أنا وزوجي!
مشكلتي هي زوجي، والمشكلة طويلة ومتفرعة، أنا متزوجة منذ 15 سنة، زوجي يعمل في مجال الطيران، ولدي أطفال منه، في البداية حياتنا معًا كانت سيئة للغاية، لم أشعر بحبه واهتمامه، وأصبحت حياتي معه لا تطاق، ونحن دائمًا في مشاكل، وأحيانًا يتهجم عليّ، كنت لا أعرف سبب سلوكه معي وتجاهله لي، وكم من مرة طلبت منه الانفصال، وتمنيت لو أنه حدث فعلاً، رغم أنني أحبه كثيرًا وما زلت
ولكن هناك أشياء لا يمكن نسيانها، بعد فترة من الزواج اكتشفت أنه على علاقة بكثيرات، وخاصة من مجال عمله يخرج معهن، ويمضي وقته، ويكذب علي، ويخبرني أنه ذاهب لحضور زواج صديق في مدينة أخرى، ولكن الله يلهمني؛ وأجد أدلة دامغة بأنه قضى اليوم مع إحداهن، وكم من مرة كلمته بطريقة غير مباشرة، وأسرد له القصص عن عواقب هذه الأمور، وأحيانًا بطريقة مباشرة؛ ولكنه يتهرب من الإجابة ويهاجمني ويخطئني؛ لأنني أفتش وراءه، والمشكلة أنني أعمل وأغيب عن البيت لفترة صباحًا ومساءً، وعندما أعود أحاول أن أعوضه، ولكنه دائمًا يلومني ويقول: إنه يريدني أن أكون مع أبنائه، ودائمًا ما يطلب مني أن أتركه في حاله
تمر السنون، وأدعو له بالهداية، وهو ما زال على حاله في سفره وترحاله وأهوائه كما لو كان مراهقًا، لقد تعبت، وحاولت تجاهل الأمر؛ لأعيش بهدوء مع أطفالي فأنجح مرة، وأفشل مرات، لا أنكر أنه في السنوات الأخيرة زاد اهتمامه بي، ويرعى أولاده، ولكنه ما زال مقصرًا معي ومع أولاده، فأحيانًا تمر أيام دون أن يروه، وفي المقابل لا ينسى عشيقاته حتى لو كان على سفر بعيد، فكم من مرة رأيت فاتورة الهاتف، وعرفت من الأرقام أنه يكلمهن ولا يتصل بي وبأولاده، وفي هذه الأيام الوضع أصبح سيئًا، أراه يعتذر كثيرًا؛ ليخرج من البيت لمقابلة من يتسلى معها أو لمحادثتها؛ لأنني إذا كنت معه لا يستخدم الهاتف أبدًا، ولكن عند عدم وجودي فهو يستخدمه باستمرار، وعندما أعود إلى المنزل يغازلني ويدلّلني ويحاول كسب رضاي، ولكنني للأسف لا أصدقه؛ لأن كل هذا يفعله حتى لا يشعر بالذنب، لقد حرت معه، ولا أعرف كيف أتصرف!
أشعر بالغيظ منه، وكم من مرة سألته: إن كان لا يحبني أو غير سعيد معي فلننفصل بهدوء أفضل، وعندها تكون له الحرية المطلقة لفعل ما يريد؟ ولكنه يخبرني أنه سعيد معي ولا يريد غيري، فكيف أصدقه؟!، وأنا أعرف ما يفعل من خلفي ينتظر نومي بفارغ الصبر؛ ليسهر حتى الصباح في حديث ماسخ مع نساء بعْن أنفسهن، أرجوكم دلّوني ماذا أفعل؟ فأنا أتعذب كلما رأيته، مما جعلني أفقد الثقة فيه وفي نفسي، وكم مرة سألت نفسي ما سبب كل هذا؟ فلم أجد سببًا واضحًا وخاصة أنه ليس صغيرًا فهو في الأربعينيات، وهو على هذا المنوال منذ أن شب إلى الحياة
أرجوكم ساعدوني، ولكم تحياتي،
وآسفة على الإطالة.
18/10/2022
رد المستشار
أختي الكريمة، أشكر فيك الإنصاف، ومحاولة عرض الأمور بشكل متوازن من خلال التفاصيل التي تسردينها عن حياتكما الزوجية.
من أهم الأشياء التي تساهم في تشكيل شخصية الإنسان الوظيفة التي يمتهنها، وتأثيرها على شخصيته يزداد إذا كان يحبها، وإذا لم يكن في حياته قضايا أخرى كبرى يهتم أو ينشغل بها.
وزوجك يعمل في مجال الطيران، ولعله دائم السفر والترحال مما يخلق نفسية تحب التغيير والتجديد المستمر، وطباع كهذه تحتاج إلى زوجة من نوع خاص ... يحتاج رجل كهذا إلى زوجة عاقلة وحكيمة، مرابطة ومقيمة تخلق جوًّا من السكن والاستقرار الأسري في عش الزوجية بحيث يحنّ إليه ذلك المسافر أبدًا، المتعب المكدود من التجوال بين الأماكن والبشر، وطبيعة العمل في هذا الميدان تخلق جدولاً زمنيًّا مضطربًا، فقد يكون العمل أحيانًا في فترة الصباح ثم ينتقل إلى المساء، وقد لا ينام لمدة أيام... وهكذا.
