السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
جزاكم الله خير الجزاء على هذا المجهود الرائع الذي تبذلونه في خدمة الإسلام والمسلمين.. جعله الله في ميزان حسناتكم.
حقيقة لا أعلم من أين أبدأ، ولكن كل ما أرجوه منكم أن تتسع صدوركم لي.. أنا فتاة قد بلغت 25 عاما.. تخرجت منذ أربع سنوات بإحدى الكليات التي يطلق عليها البعض كليات القمة، وبفضل الله استطعت الحصول على عمل بسرعة؛ نظرا لندرة مجالي، وبفضل الله أيضا أكملت دراستي العليا، وأنا الآن أوشكت على تسجيل الماجستير.. أنا بفضل الله أميل إلى الالتزام من صغري، وأواظب على الصلاة، وأرتدي الحجاب منذ سن صغيرة، ويثني علي الكثير من الناس سواء في وسطي العائلي أو العمل بحسن خلقي.
قد يظن البعض من الوهلة الأولى أني ليست لدي أي مشكلة، وبالفعل حتى تخرجي من الجامعة كنت أظن كذلك أني ليست لدي أي مشكلة، ولكن فوجئت عندما تقدم لي بعض الأفراد بعد تخرجي مباشرة وعملي بأول شركة أني أعاني من مشكلة كبيرة وهي مستواي الاجتماعي الذي دائما وأبدا كان عائقا بيني وبين ارتباطي بمن يتقدمون للزواج مني وهم كثيرون؛ فأنا من أسرة بسيطة ذات مستوى مادي وثقافي بسيط .. معظم إخوتي لم ينالوا أي قسط من التعليم، والباقون قد نالوا قسطا بسيطا لم يتعد مستوى الإعدادية، ومعظم أفراد عائلتي على هذا الحال.
خطبت لمدة سنتين وفسخت الخطبة لأني كنت أشعر دائما بأنه غير متقبل للمستوى الاجتماعي لأسرتي، وكنت أشعر أيضا دائما بتردده، فكان مثلا يؤجل موعد كتب الكتاب، وكان لا يهتم أبدا بإعداد مسكن الزوجية، كما أني كنت أشعر دائما بتحفظه في إبداء مشاعره تجاهي وكأنه كان يرغب في ألا يجعلني أتعلق به، ومرت الأيام ودامت الخطبة سنتين، ولكن نظرا لعدم تحملي لهذا الشعور بعدم حماسته لإتمام الزواج بالرغم من توفر كافة الظروف المادية قررت أن أفسخ خطبتي منه.
وانتهت التجربة ولكنها تركت أثرا عميقا بي، وأصبحت أشعر بالخوف كلما حاول أحد التقدم لي وبخاصة أن التجربة تكررت وتقدم لي ثلاثة أفراد وكانوا يتركوني لنفس السبب .. ماذا أفعل؟ أشعر بألم كبير بداخلي، ومما زاد الطين بلة أن والدي قد مات بطريقة غير طبيعية؛ فلأننا من أسرة صعيدية وأن موضوع الثأر موجود في الصعيد بكثرة ولاسيما في الماضي فقد قتل والدي دون أدنى ذنب في مشكلة دارت بين أحد أفراد عائلتي وفرد من عائلة الجاني.
وقد انتهى هذا الأمر تماما الآن، ولكن عندما علم خطيبي السابق بذلك تخلله الخوف والفزع، وظل هذا الأمر يؤرقه على الرغم من أني قد أكدت له أن والدي كان ضحية وليس جانيا، وأن الأمر قد انتهى فقد مر عليه سنين طويلة، وأوهمني أن الأمر قد انتهى، ولكني علمت بعد فسخ الخطبة أن أحد الأفراد عندما سأله عن سبب الفسخ ذكر لهم هذا السبب، على الرغم من أنه لم يكن أبدا هو السبب المباشر وأنا التي طلبت فسخ الخطبة، وحاول هو الرجوع لي أكثر من مرة ولكني رفضت لعدم قدرته على اتخاذ القرار، وتردده في ارتباطه بي.
