أنا مهندس شاب عمري 26 سنة، أحببت زميلتي في الجامعة، ولم أكلمها مرة واحدة؛ لأنني ملتزم والحمد لله، لكن حبها كان جارفًا، وكانت تصغرني بعام، فتخرجت قبلها، وعملت براتب كبير، وأنا إمكاناتي متيسرة؛ فتقدمت لخطبتها، وتمت الموافقة من أهلها، ووجدت حبًّا متبادلاً؛ لأنني شخص اجتماعي، وكنت معروفًا في دفعتي جيدًّا، ومن عائلة طيبة وظللنا 8 أشهر نغترف من الحب الحلال في أطره الشرعية من هدية أو كتاب نقرؤه سويًّا، أو نتعاون على حفظ القرآن، أو غير ذلك، ولكن دون خلوة، أو كلمة حب مباشرة رفعًا للحرج الشرعي.
ولمّا اقترب موعد العقد فسخ أبوها الخطبة، والله والله والله لغير سبب مني ومنها، وانتهت العلاقة، وحاولت لمدة عام الرجوع ولكن دون جدوى، وحاولت هي ولكن دون فائدة؛ حتى يئست من الأمر وقررت هي عدم الزواج وعاندت أهلها، طيلة هذه الفترة كانت كل أسبوعين مثلاً تتصل بي؛ لتوقظني لصلاة الفجر، ورغم أنها لم تكن تتكلم إلا أن هذه كانت عادتنا ونحن مخطوبان، فكنت أعرف أنها هي، المشكلة أنني أتوق للزواج لإعفاف نفسي، لكني لا أتصور أن أخذلها وأتخلى عنها.
وفي نفس الوقت تقدم لخطبتها شاب جيد، وتمت الخطبة، وقلت: إن هذا سينهي الموضوع، وسأتألم قليلاً، ثم أرتبط بأخرى، إلا أنني لم أنسها أبدًا، وقلت: أعيش بجرحي وأصبر على الابتلاء، خصوصًا أنها وافقت على هذا العريس، لكن للأسف بعثت لي برسالة مع أختي الصغيرة تخبرني بأنها بكت كثيرًا، وعاندت أهلها فأجبروها، وفي أول لقاء مع العريس قالت له: إنها تحب آخر، فقال لها: مع الأيام ستنسي، ولم يهتم، وأكّد لي صديق قريب لها –أثق فيه جدًّا- أنها تعلن لخطيبها كل وقت أنها لا تحبه، لكنه مستمر، ربما لأنها جميلة أو ملتزمة لا أدري!!
المشكلة الآن ماذا أفعل، وهل حرام أن أستمع لرسائلها التي ترسلها لي من خلال أختي وأجيب عنها؟ وهل غلط شرعًا ما تفعله مع العلم أنها حريصة على قيام الليل؟ وهل ينطبق عليها ما جاء في رسالة الأخت التي أحبت شخصًا خطأ؟ وأنا أتوق إلى الاتصال بها، لكني أعرف أنه حرام، ولكن هذا الخطيب ماذا أفعل معه؟ والوساطات لا تُجدي تمامًا، فهل أحاول "فركشة" الجواز، وأصبر عدة سنوات حتى يرضخ أبوها؛ لأنه يرى ابنته تكبر في السن ولا ترضى بالزواج من غيري؟، ولكن من الممكن أن يرغموها على الزواج خصوصًا أن الآخر راضٍ بالحال على ما هو عليه، أم إن الأسلم شرعًا أن أقطع كل هذا وأتزوج من أخرى رغم أنني لن أحب سواها، وسأظلم هذه الأخرى؟؟!!
والله ما تشيرون علي به سأفعله فبرجاء عرض الموضوع على متخصصين في الدين والمجتمع والزواج،
ولكن اشعروا بمدى تعلقنا ببعض، وحلمنا ببيت إسلامي جميل يقوم على ما يُرضي الله، ومدى صمودنا 3 سنوات!!!
23/07/2022
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، أهلا وسهلا ومرحبا بكم باشمهندس "ناصف".
قرأت رسالتك عدة مرات، وأرجو من الله تعالى أن يرزقني قولا نافعا ينفعكم في دينكم ودنياكم.
أولا: ليس في كل كلامك ما يخالف الشرع، وليس فيم قلت ما يجر إلى ذنب، فحسْبَ ما وصفت هناك انضباط وإرادة إليه قوية، لذلك لن أتفرع في هذه النقطة، وأذهب للتالية، وأكون فيها ناصحا أمينا، لا مفتيا شرعيا، أي الالتزام بما سيأتي أو عدمه ليس يوقع عليك مخالفة شرعية، إنما هذا خيارك، فقد تقرأ وتشعر أن هذا حقا ما كنت تحتاجه وتريده، فالحديث في أمر العلاقات معظمه نصائح من وقائع الحياة في العلاقات، فتح الله لكم في أمركم، وأن تجد في الرد ما ينفعكم، وفتح الله لي في السداد والعرض .. آمين.
ثانيا: بالنسبة لك .. أي سأتحدث إليك أنت.. في محاولة لجِعْلك مُمْسكا بخيوط الأحداث، لا أنت أحد الخيوط، والحدث هو الذي يُمسك بك.
