الرجاء الحار أن تفتوني في أمري ولكم جزيل الخير من الله عز وجل، ألخص مشكلتي بما يلي مع إلمامي الأكيد بأن الأكثرية يعانون مثلها وإن كانت مشكلتي غير ذلك:
منذ أن وعينا أنا وعائلتي على هذه الدنيا ونحن نعاني من مشاكل داخلية فنحن متذبذبين بين جهتين أبي بالمعاملة والتفكير وطريقة العيش ومن جهة أخرى الطريقة الإسلامية والمثالية جدا التي زرعتها والدتي في نفوسنا وبهذا انقسمت طريقة عيشنا وتميزت بأنها تجمع أقصى اليسار (عافانا الله وإياكم) وأقصى اليمين (جعلنا الله منهم وإياكم).
الأمر الآخر هو ملازمة الحظ العاثر لجميع أفراد الأسرة بشكل عنيف جدا كبارا وصغارا، عزابا ومتزوجين، ذكورا وإناثا على حد سواء والقاسم الأكبر في هذا كله الفقر الذي لا يسمى فقرا أو لعله كذلك! حيث يتوفر لنا الطعام الجيد في جميع الأوقات –حتى وان كان صدقة- واللباس الجيد كذلك لكن قلة ذات اليد من النقود وكثرة الديون ومعظمها من البنوك –بحكم أنه لا أحد يقرضك ولا قرض بسيط يكفي للمصائب.
وفوق هذا وذاك عدم توفر العمل –اللهم إلا لشخص واحد في كل مرة وكأنه لينفق على باقي الأفراد- وإن توفر العمل فلا يدوم لأكثر من عام على أبعد تقدير حتى وإن كان عملا جيدا جدا، وفي نفس الوقت لا يفي إلا بالأساسيات للعيش ودفع أجرة البيت الذي نعيش فيه!! عشنا لسنوات كثيرة نحاول فك هذا الشؤم أو على الأقل فهمه ليتسنى لنا العيش الكريم أولا وآخرا... وتحملنا وصبرنا وأمضينا أيامنا جميعا محاولين العيش على كل حال منتظرين بأمل صعب جدا الفرج.
السنوات الست الماضية أهدتنا موت العزيزة الغالية والتي انتظرت الفرج 30 سنة صابرة محتسبة قائمة بواجباتها الدينية عند زوجها وقبل ذلك نفس الصبر في بيت أبيها ليفاجئها الموت راضية عن جميع أبنائها بعمر 52 هذا هز إيمان كثير منا لفترة ولا أقول غير الصدق... الست سنوات الماضية لم تحمل لنا سوى المزيد من الشقاء والفقر والدين والمشاكل والتي من شدة وقعها علينا جعلتنا نفكر بمن سبب كل هذا؟ ولماذا؟ وما الذي يجب فعله؟ صدقا وصلنا لمرحلة صعبة جدا حتى على البنات المتزوجات منا.
كلنا نعلم بأن الله هو المتصرف بكل شيء لكن بدأنا نبحث عن سبب ما لعل الله يفتح بصيرتنا عليه! كل ما نعرفه من صلاة وصيام وصبر ودعاء وقيام الليل وقراءة القرآن والصدقة ونحن بالكاد نجد شيئا لأنفسنا حتى فكرنا بأن أحدهم يسحرنا أو يحسدنا لأن الوضع أصبح لا يطاق فكل أمورنا مغلقة، غير ميسرة ولا شيء واقعي أبدا ... ثم أنحينا باللائمة على والدنا الذي توفي قبل 6 أشهر حملناه المسؤولية لجميع مراحل حياتنا، خاصة أن شقاءنا بدأ معه منذ نعومة أظفارنا كما يقال وعققناه في آخر سنة من عمره حتى آخر أيام حياته بعد أن صبرنا وبررنا أكثر من 30 سنة متصور أكثرنا بأن هذا كله سينفرج بموته وكان أن غضب علينا في آخر لحظات حياته كما كان دائما يفعل لأي شيء مهما صغر إذا أساءه لن أخوض أكثر فكل ما نقوله رحمه الله وغفر لنا.
نحن الآن كما كنا سابقا ونتجه دائما للأسوأ بلا مأوى ملك لنا، بلا عمل، بلا نقود وكثيرا من الديون المتراكمة وتتراكم بسبب البنوك والتي لم تنتهِ أصلا وكثير من المسؤوليات التي لا تطاق لا أدري إن كان هنالك كلمات تستطيع وصف ماضينا أو حاضرنا وأخطر شيء في هذا الأمر كله "وهو ما دفعني للكتابة لكم في المقام الأول" أننا جميعا بدأنا نفقد الكثير من الإيمان الذي كان في قلوبنا أو أنه لم يكن أصلا! بدأنا نهمل فروضنا من الصلاة ثم إيماننا بكل شيء... كل شيء وكأن ما نعرفه عن ديننا انقلب ضدنا وأصبح يناقض إيماننا مع العلم بأننا علمنا وفقهنا أنفسنا ولهثنا خلف التعلم في كل مكان متاح ولا أدري أين النهاية أو أين المفر!!!
