السلام عليكم
مباشرة وبدون مقدمات.. مؤخرا بينما كنت أبحث عن ملف في جهاز الكمبيوتر في البيت وجدت ملفا يحتوي مقاطع فيديو خليعة كانت بطلتها أختي الصغرى البالغة من العمر 20 سنة، رقص بالتعري، كشف لكل مناطق الجسم المثيرة بطريقة مخزية، ممارسة العادة السرية، كل هذا أمام الكاميرا دون أن يظهر وجهها.
لن أقول إني صدمت، بل ما زلت مصدومة ومشلولة التفكير لهذه اللحظة.. للإشارة أختي ترتدي الحجاب منذ 4 سنوات، وهي طالبة جامعية، ووالداي موظفان ويوفران لها كل ما تحتاج إليه.
المهم واجهتها بما وجدت؛ فتركتني قائلة إنها حرة.. رد فعلها البارد استفزني فقمت بصفعها وضربها بهستيرية، فكان رد فعلها نوبة أكبر من نوبتي وتشابكنا، فصارت تضربني تارة وتضرب نفسها أخرى، كل هذا وهي تصرخ بهستيرية شديدة وتكسر كل ما تجده أمامها، وتطلب أن نتركها في حالها، وقالت إنها تبلغ 20 سنة، ولها الحق في أن تفعل ما تشاء دون تدخل من أحد، ثم حاولت أن ترمي بنفسها من النافذة عندما أخبرتها أنني سأخبر أبي وأمي.
الآن لم أخبر أحدا بما حصل، وهي تعرف أنني لن أستطيع أن أخبر أبي وأمي بما حصل خوفا من ردة فعل متهورة تزيد الطين بلة.. أختي لا تبدي أي إحساس بالندم أو الخجل، وأنا لا أعرف ماذا يجب أن أفعل لأنقذها من هذا المستنقع، فجميع الأفكار السوداء تصورتها، وأقول في سري ما خفي كان أعظم.
كما قلت سابقا تفكيري مشلول ولا أعرف كيف أواجه هذه الكارثة بمفردي.. أول رد فعل قمت به هو تشفير الجهاز لكي لا تتمكن من استعماله، وأقنعت والدي بإلغاء اشتراك النت بؤرة المصائب .. لحد الآن لا أتكلم معها وهي كذلك، ولا أعرف ما الحوار الذي يجب أن أفتحه معها ولا ماذا أقول، الغريب أن حالتي النفسية سيئة جدا بعكسها هي.
يبقى أن أضيف أن علاقتها بأبي وأمي سيئة، والحوار منعدم تقريبا بينهم، وذلك منذ أن تركنا البيت أنا وأخي، فأنا أقطن وأعمل بمدينة أخرى، وأخي يدرس بالخارج.. لم يبق بالبيت غيرها مع أبي وأمي، وكما قلت سابقا فهي إما أمام النت أو في غرفتها ولا وجود للحرارة والدفء في علاقتها بأبي وأمي، بعكسنا أخي وأنا.
الآن أنا أكتب لكم لتجدوا معي حلا عقلانيا لمعالجة هذا المشكل،
ولأدق ناقوس خطر بإدخالنا للنت لبيوتنا وعدم مراقبة إخواننا وأطفالنا نكون قد فتحنا بابا من أبواب الجحيم.
15/6/2022
رد المستشار
أريد أن أبدأ حديثي بتغيير جملتين من رسالتك لنقرأهما معا بشكل جديد...
أنت تقولين: "ما سأقوم بسرده أعتبره كارثة بكل المقاييس" .. تعالي نستبدل كلمة "أزمة" بكلمة "كارثة" .. لأن "الأزمات" جزء من طبيعة حياة الإنسان على الأرض، كما أنها تنفرج بعدما يشتد ضيقها، ويؤجر الإنسان من الله تعالى على رحلة الجهاد والصبر حتى تنكشف الغُمة .. أما "الكارثة" فهي توحي بالهلاك والضياع واليأس.. تقولين أيضا: "لا أعرف كيف أواجه هذا بمفردي؟"، وأقول لك: مستحيل أن "تواجهي" الأزمة بمفردك، ولكنك فقط ستقومين بدور القائد مستعينة بجيش من المساعدين لك.. ربما الأم والأب والأخ والطبيب النفساني.. إلخ.
