السلام عليكم
هي مشكلة نشاهدها.. فهي تفضحنا في عيوننا، ونشعر بها.. فهي في صميم قلوبنا، ونسمع عنها.. فهي تدور في عقولنا.. في حياتنا اليومية نشاهد على الفضائيات وفي ثنايا المجلات، وفي المجمعات والمراكز التجارية، وفي دور السينما صورا ومشاهد لنساء وفتيات جميلات، حيث ننبهر بذلك الجمال الذي تبرزه لنا تلك الفضائيات من خلال الأفلام الأجنبية تارة، والمسلسلات والبرامج العربية والأجنبية تارة أخرى.
وحتى عندما نكون في حديقة ما أو في مجمع تجاري ننبهر لدى مشاهدتنا لفتاة جميلة تمشي هنا وهناك، حيث تنقبض قلوبنا وتزوغ أعيننا ونطلق عبارات العجب وآهات الغضب، ثم نعود لبيوتنا ونقارن ما شاهدناه بزوجاتنا فيصيبنا الإحباط واليأس من عدم القدرة على التغيير أو التطوير ثم ما نلبث أن نفيق ونعود للحياة مرة أخرى.. وتبدأ الأسئلة اليومية مرة أخرى تدور في عقولنا وقلوبنا، ويبدأ الشيطان في تأنيبنا وفي الوسوسة لنا: لماذا لم تتزوج فتاة بمثل تلك المواصفات، حيث الطول الفارع، والشعر الأشقر، والبشرة البيضاء، والعيون الواسعة، والقوام الممشوق؟
لماذا تسرعت وتزوجت الآن؟ هل لو انتظرت هل كنت سأحظى بفتاة من ذلك النوع؟ هل كان بالإمكان أحسن مما كان؟ هل يمكن أن أغير من مظهر زوجتي؟ وأجعل منها جميلة مثل تلك الجميلات؟ ،، والكثير من الأسئلة التي تظهر وتختفي والتي بالتأكيد لها سبب، وحقيقة لا أعرف سبب الشك الذي يجتاح قلوب وعقول بعض المتزوجين لدى مشاهدتهم لفتاة جميلة، ولماذا تزيغ أعين بعضهم بعد الزواج؟
هل هي مسألة شخص كان يبحث عن كنز من الذهب فوجده، ثم طمع بالمزيد؟ أم أن المسألة تتعلق بالرضا وبنفسية الإنسان المتزوج؟ أو بعملية الاختيار من الأساس؟ وهل فعلا الشاب بعد الزواج يصيبه شيء من الانبهار، وكأنه فتح صندوق العجائب!! .. نعم في النظر إلى المرأة الأجنبية إثم، وزنا العينين النظر، وفي النظر إلى امرأة غير زوجتك فيه نوع من الوقاحة أحيانا وفيه شيء كثير من الإجحاف إلى الزوجة التي رضيت بها أن تكون أما لأولادك ومستودعا لأسرارك.
والعديد من الرجال يسعون جاهدين ليل نهار إلى محاولة حث زوجاتهم على الاقتداء بتلك الحسناء، أو تلك الفتاة الجميلة التي تزين صورها أغلفة المجلات ويملأ وجهها الجميل الفضائيات.... حيث يتوسلون لزوجاتهم للحاق بركب مراكز العناية بالبشرة والشعر والتسجيل بمراكز اللياقة البدنية للتخفيف من أوزانهن التي باتت تؤرق تفكير الأزواج، وللإطاحة بأكوام الشحوم التي تلف زوجاتهم، وتلف أعناقهم مثل الحزام الناسف.
وهو أصبح يترحم على اليوم الذي كان يحلم فيه بزوجته، فهو يطمح إلى أن يجعل من زوجته نموذجا يحاكي ذلك الذي يشاهده في المجمعات التجارية، وفي شاشات الفضائيات، وفي الأفلام الأجنبية، وفي الدعايات التلفزيونية، وفي الطرقات، لعله يسكت ذلك الوسواس الذي يؤنبه ليل نهار، والذي يجلده بسوط لا يرحم من الأفكار والهواجس، فهو في النهاية يريد أن يسكن تلك الأصوات على أمل أن يرجع إلى البيت ليجد بانتظاره فتاة الأحلام التي يريدها فيسكن نظره ويهدأ قلبه ويروي بها ظمأه.