ولكن بقيت المشكلة لدي، وتعمق أثرها وبخاصة أني وجدت أن كل من يتقدم لي يذهب ولنفس الأسباب التي ذكرتها سابقا، حتى عندما تقدم لي آخر واحد صارحته منذ البداية، وشرحت له كل ظروفي قبل أن يدخل منزلنا ويتعرف على أسرتي، وشعرت منه ومن والدته باهتمامهما بي، وتغاضيهم عن ظروفي، ولكن مع الأسف كان هذا الشعور وهميا؛ فقد جاءوا إلى منزلنا، وبالرغم من ترحيب أهلي بهم واستقبالهم بكل حفاوة وكرم، وشعوري بإعجابهم بي وبكرم أهلي، إلا أنهم أيضا ذهبوا ولم يعودوا مرة أخرى.
واتصلت بي والدته وأخبرتني بأن كل شيء نصيب، وعندما سألتها عن الأسباب قالت إنكم أناس طيبون وإنها لا تتمنى لابنها فتاة أحسن مني، ولكن بعد عمل بعض الحسابات توصلت إلى أنه لا يمكن الارتباط بي؛ نظرا لظروفي الاجتماعية، وعندما قلت لها ألم أشرح لكم هذه الظروف منذ البداية، وتحدثت معكم بكل صراحة، فلماذا إذن تركتموني أخبر أفراد عائلتي، وتسببتم لي في هذا الإحراج؟
قالت لي إنها علمت الآن أن الله يحبها وأني فتاة "قليلة الأدب"، على الرغم من أني لم أغلط فيها، وكل ما قلته إني على الرغم من كل ما حدث منكم ما زلت أعتبركم أناسا محترمين، وكان قصدي هذا بالفعل ولم يكن قصدي أبدا أن أسبهم، وعندما حاولت أن أوضح لها موقفي ومقصدي أغلقت الهاتف في وجهي؛ مما تسبب لي في ألم كبير وإحساس كبير بالإهانة، بكيت على أثره عدة أيام متتالية وأمي أيضا بكت كثيرا مما زاد من ألمي وجرحي؛ فأنا لا أعلم ماذا أفعل؟ هل أرفض من يتقدم لي ولا أعلمه شيئا عني وعن عائلتي، أم ماذا أفعل؟
فقد فقدت الأمل في الزواج، وأشعر بإحساس عميق بالدونية عندما أجد كل زميلاتي وأقاربي يتزوجون دون مشاكل وأنا تحدث لي كل هذه الأمور، ويكون تقدم أحد الأفراد لي بمثابة مشكلة كبيرة تقع على كاهلي .. أخبروني ماذا أفعل، وكيف أختار، وماذا أقول لمن يتقدم لي؟ فهل من الصواب أن أصارحه بكل ظروفي منذ البداية فيحدث مثلما حدث مع آخر واحد تقدم لي، أم لا أصارحه وأتركه يكتشف بنفسه فيحدث مثلما حدث مع خطيبي السابق؟
آسفة للإطالة،
وجزاكم الله عنا خير الجزاء.
28/7/2022
رد المستشار
ابنتي..
أوجعتني رسالتك... ليس لأن الناس ترفضك أنت المحترمة المتعلمة والمتدينة حين يتعرفون على مستوى أهلك، بل لكم الألم الذي أصابك وأصاب أمك فيما يبدو أنه لا دخل لكما به وهو قضاء الله.
ويبدو أن هذا الأسبوع هو أسبوع الفتيات المتمحورة حول ذاتيتها.. وتعالي أشرح لك وجهة نظري:
لماذا اعتبرت أن من دخل بيتكم بعد شرحك لوضع أهلك قد خدعك أو أساء إليك؟ إن أمه اتصلت واعتذرت بلباقة، فلماذا أصررت على مجادلتها حتى دفعتيها دفعا إلى الخطأ في حقك وحق أهلك!! .. إن أي شخص بإمكانه أن يعتذر.. ما دامت قد فعلت ذلك بأدب فلا يجوز معاتبتها.. وليس لمجرد أنكم رحبتم بهم ترحيبا كبيرا أنهم يجب أن يتقبلوا الارتباط بكم! لا تنزعجي يا ابنتي واسمعيني للنهاية؛ فأنا أقدم لك الصورة الأخرى.
