكن إلى جوار زوج صالح يتقي الله أولا وأخيرا ويكون ذا مستوى إن شاء الله.
خطبت في أثناء دراستي إلا أن الأمر لم يدم وانتهى الأمر كما ابتدأ ودون أدنى مشاكل، ولم يؤثر في لأنني لم أرتح لهذه الخطوبة من البداية، مع أن الخطيب كان إنسانا ممتازا، إلا أنه كان أصغر مني سنا وهذا يتنافى تماما مع أحلامي، فأنا عشت حياتي كلها بين الكتب وأتوق إلى إنسان أكبر مني، لكي يعوضني الحنان والسكن اللذين أفتقدهما طوال حياتي وخصوصا أنني إنسانة بشهادة الجميع جد حنونة وهادئة الطباع.
وقبل إكمال دراستي بأوروبا تعرفت من خلال زميل لي من دولة عربية أخرى على صديق له يقيم في دولته، حتى اللقاء والتعارف كانا تقليديين، حيث سافر هذا الشخص بصحبة أمه إلى البلد الذي أدرس فيه لرؤيتي، وكان اللقاء الأول والأخير عند أخيه الذي يقيم في نفس الدولة الأوربية.
معلومات عن هذا الشخص:
متدين، مطلق، يكبرني بعشر سنوات، درس بنفس الدولة الأوربية ويقيم في دولته. صراحة من أول مقابلة أحسست أن هذا من بحثت عنه طوال حياتي حتى أن موضوع طلاقه ووجود ابنة مع زوجته أو حتى معه، وتأكيده لي أنه ظلم من زوجته وأنني أنا الإنسانة والشخصية التي طالما حلم بها كل هذا جعلني أتعلق به، حتى لم أمانع أن أقبل العيش في بلده، برغم أني كنت أتوق أن أرجع لبلدي بعد الدراسة.
المهم تم التعارف وأبدينا تجاوبا كبيرا من حيث طريقة التفكير، إلا أنني لا أخفي عنكم أنني لم أرتح لتعامل أمه لأنها أبدت تحفظا كثيرا في التعامل معي، وقد سبق أن أشار لي بألا أتضايق من تصرف أمه وزوجة أخيه، لأن تعليمي العالي وثقافتي سيكونان حاجزا بيني وبينهن، خصوصا أن البنات في بلده يتزوجن في سن مبكرة ويكتفين بما تيسر من التعليم؛ لكن صدقوني برغم أنني أحمل لقبين علميين وأجيد خمس لغات إلا أنني جد متواضعة بشهادة الجميع. وبما أنني لم أرتح لهذا التحفظ من جهة الأم، طلبت من الابن أن ينتهي الأمر كما بدأ خصوصا أنني كنت مترددة في إخبار أهلي وخصوصا أن أهلي في بلد آخر ولا يستطيعون الحكم عن هذا الشاب.
لذا قررت أن أجمع قدر الإمكان معلومات عنه وعن عائلته، وإن وجدته مناسبا كلمت أهلي وهم يثقون في قراراتي، وإن كان غير مناسب أعرضت عن الأمر ويا "دار ما دخلك شر". لكن حينما أخبرت الشاب بعدم ارتياحي فوجئت بردة فعله حيث قال لي إنني سأتزوجه هو وليس أمه وبأنه تعلق بي وأنني الإنسانة التي طالما بحث عنها وطلب مني أن أعطيه عهدا أمام الله ألا أتركه ولا يتركني مهما واجهتنا من الصعاب، وعاهدته على ذلك أمام الله وكم كنت سعيدة بهذا ولم أفكر للحظة أن هذا سيكون بداية تعاستي ... وبعدها فاتحت أهلي في الموضوع وقام هو بدوره بالتكلم مع ولي أمري عبر الهاتف وأخبره عن موعد الزفاف الذي حدد مباشرة بعد إكمال دراستي أي كان بعد شهرين آنذاك.
