السلام عليكم
تبدأ مشكلتي عندما كنت طالبة في الثانوية العامة، وبدأت أول قصة حب في حياتي، لم أكن أعرف معنى الحب، ولكني عشقته، لقد كان كل شيء لي في الحياة، لم أكن أراه كثيرا، وكنت أكلمه كل يوم، وأحيانا أكثر من مرة في اليوم، كان مبهورا بي؛ لأني صغيرة وبريئة جدا، ولكنه لم يكن يحبني بالمعنى الصحيح، تعلقي به ازداد حتى أنني لم أكن أتخيل الحياة بدونه، وعندما دخلت الجامعة لم أكن أرى سواه.
كنت أحبه، وحبي يزداد يوما بعد يوم لفترة 4 سنوات، كان أقرب لي من نفسي، وجاء يوم يقول لي: إنه سوف يخطب، وهذا غصب عنه، ويجب أن أكون قوية.
لا أستطيع أن أصف انهياري، ولكنها كانت أياما قاسية، وحاول أن يكلمني كل يوم ليطمئن علي، وجاء يوم زواجه، وكنت من كثرة همومي لا أشعر بشيء غير أني يجب أن أتقرب من الله؛ لأني سأجن من التفكير، أم أترك الصلاة والقرآن يومها، ولكني كنت أتذكر أني في رمضان، قبل أن يخطب كنت أقوم الليل، وأدعو الله ألا يفرقنا أبدا إلا بموتي؛ لأني كنت قد تعلقت به، ويوم زفافه عندما تقربت من الله بكيت، وسألت ربي: ماذا فعلت من أجل كل هذا العذاب؟ أكنت مخطئة أن أحببت؟ أم لأني عرفته؟ أم لأني توقعت إجابة دعاء، وأن الله لن يفرقنا؟
حاول الجميع تهدئتي، وفوضت أمري لله وأنه سينتقم منه؛ لأنه جرحني وآلمني بعد أن أحببته، وكرست وقتي لمذاكرتي حتى نجحت بتفوق، وأنا بداخلي أنتظر لحظة انتقام ربي منه لكني أجده سعيدا كل السعادة معها، ولا ينقصهما شيء، وهو يشعر بقيمتها أكثر وأنا أتعذب، حاولت كثيرا نسيانه لكني فشلت، حتى بعد 3 سنوات الآن وعذابي يزداد؛ لأني أشعر بفراغ عاطفي وهو في أسعد أحواله وزوجته حامل الآن.
ماذا أفعل؟ إني أتعذب، ولا أستطيع نسيانه،
ولقد حاولت بالصوم والصلاة وقراءة القرآن لكني أتعذب!!
17/7/2022
رد المستشار
هوني على نفسك يا ابنتي؛ فهذا هو أحد السيناريوهات الشهيرة لقصص الحب التي تسير في طريق مجهول المصير.
في البداية تولد الشرارة الأولى للحب ويسري ضوؤها من القلب إلى أرجاء النفس المتعطشة للعاطفة والدفء؛ فيصبح للحياة طعم جديد، وتتلون الأشياء بغير لونها، ويعرف المرء -لأول مرة- هذا النوع من السحر.. إنه الحب الأول.
ثم يبدأ هذا المغناطيس في سحب هذا السكين في اتجاه تحويل هذه العاطفة إلى علاقة، وهنا يأتي صوت العقل والدين والضمير ليحاول تبصرة المحب بما هو مقبل عليه، ويطرح السؤال الفاصل: ما هو مصير هذا الحب؟ هل هناك إمكانية أن يكلل بالزواج؟ متى؟ وكيف؟ أم سيندفع الحبيبان نحو علاقة لا يرضى عنها الله ولا العرف؟
ويبدأ الصراع.. كلما توطدت "العلاقة" أكثر بين الحبيبين أصبح كل منهما جزءا من حياة الآخر، وأصبح الانفصال أشقَّ وأصعبَ، وأصبحت العلاقة عندئذ أشبه بالرمال المتحركة التي كلما حاول المرء أن ينتزع نفسه منها غاص وتورط أكثر وأكثر... ثم تأتي النهاية في حالات -أحسب أنها قليلة- بالزواج السعيد، ولكن في الغالب -مع الأسف- تنتهي القصة بجرح يتفاوت عمقه حسب طول فترة العلاقة، وعلى حسب مقدار التجاوزات التي حدثت أثناءها، وكذلك على حسب سبب وطريقة الفراق!!
