السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أنا شاب أبلغ من العمر 24 سنة، منذ أن كنت طفلا كان أبي دائم السفر وتولت أمي تربيتي أنا وإخوتي، وكنا لا نرى أبي إلا قليلا، وكنا نحمد الله على ذلك فقد كان كثير الشجار لأتفه الأسباب، أما أنا فكنت والحمد لله محبوبا من كل من حولي، وكنت أحب تكوين صدقات جديدة في كل مكان أتواجد فيه، إلا مع الفتيات فقد كنت شديد الخجل.
كانت حياتي تنقسم إلى قسمين في الدارسة مع أصدقائي وجيراني، أما في الإجازة فقد كنت مع أقاربي وكنت أعيش في بيئة أخرى وأصدقاء آخرين ومستوى مختلف مال كثير وسن صغيرة، وكنا نتعرف معا على كل ألوان الفساد فقد كان كل شيء متاح، وبالرغم من صغر سننا فقد فعلنا معظم المنكرات وكانت تلك الأيام بالنسبة لي هي المتعة التي بها بعض لمسات من الذل فقد كان كل من حولي يعاملونني على أني من مستوى أقل.
لم أستطع الابتعاد عنهم لأنه كما تعلمون ليس للطفل رأي، وكنت أنتظر الدراسة حتى أعود لحياتي، كمن يخرج من دور الكومبارس الصامت في أحد الأفلام ليدخل في دور البطولة في فيلم آخر، وعندما أعود أجد أخي الذي رأى من أبي الكثير من الظلم منذ طفولته، وكان كل ذلك يعود لي مرة أخرى فقد كان يترقب مني أي شيء حتى يكون من حقه أن يعاقبني ولم يراع في عقابه صغر سني.
أما أمي فقد كانت ضعيفة وتكره العنف وكانت أكثر ما تفعله هو أن توبخه، ولا أنكر حبها لي وعطفها علي؛ فقد كانت دائما لي الأم والصديقة مع أني كثيرا كنت أشعر بفقد حنانها؛ فقد كانت تحاول أن تكون الأب والأم، ولكني لم أشعر يوما أن هذا يوثر في بشيء؛ فقد كنت أحاول التأقلم مع كل الأوضاع، ولكني كنت بين الحين والآخر أعاني كثيرا من الاكتئاب والوحدة، فقد كنت أصغر إخوتي بفارق سن كبير، أما أبي فطوال سنين سفره كانت أمي هي المتحملة لمسؤولية الأسرة، وكان هو لا يهتم إلا بنفسه؛ فقد لا نعرف عنه شيء لعدة شهور، وكانت أمي تكتم ما تسمعه عنه من قصص حب وزنا وسكر بالرغم من تقصيره المادي، وكانت أمي تساعد بقدر كبير في ذلك.
وعندما عاد من السفر في النهاية، أقسم بالله أنه لم يكن أبي وكان عدوا لنا، ما فعل أكثر مما فعل هو، فقد كان يدمر البيت بقدر استطاعته، وأجمع كل من حضر تلك المشاكل أنه مريض نفساني حتى إن إخوته خجلوا منه من كثرة مشكلاته وتعديه على أمي وإخوتي بشكل غير طبيعي وبدون أسباب، حتى إننا كنا نخاف من الاقتراب منه وكنا ننام خائفين ليلا. قرروا الانفصال بعد أكثر من ثلاث سنوات من المشاكل المستمرة، واتخذ جانبا عدائيا من أمي وإخوتي، إلا أنا لصغر سني فكنت الوسيط بينهم؛ وهو ما أتاح لي أن أعرف كل ما كان يفعله طيلة سنين سفره بل وما كان يفعله عند عودته، ولم تذكره لنا أمي كي لا تشوه صورته أمامنا من تحرش وزنا مع جارتنا، ومن بعد تلك الفترة مرضت أكثر من مرة وكان الطبيب دائما يقول إن السبب نفساني وذلك حتى الآن.
