السلام عليكم، معاذ الله على كل ما سأقول، ولكنني أعيش في عذاب، ولا أجد سبيل رشاد يريح قلبي. الموضوع باختصار هو: ضعف اليقين في عظم قدرة الله والخلط بين قدرات الإنسان وقدرة الله على تدبير أمور الكائنات جميعها، والقدرة على الإحصاء لكل شيء في الدنيا، بدءاً من ذرة التراب ومكانها، وهل لها أيضا كتاب خاص بكل ذرة منذ خلقت وحتى قيام الساعة؟.
وحينما أتفكر في أي أمر متعلق بصفة التدبير يعجز عقلي عن تخيل وجود من يحكم ويدبر، ويأخذني عقلي للربط بمدى قدرة الإنسان وقدرة الله فيعظم في عيني هذا الأمر.
وعندي من أسماء الله وصفاته ما لا أقدر على التيقن منه بصفاء ذهن مثل : المحصي (لكل ما كان وما سيكون)، والمدبر (لكل أمور المخلوقات والعلاقات المتداخلة بين الناس فيما يخص صفة التدبير)، والعليم (بكل ما يمر ببال كل البشر في لحظة واحدة)، فضلا عن مشكلة الربط بين قدرة الله وقدرة الإنسان.
(سامحني الله على كل ما قلت، ولكن هذا ما يعذبني من شهرين،
ولا أشعر بأي طعم لعباداتي، ولا بعظم الذنوب التي أقع فيها كما كنت من قبل).
29/06/2022
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله تعالى وبركاته يا "خليل"، وأهلًا وسهلًا بك على موقعك مجانين
احترت كيف أجيبك وأنت تجيب نفسك بنفسك إذ تقول: (مشكلة الربط بين قدرة الله وقدرة الإنسان). مما يجعلني أشم رائحة الوسوسة وليس فقط الشبهة المحضة، إن العقل يمكن أن يصدق بقدرة الخالق على معرفة وتدبير كل شيء مهما دقّ في لحظة واحدة، ولكن خيالنا لا يستطيع أن يتصوره لانعدام ذلك في عالمنا البشري.
وكمثال عملي، -ولله المثل الأعلى-: أغلب المخترعات العلمية كانت في السابق ضربًا من الخيال، ولكن العقل يصدق إمكانية وجودها، ولولا تصديقه بذلك لما حاول اختراعها. فلو رجعت إلى الوراء ألفي سنة وقلت للناس هناك شيء نركبه فيأخذنا إلى القمر، لضحكوا وصاروا يتخيلون شكل الدابة، أو العربة التي تطير، أو فسروه بنوع من السحر والشعوذة، ولكن عقلهم لا يقول باستحالة صعود الإنسان إلى القمر بطريقة ما.
نفس الشيء الكمبيوتر وحساباته وقدراته، هل يستطيع الإنسان فعل ما يفعله في لحظة واحدة، رغم أنه هو الذي اخترعه!! لماذا تؤمن بتفوق قدرات الكمبيوتر على قدراتك؟ وإجرائه كثيرًا من العمليات الحسابية، أثناء فتحك للإنترنت، ويعطيك في نفس الوقت إحصائية عن البضاعة التي في دكان تاجر كبير بضغطة زر واحدة؟
إذن: العقل لا ينفي وجود من يتفوق عليه في القدرات بشكل كبير جدًا جدًا، ولكنه يعجز عن فهم كيفية حصوله، وهذا هو المطلوب! لأن هذا سيوصلك إلى معرفة حقيقتك عبدًا ضعيفًا.. ومعرفة الله إلهًا قويًا..، معرفة نفسك عبدًا جاهلًا ومعرفة ربك إلهًا عالمًا.. معرفة نفسك عبدًا عاجزًا، ومعرفة ربك إلهًا قادرًا...، معرفة نفسك عبدًا فقيرًا ومعرفة الله إلهًا غنيًا...، وفي هذا يقولون: من عرف نفسه فقد عرف ربه. أي من عرف نفسه بصفات النقص، فقد عرف أن لله صفات الكمال.
وبهذا فإن مقارنتك لقدراتك مع قدرات الله، ينبغي أن تدرك بها الفرق بين الخالق والمخلوق، لا أن تنزل بقدرات الله إلى مستوى قدرات العبد، ثم تستنكر وجودها، ويقودك تفكيرك إلى: (أنا لا أقدر، إذن: الله لا يقدر)!! هذا قياس فاسد، لأن القياس لا يكون إلى بين المتشابهات، وهنا الفرق جوهري: أنت مخلوق والله خالق غير مخلوق.
إنك لا ترضى أن أقيس علمك مع علم الحمير وكلاكما مخلوق تحت جنس الحيوانات، فكيف ترضى لنفسك أن تقيس قدراتك مع قدرات الخالق، وأن تنكر قدرة الله لعدم قدرتك؟ هل ترضى أن ينكر الحمار علمك ومعرفتك لأنه لا يعلم ولا يفهم؟ مع أنه يتفوق عليك بالقوة البدنية، وأنت لا تتفوق على الله في شيء. آسفة لهذا المثال القبيح، ولكنه مقصود لإظهار قبح المقارنة والنتيجة التي خرجت بها.
الفرق بيننا وبين الخالق، شيء بديهي لا يحتمل الخلط ، ولا داعي لشغل النفس به إلى حد الوسوسة، ولا إلى تعكير صفو الحياة والعبادات بسببه.
أرجو أن تكون الفكرة قد وصلتك... وفقك الله
واقرأ أيضًا:
وسواس التشكك الكفري : العجز عن الإدراك إدراك !