السلام عليّكم ورحمة الله وبركاته..
جزاكم الله خيرا على مجهودكم الرائع هذا، وأدعو الله أن يبارك فيكم ويجعله في ميزان حسناتكم. سأدخل في الموضوع مباشرة، أنا طالب جامعي في السنة النهائية (البكالوريوس)، والداي متعلمان ومتفاهمان لدرجة كبيرة، ويحباني جدا أنا وأخي الوحيد، عندما كنت في السنة الثانية من دراستي الجامعية وقع نظري على فتاة في نفس عمري، جميلة، ومحترمة، وملتزمة دينيا، ومعروف عنها ذلك بين زميلاتها، كنت أختلس النظر إليها كل يوم إلى أن تقابلت نظراتنا.
بالطبع شعرت –هي- بارتباك في أول الأمر، ولكن استمر حوار النظرات هذا لمدة سنتين، ولم يكلم أحدنا الآخر، وكنت متعمدا أنا أتحاشى أي موقف قد يضعني -أو يضعها- في موقف يستدعي أن نتحدث سويا.. منذ اليوم الأول لرؤيتي لها تكلمت -أنا- مع والدي في رغبتي أن أخطب فتاة في كليتي -كنت فقط أريد أن أمهد لهم الطريق- وقد أبديا في بادئ الأمر السخرية حتى أوضحت لهم أنني أتكلم بجدية فوافقوا، ولكن بشروط أن أتفوق في دراستي، وأن أبين لهم أنني على قدر المسؤولية، وأنني إن فعلت ذلك سيسمحون لي أن أتقدم لها في السنة النهائية لدراستي.
التزمت أنا بشروط العقد هذا، تفوقت بدراستي حتى الآن، وكنت من الثلاثة الأوائل في دراستي بالتناوب على المراكز الثلاثة الأولى على دفعتي، تعلمت أحد البرامج، التي تؤهلني لأن أعمل بشركة متميزة، أو أن أسافر للخارج، وأظهرت براعة حسدني عليّها الكثير في استخدام البرنامج، وقدرتي على إنتاج أشياء -بحسب تعبيرهم- رائعة، بل لم أقف عند هذا، فأقدمت على تكوين شركة، وإنتاج بعض الأفكار التي قد توفر دخلا في المستقبل وتمت (وأنا ما زلت طالبا).
كل هذا لأنني أريد هذه الفتاة، لن أبالغ إن قلت إنها كانت مصدر إلهامي لكل ما أقوم به، وهي كانت السبب في أن أتغير إلى شخص ناجح بحسب معايير مجتمعي وأصدقائي، وأن تخرج مني طاقاتي الكامنة، الآن في سنتي هذه النهائية ألمحت لإحدى صديقاتها أنني أنوي أن أتقدم لخطبتها فعلا في النصف الثاني من العام الدراسي هذا، أو بعد التخرج مباشرة، فتكلمت صديقتها معها، وأوضحت لها الأمر، فوافقت وقالت: إنها على استعداد أن تنتظرني بشرط ألا أفكر في واحدة غيرها..
وأخيرا أنا أحبها بشدة، وسبب إرسالي لهذه الرسالة هي:
أولا: هل فيما فعلته سابقا أي شيء حرام (فلا أريد أن يحرمني الله منها لذنب اقترفته)؟
ثانيا: أنا خائف جدا من أني عندما أتقدم لخطبتها، ونتحدث سويا أن تغير رأيها في، فكل منا أثناء سنوات الدراسة بالتأكيد رسم للآخر صورة في ذهنه، وأخاف ألا تتطابق صورتي الحقيقية مع الصورة التي رسمتها هي لي في مخيلتها، وأخاف ألا تعجبها طريقة كلامي، وحديثي، وتفكيري، واهتماماتي أو أي شيء آخر في.
ثالثا: أنا أفكر في هذا الموضوع بشكل جنوني فأتذكرها في كل شيء أقوم به، ولا أعلم ماذا أفعل؟
رابعا: أرجو أن تنصحوني ماذا أفعل في هذه المرحلة (كتب تنصحوني بقراءتها تفيدني في المرحلة المقبلة عندما أقبل على خطبتها.. إلخ )؟
خامسا: لا أعرف عندما تتم خطبتنا إن شاء الله عن ماذا سنتحدث؟ وكيف سنتناقش؟ وكيف سنحدد أمور حياتنا بيتنا، وأولادنا، وتعاملاتنا وأحلامنا المستقبلية و..؟
أحبها بشدة، وخائف جدا من المستقبل، وإنني ربما لا أستطيع أن أعيشها في مستوى مادي يرضيها ويلبي ما تتمناه، أو إن المشاكل التي قد تواجهنا –بالتأكيد لابد وأن تواجهنا مشاكل– ربما تقلل من حبها لي. أنا مرن جدا، وبإمكاني أن أتغير إن اقتنعت.