وصراحة لا أعرف إذا كانت المرأة لديها هذا الطمع والشره الذي لدينا نحن الرجال، فهل ممكن أن تتطلع المرأة بعد زواجها لرجل ذي مواصفات جسمانية وشكلية أفضل من زوجها؟ وهل يراودها ذلك الشعور عندما تشاهد رجلا مفتول العضلات، طويل القامة، جميل الشكل، فتقول لو أنني انتظرت لعلي ظفرت بذلك الرجل بدلا من زوجي الحالي؟ وهل كان بالإمكان أحسن مما كان؟ وهل من حقها أن تحلم بذلك الرجل ما دمنا نحن الرجال نحلم، بل ونسعى بكل ما أوتينا إلى أن نحظى بأجمل فتيات العصر؟
وهل عندما تطلب المرأة من زوجها أن يخفف وزنه، أو أن يلتحق بمركز للياقة هل هي بالتالي تطمح إلى أن تجعل من زوجها "جيمس بوند" جديدا يجذبها برشاقته، وبلياقته العالية، وبحضوره المميز ، ووسامته؟ بدلا من زوجها الحالي الذي أثقل كاهلها بكرشه، وهي التي كانت سببا رئيسيا بصنع ذلك الكرش من خلال من كانت تطبخ من الطعام وحلويات لزوجها المسكين.. فهي بالتأكيد باتت تعاني من زوجها ثقيل الحركة ذلك الشره الذي نسف كل أفكارها عن وسامة الرجال وخفة حركتهم وخفة ظلهم بوزنه، فها هو اليوم يظللها بكرشه بعد أن كانت في يوم من الأيام تسعى إلى تكون في "ظل رجل.. بدلا من ظل حيطة".
أعتقد أن الرجل عندما يفكر بالزواج من أخرى فهو يتطلع إلى مواصفات ومزايا غير متوفرة بزوجته الحالية، حيث يعامل زوجته مثل السيارة التي يمتلكها فهو دائم التطلع إلى مواصفات أحدث وأحدث تساعده على الشعور بالعظمة وأنه يمتلك كل شيء.. وبالتالي يحاول أن يحوز المجد من أطرافه، فقد يجمع بين زوجة جميلة الشكل وأخرى لا تمتلك المقومات الجمالية المطلوبة، وربما يطمح صاحبنا إلى جمال خارق، فيتزوج بأخرى لديها صفات جمالية مميزة وهكذا. ذلك أننا نحن الرجال لا يملأ أعيننا سوى التراب.
وكثيرا ما كنت أفكر بالحب الذي يجمع بين شخصين أحدهما جميل الشكل والمظهر، والآخر ذو جمال قليل نسبيا، وكنت أستغرب كيف يمكن لتلك الفتاة الجميلة الحسناء أن ترتبط بهذا الشاب الذي لا يمتلك من مقومات الوسامة شيئا؟ يا ترى لماذا ارتبطت به؟؟ هل أهلها أجبروها على الزواج، أم أنه "النصيب واللحاق بركب المتزوجين" قبل أن تلتحق بركب العنوسة البغيض الكئيب. لكني أقول إنها أرواح تتلاقى وتتآلف ويجمعهما الرحمن على المودة والرحمة والحب، بغض النظر عن الفوارق الجمالية التي يمكن أن تكون لدى كل طرف ... فالراحة النفسية والتفاهم هي الأهم وهي التي يمكن أن تسد أي نواقص في صفات كل شخص، وهي التي تميز طريقة تفكير الفتاة المؤمنة والشاب الصالح، حيث يركزون على الجوهر وعلى الأخلاق أكثر من مجرد التركيز على المظهر وعلى الصفات الجسمانية والجمالية لدى كل منهما.
