السلام عليكم ورحمة الله
أرجو من السادة والسيدات المستشارين أن يغفروا لي الإطالة الشديدة في عرض مشكلتي والتي جعلتها أقرب منها إلى الأسلوب الروائي منه إلى العرض المقتضب للمشكلة؛ فالمشكلة تشمل حياتي كلها ولهذا لزم التفصيل حتى يتسنى لكم إبداء الرأي وليكون العلاج أنفع إن كان التشخيص أدق والأخير يعتمد على دقة العرض... طلب آخر لو بالإمكان عرض المشكلة على أكثر من مستشار؛ فكثيرًا ما أجد في تنوع الآراء تكاملا مفيدًا، جزاكم الله خيرا مرة أخرى وسامحوني.
بسم الله الرحمن الرحيم، ملخص المشكلة هي بعث الحب الأول، وسبب اختياري للفظة "بعث" هو تعبير الدكتور عمرو في إحدى ردوده عندكم، أن الحب الأول ينبغي أن يدفن ويشيع جنازته إذا ما أردنا نسيانه أو على الأقل التخلص من آلامه وأوهامه، وكم أعجبني جدا هذا التشبيه.. عموما قبل الدخول في التفاصيل أدعو لكم أولا بأن جزاكم الله خيرًا على مجهودكم الرائع عالي الاحتراف والمهنية ها هي مشكلتي منذ البداية بل قبل البداية... ولدت لأب وأم من أصول ثقافية مختلفة وقد كانا زملاء في العمل، ويبدو أن العامين الأولين من حياتي كانا غامرين بالسعادة كما دلت على ذلك صور كثيرة خلفتها وراءها تلكم الأيام الخوالي، والصور تدل على أن أبوي كانا يدللاني كثيرا وهذا واضح من اللعب والملابس وخلافه.
كان ذلك في بداية السبعينيات والحياة صعبة على غالبية الناس للحصول على الأساسيات، دع جانبا الكماليات. المهم أن هذه الحياة لم تستمر وحدث فيها ما يعكر صفوها، فانفصل والداي وانتقلت أمي لتعيش مع والداها في قرية صغيرة من ريف مصر الفقير وأنا معها..
بدأت أكبر وعلى رغم الفقر والظروف الصعبة المحيطة فقد اجتهدت والدتي وجدي على أن أحيا حياة كريمة بمعزل عن خشونة العيش التي اعتادها أبناء الريف آن ذاك، وقد كنت والحمد لله متفوقا دراسيا والأول على أقراني أو دفعتي، وكنت والحمد لله مصدر فخر لوالدتي وجدي وجدتي. أما والدي فلم نسمع أو نعرف عنه شيئا، ويبدو أن الجراح التي خلفها الماضي جعلت والدتي غير مكترثة بالبحث في ذلك.
رأيتها لأول مرة.. في الفصل في الصف الأول الابتدائي، يا إلهي ما أجملها، وعلى الفور عرفت اسمها، وكم كانت سعادتي حينما أتت تكلمني وتسألني وأنا أجيب.. بمجرد عودتي للمنزل ذهبت لأحكي لوالدتي عن تلك البنت الحسناء في الفصل.. ضحكت والدتي وضحك الجميع. مرت أربع سنوات، أي بعد أن بلغت العاشرة، وتزوجت والدتي من رجل كان شديد الحب لنا والعطف علينا أنا وأخي ويعاملنا كأبنائه وسار هو ووالدتي على نفس النهج من التدليل والمعاملة الحسنة، ألبس أفخر الثياب وأحدث الأزياء، بالطبع كان لباسي ومظهري وسلوكي حتى لهجتي مختلفة عن بقية الأولاد في القرية.. انتقلنا بعد ذلك لنعيش في مدينة قريبة وانتقلت إلى مدرسة هناك. وفي هذه المدرسة بُهر المدرسون والطلبة على حد سواء بتفوقي ومواهبي في الرسم وخلافه.
وجدت طريقة التعامل بين البنين والبنات في المدرسة الجديدة تتم بشكل أكثر سلاسة وطبيعية.. ففي القرية يتم تحذير البنات من الحديث فضلا عن اللعب مع البنين وإلا تعرضت البنت لأشد العقاب.. بينما هنا الموضوع أكثر طبيعية ويسر وأقل تعقيدا. في نهاية المرحلة الابتدائية، انتقلنا للعيش في القرية ولكن المدرسة كما هي في المدينة المجاورة. اضطررت لأخذ دروس خصوصية في القرية، وكانت تعطى مجمعة، بمعنى أن كل تلاميذ القرية تتجمع عند مجموعة من المدرسين الذين يتناوبون بدورهم على الطلبة لمدة طويلة قد تصل في مجملها إلى ست ساعات متصلة.. وهناك رأيتها من جديد وانخلع قلبي لرؤيتها، فقد كانت أجمل من آخر مرة رأيتها فيها. بدأنا نتبادل النظرات، فابتدأتها بالكلام فكانت تستجيب حتى صارت، لنقل صداقة حميمة بيننا.. صداقه في بلد يحرم حتى الكلام البريء. كان كل كلامنا علانية وأمام الطلبة والمدرسين. لم نكن نأبه لأحد، كل ما نريده أنا وهي هو أن نظل نتحدث ونتسامر ونضحك طوال الوقت. وإن لم نستطع ذلك فلا بأس أن نتبادل النظرات الهائمة في بحر الحب.. بدأت أشعر أنني لا أريد أن أغيب عنها أو تغيب عني. أشعر بضيق في صدري إذا غابت، وأشعر بدقات قلبي تزداد قبل أن تأتي ويرقص إذا حضرت.
