السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أرسل إليكم تحية عطرة مع دعائي لكم كل وقت وأنا أقرأ ردودكم المقنعة والمفيدة، حتى أصبحت هذه الصفحة، الصفحة المفضلة بالنسبة لي منذ أن تعرفت بها خلال السنتين الماضيتين، ولذلك لجأت إليكم بمشكلة منعتني من طعم النوم وأفقدتني شهيتي حتى تغير لوني ونقص وزني، أكتب إليكم قصتي هذه، وثقتي فيكم تزداد.. لا أعرف كيف أبدأ ومن أين أبدا، كلي حزن، وإحساس بالذنب، وقلبى يعتصر ألما، فعلت كل شيء لأنقذ هذه المصيبة، ولكن لم أقدر أن أقاوم القدر.
قصتي هذه بدأت مع فتاة حبينا بعض رغم تباعد المسافة التي بيننا، وكانت متدينة، وحفظت القرآن، ولكن حبينا بعض حبا طاهرا نقيا، فكانت تتصف بالعفاف، وكنت أول حبها، وأنا حبيتها من كل قلبي لدرجة ما استعطت النوم إذا لم أجد في إيميلي رسائلها والله، كنا نتبادل الرسائل عبر الإيميل، وكنت أعرف بعضا من عائلاتها، مثل أختها الكبيرة، التي هي المسؤول الأول في عائلتها، ولكن لم يكن أحد على علم بما دار بيننا، حتى أختها الكبيرة، رغم أنها كانت تمثل لها دور الأم، والأخت، وأيضا صديقتها الوفية، خبت حكايتنا منها وطلبت مني أن أخبيها أيضا، بسبب شعورها بالخجل، وحزنت ولم أكن أريد أن أخبي الحب الذى بيننا، لأن أختها تثق بي، وفكرت لو عرفت ماذا ستقول عني؟ ولكنها أقنعتني أنها ستصرح لها في الوقت المناسب!
أي وقت مناسب كنا ننتظر! وكلما أتكلم مع أختها الكبيرة كانت تذكر لي تغيرات حدثت على أختها، مثل عدم اجتهادها في التعليم كما كانت سابقا، دائما تفكر، وبعض الأحيان يتفاجئون خدها قد ملئت دموعا، لا يعرفون ما هو السبب؟ ولم أكن أعرف ما الذى أقول لها؟ وكلما أسأل ما الذى أسمع عنك، كانت تقول لي إنها حزينة، تريد أن تبدأ معي الحياة ولكن لا تستطيع، وأنا أيضا كنت حزينا جدا، وكنت أشعر نفس الشعور، ولكن كنت أحاول أن أقنعها أن غدا سيأتي، وعلينا أن نستغل اليوم قبل الغد، ولنترك غدا حتى يأتينا، تبادلنا كلمات الحب، علمتني كيف أحب، وكيف أحزن، علمتني أن أفتح الجهاز في الليلة آلاف المرات، لأنظر إلى رسائلها بسبب حبي لها.
لم أنجح بإنقاذها من مصيبة قد يسبب لها الحب والفكر، بعد فترة، هاهو الليل الأسود يأتي، تلقيت بها عبر الماسنجر وهي تشارك مع أختها بإعداد عزومة صغيرة، وكانت تحكي لى يومها السعيد مع إخوتها، وكيف قضت معهم، وتعشت معهم، وبعد ذلك أراد إخوتها أي يذهبوا مع بعض إلى البيت الثاني، وهي لم تكن تريد الذهاب في هذا الوقت المتأخر ولكنهم أجبروها، وودعتني وهي تقول لي، سأحبك إلى الأبد، وأخاف أن أعمل حادثة بسبب كثرة فكري فيك، وحزنت، وطلبت منها ألا تسوق السيارة، ومن ثم ذهبت معهن.
لم تسمع ما قلت لها، وتشاجرت معهن، وساقت السيارة، ووجهها تظهر ملامح الفكر، ساقت وهي قلبها غائب وجسمها حاضر، وهكذا وقعت الحادثة الأليمة، التي أودت بحياتها وحياة أختها معا، أكتب إليكم قصتي هذه، والألم يعتصر فؤادي، والحسرة تمزق صدري، وقد بلغ مني الحزن ما لا يعلمه إلا الله، وكيف لا يبلغ الألم مداه والحزن غايته، وقد نزلت بحبيبتي هذه المصيبة هي وأختها والتي أودت بحياتهما.
أكتب إليكم والدموع لا تزال تنهمر من عيني، وكنت أود لو أن بأذني وقر لا يصل إلى ذلك الخبر، ولكن ماذا أفعل وقد نزل القضاء ولا مرد له، لقد أحسست لفقدها بحسرة ولوعة فقد كانت أحسن الناس أدبا وخلقا وأكثرهم مروءة، بعد الحادثة عاشت يوما أو يومين، وكانت تنطق باسمي، وكأنها تريدني إلى جانبها، حتى فقدت وعيها، وانتقلت إلى رحمة ربها، وبهذا عرفت أختها وأهلها علاقتنا مع بعضنا، ووجدت أختها كتابا كتبته حبيبتي، لم يترك صغيرة ولا كبيرة ما دار بيننا، وما تبادلنا من حب صادق ونقي، وطموحاتها وتمنياتها في الحياة. وكلما تقرؤه لي لا تقدر أن تكمل والدموع تسيل من عينيها، وطلبت منها أن تبعثه لى، لأحفظه في ذكرياتي.
