السلام عليّكم ورحمة الله وبركاته..
أنا فتاة، عمري 32 سنة، عندما كنت في الجامعة كان لدي علاقة مع شاب وارتكبت خطأ بدافع الحب والزواج، إلا أن الشاب تركني ولم يتزوجني، هذا كله كان يحصل لي لأنني كنت أعيش مع عائلتي ولم أحصل منهم على حب وحنان لقلة معرفتهم بالأمور العاطفية وعدم الاهتمام بمثل هذه الأمور، وأيضا كنت أعاني منذ صغري من مرض الوسواس القهري، فكنت أحس بالوحدة الشديدة.. كنت أريد الزواج، لكنه استغلني للجنس ولم يتزوجني.
بعد هذا كله جاءني صديق وتحدث إلي، فقد رآني مع ذلك الشاب فنصحني وأرشدني لكي لا أعود لمثل هذه الأخطاء، وكان صديقي هذا يحبني وأرادني زوجة له، لكنه لم يبح لي في حينه، بعد ذلك تعرفت على طبيب، فهو أيضا باسم الزواج استغلني للجنس ولم يتزوجني .. بعد ذلك ذهبت إلى شيخ مع عائلتي ليعالجني من الوسواس القهري، إلا أن الشيخ أيضا باسم العلاج استغلني للجنس، فاتصلت بصديقي القديم ولجأت إليه فساعدني في صدمتي، وتركت كل هذه الأمور، فهذا الصديق كان يعرف الله ولم يرتكب أي خطيئة، فشاء القدر وأحببته كثيرا، فكنت أقول له كل شيء عن حياتي وعن عائلتي، فقال إنه سيتزوجني، إلا أن أهله لم يقبلوا، ولا يعلمون بأمري.
والده كان يقول له إن تزوجتها فسأطلق والدتك، وأخته كانت تقول إن تزوجتها فسأقتل نفسي، فأراد أن يأتي ويطلب يدي للزواج، إلا أن أبي رفض ذلك وقال يجب أن يأتي مع والده، لكن والده لم يأت، فأراد أن يتركني لكن القدر شاء وأصبحت بيننا علاقة حميمة، فقال لي إن أي شخصين يستطيعان أن يعقدا العقد إن كانا في صحراء، ولم نكن في صحراء، إلا أنني قلت له زوجتك نفسي على سنة الله ورسوله، وهو أيضا فعل ذلك مرة واثنين، فتعمقت العلاقة وقمنا بالتمتع بالجنس، فأردنا ترك هذا لأنني أريده زوجا لي بالحلال، وأراد تركي مرات عديدة، وكان يقول لي لا أستطيع أن أتزوجك ولن أرتاح معك لأنك كانت لديك علاقات جنسية مع غيري، علما أنه كان يعلم بكل هذا قبل علاقتنا، فتوسلت إليه ليتزوجني؛ لأنه عقد عليّ بدون شهود، لكنه بعد فترة قال لي إنه يحررني من العقد، لكني أيضا عندما تزوجته قال لي العصمة بيدي، ولم أحرره، فأنا أحبه وتعلقت به كثيرا، ولا أستطيع العيش بدونه، فدامت علاقتنا 5 سنوات، وكنا نخرج معا بالنهار ونتحدث بالموبايل بالليل دون علم أهلنا، وعاهدت ربي أن أترك الجنس معه إلى أن نتزوج وألا أتزوج غيره.
والآن بعد هذا كله علمت أنه طلب يد زميلة لي، إلا أنه رفضها، فسألته عن ذلك فقال إنه لم يستطع الزواج بها بسببي؛ لأنه لا يستطيع تركي ووعد بأنه لن يقابل زميلتي مرة أخرى، وأنا بدوري أخبرت زميلتي عن علاقتنا، فأقسمت لي أنها نسيت ذلك الأمر ولن يتزوجها، وفي هذه الأيام رجع أخو حبيبي من الخارج فذهبوا لبيت زميلتي وطلبوا يدها، وقال حبيبي إن علاقته معي انتهت ولم يكن بيننا شيء.. فعقد قرانه على زميلتي، والآن أنا لا أعلم ماذا أفعل؟ فتحدثت إليه وطلبت منه أن يعقد عليّ بإشهار، إلا أنه لم يفعل، فقلت له إنني سأقول لأهلي عن كل هذا، فذهب لأخي وقال له اطلب من أختك أن تتركني وشأني، وإلا فستُدمر العائلات الثلاث، وإنه لديه صور لي وصوتي مسجل، وحدد موعدا آخر ليجلب الصور، إلا أنني خفت من هذا الأمر لأن أخي كان ينوي ضربه، فاتصلت به وطلبت منه ألا يذهب؛ لأنه إن ذهب فسيقتلونني أنا وسيتركونه هو، فلم يذهب.