بدأت أسمع الأغاني والمغنين، فعلمت أنه الحب. لقد أصابني ما يصيب الكبار، ويا ويلي ماذا أفعل. كيف لي بذلك؟ ليس لي طاقة عليه، وإن كان.. فالطريق ما زالت طويلة.. لم أتعب نفسي كثيرا لأني قررت أن أمضي قدما في حبها، ولم لا.. ماذا يضير الكون كله لو أن اثنين تحابا؟ كنت أعود إلى أمي وأحدثها بكل شيء، فقد كنت شديد الارتباط بها وأتخذها كصديقة لي. حكيت لها عنها فابتسمت وقالت لي "بس إنت اتجدعن وذاكر". قلتها "يا ماما أنا عاوز أما أكبر أتجوزها"، فضحكت وقالت "ماشي، موافقة بس مش أما شوفها الأول". قلت لها سهلة، أوريهالك.. أخذت بيد والدتي حتى رأتها، والحق أن كل الطلبة رأوا ذلك وأخذوا يتناقلونه فيما بينهم. كان عدد كبير من الطلبة يهيم بها حبا لجمالها وتفوقها، لكن لم يكن أحد يجرؤ على أن يتحدث معها أو حتى يتكلم معا بشكل عابر.
عدنا مرة أخرى للعيش في المدينة المجاورة وقضيت فيها عاما، لأعود إلى القرية مرة أخرى في بداية العام التالي.. عدت وقلبي يحترق شوقا إليها. أخذت أوراقي وذهبت إلى إدارة المدرسة، فاشتد إعجاب المدرسة بي عندما رأوا درجاتي السابقة وتفوقي، فما كان من الإدارة إلا أن سألتني في أي الفصول أود أن أنتسب، وكنت أعرف فصلها، فنطقت به على الفور ، وعشت في هذا العام معها أياما من أجمل أيام عمري. ليس فقط لأننا اجتمعنا في فصل واحد وأثر ذلك على حبنا ونظراتنا ولكن أيضا لأمر لا يقل عن ذلك.. كنا نلتقى أنا وهي و زميلة لنا بشكل دوري شبه شهري. كنا نتكلم كثيرا، أسمع لها وتسمع لي وكأن كل منا يحرص على دوره ليسمع الآخر فينظر إليه.. لم أصارحها مرة واحدة ولم أكن أستطيع، وكانت تشجعني أن أفعل؛ ففي يوم من الأيام سألتني عن أحب الأغاني إلي، وكنا وحدنا إذ فوجئت بزميلتها تترك لنا الحجرة وتقول أنا طالعة في الهوا شوية، فقلت لها أغنية رسالة من تحت الماء، قالت لي أي مقطع، قلت لها أما بيقول "لو أني أعرف أن البحر عميق جدا ما أبحرت، لو أني أعرف أن الحب خطير جدا ما أحببت، لو أني أعرف خاتمتي ما كنت بدأت" فتأثرت وقالت لي "اشمعنى"، قلت لها "لأني مثله، حاسس إن أنا حبيت ومش عارف أعمل إيه والحب تاعبني". دخلت صاحبتها علينا ونظرت لنا وقالت لها "لسه؟"، قالت لها "حبيبتي لسه"، فخرجت صاحبتها تاني.. تكرر ذلك ثلاث مرات وكنت متأكدًا أنهم ينتظرون مني أن أعترف بحبي ذلك اليوم ولكني لم أفعل.
لا أدري لماذا، ولكني لم أستطع. كنت أحبها من أعماق قلبي. بعد أن تعبت زميلتها من الوقوف بالخارج دون جدوى قررت الدخول وانتهى اللقاء. انتهى العام الدراسي، وفوجئت بوالدتي تخبرني بأننا سنقضي الصيف بمنزلنا في مدينة أخرى. لقد نزل على الخبر نزول الصاعقة فطمأنتني أن هذا مدة الصيف فقط وسنعود بعدها.. كان ذلك بالطبع استدراجا لي حتى نذهب وبافتراض أنى سأحب العيش هناك أكون بذلك قد بلعت الطعم.. كان قرار الانتقال نتيجة أن العمل يحتم علي الأسرة الانتقال، حيث صعوبة السفر بشكل يومي إن لم يكن استحالته بشكل مستمر. مرت عليّ أشهر الصيف ثقيلة كئيبة، ولم ألبث أن اكتشفت الخطة، عندما بدأ الكلام عن التحويل لي ولأقضي السنة التالية هناك. عندها رفضت وبشدة، وقلت حتى لو عشت وحدي فلن آتي وإن أرغمتموني فسوف أهمل دراستي لكي أرسب.. كان ذلك التهديد بمثابة صفعة لوالدتي والتي جعلها تستسلم لطلباتي على أن أقضي هذا العام فقط وأوافق على التحويل في العام الذي يليه (وكأننا في صلح الحديبية)، عدت سعيدا بهذا الإنجاز وبما أسفرت عنه المفاوضات، ما دام ذلك سيجعلني عاما آخر بجوار حبيبتي. كانت النتيجة صعبة لأن ذلك يعني أني سأعيش وأتحمل مسؤوليتي وحدى. وقد كان ذلك، وكانت تجربة صعبة وجديدة على. لم يكن هذا العام غنيا بالأحداث كسابقه، وهذا كان يزيد من أحزاني وشوقي إليها. مر هذا العام وكانت لقاءاتنا قليلة، وخاصة أني لم أستطع أن أختار فصلها هذا العام.
