السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
أرجو من سيادتكم التكرم بالبحث عن حل لمشكلتي.. أنا فتى في الصف الثاني ثانوي.. أبلغ من العمر سبعة عشر عامًا.. وأصغر إخوتي..
أعاني مشكلة: وهي أن أمي لا ترضى أن أخرج من البيت أبدًا أبدًا.. لا أستطيع أن أذهب لأي مكان.. أحيانًا يتّفق أصدقائي على الخروج إلى إحدى الأماكن الترفيهية.. بالقرب من البحر مثلاً أو إحدى المزارع.. فأرى منها منعًا باتًّا للخروج معهم.. وعندما يسأل أصدقائي عن عدم الذهاب معهم لا أعرف ماذا أقول لهم.. وأشعر بالقهر لذلك.
حتى أنني من قهري شكوت لهم حالي.. وأخبرتهم عن سر عدم خروجي معهم لأي رحلة.. وأحيانًا أرى في أعينهم السخرية منّي.. أنا محرج جدًّا جدًّا من أصدقائي.. لدرجة أنهم عندما يسألونني في أمر ما يقولون لي هل ترضى أمك أن نذهب للمكان الفلاني؟؟ والذي زوّد الهم الذي أنا فيه.. أشعر بأني أريد أن أضرب أمي والعياذ بالله.. فأنا إن خرجت.. تسبب لي مشكلة كبيرة في البيت.. مشكلة يتخللها الصراخ والإزعاج التّوبيخ.. ومن كثرة خوفها الزائد عليّ الذي لا أطيقه أنني الآن وفي هذا السن.. ممنوع من أن أقترب من أراجيح الأطفال كي لا أتأذّى!!
وكذلك أبي فهو ليس ببخيل وهو ينفق كثيرًا ومسرف أيضًا.. ولكن له عيب.. وهو أنني عندما أطلب منه مصروفًا لا يقول شيئًا.. ولكن عندما يراني أشتري شيئًا يحرجني بتوبيخه على ما أشتريه.. رغم أنه مصروفي ويحق لي أن أشتري ما أريده من أدوات لغرفتي أو شكولاته أو أي شيء.
ولديّ رخصة قيادة.. ولكن يُحرّمون عليّ الذهاب إلى كثير من الأماكن الآمنة.. ولا يسمحون لي أن أقود السيارة في الأماكن الخطرة.. أشعر بالحرج عندما يطلب منّي بعض زملائي بالمدرسة إيصالهم إلى منازلهم.. حيث إن أهلي يرفضون ذهابي إلى تلك الأماكن التي ليس فيها معنى للخطورة.. وكذلك السباحة.. فأنا أحب السباحة.. وتعلّمتها دون علم أهلي.. والمكان الذي فيه بركة يمنعونني منه.. بل ويحرجونني أمام زملائي بتوجيهي وتقديم النصائح التي من المفروض أن تقدم لطفل في السابعة ليس لي .. ماذا أفعل؟!! هل أخرج من البيت وأتشرد أم ماذا؟!! أنا مثل الفتاة في المنزل، لا أخرج، وكأنني مسجون، حتى المسجون ينعم ويرتاح أكثر مني
أنا أتألم.. لا أستطيع أن أتحدث مع الرجال.. ولا التعامل معهم..
كل أصدقائي أفضل منّي أنا محطّم.. محطّم.
21/6/2022
رد المستشار
الأخ الكريم .. يبدو أن العزلة التي يفرضها عليك الوالدان قد منعتك من إدراك أن العالم يمتلئ بمن هم في مثل حالتك.
يا أخي.. التضييق على من هم في مثل عمرك هو ممارسة ثابتة في مجتمعاتنا المسكينة التي لم تدرك بعد ماذا يعني الإنترنت، أو ماذا تعني ثورة الاتصالات؟! لأن أبجديات وبديهيات العصر الذي نعيشه تقول: إن فكرة درء المفاسد بالمنع قد انتهت من تاريخ البشرية إلى غير رجعة غالبًا، وبقي لتحقيق هذه المصلحة طريق واحد كان وما زال هو الأصل.. ألا وهو: الوعي والفهم والتقوى.
يا أخي.. والدك ووالدتك يخافان عليك من أخطار الانحراف التي تهدد شباب اليوم، وهي كثيرة، وتعبيرهم عن هذا الخوف يأخذ هذا الشكل الذي يبكيك، ويضحك أي عارف بشئون العصر الذي نعيشه.
والحل النهائي أن تتعدل تصورات الآباء والأمهات للدنيا من حولهم، ولأدوارهم فيها بالتالي، ولا أنصحك بانتظار تحقق هذا الحل لأن الأمر ربما يطول، ولكن أنصحك:
أولاً: بعدم العناد أو مصادمة هذا التضييق؛ فهذا "التمرد" متوقع منك، وهم مؤهلون أنفسهم لاستيعابه، والصبر عليه، وبالتالي الإصرار على موقفهم.
ثانيًا: أنصحك بالتفوق في دراستك على نحو لا يتوقعونه؛ لأن أهم معالم شخصيتك الآن - على الأقل في نظرهم - أنك طالب تدرس، وتفوقك يعني أنك مسؤول، وهذا التفوق الباهر هو وحده ورقتك الرابحة في المساومة التي سأشرحها لك حالاً، فبعد أن تكف الصياح والشكوى والتفكير الساذج في ضرب أمك، ويروا منك تفوقًا يفوق كل حساباتهم يمكنك أن تبدأ في المطالبة بحق كل مجتهد في الترفيه.
وأنواع هذا الترفيه متعددة، وأقترح أن تبدأ مطالبتك بأشكال من الترفيه تدخل أسرتك طرفًا فيها - أمثلة: الذهاب في رحلة خلوية بصحبة أحد أشقائك، قيادة السيارة لتوصيل أمك إلى زيارة صديقة لها، دعوة الأصدقاء إلى منزلكم لتناول طعام الغداء أو العشاء، ويقوي من جانبك أن تتعرف والدتك على أمهات الأصدقاء المقربين منك فتعرف أنهم من بيوت طيبة، وأنك معهم ستكون في أمان، كما يستحسن أن يعرف والدك أو إخوانك طبيعة الأماكن التي تترد عليها، وطبيعة الأنشطة التي تقضي فيها وقت فراغك.
وحبذا لو كانت لك هواية نافعة ممتعة، أو موهبة متميزة في ضرب من ضروب الاهتمامات، التي تشغل البشر، فإن وجود مثل هذه الهواية وتميزك فيها من شأنه إنضاج شخصيتك من ناحية، وإشعار أسرتك بالمزيد من الجدية في مسلكك، فحين تتميز في رياضة ما مثلاً سيكون عليك أن تتدرب لها بانتظام، وستكون الأسرة في مقدمة المشجعين على مداومة التدريب، والإنجاز في هذا الميدان.
والخلاصة أنك تستطيع بالحكمة أن تربح ما تخسره يومًا بالتذمر واليأس، ودعني أصارحك أن الأمل منعقد على أمثالك في استيعاب مخاوف جيل الآباء والأمهات، وإدارة الحياة بمهارة أكبر لتحقيق ما فشلت فيه أجيال سابقة من نهضة واتزان.