السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنا فتاة عمري 24 سنة على خلق ودين، ولله الحمد وحصلت على مؤهل جامعي عال بفضل الله.. من أسرة طيبة كريمة محبوبة تخاف الله.. أعاني من ارتفاع عظمة الأنف (نتوء أنفي) بالمقارنة بالوجه فهو ملفت جدا، وقد فكرت كثيرا في إجراء عملية لتعديل الشكل، ولكن كنت أخاف من الله وأخاف أن يكون تغييرا في خلقة الله واتخذت منهج مَنْ ترك شيئا لله وكنت على يقين أن ربي سيعوضني.
ولكني للأسف أصبحت معدومة الثقة في نفسي لأسباب عدة، منها عزوف شخص قد أقدم على أن يخطبني وعندما رآني تردد ولم يأت من بعدها، وتألمت كثيرا لسوء شكلي أمام أهلي ولعلمي أن شكلي غير مقبول لكبر حجم أنفي الأشبه بالرجال، وتجاوزت محنتي .. وفي زواج الصالونات ومعارف الأهل تقوم أمي بوضع كرسي على مكان بعيد حتى أجلس عليه خصيصا حتى لا يلفت أنفي انتباه والدة العريس وحتى لا تراني من الجنب وتراني فقط من شكل وجهي الأمامي المقبول.
وتجاوزت كل هذه المشاعر السلبية التي كانت تضايقني جدا وتؤذيني جدا، وما أجده من استهزاء إحدى زميلاتي على سبيل الدعابة وقد قالت علي (المنقار) وأخرى تقول لي على سبيل المزاج (من كثرة الكذب مناخيرك طولت) .. وأنا لا أحب المزاح في هذا الموضوع بالذات وتمت خطبتي لشخص آخر وبعد مدة من الخطبة أحسست أنني مجرد فرصة زواج ناجحة ليس أكثر، وبدأت أشعر أنه بعيد عني ولا يهتم بي ولا يرتبط بي عاطفيا أبدا، تألمت ودعيت ربي أن ينور بصيرتي.
صارحني عدة مرات بأنه يخبئ عني سرا كبيرا لا يقدر عليه وأن هذا السر يكاد يميته.. وتضاربت أقواله وأفعاله، ومن تصرفاته الغريبة وبكرم الله اكتشفت أنه يحب أختي التي تصغرني سنا، وأجمل مني، وذلك بتصريح واضح منه لها، وأنه أحبها بعد أن خطبني.. انكسرت.. انكسرت وأكاد أبكي وأنا أكتب الرسالة.. كنت أتمنى أن يقتنع بي من يتزوجني، ولكن للأسف فهو يبحث عن من هي أجمل على الرغم من أن أختي تشبهني كثيرا ما عدا في الأنف، ذلك الأنف الابتلاء الذي كان يسخر منه خطيبي على سبيل الدعابة، وكنت لا أهتم بكلامه ولا أهتم لأنه كان يراعي جزءا من مشاعري.. وعند اكتشافي لتلك المصيبة التي حلت بي، وبعد أن كسر قلبي نهيت خطبتي.
وأنا الآن أكرة شكلي.. وأكره نفسي.. وأخاف أن أحقد على أختي وأن ينزغ الشيطان بيني وبينها.. إنني أتعذب وأخاف أن يعذبني ربي بعدم الرضا، ولكني والله حاولت قبل ذلك تحمل الضرر ولكن الآن لا أستطيع.. والله الذي لا إله إلا هو ليس لي غرض سوى أن أكون على ثقة بنفسي أمام زوجي وأهل زوجي في المستقبل.. فقط أن يسر عندما يرى وجهي ولا يقارن بيني وبين أختي كما فعل خطيبي السابق سامحه الله وتجاوز عن سيئاته.
أعاني من مشاكل نفسية واضطرابات فكرية كثيرة جدا.. بدأت بهجر الناس لأنني فعلا كنت قد أحببت خطيبي السابق.. كرهت ظلم البشر لبعضهم.. عانيت من القولون العصبي بعدها وظهور بثور وحبوب في وجهي بشكل ملفت وكل من يراني يقول (أنت ما زلت صغيرة لماذا وجهك هكذا).. ولا أعلم لماذا أنا بهذا الضعف.. فقط لأنني أحببته وتارة أسامحه وتارة أبتهل لله أن يرزقه بأخرى تخونه وتظلمه كما فعل بي.. علمت أمي المشكلة وتأذت كثيرا لي.. وأختي الصغيرة التي أحبها أكثر من نور بصري.. أخاف عليها جدا من نفسي الآن.. أخاف أن أفكر في شيء يؤذيها.. أصبحت دموعي تختنق بعيني تأبى النزول.. ولكن الحمد لله الكريم الحنان الذي رفق بي ووهبني أهلا أفخر بهم طيلة عمري.