أناشدكم بالله رب السماوات والأرض أن تفتوني بأمري وتوجهوني لما يجب علينا فعله حتى وإن كان صعبًا
حتى لا نفقد ما عشنا كل حياتنا عليه هذا إن كنتم تعلمون، أخوكم في الإسلام.
03/07/2022
رد المستشار
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سامحني على التأخر في الرد، عسى الله أن يكون فتح عليك قبل ردي. بداية رحم الله والديك وغفر لهم ولنا، أرجو الله ألا تكونوا فعلا قد عققت والدكم في آخر أيامه، فكما تعلم كل عمل أجره مؤجل إلا البر فإن أجره معجل في الدنيا قبل الآخرة، البر لا ينتج عنه بالضرورة رضا الوالدين بل المهم اجتهادنا وقبول رب العالمين لعملنا، ولا تنسى أن بر الوالدين لا ينتهي بموتهم بل يبقى بعده الدعاء لهم والصدقات وصلة أرحامهم، افعل منها ما تستطيع عسى أن تجبر قصور عملكم السابق أو تزيده حسنا.
ظروفك الحياتية صعبة كان الله في عونك وكما ذكرت لست وحدك غير أن ما يميزك عن غيرك هو إيمانك. يبتلى المرء بأعز ما يحب أم حسبتم أن تقولوا آمنا وأنتم لا تفتنون، بل أن الرسول وصحابته زلزلوا من شدة الفتن ولكنهم ثبتوا وثواب الثبات لن يكون في الدنيا. لا تكن كمن يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمئن وإن أصابه شر انقلب على عقبيه خسر الدنيا والآخرة. إن الله غني عن جميع عباده وعبادتهم، نحن نعبده ليرضى عنا ويدخلنا الجنة أما في الدنيا فهي دار ابتلاء نسأل الله العون فيها وعليها وألا يفتنا. من أشكال الفتن أن تظن أن عبادتك تجعلك أكثر حظا في الدنيا، فانظر فإن كانت الدنيا هدفك فالدين ليس طريقها الأكيد، وإن كانت الجنة هدفك فالصبر وحده على الدنيا هو طريقك. جميع من خلق الله سيبتلى ويظن البعض أن الغنى نعمة وهو في كثير من الحالات باب الفتن والبلاء.
بعد تعديل تفكيرك في علاقتك بربك عدل طريقتك في التفكير عموما، تنتج معاناتك عن اتباعك التفكير اللامنطقي بصورتيه التعميم الزائد والحتمية. التعميم الزائد تتحدث عن حياتك وحياة إخوتك بصيغة واحدة والحقيقة أن كل مشكلة لها أسبابها التي تتعلق بصاحبها ولذا يكون حلها أيضا مختلفا باختلاف صاحبها حتى وإن كنت تتحدث عن نفس المشكلة. توقف عن النظر لنفسك وإخوتك كوحدة واحدة فأنتم مجموعة مختلفة بقدراتها وأساليبها فكل منكم يجب أن يسعى لحل نفس المشكلة كل حسب قدرته.
صورة التفكير المضطربة الثانية التي تتبعها هي الحتمية فأنت ترى أن القادم من حياتكم لا بد سيكون كما فات، وقد بدأت حديثي معك بأن عسى الله أن يكون فتح عليك قبل ردي عليك. لا أحد يعرف إن كان قد كتب عليه الشقاء أو السعادة ولا متى تحين أي منهما، أحسن الظن بالله ولا تعجل فتقول دعوت فلم يستجب لي، بدل التذمر استمر بالدعاء وواظب على طرق باب الكريم، وعش في يقين أنه قادر أن يعطي كل طالب سؤله ولكن كيف يكون طريق الجنة عندها.
من حسن الظن بالله أن ترضى وتقنع بما رزقك مهما كان في نظرك قليلا، انظر إلى ما لديك وليس إلى ما ينقصك ولا تتوقف عن السعي ومن أسهل طرق السعي الإلحاح بالدعاء وخلطه بالعمل.
تذكر ما خلقنا رب العالمين ليعذبنا ولكن خلقنا رحمة بنا ويبتلينا لينعم علينا بعد صبرنا والتزامنا بأوامره واجتنابنا نواهيه، وفي الدنيا لا نعيم، كلها نعم زائلة ومؤقتة، النعيم الحقيقي في الجنة. أسأل الله أن يثبتك وإياي ويتقبلنا ويرحمنا ولا يكلفنا ما لا طاقة لنا به، اعبد الله كأنك تراه وأحسن الظن به وابتعد عن الجرف خوفا أن ينهار بك فتخسر الدنيا والاخرة.