لم أحس بسعادة في حياتي مثل سعادتي في هذين الشهرين، وبرغم أن الشاب كان قد عاد لبلده فإننا كنا على اتصال مستمر طوال اليوم عبر الهاتف والرسائل القصيرة والمحادثات بالإنترنت. وبدأ العد التنازلي لما كنت أظن أنه حلمي في الاستقرار وإكمال تعليمي. كنت أحس "نفسي أسعد إنسانة في الكون" وأنا أجهز لحفلة زفافي، حيث اشتريت كل شيء من فستان فرح وملابس وو و.... وكنت أسرع الخطى لأنهي دراستي وأترك أوربا، وفعلا تركت كل شيء وعدت إلى بلدي لأنتظر من عاهدني أمام الله وأجده وقد خان العهد. فعلا فوجئت به يقول لي قبل أن أغادر أوربا بوقت قصير إنه مريض وربما لن يستطيع الإنجاب ولا يريد أن يحرمني من الأمومة و.... قلت له مستعدة للتضحية بكل شيء في سبيل عهدي أمام الله، ولكنه لم يعطني أي إيضاحات، وقال لي أن أنتظره في بلدي إلى حين شفائه، وعدت وأنا محطمة نفسيا ومعلقة لأنه لم يبق بيننا أي اتصال مدعيا أنني أعذبه وأذكره بأحلامه التي ربما لن تتحقق.
انتظرت وانتظرت شفاءه ولم يعد يرد على تليفوناتي. وتأتي الصاعقة بعد 6 أشهر ليخبرني أنه تزوج خلال هذه الفترة؛ لأنه كان يحتاج إنسانة في جواره في أثناء مرضه!! معذرة والله لا أستطيع أن أشرح أكثر أو أشرح وقع الصدمة، يكفي أنني لا أستطيع الآن أن أرى ما أكتبه بسبب دموعي.... معذرة. كما أخبرني أن الزواج لم يتم لأنه لا يستطيع نسياني وأنه يريد أن يطلق الآن ويعود لي!!!! في لحظة تحطمت أحلامي ولم أعد أفهم العالم من حولي، ليست هذه لا البداية ولا النهاية، خلاصة الأمر اتجهت إلى الله أن يجيرني وقررت أن أنسى الموضوع كما تعلمون فليس سهلا بالإضافة إلى أنني إنسانة جد حساسة، فلم أعد أتحكم في دموعي كل وقتي، وفي هذا الوقت كان يحاول هو أن أسامحه لكنه شيء خارج عن إرادتي.
وفي يوم من الأيام ومع تفاقم وضعي النفسي قررت أمام الله أن أسامحه لأحتسب الأجر عند الله لأريح نفسي لكن طبعا دون الرجوع إليه. فأحسست بطمأنينة أمام هذا القرار ولله الحمد. ويقع ما لم يكن في الحسبان: ولي أمري الذي كان قد نسي موضوع هذا الخطيب ويظن أن الأمر انتهى مع مرضه ولا يعلم لا هو ولا أهلي سبب حزني وبكائي، إذا بولي أمري يتهمني بشر فيّ تفسيرًا منه لما يحدث، اتهمني بعلاقة عبر النت وبأنني أنا لست أخته التي كان يعرف وبأنه لا يريد أن يعرف عني أي شيء بعد الآن و و.... طبعا هذا الاستنتاج جاء لأخي عن طريق فاعلة خير كانت تتربص لإفساد علاقتي بأخي الذي يحترمني كثيرا ويفتخر بي دائما أمام زوجته وأنا أحبه في مقام أبي رحمه الله. لا أستطيع أن أصف هذا الظلم من طرف أخي وخصوصا بعد ظلمي مباشرة ممن أحببت.
ضاقت الدنيا بي ولم تعد تسعدني ولم أفكر إلا في أن أعود إلى هذا الشخص وأداري الصرخة بداخلي لكي أثبت خطأ أخي وأهرب من هذا الوضع خصوصا أن هذا الشخص كان لا يزال يلاحقني ويريد التكفير عن ظلمه بشتى الطرق. وقبلت أن يزورنا وأنا والله أحس بالطعنة في قلبي وأداري صرخة بداخلي تقول لا أريده ومع ذلك بدأت أستخير الله أن يقدم لي الخير وقد كنت قد استخرت قبل ذلك فحدث ما حدث هل كان لا بد أن أنصرف عن الأمر للأبد؟ وهو ليصالحني ويثبت لي صدق نيته ويضمن لي حضوره هذه المرة أرسل لي قدرا من المال لأجهز به حفلة الزفاف وأشتري أغراض لي خصوصا أنني كنت قد تخلصت من كل شيء بعد علمي بخيانته. طبعا أهلي لا يعلمون سوى أنه عاد الآن بعد أن تعافى من مرضه ولا يعلمون بغدره. وبدأت في تجهيز متطلبات الحفل من ملابس وحلويات و.و.و.... ولم أفكر في أن من لم يضمنه عهد الله كيف تضمنه النقود؟
فعلا كنت أتوقع كل شيء... وفعلا صدق ظني فقبل أقل من أسبوع لقدومه، وبعد أن حجز في الطائرة والمصيبة بعد أن تكلمت أمي مع أخي ليستقبله وكان لا زال لا يكلمني، إذا بي أفاجأ بالشاب يتهرب ويتهمني بأن سبب عدم قدومه هو إصراري بأن يحضر ورقة طلاقه لأنها مهمة في بلدي وأيضا أهلي لا يعلمون بزواجه الثاني الذي كان لا يزال في المحكمة. ولم يأت مرة ثانية رغم تجهيزي مرتين وطالب بفلوسه كاملة.