١- ما دمت واثقا من أنك ستظلم إحداهن إن ارتبطت بها، فلا تُقدم على ذلك بداعي القطع على نفسك وعلى الخطيبة السابقة، لأنك ستظلمها، وستظلم نفسك، وستقوم الحياة على غير أسس وأركان، نعم؛ ربما تنجح لكن ليست هي النسبة الأقوى، النسبة الأغلب أنها لن تنجح، وذلك بتتبع قوانين الأسباب والمسببات، أي بالبحث في الواقع وما تؤول إليه العلاقات المشابهة، أي أننا قيْد احتمالات والضابط الوحيد هو أن تَفْهَم نفسك، وتفهم طبيعتك، لأن هذا ما يقود فعلك، فكل فعل لا يَفْهم فيه صاحبه نفسه، ما هو إلا تصرّف عشوائي، يقود لتبعات غير محمودة، على كل الأطراف.
- والآن ما يجب عليك لكي تكون مُمْسكا بالأحداث... أن تهدأ، وأن تفكر في ظل هذا الهدوء، وأن تقْطع على نفسك التشتت بين الأفكار... هل أنتظر؟..، هل أخطب أخرى؟..، هل؟..، هل؟...، ليس عليك الآن سوى أن تهدأ.
٢- ثم بعد الهدوء لابد أن تعلم لأجل نفسك، ولأجل أن تعيش عيشة مستقرة أنه لكي تقدم على خطوة أخرى لابد أن تنتهي الأولى تماما، يعني أن تَنغلق الأولى من كل جهاتها، أو تُغلقها أنت، فلا تستمع إلى رسائل أو تبادلها، أو أن تكون طيّ أوجاع.. يجب عليك على الأقل أن تَصِلَ للمرحلة الأدنى التي تجعلك مؤَهّلا لخوض علاقة أخرى، وهي (التقبّل)، فتصبح على الأقل على ثقة تامة بأنك قادر على خوض علاقة أخرى من دون النظر إلى ورائك، مهما كان، ومهما تغيرت الأحداث؛ لأنك لن تصبح أداة في يد المواقف تذهب بك وتأتي، وهذا يكون متعلقا بك وبشخصك.. يعني تفعل ذلك لأجل نفسك، ولأجل استقرارك النفساني ، وليس لأنك مرتبط بأخرى.
الارتباط بأخرى لا يقطع عليك شيئا، وإنما يكون ضغطا فقط، أي عند نقطة ما! سينفجر، ولا ندري كيف هي تبعات هذا الانفجار، لذلك يجب أن تُصفّي السابقة من كل النواحي، وهذا يحتاج وقتا، ووقتا ليس بالهيّن، لا ندري ما الذي سيحدث خلاله، لربما يأتي الله لك بشيء ترجوه، لا نعلم، ما نعلمه والمهم خلال تلك الفترة... ألا تتعلق بآمال، وألا تغذّي نفسك باحتمالات، لأنك تكون حينئذ فريسة للمشتتات.
فأفضل شيء أن ترتّب نفسك على ما هو قائم، حتى تبقى نفسك هادئة وساكنة، واجعل من الرضا بالقدر، ومن التدريب النفساني على "تقبّل" أي حدث كان ما كان .. وسيلة للاطمئنان والسلام الداخلي، فإن زعزعة النفوس وسيْرها في كل دوائر الاحتمالات أمر عظيم، لا يبْني قرارًا سليما، ولا يصنع اختيارً متزنًا.
٣- أما بالنسبة للسعي في أي فساد بينهما لا يكون لائقا بك أبدا .. بل يجب أن تُفَهِّم نفسك أن ما لك لا يكون لغيرك، فإن كان لكما نصيب ستتلاقيان مهما كانت العقبات، لكن ما دامت قد خُطبت فلا تسعى لشيء .. هذا هو اللائق بك.
-ويمكن كذلك أن نضيف لدوائر الأحداث، دائرة النظر المستفيد، أي أن تجعل الموقف منحة تضيف إلى رصيد خبراتك في التعامل مع الحياة، وأن تنظر له بعيْن المُتعلم لا بعين التائه في الحدث، مثلا:-
أ- كل ما نرجوه لا يأتي،
ب- قد يأتي ما نرجو عند تعليم القلب عدم التعلق بشيء، نتعلق فقط بالله، فإن أتانا بما أردنا وأحببنا.. شكرنا، وإن لم يكن في القدر ما أردنا، رضينا فما تألمنا، وصبرنا واحتسبنا.
ج- أن التقبل والرضا عائدان ضروريتان على النفس لبقائها ساكنة غير متأرجحة.
إلى غير ذلك من الدروس التي يُمكن أن يخرج بها الإنسان من كل المواقف التي يتعرّض لها، ما دام ناظرًا لها بعين المستفيد كذلك.
- بالأخير يمكن أن تلجأ إلى الله تعالى وأن تدعوه بالصلاح لك وما ينفعك في دينك ودنياك، وأن تسلّم له أمرك على يقين فيه -جل جلاله- أنه لن يضيعك.. وأن تسأله جوابًا عاجلا، وإشارة ما قلبية أو شعور يقيني أو أي ما كان منه -جل جلاله- .. المهم أنك تُدرك "الإشارة"، وأن تعي أنها من الله باليقين القلبي، فاليقين القلبي الرباني لا تخالطه شكوك، وأن ألعاب النفس أو الشيطان ما استطاع الإنسان أن يُشكّك فيها فليست يقينا ربّانيا، وأن تفقه أن هذه الإشارة وما تحمله من معنى هي النافعة، لأنها اختيار الله، ما دُمت قد سلّمته أمرك ولم تترك نفسك لك.
في النهاية لا يسعني إلا الدعاء لكم، على رجاء قريب، قريب جدا، أن يهديك ويرشدك الله تعالى لما ينفعك في دينك ودنياك، ويصلح قلبك وحياتك، وتستقر به نفسك، وتقرّ به عينك، ويرضيك الله به، وترضى به عنه -جل جلاله-.
-دمتم سالمين