الآن.. نحن أمام أزمة تحتاج طريقا طويلا من الصبر، والحكمة حتى تستطيعي تجاوزها بالاستعانة بكل من يمكن أن يكون لهم دور إيجابي مع أختك.. نقطة البداية هي أن "تتعاطفي" مع أختك، ولا أقصد بالتعاطف أن توافقي على ما تفعل، وإنما أقصد أن تتفهمي أزمتها والظروف التي دفعت بها إلى هذا الانحراف، فهناك خلل أسري واضح، وهناك برود -كما ذكرت- بينها وبين أبيها وأمها، وكذلك غياب أخويها اللذين انشغل كل منهما بحياته، وربما وجود صحبة سوء من حولها، وفي النهاية لجوءها إلى الإنترنت الذي يحمل معه صور الفساد والإغواء لتلح إلحاحا شديدا على ضعاف النفوس إلا من رحم ربي.
أدعو أولا للتعاطف معها، كما تعاطف رسول الله صلى الله عليه وسلم مع هذا الرجل الذي جاء يستأذنه في الزنا!! تفهم صلى الله عليه وسلم ما دفعه لهذا، ولم يعنفه، ولم يُظهر صدمته، وإنما استوعب شهواته وأهواءه الملتهبة بحكمته صلى الله عليه وسلم.
ثم تأتي الخطوة الهامة بعد ذلك، وهي أن يقوم شخص حكيم صبور رحيم "بمصاحبة" تلك الفتاة، هذا الشخص يمكن أن يكون أنت شخصيا، أو أي شخص آخر ترينه مناسبا لهذه المهمة، لكن قبل اختيار هذا الشخص لا بد من فهم معنى "المصاحبة" أولا ... ما أقصده هو أن يقترب هذا الشخص من أختك اقترابا وجدانيا إنسانيا، يستمع إليها، تفتح له قلبها، ويمر معها بمراحل الإنصات والانتباه لأفكارها ومشاعرها، ويشعرها أنه يتفهم سلوكها ووجهة نظرها، ويأخذ بيدها حتى تستطيع شيئا فشيئا أن تستبصر بنفسها أخطاءها في التفكير والسلوك.
فعلى سبيل المثال.. فكرة "الحرية".. أختك ترى أن كل من حولها يمارسون "الحرية" ما عدا هي!! الأخ والأخت مشغولان بدراستيهما أو عملهما ويعيشان خارج البيت، وكذلك الأب والأم.. هي ترى أن من حقها مثلهم أن تستمتع بحريتها على طريقتها الخاصة.. وإذا أردت إثناءها عن هذه الطريقة الخاصة، فعليك أن تقدمي الأدلة والبراهين بالعقل أو الشرع دون وعظ أو إرشاد!! وإنما في حوار مليء بالتعاطف معها واحترام عقلها وعدم إملاء أي رأي عليها، وإنما تركها هي بنفسها تصل للصواب من خلال حوارك الواعي معها، ثم تحاول تطبيقه.. وقد تتعثر، وقد تتراجع لكنها في كل مرة تجد من يمنحها الثقة في نفسها، وفي قدراتها على تجاوز هذا السقوط، ويراجع معها أفكارها مرة أخرى.
ويأتي السؤال التالي: من هو الشخص الذي سيقوم بهذا الدور؟ والإجابة: هو شخص يتصف بالرحمة والقدرة على التعاطف مع الضعف البشري، ويتحلى بالصبر الجميل والنفس الطويل والحكمة، هذا الشخص قد يكون أنت شخصيا كما ذكرت، أو ربما الأم أو الأب أو صديقة للأسرة أو خالة أو عمة تتوسمين فيها خيرا، أو طبيبا أو أخصائيا نفسيا.
ثم يأتي بعد ذلك تقسيم الأدوار على باقي الأشخاص كل قدر استطاعته.. فأنتم جميعا لديكم مجموعة من الأهداف، وكل واحد منكم يستطيع أن يشارك في تحقيق بعض أو كل هذه الأهداف.. وهي:
1- اكتشاف واستثمار مواهب هذه الفتاة وتوجيهها نحو عمل ناجح يُعيد إليها ثقتها بنفسها.
2- تقوية معرفتها وحبها وخشيتها لله تعالى بشكل حقيقي وليس ظاهريا.
3- عدم التوقف عن توجيه "الرسائل الإيجابية" لها، مع التركيز دائما على الأشياء الجميلة في شخصيتها وتصرفاتها من أجل المزيد من التقدم.
4- توفير بيئات "صالحة" لها للنشاط والحركة والعلاقات والاتصالات.
5- الحفاوة بكل تقدم تحققه في سلوكها مهما كان بسيطا، وتحمل انتكاساتها المتكررة.
6- التفتيش عما بداخلها من "عقد" و"مشكلات" و"انحرافات" بهدوء ومحاولة تفتيتها وعلاجها الواحدة تلو الأخرى.
الطريق طويل.. والأجر عظيم.. وأنا أدعوك للأمل والتفاؤل وحُسن الظن بالله تعالى، ودعائه ورجائه أن يهديها سبحانه.. (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين) (القصص:56).