بعد كل هذه الأمور ما زلت أحبه، وأتمنى أن يعود لي ويترك خطيبته، إلا أنه لن يفعل، فطلبت منه أن يعقد عليّ أنا أيضا فلم يفعل.. لا أستطيع العيش بدونه، فقلت له إن تزوجتها ودخلت بها فسأنتحر، فهو الآن لا يجيبني وتركني مع أحزاني.. وأنا لا أستطيع، لكن في آخر حديثنا أنا أيضا سجلت كل هذا كاعتراف منه.. فهل عقدنا أمام الله باطل؛ لأننا عقدنا دون شهود ودون أدلة؟! هل أبوح لأهلي بالأمر كله وقد يقتلوننا؟! هل أقول لوالده أو لخطيبته إنه عقد قراني أمام الله؟! أعلم أني أخطأت وتبت، والله أعلم بأمري، وأريده زوجا لي، ولا أستطيع الزواج من غيره، فماذا أفعل؟!
أرشدوني أتوسل إليكم، لكن لا تقولوا لي انسي؛ لأني لا أستطيع
والسلام عليّكم.
16/10/2022
رد المستشار
فكرت كثيرا كيف سأتحدث إليك، فلا أخفيك سرا أني شعرت بالدماء الحارقة تنفجر في عروقي تكاد تحرق كل شيء حولي، ولكنني عدت لمساحة الاستشارة التي تعلمنا منها أن نكون "محايدين" نهدف للأخذ بيد صاحب المشكلة لنبصره بها وندعمه ليستطيع أن يجعل حياته أفضل ويكفيه ما أصابه من ألم.
لذا فلن أقول لك انسي، ولكنني أقول لك إنك تحتاجين إلى أن تفيقي مما أنت فيه، فأنت أسيرة أهوائك وضعفك وتصوراتك الخاطئة منذ زمن طويل، وهذا ما جعلك تُصْلِحين كل خطأ وقعت فيه بخطأ أكبر، فانتقلت من تجربة لتجربة بسذاجة وضعف وعدم احترام لنفسك وجسدك، ضاربة بمراقبة الله عز وجل لك والفطرة وقوانين المجتمع عرض الحائط، مرة تحت مسمى "الاحتياج" للحنان والعطف المفقود، ومرة تحت مسمى "المرض"، ومرة تحت مسمى "الحب". وكل تلك المسميات براء مما تركت نفسك تفعله بك، والكارثة أنك لم تتعلمي من كل مرة تم صفعك فيها بالنذالة أو الاستغلال أو الرفض حتى ممن صورته لنفسك أنه يحبك، ولم تقوي مرة واحدة على مواجهة نفسك والنظر إلى ما وصلت إليه من ضياع وتخبط وإدمان العيش في الظلام والضحك عليّها مليون مرة.
وقد لا تكون المسؤولية كلها تقع عليّك وحدك، فأصابع الاتهام يشير البعض منها إلى أهلك المغيَّبين وإلى من أثّر في إدراكك وجعله إدراكا متخبطا يفتقر للفطرة والحياة السوية ووجود الله عز وجل في حياتك، وساعد في ذلك وقوعك بوضوح وسط أصدقاء يعيشون في مستنقع يشبه مستنقعك، وأقسم لك بالله العظيم أني لا أقصد تجريحك أو إهانتك أو زيادة معاناتك، بل أطلب منك فورا أن تدركي مدى الخطر الذي أنت عليّه، وأنك لا تحتاجين لدجال، أو من يعطيك حنانا افتقدته بين جدران بيتك، أو اعترافا من هذا الشاب بما حدث بينكما، وإنما تحتاجين أن تعرفي بديهيات تتعلمينها من جديد.
مثل من هو الإنسان وكيف يجب أن يكون، وكيف يفكر وكيف يختار وكيف ينظر لنفسه وللحياة، وكيف تُعليّن قيمة وجود الله عز وجل في قلبك ومعنى الحب والزواج، فأنت تحتاجين لانتفاضة بداخلك تعادل انتفاضة شعبك ضد الأمريكان المستغلين حتى تفهمي وتفيقي، ولا أتصور أنك ستستطيعين ذلك وحدك وستحتاجين إلى أن تتواصلي مع اختصاصية نفسية ماهرة تتعلمين معها "كيف تتواصلين" مع نفسك ومع الله عز وجل ومع الحياة ومع البشر، وكيف تتعلمين أن هناك حدودا لا يمكننا أن نتجاوزها.
فيخلق بداخلك الضمير والإرادة اللذين باتا في محل المفقودين.. انفضي كل تلك الصراعات التي بينك وبين هذا الشاب لتكسبي الأهم والأبقى لتستطيعي أن تقفي على قدميك من جديد وتكوني إنسانة محترمة عفيفة لها إرادة ولها حياة تقوم فيها بدور، ولا تتصوري أن ما أقوله بعيدا عن الواقع، بل هو الصواب بعينه والذي سيتطلب منك إرادة قوية ونظرة جديدة لنفسك وللحياة من حولك لم تعتادي عليّها؛ لأن في ذلك حياتك الحقيقية يا ابنتي، وقد لا تفهمين ما قلته أو تستشعرينه الآن وتختارين أن تظلي في صراعك المحموم مع هذا الشاب؛ لذا وجب عليّ أن أذكرك أن نتائجه ستكون معروفة من الآن، فلا تخدعي نفسك من جديد.