هذا الشخص الآن يدعي أنني ظلمته وأني لا أثق بنفسي وأشك به مع كل بنات الأرض، وأنه لا شيء في وجدانه تجاه أي أحد من أهلي ولا أصدقائي، وأقسم بالله الذي لا إله إلا هو ما قاله خاطئ فقد رأيته بعيني.. هل يستطيع الإنسان تكذيب عينيه يا سادة؟؟ فبربكم أجيبوني هل ظلمته!!! والدته أثارت الدنيا ولم تهدأ منذ أن عرفت بما حدث (وأعلم أن ابنها صرح لها بالحقيقة) ولكن ردة فعلها تمثيلية لتعيد كرامة ابنها وحتى لا يقال عليه إنه لا يراعي حرمة البيوت، وخصوصا أننا جيران، وتحادث أمي بأني لم أحترمها ولا أحترم ابنها ولا شيء من ذلك، وأن ما جئت به افتراء.. لا حول ولا قوة إلا بالله.. ألم يكفهم ما فعلوا بي.
نفسيتي محطمة ومكسورة وحزينة.. ووحيدة.. للحفاظ على كبريائي لا أحادث أمي أبدا في الموضوع ولا والدي.. ولا أبكي أمام أحد سوى ربي العالم بحالي.. كرهت كل الرجال وتفكيرهم.. كرهت من لا يملأ عينه غير التراب.. وأحاول أن أحب نفسي وأتصالح معها، ولكن لا أقدر.. فأنا لست راضية عنها أبدًا، وأحلم بتغيير نفسي وشكلي لما فيه ثقتي، وأخاف من أن أكون من مغيرات خلق الله.. وحاولت أن أسأل أهل الدين في أمري ولكن دون جدوى.
أحلم بالهدوء والطمأنينة والرضا والحب،
ولا أملك سوى الألم.
12/6/2022
رد المستشار
معك حق يا صديقتي فيما تشعرين به فلقد مررت بتجربة قاسية وصعبة تعرضت فيها للكثير من الجراح.. فأنا أقدر هذا وأفهمه ولكن، حين نمر بتجارب من الوزن الثقيل كهذه لا يجوز أن نغرق فقط فيما آلت له من نتائج أخيرة أو نظل نندهش لما حدث طول الوقت ممن لم نتوقع منهم ما حدث.
بل علينا أن ننتبه وننصت للرسائل الفارقة التي جاءتنا منها، وهي فارقة لأنها ستُحْدِث فينا تغييرًا وتطويرًا حقيقيًّا في تفكيرنا، ومن ثمّ في تصرفاتنا، قد يكون طلبي لاستخدام العقل والاستنتاج منك الآن "صعبا" نسبيا، لذلك سأساعدك على معرفة واستنتاج بعض الأمور والقيام بالبعض الآخر.. فأنصتي:
* تتصورين أن قيامك بعملية تجميل هو تغيير لخلق الله سبحانه وتعالى على الرغم من أن معظم علمائنا أجازوا القيام بتلك العمليات ما دامت تؤذينا بحق في ممارسة حياتنا العملية أو من الناحية النفسية بشكل كبير فلك إجازة في عملها كما أقر معظم علمائنا.
* هل سألت نفسك بصدق لماذا تريدين أن تكوني جميلة؟ أكاد أسمعك تقولين لأن أكون محبوبة، واثقة من نفسي، يقبل علي راغبو الزواج، لتحقيق مكانة بين الناس وإعجابهم بي.. إلخ، وسأترك الرد للسيدة هدى شعراوي، والمبدع صلاح جاهين، ودكتور مصطفى محمود، وأستاذ عمرو خالد، أو حتى إسماعيل ياسين وكوندوليزا رايس.
فكل هؤلاء على اختلاف وضعهم وقيمتهم بيننا فإنهم حققوا كل ما تتمنينه برغم عدم استمتاعهم –عفوا- بملامح جميلة كما تتصورين، فجمالهم كان جمالا آخر، جمال أبقى لأنهم أعطوا وأضافوا فملكوا القلوب وتنعموا بحب من حولهم .. ولكن للأسف فقدت معاني عظيمة قيمتها من كثرة استخدامها في مواضع الهزل كجملة "الجمال جمال الروح" أو كما وصانا الرسول صلى الله عليه وسلم "فاظفر بذات الدين"، وغيرها فلا يجوز لمن يفهم ويفكر أن يقع في فخ هجرها والإيمان بها، ولن أترك لك فرصة تتصورين فيها أنني أحادثك نظريا.
فمن خلال تعاملنا مع البشر في عياداتنا التي ترى جروح البشر النفسية، أعترف لك أنه ما من إنسان اختار الجمال الشكلي حين تزوج وترك الأهم والأبقى إلا جاءنا يصرخ من همه ومن عدم هناءة باله!! وهذه حقيقة.
