السلام عيكم ورحمة الله وبركاته
بارك الله فيكم هذه الجهود الجبارة، وجزاكم الله عنا كل خير، بداية أنا آسف؛ لأن سؤالي ربما يكون متكررًا من قبل بعض الإخوة، فهو باختصار: إنني شاب مسلم والحمد لله، وأنا بصدد الزواج، وعندما تم فتح الموضوع معي سألني والدي: هل في بالك واحدة من البنات؟ فقلت: نعم، وهي ابنة عمتي، وأنا أريدها جدًّا، ولكن الوالدة رفضت دون إبداء السبب، ولكن السبب هو أن الفتاة ليست على قدر من الجمال، هذا من وجهة نظر أمي طبعًا، وأنا رفضت كل الفتيات اللاتي عرضن علي، كما أن الفتاة رفضت الشباب الذين تقدموا لها في سبيل أن نلتقي أن وهي تحت سقف يحكمه كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام،
أنا لا أريد إغضاب أمي ولا بأي شكل،
فما الحل أثابكم الله؟
29/9/2022
رد المستشار
أخي العزيز، أشكرك مرتين: الأولى لأنك لم تتوقف كثيرًا أمام الصور، ولكنك نفذت إلى المشاعر والقلوب، وآثرت ما يبقى من أخلاق ومودة على ما يفنى من جمال يبلى، أو تتعود عليه بعد حين .. والآخرة: لأنك حريص على رضاء والدتك رغم أن اعتراضها على ابنة عمك هو لسبب إن صح لا يحق لها أن تعترض عليه فهو شأنك الخاص تمامًا.
تعالَ نقلب الأمر سويًّا: أنت تريد ابنة العمة، وهي ليست جميلة أو ليست صارخة الجمال مثلًا، فلماذا تحرص على زواجك منها؟ هل ترى فيها ما تريد من أخلاق ودين مثلاً؟ هل تشعر نحوها بعاطفة قوية؟ هل فكرت في عيوبها الأخرى غير مسألة الشكل هذه؟ .. الخطأ والخطر في مثل حالتك أن ننشغل بمسألة رفض الوالدة، ونتوجه بكل طاقاتنا إلى التغلب على هذه المشكلة، وننسى أصل مسألة الزواج.
للزواج جناحان عقل وقلب، والاندفاع مع أحدهما ونسيان الآخر مؤذٍ، واعتبارات الجمال هذه ليست كل شيء، ولكن لها وزنها الذي يزداد من ناحية، وينقص من ناحية أخرى بعد الزواج .. ففي إقبالك على الزواج اليوم أنت مدفوع برغبة وشهوة جامحة تضطرب معها النظرة إلى مسألة الجمال في أغلب حالات شبابنا، بعضهم يعلي جدًّا من شأنه ويريد أن يتزوج على المقاس، وآخرون يتهاونون فيه بفهم خاطئ أو تبرير مختل لقوله صلى الله عليه وسلم: "فاظفر بذات الدين تربت يداك" ثم بعد الزواج ينكشف الصنفان، فأما الذين اختاروا الجمال فقط، وأهملوا غيره يجدون أنفسهم وقد تعودوا على جمال زوجاتهم فيعانون من سوء الطباع أو غيره من العيوب التي تغافلوا عنها في زوجاتهم، وربما كانت واضحة قبل الزواج.
وأما الصنف الآخر الذي أهمل الجمال فيجد النساء من حوله بعضهن يجمعن بين الجمال والأخلاق؛ فيقول لنفسه: أنا الذي فعلته بنفسي، ولماذا وضعت الأمر هكذا على نحو إما/أو؟ والسبيل الصحيح أن العقل ينبغي أن يتأمل بتجرد في المزايا والعيوب، وعلى الإنسان أن يختار من يرتاح لمزاياها ويريدها بشدة، ويقبل بعيوبها ويوطن نفسها على احتمالها بالتالي وإن لم تتغير؛ لأنها غالبًا لا تتغير ... أما القلب فيحب خارج المقاييس، والأفضل التوازن بينهما، بما يعفي عثرات المستقبل، وعليه أرجو أن تراجع حسابات قلبك وعقلك مرة أخرى في هدوء ودون اندفاع مغفلًا في حسابات هذه مسألة قبول الوالدة أو رفضها.
الوالدة ترفض اختيارك هذا، فلماذا ترفض؟ هل أنت متأكد أن رفضها هو سبب مستوى جمال ابنة عمتك فقط؟ هل علاقة والدتك بعمتك، وبأهل والدك طيبة أم متوترة؟ هل أنت الابن الوحيد أو الأثير لدى والدتك؟ فنقول: إنها لا تريد أن تفقدك وبالتالي تحتج اليوم على ابنة عمك بالجمال، وغدًا سترفض غيرها لأسباب أخرى حرصًا منها ولو بغير وعي أن تبقى معها الرفيق، والصديق وعدة الدهر، هل والدك يبارك هذه الزيجة وبأية درجة؟ وهل أهل فتاتك يباركونها أيضًا أم ماذا؟
تأمل في الأمر، وراجع والدتك بصراحة لعلها تخفي شيئًا، واحسم أمر عقلك وقلبك، فإن تم لك هذا الحسم بعد التأمل والدراسة المستفيضة المتجردة؛ فلن تعجز عن كسب رضا والدتك، وتطمئن هواجسها، ومخاوفها من أن تفقدك، وبتقرب عروسك وببذل اللطف والاحترام والعناية والرعاية فإن للوالدة حقًّا لن توفيه أبدًا، ولو حرصت ورغم ذلك فإن الحب والاهتمام وزيادة التعبير عن هذا وذاك سيكون لك عونا على كسب قلب الوالدة التي لا تريد في النهاية إلا سعادتك ومصلحتك، هذا القلب الذي أعطاك من حياته نبضًا وحياة وشعورًا وسرورًا لن يكون عليك في يوم من الأيام فأحسن صحبته، واستمع لصوته فقد يكون في كلماته ما يفيد.
واقرأ أيضًا:
الجمال والزواج ! هل يشترط الأول ؟
الجمال أم الثقة ؟ أهم حاجة للبنت ؟
الجمال والجاذبية ١- أبعاد اجتماعية (1-5)