اعذروني عن الإطالة، جزاكم الله خيرا، خلاصة الأمر لم أعد أذكر بعد كل هذا الظلم إلا أن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين!! فهل أنا لست مؤمنة؟؟ فأنا استخرت الله لمدة سنتين وعزائي أن الله لن يجمع خبيثا بطيب. الحمد لله بعد غدره للمرة الثانية استلمت مباشرة عمل في بلدي، ولكن هذا الإنسان لا يزال يدعي أنني ظلمته وتركته وأنني أنا من خان وعد الله و.و.و...
أرجوكم فسروا لي ماذا يحدث!!
وجزاكم الله خيرا.
13/6/2022
رد المستشار
أختنا الكريمة..
إذا كان سؤالك هو أرجوكم فسروا لي ماذا يحدث؟ فالإجابة في سطر واحد أن هذا الشخص يعاني بكل تأكيد من أحد اضطرابات التفكير أو الشخصية، ويمكن تصنيفه بكل ثقة على أنه مريض نفسيا!! هناك قرائن وشواهد كثيرة تؤكد هذه الحقيقة ولن أكررها لأنها واضحة بين سطور رسالتك ولكن السؤال المهم الآن هو ماذا تعلمت من هذه التجربة القاسية؟
هناك معانٍ كثيرة تتعلق بأسلوب حياتك أريد أن أتوقف عند بعضها:
- خبرتك القليلة بالحياة أمر يستحق الانتباه!! هل التدين أو الانصراف إلى العلم لابد أن يقترن بالانعزال عن الحياة؟
- هل الإنسان المتدين لا بد أن يكون حسن الظن؟ أو نقي السريرة لدرجة السذاجة؟
هناك مهارة تسمى الذكاء الاجتماعي يجب أن نحرص جميعا أن نتحلى بها فنتعرف متى نثق ومتى لا نثق؟ ومتى نسامح ومتى لا نسامح ومتى نصمت؟ ومتى نتكلم ومتى نرى أنفسنا مخطئين ومتى نرى الآخرين كذلك؟ كل هذا بما لا يتعارض مع قيم الدين.
المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين وهذه القاعدة تعبر عما ينبغي أن يكون وليس ما هو كائن بالفعل فالمؤمن ينبغي أن يكون كيسا فطنا. والمؤمن ينبغي أن يكون قويا. فإن كان هكذا فإنه لن يُلدغ من جحر مرتين فإن لدغ فليس لأنه غير مؤمن ولكنه ليس على صفات الذكاء الاجتماعي المطلوبة من المؤمن أنت بحاجة للتعرف أكثر على الحياة والاختلاط بالناس ربما من خلال نشاط اجتماعي أو ربما من خلال علاقات العمل أو حتى من خلال دورات الذكاء الاجتماعي والواقع الذي نعيشه تستحق أن نفهمه حتى نحسن التفاعل معه.
أختي الكريمة..
الزواج رزق من الله، ولعل الله يدخر لك الشخص الذي يناسبك وكما ذكرت إن الله لا يجمع طيب بخبيث
وأخيرا.. تجربتك مؤلمة حقا، ولكن لعل الله يخفف عنك ويسري عنك، ويعوضك خيرا وحسبك أنك في هذه التجربة لم تقترفي إنما أمر ظلما في حق أحد.
واقرئي أيضًا:
نفس اجتماعي: انتظار شريك الحياة