وأتصورها أحد أمرين؛ إما أن تتفاقم الأمور وتقع بالفعل مجزرة بين العائلات ولا يبقى منك إلا ذكرى مأساوية لفتاة كانت عابثة ضعيفة، وما يستتبعه من فضيحة وعار، هذا إن لم تقتلي وتخسري أخاك، أو أن تكوني حتى أضعف من تهديدك فتظلي غارقة في صراعاتك تتجرعينها وحدك، وقد تنهار نفسيتك حينها وتفكرين في الانتحار، فتقضين على ما تبقى منك وتخسرين دنيا أو آخرة، وفي كلتا الحالتين الأمر الوحيد الذي لن يتغير هو رفض هذا الشاب الزواج منك؛ لأنه قال لك أكثر من مرة - بالكلام معك مباشرة أو بقراره الزواج من أخرى وأنت لا تريدين أن تفهمي- إنه لن يتزوج بمن كانت لها علاقات جنسية مع آخر قبله حتى لو كان يحبها.
فهذا هو الرجل يا ابنتي، مهما تعاطف أو ساند أو أحب، فحين يفكر في الزواج الرسمي تتغير حساباته، ولا يفعل إلا ما يجعله مطمئنا تماما لمن ستحمل اسمه وشرفه وتربية أولاده، فلتقاومي ضعف إرادتك لمرة واحدة في حياتك لتعيشي يا ابنتي من جديد حياة أفضل ويرزقك الله الزوج الذي يرى فيك إنسانة جديرة بالارتباط الشرعي، وحينها سيكون لنا حديث آخر، وإن قررت أن تبدئي من جديد فحاولي أن تقومي بما أقترحه عليّك حتى تجدي الطبيبة النفسية أو المعالجة النفسية التي ستساعدك كثيرا:
* الاتفاق مع نفسك بحزم وحسم شديدين أن تقطعي كل اتصال بهذا الشاب؛ لأن البدائل لن تأتي بخير.
*تغيير أصدقائك الحاليين، أو على الأقل بعدك عنهم تماما، وعن كل من له صلة قريبة أو بعيدة بقصصك الماضية.
* الانغماس في عمل أو نشاط فيه عمل بدني وذهني من أعمال الخير والتطوع.
* ممارسة أي رياضة بدنية خفيفة.
* التضرع لله وطلب العون والعزيمة لتقفي على قدميك من جديد، ولا تقولي إنه لن يغفر، فهو الله العظيم الذي يفوق عفوه وكرمه كل ما نتصوره، فقط أرِه منك عزما أكيدا ورغبة حقيقية في التغيير وستجدين عجبا.
* كلما وجدت نفسك تفكرين في هذا الشخص اهرعي لعمل أي نشاط أو أي تواصل يخرجك من التمادي في التفكير فيه.
* تذكري أن هناك كثيرات مثلك وقعن في مثل تلك الظروف وأكثر، ولكنهن استطعن بعد حين أن يغيرن من حياتهن ويقهرن الضعف، وتغيرت حياتهن، فلتكوني واحدة منهن.
* مهما كانت أسرتك ضعيفة التماسك أو تفتقر للحنان والعطف فلن تجدي من سيحبك بحق أو يعطف عليّك بحق مثلما يحبك أهلك وأمك وأبوك، ولقد جربت دونهم الكثير ولم تحققي الأمان ولا الحب ولا العطف الحقيقي، فقد يكون الأهل على غير دراية بحالتنا النفسية أو مشاعرنا أو لا يتخيرون الطريقة السليمة للتعامل معنا لكنهم بلا شك يحبونك بصدق ويخافون عليّك بصدق ويتمنون لك الخير دوما.
فلتجربي ما هو أقل مخاطرة مما خاطرت به قبل ذلك، وحاولي أن تتقربي ممن تجدينه من أسرتك أقرب إليك لتجدي لك ونيسا في بيتك ترتاحين في الحديث معه دون أن تقولي له ما حدث معك في الماضي، ولكن لتكن بداية مصادقة حقيقية تبدئينها أنت لأنك من يحتاجها.
*ستمر عليّك فترة مؤلمة من العذاب ومشاعر الحزن والاكتئاب وستحتاجين لعلاج دوائي يساعدك على التمكن من القيام بتلك الأمور فلا تتأخري كثيرا حتى تستطيعي أن تخطي أولى خطواتك الناجحة في حياتك بالتواصل النفساني.. وأنتظر متابعتك.