ظهرت النتيجة وكنت الأول على المدرسة بفضل الله وهي الثانية. كان لهيب نظراتنا يحرقنا شوقا كلما التقينا لكني لم أستطع أن آخذ أي خطوة وربما كنت أقول لنفسي ولِم العجلة. لكني أذكر أنني كنت أخبر أصدقائي أنني سأتقدم لخطبتها عندما أبلغ الصف الثاني من الجامعة. أذكر أن والدتي كانت بانتظاري في آخر يوم من الامتحانات على باب المدرسة، وهناك رأيتها وسألتها كيف عملت في الامتحان، وهنا دعتنا والدتي للاحتفال وتناول مشروب بارد وقبلت وكنت في غاية السعادة.. ويبدو أن القدر شاء أن يكون ذلك اللقاء آخر لقاء نتبادل فيه أطراف الحديث سويا. جاء دوري لأوفي الاتفاق والوعد. وعندما حان وقت السفر سافرت، وأنا على مضض، لكن ما باليد حيلة فوعد الحر دين عليه.. قضيت السنة التالية. ساءت حالتي النفسية في هذا العام سوءا قد بلغ مداه، وأطل عليّ الاكتئاب من كل جانب، وافتقدت حبيبتي بشكل لم يسبق له مثيل. وأثر ذلك على دراستي تأثيرا أصبحت معه أتمنى مجرد النجاح وللمرة الأولى في حياتي. عندها أدركت والدتي أنه لو استمر الحال على ذلك فسوف يؤثر ذلك على نتيجتي في الثانوية العامة وتضيع طموحاتي وآمالي، فقررت والدتي أن أعود في العام الدراسي التالي، أي في الصف الثاني، على أن أفعل ما في وسعى لكي أنجح في الصف الأول.
كنت غاية في السعادة بهذا القرار وبذلت كل ما في وسعى ونجحت والحمد لله وتم تحويلي إلى القرية بعد شهرين من العام التالي.
ها نحن نلتقي ثانية بعد طول غياب. يجمعنا القدر وبدون ترتيب مسبق مني. جمعتنا مجموعة خصوصية وكنا نلتقي ثلاث مرات في الأسبوع كنت أنتظرها بفارغ الصبر. كنا نتبادل نظرات الحب والهيام ولفترات طويلة جعلت أحد زملائي يلحظ نظراتها إليّ ويفاتحني في الأمر.. كان حبي لها كل يوم يزداد يوما بعد يوم ولكني لم أصارحها بعد وكنت لا أود ولا أستطيع. وكنت أقول لنفسي إن ذلك ليس أوانه، كل ما أرجوه هو أن تستمر تلك المشاعر حتى مرحلة الجامعة وساعتها أتقدم لها.. ظهرت الثانوية العامة وأحرزت مركزا متقدما على المدرسة، وهذا والحمد لله فضل من الله. تحققت أمالي ودخلت إحدى كليات القمة، بإحدى أكبر جامعات مصر، وكان ذلك فضلا من الله ونلت التخصص الذي لطالما تمنيته طوال حياتي.. دخلت الكلية واستقررت بها وبدأت أشعر أن الدنيا تضحك لي من جديد وأنه يبدو أن موعد تحقيق الآمال والأحلام قد حان. ما زلت في الصف الأول، لكني قلت لنفسي إن هناك حسابا ينبغي أن أصفيه ويبدو أن الأوان قد آن.
قررت أن أذهب إليها وأخبرها بحبي ثم كانت مفاجأة أو إن شئت فجيعة العمر. نظرت إليّ ثم اعتذرت وانصرفت. لم أصدق أذني ولا حتى عيني. لم أدر ما أقول. لم أكن أتوقع هذا الرد.. نظرت إليها وشكرتها ثم انصرفت. في طريق العودة كنت أقرب إلى الانهيار. كنت أبكي طوال الطريق. الدموع تزرف وحدها. لا أكاد أصدق ما حدث. أمضيت أسبوعا من أسوأ أيام حياتي. لا أصدق ما حدث. انتابتني حالة من الإحباط والغضب وأشياء أخرى لم أفهمها. أمضيت أسبوعا من النوم شبه المتواصل. لا أكاد أستيقظ إلا لأنام، وإذا نمت أخشى الاستيقاظ، وكنت أسعد بغياب عقلي عن الوعي.. بعد أن هدأت وبدأ الحب يدب في عروقي من جديد، بدأت أتلمس لها الأعذار حتى ألف عذر. قلت في نفسي ربما لو تقدمت لخطبتها تعلم أني جاد فيما أنا مضمر لها وتطمئن إليّ. فتقدمت لها. ولكن الرد لسه بدري قوي علينا وإن المشوار طويل وإن كده سيعطلوننا عن المذاكرة.. عدت أنتبه إلى دراستي وقلت لنفسي إن شاء الله ربنا ييسر الخير. أعتقد أنا عملت كل ما ينبغي عمله، حاولت أكلمها ورفضت وحاولت أتقدم لها وأهلها رفضوا وإن كان بالذوق. عموما ليس أمامي إلا الانتظار. كانت بحكم طبيعة الدراسة لي ولها أنها سوف تنهي كليتها بعام قبلي.