* كل المدارس التي تعلم "الماكييرات" الإتقان يعلمونهن قاعدة مهمة جدا وهي ألا يبذلن جهدا في إخفاء ملمح من الملامح بقدر الجهد الذي يجب أن يبذلنه في إبراز الملامح الجميلة، فالعين والقلب ينجذبان لرؤية الجميل فلا يريان غيره، وهذا على المستوى الشكلي فيما بعد حين تتزوجي، وكذلك على المستوى النفسي قبل زواجك .. فلم يعجبني تصرف والدتك في الحقيقة حين كانت تضع لك هذا الكرسي، ولكن عذرها أنها حبا لك اجتهدت فتصورت أنها تفعل بك خيرا في حين أن هذا التصرف كان له أثر نفسي بليغ في نفسك حتى إن لم تعييه ولا تقبلي أن تفعلي ذلك أبدا بعد ذلك مهما حدث وستكون خطوة نحو ثقتك بنفسك.
* لو ظللنا نبحث عن الثقة بالنفس من خلال ملامحنا وتقدير الناس لنا من بسببها، فنحن في الحقيقة ننتظر "الوهم" الكبير فلا ملامح تبقى على حالها ولا تقدير الناس ثابت، فالثقة بالنفس تنبع من داخلنا ولا ننتظر أن يمنحها لنا أحد، قد يساعدنا تقديرهم نعم لكنه ليس الأصل ... فالثقة بالنفس نركن فيها لحلو خصالنا وأخلاقنا وقدر إنجازاتنا وتحقيق أحلامنا وأراك ألقيت بكل هذا في سلة المهملات، وسأذكرك بما تنعمين به مما سطرته أنت بيديك ... فأنت شابة، متدينة، تخافين الله، محبوبة، متفوقة دراسيا، وسأزيدك أنا بثلاثة أمور يتقاتل عليها البشر وتنعمين بها ببساطة شديدة فأنت بارة بأهلك مطيعة لهم، صبورة، متسامحة، وتلك الخصال الثلاث خصال نظل نُكْسِبها للناس طوال 6 أشهر من التدريب فلا يحصّلون منها على نصف مما تحصّلين أنت.
* مرورك بتلك التجربة جعلتك في حقيقة الأمر تقتربين وتتعرفين على نفسك، فلقد اكتشفت نفسك حين تمرين بمحنة كيف تشعرين وكيف تتصرفين وعليك أن تستخرجي أفضل طرق للتعامل مع نفسك حين يحدث ذلك مرة أخرى في موضوعات مختلفة، فالحياة مليئة بالتحديات كما هي مليئة بالأمل والمتع ... وكذلك عرفت قدر حبك لشقيقتك فلا تظلميها؛ لأنها لا ناقة لها فيما حدث ولا جمل كما يقولون ولا تنسي أنها أصغر منك وخبرتها أقل منك فأعطيها العذر، واكتشفت معدن هذا الشخص وخلقه الحقيقي حين يتم كشف تصرفاته، وكذلك أهله فهل كنت ستنعمين بزواج مستقر وحياة سعيدة مع كاذب يخون أمانة البيوت؟؟
فلتحمدي الله أنه كشفه لك قبل التورط معه في زواج، ولا يجوز أن نظل نبكي وننتحب على درس قاس مررنا به بقدر ما نتعلم منه ما يقوينا لنكمل مشوار حياتنا فنكون أنضج وأكثر إصرارا على النجاح فيها.
* هناك عدة ألعاب نفسية لها أثر كبير على من حولنا وعلينا سأذكر لك منهما اثنتين؛ إحداهما لك والثانية لمن حولك كتدريب عملي.
فالأولى: هو أن تتعلمي أن تنظري لملامحك الجميلة في وجهك حتى تتدربي على أن تقع عيناك دوما عليها أكثر من أنفك وستأخذ بعض الوقت ولكنك ستتعلمين هذا وستفرق معك بمرور الوقت.
والثانية: هو إيجاد الشعور الداخلي بأنك جميلة، فكلما بدأت يومك وأنت تشعرين بأنك جميلة شعر الناس من حولك بأنك جميلة وإذا جلست مع نفسك بهدوء فستجدين أنه قد حدث ذلك معك بالفعل في يوم من الأيام، ألم تجدي من يقول لك اليوم بك شيء مختلف؟
غالبا ما يكون ترجمة لشعورك أنت فكلما أحسست بأنك جميلة شعر من حولك بأنك جميلة، وكلما ضاقت بك نفسك ولم تشعري إلا بما يزعجك فلن يرى الناس منك إلا هذا ولقد لمستيه عندما كانوا يتساءلون عن إرهاق وجهك.
* هناك دراسة علمية تقول إن كل عشر فتيات ينظرن في المرآة ثمانية منهن لا يرضين عن شكلهن!! هل تتصورين؟!
وكم من فتيات جميلات في الملامح يأتين لنا لأنهن يعانين بأنهن لا يشعرن بجمالهن برغم قَسَم كل من حولهن لهن بجمالهن، وأنا أراهُن بعيني رأسي حقا جميلات الملامح، ولكن القصة قصة نفسية وتربية منذ الصغر فلا ترضي لنفسك أن تكوني إحداهن.