وخلال تلك الفترة كنت على حافة الانحراف إن لم أكن قد انحرفت؛ فقد كنت على وشك أن أدمر مستقبلي فقد كنت بين أصدقاء السوء في الخارج والمشاكل في الداخل، إلى أن مرضت وجلست في المنزل عدة شهور تذكرت فيها كل ما مر بي، وكل ما فعلته من معاص، والأصدقاء الذين تعرفت عليهم، ولم أجد منهم أحدا في ذلك الوقت. وقررت عدم العودة ويسر الله لي من الأسباب صديقا التزمنا معا وكنا نترك كل المنكرات خطوة بخطوة معا، وبدأنا في حفظ القرآن والتعرف على أمور ديننا معا ولكن بعد سنة انتكس وعاد لما كان عليه، ولكني كنت قد كرهت كل ما تركته، ولا أريد أن أعود له مرة أخرى فقررت أن أكمل وحدي وتعرفت على أصدقاء جدد ولكني لم أستطع التقرب منهم لاختلاف الأماكن وأوقات الفراغ.
كنت دائما أشعر بالوحدة والاكتئاب، وخصوصا بعد عودتي من زيارة أبي الذي طول جلستي معه يحدثني عن كره الآخرين له، وأن كل من حوله يدبرون له المؤامرات حتى إخوته، ولكن من الصعب عليّ أن أواجهه بالحقيقة، وعندما أحاول يجادلني حتى أشعر بالملل وأسكت. كان دخولي على النت هو تسليتي الوحيدة، وبدأت من خلاله التعرف على أصدقاء جدد ولم يشغل بالي التعرف على أي فتاة، فإني إلى أن أنهيت دراستي الجامعية لم أتحدث إلى أي زميلة لي وكنت أتهرب دائما من أي مكان تكون فيه أي بنت وحتى الآن لا أحب أو لا أعرف أن أتحدث لأي بنت غريبة.
وحتى على الإنترنت لم أكن أتحدث إلى أي بنت وإن تحدثت مرة من باب الفضول فلا أتحدث معها أخرى، فقد كنت أمل من الحديث معهن بسرعة ولا أعرف ما أقوله إلى أن حاولت بنت كثيرا أن تتحدث معي، وكانت في البداية تتحدث معي وتسألني في أمور الدين، ثم تطور الأمر إلى الإعجاب والحب، وكنت دائما أشعر أني أسقط مرة أخرى فأبتعد وأحاول أن أبعدها عني، ولكنها كانت دائما ترسل لي العديد من الرسائل، ولا تمل حتى أحدثها مرة أخرى.
ظللنا هكذا عدة شهور وعندما تعلقت بها اختفت فجأة وعاد لي الشعور بالوحدة، ومرة أخرى فبعدما تحدثت إليها علمت أن هناك مشاعر أخرى غير الصداقة وكلام آخر غير كلام الشباب معا، وعرفت معها كيف أتحدث مع أي بنت وما تحب سماعه وما تكرهه وكنت أظن أني أحبها، ولكن بعد فترة علمت أني تعودت على الحديث معها فقط، فقد تحدثت مع بنات كثيرة بعد ذلك، وكنت دائما أندم على ما أفعله فأترك من أتحدث إليها ثم أعود مرة أخرى.
كنت كثيرا ما أشعر أن ما أفعله ليس ندما إنما هو انتقام، أو أني أريد أن أثبت لنفسي شيئا لا أعرف ما هو أو أني أحببت تلك اللعبة، وأحببت استعطافهم لي كي أتحدث معهم، وكنت في كل مرة أكره نفسي وأفعالي أكثر. الآن قطعت علاقتي بكل شيء وكل من تعرفت عليهم وظللت فترة لم أتحدث إلى أي أحد، ولكني لم أستطع أن أنسى واحدة كنت قد تعرفت عليها عن طريق أصدقائها. فقد كانت أكثرهم التزاما، ولكني تقربت منها بسرعة وعرفت عنها كل شيء وأحببتها، وكانت تلك أول مرة أشعر معنى تلك الكلمة بمعناها الشرعي، فقد رأيت فيها الزوجة والأم والحبيبة المتفهمة، ولكني شعرت أني سأتحمل مسؤولية لن أستطيع تحملها لاختلاف المستوى المادي واختلاف المدن.