المهم أنه بعد عامين من ذلك فوجئت بإعلان خطوبتها على عريس تقدم لها عن طريق بعض الأقارب. وعلى شدة وقع المفاجأة عليّ، إلا أن حدتها كانت أخف عليّ بكثير عما حدث عندما رفضت تكلمني. عندها أعلنت أنها ماتت. نعم، ماتت حبيبتي التي أعرفها. واسترحت كثيرا لذلك.. وانطلقت أخطط لحياتي والتفت لآمالي والتي كانت بلا حدود وهي معي في أحلامي. كانت دنياي جميلة مزهرة وهي جزء منها، أما الآن فحياتي وآمالي وأحلامي كلها باهتة الألوان لا طعم لها ولا رائحة. كنت متفوقا بدراستي في الكلية وترتيبي من الأوائل. قبل إنهاء دراستي بعام تسرعت في موضوع خطوبة غير مدروس، ولا أعتقد أن ذلك كان رد فعل لخطوبتها، ولكن هذا قدر الله.. المهم أن الخطوبة لم تدم طويلا وتم الانفصال. تخرجت وكنت من الأوائل و الحمد لله.
استأنفت حياتي بعد ذلك و تزوجت من جارة لى وكانت تصغرني بعدة سنوات. كانت جميلة ومؤدبة وشكلها كانت تحبني كما أخبرتني بعد ذلك. أخبرتني أيضا أنني كنت مغفلا إني ما كنتش واخد بالى منها، قلت في بالي أنا عموما طول عمري مغفل.. "وأسرها يوسف في نفسه" سافرت للخارج وأحببت كثيرا من نظم الحياة بالخارج وكرهت طريقة حياة الغالبية العظمى من الناس في بلادنا. كرهت حقدهم وحسدهم، كرهت النفاق وعدم الصراحة والكذب. كرهت التملق والوصولية والسعي بالنميمة وخصوصا في محيط العمل.. تزوجت بعد ذلك بعدة سنوات لكن حدث قبل الزواج بعدة أشهر أن أخبرني أحد أصدقائي أثناء مكالمة هاتفية أن فتاتي قد انفصلت عن زوجها بالطلاق. لم أبد كثير اهتمام بما قال واستطردنا الحديث. انتهت المكالمة ولم أفكر في هذا الأمر مرة أخرى إلا كذكريات تأتي وتروح على فترات متباعدة.. لم تكن حياتي مثالية كما كنت أنشد، ولكن الحمد لله. رزقنا الله بأطفال هم كل حياتي. ونعيش معا معترك الحياة وحياتي العملية ناجحة إلى حد كبير والحمد لله. مر على زواجنا الآن عدة أعوام. كنت طوال هذه الأعوام وقبلها ننزل إلى البلاد مرة كل عام تقريبا.
في السنوات الأربع الأخيرة لفت نظري أنني لم أر فتاتي الأولى منذ أن آخر مرة التقينا فيها، ولو حتى بمحض الصدفة، أي حوالي عشرين عاما الآن. وأسأل نفسي لماذا؟ ماذا أذنبت حتى يعاقبني القدر ذلك العقاب القاسي فترفضني ثم لا أراها ولمدة عشرين عاما. رغم أننا ننتمي لنفس القرية. أين ما تعلمناه عن نظرية الاحتمالات؟ إنني لا أذكر أنه يوجد شخص من القرية غيرها لم أره في خلال تلك المدة الطويلة. صحيح أنني تناسيتها ونجحت في ذلك معظم الوقت، لكن طيفها لا يزال يلاحقني.. تمر الفترة والشهور الطوال ثم أراها في المنام، وأشعر أنه كان حقيقة وأتمنى بعد أن أتأكد أنه كان حلما أن لو لم أستيقظ أبدا لأظل في هذا الحلم الجميل. أمر الحلم منتظم. كل ستة أو سبعة أشهر أرى حلما مختلفا عن سابقه وإن تشابهت غالبيتها في المضمون وهو أنني أحاول أن أبلغها بشكل أو بآخر أنني أحبها. في مرحلة الإعدادي والثانوي وما بعدها، كنت ألاحظ موقف أهلها معي غريبا. إما أن يتجاهلوني أو يتظاهروا بعدم معرفتي وإما أن ينظر بعضهم إليّ نظرة فيها غضب أو شيء من الحدة، ولا أدري لماذا!!