وقرأت قديما مقالا يتحدث عن الصورة النمطية التي ترسمها لنا تلك الشاشات والمجلات والدعايات والأفلام عن الجمال، فتبرز لنا مظاهر من الجمال ربما تكون حلما ووهما، وهي بالتالي لا تقدم صورة منطقية وصريحة للجمال.. حيث يقول المقال إن كل ما نشاهده من صور ومشاهد هو جمال مبرمج يهدف إلى محاكاة القلب والعواطف وإثارة الغرائز، فهو جمال لا يتسم بالحقيقة الواقعية التي نعيشها يوميا.
هذا باختصار ما أحببت أن أشارككم به ولا أعرف إن كان ما كتبته مقالا، أو لعلي أفتح به الباب للنقاش والجدل،
فهي مشكلة باتت معاصرة نشعر ونراها ونقرأ عنها يوميا.
16/7/2022
رد المستشار
أنت يا أخي الكريم قد عرضت المشكلة بدقة واستفاضة، ولعلي ألخص طرحك القيم في الجملة التالية:
ثقافة "المتعة" التي صدرتها لنا "العولمة" قد رسمت لنا صورة واحدة (للجمال)، ورغم أن هذه الصورة "خيالية" و"غير منطقية" إلا أننا نقارنها بالواقع، فنتمرد عليه، ونحاول تغييره في مراكز التجميل -التي هي أيضا جزء من هذه المافيا- وكلما فشلنا نعود لرفض الواقع، ثم (الطمع) و(التمني) لواقع آخر غير الذي نعيشه!!
هذه هي المشكلة باختصار، وأعيد السؤال مرة أخرى: ما الحل إذن؟! هذا هو ما ينبغي أن ننشغل به، ويقدم كل منا اقتراحه وإبداعه، للخروج من المصيبة، وأنا أبدأ باقتراحين نحو الحل:
الاقتراح الأول: عمل أفلام تسجيلية قصيرة، أو فلاشات بالصوت والصورة حول "الجمال الحقيقي"، وأن تنتشر هذه الأعمال عبر الفيس بوك، والمجموعات البريدية، وهنا تبرز موهبة الشباب المتطوع عبر الإنترنت في التعبير عن الفكرة إعلاميا ... ولعل هذا الاتجاه يتطور بالتدريج لتقديم أفلام روائية أقوى وأضخم، تخدم نفس الهدف، وهناك العديد من الأفلام الأجنبية التي تناولت هذا المعنى بشكل مؤثر جدًّا.
الاقتراح الثاني: عمل جلسات علاج جمعي بين الشباب على أيدي متخصصين للتعافي من سيطرة المعنى القاصر "للجمال" على تفكيرهم وسلوكهم،، هذه الجلسات تستخدم في علاج مشكلات نفسية كثيرة، مثل الإدمان، وأنا أتصور أنها مفيدة جدًّا في الشفاء من هذا الخلل أيضا الذي يسيطر على الشباب، ويتحكم في مشاعره وتفكيره، ويسلبه النطق، والقدرة على التعايش مع الواقع والاستمتاع به، والهروب إلى الخيال والوهم.
هذان الاقتراحان لا يحتاجان سوى بعض الجهود المخلصة.. ثم من الممكن أن يتطور الأمر ويتسع، ويصبح أشبه بالمشروع القومي لمواجهة الخيال!!
هناك ترسانة من "المتخصصين" يعملون بدأب وتخطيط لتغيير اتجاهاتنا وسلوكياتنا ومشاعرنا في طريق المتعة والمادة، ولا يمكن التصدي لهذا الجهد المنظم إلا بجهد آخر أكثر نظاما وتخصصا ودأبا.
واقرأ أيضًا على مجانين:
الجمال ...إن أكرمكم عند الله أتقاكم
التي تسُرُّه إذا نظر! مَن وبمَ؟
التي تسُرُّه إذا نظر! مَن وبمَ؟ مشاركة