أشعر أن مشكلتي معقدة، وتحتاج إلى بعض التفصيل، فأنا شاب متدين ـ والحمد لله ـ وأعمل ضمن النشاط الإسلامي في الجامعة التي كنت أدرس بها، ولم تكن لي أية علاقة بفتاة من قريب أو بعيد، والكل يعرف عني الالتزام الأخلاقي منذ الصغر، ثم حدث أن بدأت علاقة زمالة بريئة مع إحدى زميلاتي تحولت إلى علاقة حب، وتعلقنا ببعضنا تعلقاً شديداً بدرجة غير معقولة، ولم أكن أتصور أن أحب فتاة بمثل كل هذه العاطفة.
كنا نلتقي سرًّا حتى لا يراني أحد من أصدقائي، وكلهم من الشباب الملتزم؛ لذلك صرت أخرج معها بسيارتي للمتنزهات العامة... وهكذا توثقت العلاقة بيننا ... هذه الفتاة من قطر عربي آخر غير بلدي، وهي تقيم في شقة مستقلة وحدها. وفي إحدى المرات اتصلت بها هاتفيًّا، وطلبت منها أن أزورها في شقتها، لكنها رفضت، وغضبت مني بشدة، وأغلقت الهاتف بوجهي.
وحدث أن حضر أحد محارمها من بلدهم، وأقام معها لفترة، وتكررت زياراتي لها في شقتها أثناء وجوده، واستمرت بعد سفره للأسف، ومع تكرار زياراتي لها ـ وهي وحيدة ـ ورويداً رويداً حدث بيننا عناق وأحضان بالملابس ودون معاشرة كاملة، وشعرنا بعد عدة مرات أننا في غياب مطلق عن الدين والتقوى والوعي؛ فبدأنا في التوبة إلى الله بالصلاة والدعاء في جوف الليل، والصدقة بالمال، وقررنا الزواج.
بالنسبة لي الذي يدفعني للزواج بها عدة اعتبارات:
فالزواج إحدى الوسائل للتكفير عما بدر مني، وما كان بيننا، وأشعر أنني إن تركتها سأكون فاقداً للمروءة وحقيرًا ... وأنا أحبها حبًّا كبيراً، ونحن متفاهمان جدًّا، وفيها صفات كثيرة أحبها، ولديها مهارات عديدة، والمستوى الاجتماعي بيننا متقارب، وقمت بتقديمها لأمي وأهلي، وعندما تحدثت معهم في شأن زواجي بها؛ رفضوا لأسباب عديدة منها أنها أكبر مني سنًّا، وأنها من بلد آخر، وثقافة أخرى، ولا نعرف شيئاً عن أهلها وعائلتها، كما اعترضوا على شكلها بأنها ليست جميلة بالقدر الكافي ـ رغم أنني وآخرين نراها غير ذلك ـ واعترضوا أيضاً على مستوى تدينها والتزامها في الزي والسلوك، رغم أنها ترتدي ملابس تستر جسدها، يعني حجابًا، وأحياناً يكون عباءة، وأحياناً قميصاً وتنورة ...إلخ.
مع العلم أن أهلي لا يعرفون بما جرى بيننا، ويتناقشون معي من منطلق العادات والتقاليد أساساً ... وسؤالي هو: هل من المناسب أن نتزوج بعد ما كان بيننا أم نفترق كل في طريق؟! وماذا علي أن أفعل تجاه رفض أهلي إذا قررت الزواج؟! وهل أتزوج دون موافقتهم؟! وما حكم هذا شرعاً؟! مع العلم أنني التزمت بالأدب طوال الفترة الماضية، وبالنقاش معهم بالحسنى، وحاولت معهم كثيراً كثيراً، ولمدة شهور.
وأنا في قلق وتوتر، وهم مصرون، وأنا لا أجد قلبي متوجهاً إلى خيار معين بحسم، ولا يوجد في أمر الزواج أي عائق غير موقف أهلي، أما أهلها فيرحبون بي، وقالوا: إنهم لن يرهقوني بالتكاليف المطلوبة للزواج، بل ربما ساعدونا ببعض الهدايا، ويمكنني أن أتكفل ماديًّا بنفقات الزواج، والبيت، وخلافه، والفتاة قد تضايقت من موقف أهلي، وحكمهم القاسي عليها، ومع هذا تشجعني على استمرار محاولات استرضائهم، وتعد في حالة زواجنا أن تشارك في هذه المحاولات.
أرجو الرد؛ لأن الوضع معلق، ويتعبني كثيراً.