أنت لم تخطئي عندما شعرت بالحب؛ فهذه فطرة قد وضعها الله تعالى في قلوب البشر لكي يوجهها صاحبها في مسارها الشرعي، ولكنك أخطأت حين استسلمت لهذا المغناطيس، وتحولت العاطفة إلى علاقة مجهولة المصير، وخنت نفسك وأهلك، وصدقت أوهاما وأمنيات على غير أساس؛ فوكلك الله إلى نفسك لتقودك إلى ما أنت عليه الآن.
هذا هو خطؤك يا ابنتي، وهذا العذاب الذي تعانين منه هو نتيجة هذا الخطأ.. ولكن هذا العذاب لا يخلو من فائدة، ولعل أهم فوائده أنه قد يكون كفارة لذنبك، ومن فوائده أيضا الدرس والتجربة التي ستصقل شخصيتك، وتجعلك أكثر صلابة وأقوى إرادة، ولعل هذا قد ظهرت بوادره بالفعل؛ حيث إنك أصبحت أكثر اهتماما بمذاكرتك ومستقبلك. وسيظهر في أشياء أخرى بإذن الله على مدار حياتك.
أما عن الدعاء الذي دعوته ولم يُستجب فلعلك تعلمين أن الله -سبحانه وتعالى- يدخر بعض الدعوات بغير إجابة ليرفع بها الدرجات يوم القيامة، حتى إن الناس عندئذ سيتمنون لو أن دعواتهم كلها لم تُستجب لينالوا هذا الفضل.
وأما عن النسيان؛ فأقول لك يا ابنتي:
إن نسيان الحب الأول يكون صعبا في كثير من الأحيان، وربما يستغرق وقتا طويلا، ولكنه ليس مستحيلا، استمري على اهتمامك بمذاكرتك ومستقبلك واشغلي نفسك بالهوايات والأنشطة المفيدة والممتعة، واملئي حياتك بأعمال الخير والبر، ووطدي علاقتك بالله تعالى، وأكثري من الذكر والمناجاة والدعاء.
أما عن غضبك وحقدك على هذا الشاب فإنك إذا كنت أكثر صدقا وصراحة مع نفسك فستجدين أنه لم يبذل حيلة أو جهدا ليوقعك في حبه، وأن أحدا منكما لم يحاول مقاومة الآخر أو "فرملة" هذه العلاقة اللذيذة؛ وبالتالي فأنتما شريكان متساويان لم يُغوِ أحدكما الآخر، وكلاكما كان يسير في علاقة مجهولة المصير، الفارق الوحيد بينه وبينك هو أنه أفاق مبكرا عنك قليلا، وقرر أن يبدأ حياة جديدة، ولعله تاب إلى الله، ولعل الله تقبل توبته، ورزقه بالزواج السعيد مبكرا عنك قليلا. ولعلك ستلحقين به، فتتوبين إلى الله، ويتقبل توبتك، ويرزقك أيضا بالزواج السعيد، وبالزواج الذي تقر به عيناك، وبالذرية والأولاد التي تملأ حياتك بهجة.
ليس معنى كلامي أن الله قبل توبته ولم يقبل توبتك؛ فلا أحد يجرؤ أن يعطي نفسه الحق للاطلاع على قدر الله، ولكني قصدت أن أقول: "لعل" الله كلل توبته بهذا الزواج، ولعله سيكلل توبتك أيضا بالزواج، ولكن في الوقت الذي يحدده سبحانه ومع الشخص المناسب بإذن الله.
وأسألك سؤالا يا أختي:
إذا كنت قد وقعت في خطأ ما مع شخص ما -أي خطأ- ثم توقفتما كلاكما عن هذا الخطأ، ثم رأيت علامات الاستقامة على شريكك في الذنب.. فهل هذا يحزنك أم يفرحك؟؟ ما الذي ستكسبينه إذا كتب الله اللعنة والغضب والشقاء على شريكك في الذنب؟ ستكونين في أمس الحاجة لحسنات تثقل ميزانك وليس إلى حسنات تنقص من ميزان الآخرين!!
توجهي إلى الله بالدعاء لنفسك، وربما له أيضا؛ فالمؤمن يسعد إذا غفر الله له ولكل البشر.. توجهي إلى الله بالدعاء "اللهم طهر قلبي من الحقد والغل"، واعلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أشار في يوم من الأيام إلى أحد أصحابه، وقال: "إن هذا من أهل الجنة". فلما تتبعه الصحابة ليعلموا ما الذي أهّله لهذه المنزلة فلم يروا منه زيادة في صلاة أو قيام أو صيام، فسأله أحد الصحابة عن السبب بعد أن تتبعه وبات عنده فأخبرهم أنه فقط يبيت كل ليلة وليس في قلبه حقد أو غل لأحد.