كما أن أكثر اهتمام أهلها بالمظاهر فتركتها بالرغم من أني كنت قد تركتها من فترة طويلة قد تصل إلى سنة، إلا أني لم أنسها يوما وعندما رأيت زميلاتي في العمل وأخريات تعاملت معهن بحكم عملي علمت أني إذا فقدتها فلن أستطيع أن أجد مثلها. وبعد تفكير واستخارة تحدثت إليها، ووجدتها لم ترتبط بأحد، ووعدتها بالارتباط ولكن عندما أستطيع وأننا لن نتحدث معا إلا أن يأذن الله، وعندما أتقدم إليها ستكون بداية جديدة سيعرف كل واحد منا الآخر بطريقة شرعية.
لكن دائما أسأل نفسي هل سينجح هذا الارتباط؟ وهل سيؤثر هذا الاختلاف على حياتنا فيما بعد؟ هل ستؤثر تلك المشاكل على حياتي فيما بعد؟ هل سأصبح مثل أبي؟ متى سوف أستطيع أن أهرب من إحساسي بالوحدة؟
15/10/2022
رد المستشار
مرحبا بك "رأفت"، تأتي المعاناة بضغوط داخلية يمكن أن تصبح مشكلات مستمرة ويمكن أن تصبح طريقا للوعي والتحسن في الحياة النفسية والاجتماعية.
معاناتك مع والدك شكلت لديك وعي بعض الممارسات الخاطئة، ربما تكون يقظا عندما تخطي عن مدى ارتباط ذلك بأخطاء الأب السابقة، وربما تكون واعيا فلا تقع فيها أصلا المهم هو الوعي سواء حدث التصرف الخاطئ أو لم يحدث، لأنه بداية التعلم التحسن ... نحن لا نقع أسرى للماضي رغم تأثرنا به، لكنه لا يحكم حياتنا في الحاضر والمستقبل بقدر الطريقة التي ننظر بها للماضي وكيف نتعلم منه.
الارتباط يمكن أن ينجح ولم لا؟! المهم أن يتوفر له بعض شروط وظروف نجاحه، فهل أنت مهتم بعملك لتستقل ماديا وتقترب من إعلان الارتباط؟ هل أبدت لك الفتاة المواقفة على انتظارك مدة متفق عليها؟
بخصوص تأثير حياتك السابقة على زواجك، فكل زوجين مهما كانت درجة التقارب توجد لديهما فروقات في التنشئة والسمات الشخصية بجانب اختلافهما في النوع الاجتماعي ومترتباته، لذلك ستكون فترة الخطبة والتفاعل الاجتماعي والإنساني بينكما مؤشر على درجة التوافق.
وبشكل عام ينصح باختيار شريك الحياة المتقارب اجتماعيا وثقافيا أو تعليميا ثم فترة خطوبة كافية للتعارف الحقيقي على الطباع.
قد تكون النموذج المضاد لوالدك، وقد تكون النموذج المشابه، ليست معركتك مع والدك إنما في اهتمامك بعقليتك ونفسيتك ورعايتك لذاتك كإنسان. مع تسامحك مع أخطائك ووعيك بها، وهذا يبدو من وعيك بالأخطاء "كنت كثيرا ما أشعر أن ما أفعله ليس ندما إنما هو انتقام" حتى خوفك من تمثل نموذج والدك هو في حد ذاته مؤشر إيجابي عنك.
اهتم بحياتك وبتطوير نفسك وسيوفقك الله.