12/10/2022
رد المستشار
كان أمامي ثلاث تصورات لشخصك، ولم أستطع أن أجزم أنك واحد منهم تماما وهو: أنك شخص رائع كما ذكرت، تحمل من الصفات ما يتقاتل عليّها الكثيرون ليكتسبوها، فأنت: طموح.. دءوب... مبدع.. ملتزم.. بار.. مبادر.. لك هدف واضح تصرّ عليّه...إلخ.
ولكن كما يقولون "الحلو ما يكملش"، وذلك لأنك قلق بدرجة زائدة عن المعدل الطبيعي، وقلقك يجعلك متخوفا من أي شيء، ومن كل شيء إذا لم يتم كما تتصوره في رأسك تماما!، أو لأنك شخص تحتاج دوما أن تكون في حالة "تعلق" بأمر صعب المنال لتخرج أفضل طاقاتك.
فتعلقك بفتاتك -التي لا تعلم عنها أي شيء غير ما تراه كقصاصات متناثرة لا تغني ولا تسمن من جوع- جعلك تركز بشكل كبير جدا في دراستك وإبداعك ووضعك المهني، وهنا خوفك الحقيقي الذي يكمن في ارتعادك من فكرة أن "بريق" التعلق قد يخبو لسبب أو لآخر!.
أو أنك من القلة القليلة التي تنجذب لشخص بعينه لهيئته الخارجية، ولغة جسده انجذابا عاليا، متصورا أنه الحب في حين أنه انجذاب خارجي ستتضح حقيقته بعد القرب الشرعي منها، وعلى أي حال فلا نملك إلا أن ندع الزمان يقول كلمته على أن تأخذ بالأسباب، وتستخير الله عز وجل في أمر زواجك منها؛ لتنعم بما يقدره الله لك دون قلق أو تخوف؛ لأنك ستكون حينها قد توكلت على الله سبحانه وتعالى، ولم تترك شيئا عليّك فعله ولم تفعله.
وسأجيبك عن كل تساؤلاتك في شكل معان تتفكر فيها وتعيها، من أجلك أنت لا من أجل موضوع زواجك، مع تكراري بأنك تحتاج أن تتعهد قلقك حتى لا يكون هو الذي يتحكم في توازنك، أو يتعارض مع توكلك على الله عز وجل، وها هي إجابتي على تساؤلاتك:
*نحن نعرف الله من أقواله وأفعاله ووحيه، وليس مما نتصوره، أو مما نستمع إليه أكثر من قصص الترغيب أو الترهيب! فالله عز وجل جعل رحمته تسبق عقابه، وأراد للبشر أن يتوبوا حتى الرمق الأخير، وهو من بشرنا في القرآن العظيم بأن الحسنات يذهبن السيئات، ما دمنا على رضاه باقين، ونتقيه بصدق قدر الإمكان، ونقاوم أنفسنا، ولقد قاومت يا ولدي التواصل معها دون سبب شرعي.
وقد اطمأننت على قبولها لفكرة ارتباطها بك عن طريق وسيط، وفاتحت والديك وأخذت منهم الموافقة المبدئية، فإن كنت تقصد نظراتك لها فالنظرة التي كان مبعثها "الشهوة" هي ما يتم المحاسبة عليّه كما أجمع معظم العلماء، ولا تتصور مني أن أستهين بها حين أقول إنها من "اللمم" الذي يقع فيه الإنسان، ويغفرها الله بعفوه ورحمته التي سبقت عقابه ما دام الشخص يتوب ويقاوم ويقترب مما يرضي الله عز وجل، كما فعلت بتتويج ذلك بالزواج.