خفت حدة ذلك مع مرور الوقت إلى أن لاحظت أن ذلك بدأ يتغير تدريجيا إلى الأفضل منذ حوالي خمس سنوات في كل إجازة أكثر من التي سبقتها. تطورت العلاقات بدرجة لم أكن أحلم بها. منذ عامين وخلال الإجازة تقابلت مع أختها الأكبر منها أكثر من مرة. وتعمدت أن أسألها عن أخبارها وحكت لي كم تعبت فى زواجها الأول وكيف أن زوجها الحالي طيب ويعاملها معاملة حسنة.. ولم أفاتحها في شيء عما حدث بيننا ولماذا فعلت وفعلوا معي ما فعلوا. سألتها عن والدتها فأخبرتني أنها بخير وتكن لي كل الحب كما لو كنت ابنا لها تماما. وهنا قالت لم لا تزورها؟ قلت أنا؟ قالت نعم، دي هتفرح قوي؟ تعجبت من الدنيا وتقلبها. فلو حدث ذلك من عشرين عاما لربما اختلفت الأمور عن الآن. الحمد لله على كل حال. ذهبت لزيارة والدتها، واستقبلتني أفضل ما يكون. كانت أول مرة أدخل هذا البيت في حياتي.. انتابني شعور جميل. شعور بالحب والحنان. شعرت أنني أحد أفراد هذا البيت، ومرة أخرى كم كنت أتمنى دخوله منذ عقدين خاليين من الزمان. كان في البيت وقتها أختاها الكبيرتان وزوجاهما ولم ألبث كثيرا وودعني الجميع بالدعاء.
سافرت ثم عدت ولدي رغبة جامحة في أن أراها. أراها فقط، ولا أريد أكثر من هذا. أراها ولو من بعيد. لقد بدأت أشك أنها كانت في يوم ما حقيقة ولها وجود. هل يكون وجودها نفسه وهم من نسج خيالي. أعلم أن حبها نفسه قد يكون وهما ولكن أتكون هي كذلك كحبها، ليس لهما وجود في عالم الواقع، لا أدري.. بدأت تحدث أمور ومفارقات البعض سعيت أنا إليه والبعض الآخر حدث قدرا أو بمحض الصدفة. مؤدى كل هذه المفارقات أن أسرتها بالكامل يتكلمون أو يحكون حتى فيما بينهم ولأولادهم أو الأجيال الجديدة، ويتدارسونني كما لو كنت تاريخا.. لقد ذهلني ذلك أيما ذهول. هم يتكلمون عني ويعرفونني كل هذه المعرفة؟؟ وطيلة كل هذا الزمن؟؟!! إذن لم أكن نكرة بالنسبة لهم. لم أكن مجهولا. فما الذي حدث. أسئلة كثيرة كنت أود معرفة إجابتها. ذهبت لأسلم على والدتها ، طرقت الباب وفتحت وأول ما رأتني رحبت بشدة "أهلا يا ابني" وعانقتني وقبلتني "تفضل" شكرتها واعتذرت ولكني وعدت بزيارة خاصة وانصرفت. انصرفت وأنا تائه، أفكر في الذي حدث من لحظات قصار. لقد عانقتني وقبلتني؟!!! نعم، هذا حدث وليس وهما. لقد أحيتني من جديد. أحيتني بعد موات. أحيت حبا كنت ظننته مات من سنين.. الواقع أنني تأثرت بالمقابلة التي أشعلت فيّ نارًا ظننتها انطفأت وأوغرت جراحا خلتها اندملت. تساءلت في نفسى لو أن الزيارة القادمة تقع وهي هناك.
لا أدري كيف واتتني هذه الفكرة ولكنها بالطبع حلم قديم لطالما سعيت إليه. انصرفت وكل تفكيري هو كيف أحقق هذه الرغبة. أين هي؟ أين تعيش؟ ما هي آخر أخبارها؟ لا أحد من أصدقائي يعرف على وجه الدقة. انطلقت إلى أختها، وأخبرتها بما حدث مع والدتها فابتسمت، وبدأنا نتجاذب الحديث الذي حولت أنا دفته للحديث عن أختها. وبدأت تحكي وأنا أتأثر حتى بدت عيناي تغرورق بالدموع، فتوقفت شفقة عليّ.. نظرت إليها نظرة قوية وقلت لها "كنت بحبها، تعلمين ذلك؟" قالت متأثرة وواثقة "نعم، أعلم. بس يا ألله الحمد لله، ربنا وفقك، ويخليلك عيالك" قلت لها وأنا أنظر إليها بشدة وكأني أحملهم مسؤولية ما حدث "بس أنا تقدمت لها، وأنتم رفضتم" ردت وهي تحاول أن تغلق الحديث لما بدا عليّ من تأثر "هو نصيب، وبعدين إحنا كنا فاكرين إنه لعب عيال" مجرد أن قالت لعب عيال، تأثرت كثيرا وهززت رأسي أن "لا.. لا.. لا"، وأشحت بوجهي عنها حتى لا ترى دموعي، وتحكمت في نفسي ونظرت إليها وقلت لها "لأ. ما كانش لعب عيال" وعز عليّ إن الناس تاخد المشاعر والحب بقدر من اللامبالاة.