وهكذا هي قصتي، ولكن عندي مشكلتان، الأولى هي عندي إحساس بالذنب، وأقول لنفسي أنت السبب! لأنها كانت تفكر في، وتنطق اسمي في أواخر لحظاتها، والمشكلة الثانية هي، أتألم بسبب فقدانها ولا أعرف كيف أصبر نفسي وأبدأ حياتي العادية، كلي قلق وألم وإحساس بالذنب، وأصبحت المدة التي كانت هي حبيبتي أهم صفحة في حياتي، وأريدكم أن ترشدوني كيف يمكنني أن أستعيد بحياتي، وكيف أقدر أن أنسى الهموم والحزن الذى يسهدني ويمنعني من الأكل،
ساعدوني وأنا في أمس الحاجة إلى مشورتكم بمشكلتي هذه،
وجزاكم الله خيرا.
12/10/2022
رد المستشار
الأخ الكريم.. أقول لك: البقاء لله.. هل تعلم لماذا نقول: "البقاء لله" عند العزاء؟
نقولها لسببين: أولاً: لكي نتذكر أن الموت هو نهاية كل البشر، لأننا أحياناً في غمرة الحياة الدنيا ننسى هذه الحقيقة، فلا يذكرنا بها إلا الموت نفسه.. نعم.. كلنا سنموت.. هذه حقيقة، لنبعث من جديد، ونحاسب ثم نحيا حياتنا الآخرة (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور).. كلنا فيها (عابر سبيل) نعمل ونجتهد حتى نصل إلى المصير والمستقر.
ثانياً: نقولها لكي نتذكر أن (الله) باق لا يموت وأن بقاءه سبحانه يهون علينا رحيل من رحلوا هكذا قالها أبو بكر الصديق رضي الله عنه: "من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت"، من كان يحب حبيباً فإن الحبيب قد مات، ومن كان يحب الله، فإن الله حي لا يموت، ومن كان متعلقا ببشر، يتلمس معه السعادة، والحياة فإن البشر قد مات، ومن كان متعلقاً بالله لينعم بالطمأنينة والرضا فإن الله حي لا يموت.. هذه ليست دعوة لهجر الدنيا أو للرهبنة في الصوامع فنحن بشر سنظل في حاجة للحب والتواصل مع أمثلنا من البشر.. ولكن، علينا فقط أن نتذكر أن (الدوام لله وحده) وأن البشر –أمثالنا– قد يموتون في أي لحظة حتى وإن عاشوا قد يعجزون عن تحقيق السعادة الدائمة لنا، وقد يبخلون، وقد تحول بيننا وبينهم أنانيتهم حيناً أو عجزهم حيناً أو الظروف أحياناً ثم يظل البقاء لله.
هذه الكلمات يا أخي قد تجد فيها حلاًّ لمشكلتك الثانية –وهي ألم الفراق– وقد يساعدك على الحل أيضا أن تشغل نفسك بأهدافك وأحلامك وخططك، وكذلك بالأنشطة المفيدة والممتعة، وتدعم نفسك بصحبة الخير، والإكثار من الذكر والدعاء والعبادات وتلاوة القرآن.
أما المشكلة الأولى.. وهي الإحساس بالذنب بسبب أنك أقمت شكلا من أشكال العلاقة مع فتاة دون حتى علم أهلها وخارج إطار الزواج هذا هو الذنب الذي اقترفته، والذي تعلم جيداً كيفية التخلص من آثار ذلك يكون بالتوبة، وهي: الاستغفار، والندم، والعزم على ألا تكرر هذا مع فتاة أخرى ... أما إن كان سبب إحساسك بالذنب هو – كما ذكرت – شعورك أنك السبب في موتها، فسامحني يا أخي إن قلت لك إن هذا منتهى الغرور!! أنت السبب؟! من أنت حتى تكون السبب؟! من هذا الذي بيده الحياة والموت إلا الله؟! قد يكون الإنسان مسؤولاً عن موت إنسان عندما (يتعمد) قتله أو (يتكاسل) عن إنقاذه.. فيجعله الله سببا في موته ويحاسب على هذا التعمد أو التكاسل.. أما أنت.. فلا أنت من بيده الموت، ولا أنت هذا (المتعمد) أو ذلك (المتكاسل) .. ما أنت في هذا الموقف إلا مجرد مشاهد "فلولا إذا بلغت الحلقوم * وأنتم حينئذ تنظرون * ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون".
أخي الكريم .. أدعوك أن تتوضأ وتصلي ركعتين، وتطلب من الله العون والقوة ثم تتصل بأحد أصدقائك وتتناولا معا وجبة خفيفة في مكان لطيف، ثم تمسك بقلمك وأوراقك وتبدأ الحياة من جديد.
نصيحتي الأخيرة.. أكثر من قول "إنا لله وإنا إليه راجعون"، فلقد وعد الله تعالى من يقولها بأن يعوضه خيرا مما فقده.. هكذا قالت أم سلمة عندما مالت أبو سلمة فأكرمها الله بالزواج من رسوله صلى الله عليه وسلم.