ولكم كل الشكر
21/08/2022
رد المستشار
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
أهلا وسهلا ومرحبا بحضرتك أ."عبدالله"، أجيبكم إن شاء الله باستعانة من الله ودعائه بأن يفتح لي فتبصرون بالإجابة ما تحتاجونه وتريدونه ويكون في نفس الوقت نافعا لكم وصالحا لكم دنيا وآخرة.. آمين، إذن، فتح الله لكم في الاستقبال مني، وفتح لي في القول والعرض.. آمين.
أولا: في "نقطة الذنوب" ... أود أولا أن أتحدث فيه من جانبين، الأول: شرعي، والثاني: نفساني.
الأول: الجهة الشرعية: أي ذنب أي كان، له طريقة في الشرع التكفير عنها وهي التوبة، بالاستغفار والندم والعزم على عدم العودة، والانكباب على الطاعات، ورد المظالم إن كان ثمة مظلمة حدثت تجاه الناس.
وبالتالي فيم يتعلق بحضرتك تجاه ما حدث هو التوبة.
الثاني: الجهة النفسانية: اندفاعك لأخذ خطوة معينة خاصة الزواج باسم أنه تكفير للذنب فلا أراها سليمة نفسانيا، لأنه سيفسد المعنى بينكما مع الوقت، لأن المحرّك للزواج حينئذ هو تكفير الخطيّة والعلاقات خاصة الزواج لا تقوم وتتحقق معانيها على هذا الأساس، وبالتالي سيتسرب إلى قلبك مع الوقت ضجر وضيق من شريكك، لأنك سترى أنه لو لم يكن ثمة ذنب أجبرك على الزواج لكنت متحررا من هذه العلاقة، ولكنت قد اخترت شخصا آخر، لذلك لا تقرر تبني زواجا وعلاقة ترتكز على معنى تكفير الذنب، لأن تكفير الذنب له شكل آخر.
أما إن كان اندفاعك بدافع مبدء يرتكز على قيمة بداخلك، تُشكّل جزءا من إيمانك بمبادئك، بحيث تخليك عنها، كأنما تكون خالفت نفسك ومبادئك وكما وصفت فتقول سأكون مخالفا "للمروءة والشهامة"، فلا بأس، لأنك لن تتضجر نفسانيا لاحقا، لن تشعر بأن شريكك عالة عليك، بل ستشعر باحترام ذاتك لأنك لم تترك شخصا في منتصف الطريق، ولم تخلو بوعدك له، لكن حتى هذا المعنى بالنسبة لابد أن يرتكز على معنى آخر.. أي، لابد أن يكون هناك معنى أعمق يضمن إقامة علاقة ترتكز على السكينة والاستمرارية، مثلا: أن هذا الشخص الذي سيشاركني حياتي مناسب لي فعلا وأجد في قلبي شيئا له، لأنه.. نعم؛ وإن كان احترام النفس بإقامة المبادئ التي تؤمن بها لا شك رافد قوي للاستمرارية، لكن وجود معاني أخرى قلبية أو معنوية فإنها تضمن إقامة علاقة أعمق تضمن الاستقرار العاطفي، وهذا مطلب رئيسي في الزواج .
لذلك وكما فهمتُ من رسالتك أن هناك حب بينكما وكذلك تراها شخصا مناسبا، فإن ذلك قائما فتوكل على الله، وليُعنك الله تعالى على تذليل العقبات المتعلقة بالأهل.
وهناك نقطة متعلقة بالأهل أود أن أشير إليها، وسأتحدث فيها كفٍكْرة عامة، في العادة عندما تختار وتقرر شيء، ستجد أن هناك من لا يستذوق اختيارك، فلا تتأثر بأقوال تفسد عليك اختيارًا يناسبك وتعرف أنت أنه يناسبك، لأنه سيكون للآخرين اختيارات لن تستذوقها كذلك، فهذه سنة كونية، لذا لا تتأثر بأقوال تخالف اختياراتك، وبالتالي لست مضطرا لأن تبرر أو تأتي بأقوال تدعم اختياراتك لتؤكد أنك اختيارك جميل وطيب، لأن ذلك يجر على الإنسان الوقوع في تشتت الخيارات، وتلك متاهة شنيعة.
وفي النهاية ليس هناك مانع شرعي من زواجك من شخص لا يريده أهلك، ورغم ذلك كن حريصا على استرضائهم قدر المستطاع، تأدبا منك، وليكن ذلك مظهرا لحسن أخلاقك، ومودة وتقربا لله في شأن إرضاء الوالدين.
وفقكم الله تعالى وفتح لكم وهداكم لما فيه صلاحكم دنيا وآخرة.
ويتبع>>>>: قصة ملتزم.. دعوة لإعادة النظر م. مستشار