أحسست أن حكمهم غير العادل والسريع قد كلفني ربما سعادة عمري اللي معرفشي كان هيبقى شكلها إيه. صمت قليلا وجفت دموعي، وفاجأتها بسؤال آخر، نظرت إليها نظرة أخرى بكل ثبات وقوة وكأن الموضوع غير قابل للتفاوض "أنا عايز أشوفها"، فوجئت بالطلب، وغرقت في التفكير المشوب بالضحك والحيرة لهذا الطلب المفاجئ والجريء. لم أدع لها فرصة للتفكير، فأردفت بطلب آخر أكثر جرأة "و أكلمها!" فردت مسرعة كمن استفاق "لأ. تكلمها لأ. تشوفها ممكن" فأجبتها راضيا ومبتسما "ماشي خلاص. موافق" ضحكت، وأحسبها ضحكت من ترتيبات القدر. قالت لي هي قادمة هي وزوجها لزيارة والده المريض في خلال يومين، ستقضي هناك يومين وتأتي لزيارة والدتها بعد ذلك وستمكث يوما أو أكثر. قلت لها تأتي من أين؟ ألا تعيش بالقرب من هنا، قالت لا، هي تعيش في مدينة. بدأت أهيم في الأحلام، هل حقا أراها؟ هل تصالح معي قدري. ربما. ترى ما شكلها؟ الكل يقول هي كما هي بل أجمل. هل هي نحيفة، هل سمينة، هل تغيرت؟ هل الشكل يهم؟ كيف تغيرت؟ لا أدري، المهم أن أراها وليكن ما يكون.
خشيت إن رأيتها أول مرة أن أنهار ولا أتمالك نفسي. إذن أريد أن أرى صورتها. استطعت رؤية صورا لها و قد تأثرت بشدة . فيبدو أن من قالوا لي إنه مات، لم يمت وإنه حي يرزق. نعم شعرت و كأن حبها استيقظ في قلبي بعد سبات طويل.. بدأت أشعر مع كل ما أرى وأسمع أنني كنت ضحية مجتمع تافه وسطحي، تكبله تقاليد عقيمة. أحسست أيضا أن الإنسانة التي أحببتها، وأظن أنها كانت تحبني، كانت كذلك تدور في أفلاك ذلك المجتمع الساذج الجاهل وغير المثقف.. ماذا تنتظر من مجتمع يأخذ ثقافته من الأفلام والشارع. مجتمع لا يكاد يقرأ شيئا ولا يفقه شيئا. حتى حبيبتي كنت أظنها لتفوقها، مثقفة وقوية الشخصية. ليس لدي دليل أنها ليست كذلك، ولكني ما حدث جعلني في حيرة. علمت بنبأ وصولها وأنها وحدها (أي بدون زوجها لكن بالطبع منزل الأسرة مكتظ) وعلمت أن الفرصة الآن مواتية. كنت مستعدا.. لبست وتزينت جيدا. طبعا تعمدت عدم التكلف حتى أبدو بسيطا. لقد صغرت الآن عشر سنين. ويبدو أنني لم أتمن أبدا أن أبدو صغيرا قدر هذا اليوم. وصلت إلى هناك، وتوقفت بعيدا عن الباب، وانتظرت برهة حتى يرتبوا أنفسهم كيفما شاءوا. خرج الأولاد ليروا من القادم ودخلوا مسرعين.
خرجت من السيارة واتجهت نحو الباب ببطء، لأعطيهم مزيدا من الوقت، ثم طرقت الباب. قالوا تفضل ودخلت. سلمت على والدتها وعلى الجميع الذين أتوا ليسلموا عليها. على الفور تفحصت الموجودين بالصالة فلم أجدها فعرفت على الفور أنها دخلت لتتجنب اللقاء. ومفهوم، فهي امرأة متزوجة وأنا كذلك وهي بذلك تمنع الحرج للجميع.. حسنا، سأجلس خمس دقائق ثم أستأذن منعا للحرج. وجلست وأنا أشعر أن الجميع في ذهول ولا يدرون ماذا يفعلون وما هو التصرف الأمثل. أخذنا نتبادل كلمات التحية المعتادة حتى يبدأ الزمن الذي توقف منذ لحظات في السريان من جديد. وفعلا لم يطل بنا المقام حتى بدأ الزمن في الدوران بأسرع من معدله. لقد أهل القمر. يا إلهي ما أجملها. إنها أجمل من أيام المراهقة. ما أبهاها برغم حجابها الشرعي وزيها المحتشم.. ألقت السلام بتحية الإسلام. حتى نغمات صوتها العذب أشجى من أيام الصبا. كانت الغرفة كبيرة ومزدحمة وصاخبة. هذا بالنسبة للباقين، أما بالنسبة لي فقد أحسست أننا وحدنا فقط في الصالة. وكأننا في صمت مطبق باستثناء صوتي وصوتها. جلست قبالتي، وترمقني بنظراتها، النظرة تلو الأخرى. أعرف هذه النظرات جيدا. كنت كل ما أحلم به أن أراها لمدة خمس دقائق، الآن جلسنا قرابة الساعة أو يزيد.
بدأ الجليد يذوب بيننا ويوجه كل منا الكلام للآخر، وتحكي وتلقي النكات والنوادر كما كانت تفعل ونحن أطفال. انقضى الوقت الطويل بسرعة واستأذنت وفي طريقي للخروج، اقتربت منها ، قلت لها "ابقي طمنينا عليك متعمليش زي النجوم في السماء". قالت إن شاء الله وضحكت، وانصرفت.