وكذلك الربط بين الحرمان منها ومما قد تكون وقعت فيه من نظرات -حسب ما قلت- هي من باب "المبالغة" أو القلق الزائد، فالله عز وجل يتعامل معنا بالفضل لا بالعدل وتلك رحمة منه سبحانه وتعالى، وكل ما قصدت هو أن تُعليّ شعورك بعفو الله وكرمه وغفرانه بداخلك عن شعورك بعقابه لك ما دمت تتحرى طوال الوقت رضاه بالفعل والقول قدر استطاعتك بالمقاومة والتقوى بصدق؛ لأنه سبحانه هو الذي أخبر عن نفسه أنه الغفور التواب.
* القبول بين شخصين ما زال "سرا" من أسرار الله لا نعرف من أين يبدأ؟ ولا كيف يتم؟ ولكن كل ما نعرفه أنه "غاية" في الأهمية عند الزواج؛ لأنه يجعل الطرفين قادرين على مواجهة تحديات الحياة، وما تأتي به الأيام،
ولكني أتساءل: هل إن حدث حقا ولم تقبل منك جزءا من شخصك هل لك في هذا من شيء؟ وتساؤل آخر ماذا سيحدث إن لم تعجبك هي؟ ماذا إذا صدمت في أي شيء في شخصيتها لا تستطيع تقبله؟ أظن الوضع حينها سيكون أصعب؛ لذا دع تجربة ارتباطك بها هي التي تحدد.
* تفكيرك بها طول الوقت ليس عملا "جنونيا"، بل هو في الحقيقة يمثل لك الطاقة التي تدفعك إلى التقدم وإحراز الإنجازات، لكن الحقيقة أنك تحب هذا وأنك قادر عليّه، فأنت لا تحب لنفسك أن تقف في صف الأشخاص "العاديين"، لذلك لا قدر الله إذا لم تكن من قدرك فلا توهم نفسك بأنها كانت من تجعلك تفعل الإنجازات ولكنه أنت.
* الخطبة لها هدفان:
الأول: أن تتعرف عليّها تعرفا حقيقيا عميقا و"تفصيليا" قدر الإمكان، حتى لو استطعت أن تعرف حقيقة نظافتها الشخصية فلتعرفها، ويتم ذلك بالسؤال المباشر أو بالمواقف أو التصرفات العفوية.
والثاني: هو اختبار القبول بينكما اختبارا حقيقيا، وليس سطحيا أو بسبب الميل الفطري الذي يحدث بين الجنسين، وأبشرك بأنك كلما تعهدت هذين الهدفين بصدق، ودون أن تضيع تلك الفترة في الحديث غير المُجدي، كما يفعل معظم الناس، كان أفضل، أو إذا تركت مشاعرك تغطي عن البحث عما تحتاج إليه لديها، أو رؤية عيوبها الحقيقية، وستستفيد استفادة هائلة وتتزوج بها وأنت مقتنع تماما بإذن الله، وكن على طبيعتك دون تخوف أو تجمل قدر الإمكان حتى تعرفك هي الأخرى بصدق.
* الغد في يد الله عز وجل فنحن لا نملك إلا أن نظل مجتهدين، والله لا يضيع جهد أحد، ولقد أراك الله منه فضلا كبيرا، فحين اجتهدت حققت إنجازات فلماذا الخوف؟ وحتى إذا حدث ما تخاف منه فهو اختبار لك فلتُر الله عز وجل منك خيرا، وكذلك المشكلات التي تقابلنا في الحياة هي ليست في الحقيقة "شرا"، فهي تقربنا من بعضنا البعض، وتعرفنا أنفسنا أكثر، وتعرفنا بشركائنا أكثر وأكثر.
فلتتذكر أن الإنسان أيامه ثلاثة:
يوم مضى: فإذا ظل يذكره ويستحضر مآسيه فقد قتل إرادته، وبدد حياته الحالية. ويوم سيأتي: فمن الحمق أن نشغل أنفسنا بما سيأتي غدا، ونتوجس من مصائبه المتوقعة، بل ونحزن لحوادثه التي هي في عالم الغيب، فهو غيب لم يأتِ إلى الأرض بعد!!! فهل من الحكمة أن نكتوي بالمزعجات المتوقعة؟!!!، فلماذا نراهن على العدم ولماذا نشتغل بمفقود؟
ويوم يحياه ويعيشه: وهو أهم يوم يا ولدي، فهو ما تملكه حقا، فلا تجعل هواجس القلق والخوف مما "قد" يكون قادما تفسد عليّك حقيقة يومك، فلا تكسب شيئا، فتمتع بارتباطك بمحبوبتك، ولا تجعل تلك الهواجس تفسد عليّك فرحتك.