أولا هذا شاب اختارك لما يعرفه أو سمع به عنك من سمعة طيبة و.. و.. لا هي قصة حب.. ولا أبدا لن أفارق.. ولا إني راحلة.. أو أي شيء من هذه القصص العنيفة التي يحاول أصحابها تخطي كل المعقول من أجل تحقيقها وهم أحيانا لا يعرفون أنها تحمل الهم والأسى.
أقول إنه تقدم إليك بعقله.. وأنت شرحت ظروفك وظروف عائلتك بكلماتك.. أعيدها مرة أخرى "بكلماتك" .. وما شرحته لم ينفره لا هو ولا أهله.. ومن هنا جاء لزيارتك هو وأمه.. إنما يا ابنتي ليس من سمع كمن رأى.. وبكل أدب واجب تجاه أهلك الكرام الذين استطاعوا أن ينجبوا ويربوا فتاة بكل هذا التفوق والذكاء والالتزام.. مع الزيارة رأى أو سمع ما يجعله يشعر هو وأمه بكم الاختلاف، ولن أصفه بغير ذلك، وكانت المرأة من الأدب أن تعتذر، وقد كان من الممكن أن "تطنش" كما نقول في مصر، ولكنها محترمة ولم تفعل.
أنا لا أعرف كيف أنت، ولكن هذا قد يكون أحد أطراف المشكلة، واسمحي لي بأسئلة لن أحصل لها على إجابة ولكني سأضع بين يديك معناها:
هل أنت مهتمة بأناقتك بشكل كامل؟ إذا كان نعم وهذا حقك فأنت تعطين انطباعا بملابسك أن مستوى الأسرة مختلف.. وهذا ما يجعل من يتقدم يخذلك؛ لأنه لا يتصور أن خلف هذا المظهر المتأنق أسرة دون البساطة، وبالتالى يتقدم إليك الأشخاص الخطأ في الكفاءة الاجتماعية وبالتالي يذهبون جميعا.. حتى الآن على الأقل ... هل أنا أدعوك لأن تصبحي "مبهدلة"؟ أبدا والله.. ولكني أتساءل معك وسامحيني على تدخلي في أمر شخصي.
هل تسعين إلى تنمية أهلك وبيتك بما تكسبين؟ ربما نعم وربما لا... ليس لدي فكرة محددة عن ذلك، إنما يا ابنتي يجب أن تعلمي أن الكفاءة الأسرية أحد أهم أعمدة نجاح الزوجية ليس لعيب في طرف دون الآخر، بل لاختلاف كبير بين طرف والآخر يجعل الحياة بين الشريكين مستحيلة؛ لأن الزوجية يا ابنتي ليست "اتنين فوق شجراية"؛ إنها نسب وأهل وأعمام وأخوال وجدود... إنها مصاهرة وهي كلمة مشتقة من صهر أي دمج، ولا يمكن دمج معادن مختلفة إلا بقدر.
وأجدني مضطرة أن أدافع عن تصرف خطيبك السابق.. الذي تردد وحاول إطالة فترة الخطوبة لأطول مدة ممكنة حتى يتأكد أنه سيستطيع الاندماج أن يتعلل بقصة والدك رغم أنها ليس الحقيقة.. فما هو السبب الذي سيعطيه لمن يسأله وأنت إنسانة رائعة بلا أي عيب واضح؟ .. كنت سأوافقك غضبك لو تعلل بالفرق في المستوى الاجتماعي ولكنه لم يفعل.. وهو من حاول أن يعود وأنت من رفضت يا ابنتي.
أعيدي التفكير فيما قلته لك، ولا ترثي حالك؛ فلم يحدث لك أكثر من مجموعة عرسان من بيئات مختلفة لم يتمكنوا من الانصهار معكم.