كنت أنظر إليها وهي تتحدث ويشرد ذهني. إنها هي هي التي كنت أتمناها حتى لو لم أعرفها من قبل. طريقتها في الكلام، والذكاء الذي يشع من عينيها، الهدوء والعقل وخفة الدم. الذوق واللطف. كل هذه الصفات أرقبها وهي تتحدث ويثور بركان من الشوق والحب بداخلي. لم تستطع عيناي أن تخفي ذلك ولاحظت هي ذلك وكذلك الجميع. هي، هي حبيبتي لم تتغير. نظراتها إلى كما هي لم تتبدل. إن الحب الذي كان بداخلها يوما ما يبدو أنه يستيقظ. إنها تختلس النظرات إلى من الجميع. تنظر إليّ بقوة حتى لا أستطيع فأرفع عيني أولا كما كنا نفعل وأفعل دائما.. لقد خرجت من البيت وعندي قناعة أنها لم تنس حبي وأنه ما زال في قلبها كما لا يزال حبها في قلبي. قبل الزيارة كان كل ما أطمع فيه هو أن أراها. الآن، أشعر أنني أريد أكثر من ذلك، وبكثير. أحسست أنه حان الوقت لأن أقف مع نفسي وقفة جادة وأسألها ماذا تريد؟ ماذا أريد منها بالضبط؟ ها وقد رأيتها، ماذا بعد؟ كان الجواب أتزوجها. كيف؟ هل جننت؟ نشأ صراع شديد بين نفسي ومبادئي وعقلي من جانب وقلبي وحبي وعاطفتي من جانب آخر. فالعقل والمبادئ أنه لا يمكن فقبل كل شيء هي إنسانة متزوجة وحياتها مستقرة منذ ما يقرب من عشر سنين وأنا لي زوجة وأولاد وتربيتهم تحتاج إلى وقت وجهد وذهن بفرض أن الماديات ليست عقبة والحمد لله.
أما قلبي الثائر على الظروف والأوضاع يرى أن من حقه عودة حبيبته إليه وأن تعود المياه إلى مجاريها والأمور إلى نصابها. قلبي يرى أن حل المشكلة سهل وبسيط. أتصل بها وأعرض عليها أن تطلب الطلاق من زوجها بحجة الرغبة في الخلف والأولاد، سوف أعالجها في أرقى المراكز الطيبة. وبهذا تعود إلى سعادتي وحياتي... وهنا يثور عقلي قائلا أن هذا هو بعينه التفريق بين المرء وزوجة؛ فكيف أرضى لنفسي هذا. قلبي يقول من حقي أن أكلمها وأعرض عليها هذا العرض، وهي من حقها أن ترفض أو تقبل. فإن رفضت فلها كل احترامي وسوف أختفي من حياتها، وإن قبلت فسوف أفتح ذراعي لها وللدنيا.
الأساتذة الكرام، آسف للتطويل عليكم ولكن أفيدوني برأيكم
وجزاكم الله خيرا.
26/8/2022
رد المستشار
بعد ما انتهيت من قراءة مشكلتك -أو قصتك بمعني أدق- أغمضت عيني عشر دقائق حتى أتخلص من شحنة المشاعر التي انتقلت إلى عبر كلماتك، والتي من الممكن أن تؤثر على موضعيتي وتوازني في النظر للأمور، وخاصة لأنك استطعت أن تعبر باقتدار وبراعة عن مدى تعلقك بالفتاة – السيدة بمعنى أصح.
ولا أخفي عليك سرا.. أنا أحترم الحب جدًا، وأبغض الفراق جدًا جدًا؛ لأني أرى أن الحياة فيها من الصعوبة والكبد ما يدعونا للتمسك ببعض ما نحب حتى نخفف من متاعب ومشقة الطريق.. أغمضت عيني عشر دقائق، ثم دعوت الله أن يوفقني لمساعدتك!! لأن مهمتي معك في غاية الصعوبة، حيث اجتمعت في قصتك ثلاثة عوامل أدت إلى تعلقك الشديد بهذا الأمل، وهذا الحلم القديم.
النوع الأول: هو الحرمان من هذا النوع من الحب في حياتك، الحب الذي ينشأ بين شخصية باختيار (القلب) فقط، أنت ربما تحب زوجتك بحكم العشرة ولأنها أم أولادك، وربما تحب أولادك بفطرة الأبوة، وربما تحب أصدقاءك.. كما أن في حياتك من نعم الله ما لا يعد ولا يحصى.. من صحة ونجاح وربما مال، ووجاهة اجتماعية، وزوجة صالحة، وأولاد أصحاء.. لديك كل شيء ما عدا هذا النوع من الحب.. وهذا العامل الأول الموجود في قصتك.. وهو الحرمان من هذا النوع من الحب- موجود لدى 99% من البشر!!.
ولكن هناك العامل الثاني الذي جعل الأمر أكثر تعقيدا وهو: أن هذا الحب فجأة قد ظهر أمامك بشحمه ولحمه أو كما تقول في رسالتك: "أهل القمر" ليقول لك: ها أنا ذا متاح أمامك: تستطيع أن تقترب لتنهل وترتوي.. ولكن أخطر ما في الأمر هو توقيت ظهور وتجدد هذا الحب، الآن.. وأنت على مشارف الأربعين بعد رحلة طويلة لم تلتقط فيها أنفاسك، دراسة وعمل وسفر وأحلام وخطط وأرقام.. حياة جافة وشاقة، وقد وصل بك الإعياء مداه، وأصبحت في أمس الحاجة لشربة ماء بعدما حققت كل أحلامك وطموحك، ولم يبق سوى هذا الحلم.
أما العامل الثالث: فهو طبيعة شخصيتك التي تصر على الوصول للهدف وفق أولوياتك بغض النظر عن الآخرين.. فأنت في يوم من الأيام -وأنت في عنفوان المراهقة- سن الاندفاع والرعونة استطعت أن تتماسك وبخلت على الفتاة بالاعتراف بالحب حتى تحين اللحظة المناسبة من وجهة نظرك وحسب أولوياتك، ثم في مرحلة أخرى من حياتك بعدما عرفت أنها طلقت من زوجها الأول لم تندفع وراء مشاعرك لأن مستقبلك وطموحك كان الآن هو أولويتك الأولى، كما أن إرضاء كرامتك التي تؤلمك بسبب رفض أهلها لك ورفضها هي أيضا الاستماع إليك عندما ذهبت إليها متصورا أنها ستذوب فرحا لأنك ستمن عليها بالاعتراف بحبك – إرضاء كرامتك في هذه المرحلة كان أيضا أولوية أولى.. أما الآن، وقد أثبت ذاتك، وحققت أحلامك، وأصبحت الأولوية الأولى هي احتياجك لهذا الحب.. إذا بك -بطبيعة شخصيك- تصر على تحقيق الهدف، وتندفع اندفاعا لم تقترف مثله وأنت مراهق غض.
اجتمعت العوامل الثلاثة: الحرمان من الحب النابع من القلب وحده، مع ظهور فرصة لبحث، هذا الحب وتجديده، بالإضافة لطبيعة شخصيتك التي تصر على الوصول لما تريد، وفق أولوياتك وتفكيرك وحدك.. والآن.. هل تعتقد أن الله تعالى سيستجيب دعائي وأستطيع أن أساعدك؟!! لا أحد يستطيع مساعدتك إلا نفسك في الحقيقة، تنتصر على نزواتك وأهوائك وتستغفر الخالق الغفور الرحيم؛ لأنك ظهرت في حياة امرأة في الأربعين من عمرها، قد استقرت حياتها مع زوجها الطيب.. ظهرت في حياتها بمظهرك المبهر ومركزك المرموق، وسيارتك، وشأنك العظيم الذي يتحدث أهلها قبل أن تتحدث عنه أنت.
ظهرت في حياتها لتدمرها استجابة للحب الذي استيقظ عندك بعد موته عشرين عاما حققت فيها أحلامك. لا أحد يستطيع أن يساعدك إلا نفسك، عندما تصدق معها فينير الله بصيرتك بالحق، وتدرك عدد ضحايا هذه الحرب التي ستشنها، والتي في مقدمتها هذه السيدة ثم زوجها المسكين ثم زوجتك وأولادك.
كنت أتصور أنك في هذه المرحلة من عمرك تكون منغمسا في أحلام ولعب ومشاكل وتربية أولادك، وأن تنطبق عليك نصيحة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وليسعك بيتك" ... كنت أتصور أنك ستقبل بكل أشجار الجنة التي أنعم الله بها عليك إلا الشجرة المحرمة.
أخي الكريم.. أذكرك بنقاط سريعة قبل ختام إجابتي.. أقول لك: تخطئ إذا تصورت أن حبيبتك كما هي، فإن عشرين عاما مليئة بالأحداث والآلام كفيلة بأن تجعل منها شخصا آخر.. وأقول لك أيضا: تخطئ إذا تصورت أنها لا تزال تنتظرك، بل ويكون هذا الخطأ قد تكرر للمرة الثانية في حياتك فقد ارتكبته من قبل عندما ظننت أنك عندما تعترف لها بحبك بعد أربع سنوات من الانتظار -عندما أصبحت في الصف الأول من الجامعة- ستجدها مرحبة مهللة.. فهل سترحب وتهلل بعد عشرين سنة؟!.
تخطئ إذا تصورت أن أهلها سيرحبون بزواجك منها، إن معاملتهم لك قد تغيرت لأن السنوات قد مرت، ولم يعد هناك معنى للبرود والخصومة، ولكن ليس معنى حسن معاملتهم لك أنهم سيرحبون بتطليق ابنتهم ليزوجوها لك.
ما أجمل أن نحافظ على الحب في حياتنا، ولكن ليس على حساب ضميرنا وإنسانيتنا.. أخي الكريم.. دعوت الله أن أساعدك، مع إيماني أنك أنت وحدك القادر على مساعدة نفسك إذا أفقت من غفلتك.
اقرأ على مجانين:
الحب الأول
الحب الأول.. إكرام الميت دفنه
هواجس وأوهام الحب الأول!
الحب الأول: النضج لازم أو التأجيل