تصوري معي حين تكون الزوجة عاملة "صباحًا ومساء"، وبالتالي يقابلها بمواعيد مسبقة مثلاً، أو بحسب الظروف والأحوال، وغالبًا ما تكون منشغلة إما بهموم العمل، أو بمشاكل الأولاد، ولديه أصلاً ميول للعبث مع أخريات، ولديه أيضًا فرص واسعة لعلاقات عابرة ومتعددة.. فما هي النتيجة المتوقعة بربك؟!
تطالبين زوجك باحترامك، وتقديس رابطة الزواج، وتقدير حقوق البيت؟! فأين أنت يا أختي؟! وأين هذا الزواج؟! وأين البيت؟! إن السكن ليس جدرانًا وأثاثًا، وليس نفقة وأولادًا، وليس أسماء مضافة في بطاقة الهوية، إنما هو شعور وإحساس تحققه المرأة أساسًا للبيت والزوج، ومن أول ما تعلمته من أساتذتي أن المرأة هي أصل السكن في البيت ... الأنثى هي أصل العش، والمثل الشعبي المصري يقول: "المرأة تعشش، والرجل يطفش"، أي أن دور المرأة هو المحافظة على تماسك العش، ورعاية شئونه بما يجعله عشًّا بكل معنى الكلمة، أما الرجل فدوره أن يحمي هذا العش من الغزو الخارجي، وأحسب أن إيجاد الشيء يبدو - "منطقيًّا" - خطوة تسبق حمايته من العواصف والأنواء.
والآية الكريمة دقيقة: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً...". فجعل السكن للمرأة، والمودة والرحمة مشاركة متبادلة. وأخطر ما في قصتك أن زوجك مستسلم لهذا الوضع الواهن، وربما يئس من محاولة إصلاحه، وغاية ما يرجوه أن تتركيه في حاله كما يتركك هو تغيبين من البيت صباحًا ومساء.
يا أختي لا تكوني عونًا للشيطان على زوجك، وإذا كان من الصعب نسيان أشياء، فمن الأسهل التغاضي عنها وتناسيها، خاصة أنكما متحابّان... يا أختي، كُفِّي عن التفتيش وراء زوجك فإن هذه الحملات الرقابية تزعج أي رجل مهما كان مسلكه، وبدلاً من ذلك أعيدي ترتيب أوضاع عُشك فهو يستحق منك جهدًا أكبر، وتركيزًا أوسع، وحين تتواجدين ركنًا وسكنًا؛ عند ذلك يمكنك أن تبدئي في إشراك زوجك في رعاية شئون الأولاد، ومتابعة متطلبات البيت، وسيكون لتجاوبك مع مغازلته معنى، وستنبعث في حياتكما الروح الغائبة عنها، ويتدفق بينكما ما ينبغي أن يكون بين زوج محب وزوجته التي يسكن إليها.
علاج هذا الزوج بيدك، واستقرار هذا البيت رهن بحضورك المادي والمعنوي. وأتركك لزميلي د. عمرو:
في بعض الأحيان وأنا أحاول حل مشكلة ما يكون دوري هو إعادة ترتيب الجمل التي وردت في الرسالة بنفس صياغة صاحب الرسالة؛ للحصول على معنى جديد، قد يكون فيه حل المشكلة بإذن الله، وتعالَي معًا نفعل ذلك ونقرأ رسالتك قراءة جديدة:
• لا أنكر أنه في السنوات الأخيرة زاد اهتمامه بي ويرعى أولاده.
• عندما أعود إلى المنزل يغازلني ويدلّلني ويحاول كسب رضاي، ولكن للأسف لا أصدقه، لأن كل هذا يفعله حتى لا يشعر بالذنب.
• كم مرة سألته: إن كان لا يحبني أو غير سعيد معي فلننفصل بهدوء، ولكنه يخبرني أنه سعيد معي ولا يريد غيري.
• المشكلة أنني أعمل، وأغيب عن البيت لفترة الصباح والمساء وعندما أعود أحاول أن أعوضه.
ما رأيك في هذا الترتيب الجديد لهذه الجمل الأربع من رسالتك؟!!
أعيدي قراءتها، وابحثي أين المشكلة، كما وردت بخط يدك ومن كلامك؟!
إن الرجل يتغير ويغازلك ويدلّلك، ويعلن أنه سعيد معك، ولا يريد غيرك فلا يجد إلا زوجة تغيب عن البيت لفترة الصباح والمساء، ولا نعلم كيف تعوِّضيه، وأنت لا تكفِّي عن صدِّه إذا غازلك أو دللك، وتتحدثين معه دائمًا عن الانفصال "بهدوء" وتفسِّرين سلوكياته من أجل أن يرضيك؟!! بل ونقول لك بصراحة إننا أيضًا نستشعر أن شكوكك ناحية زوجك فيها نوع من المبالغة، ونوع من إلقاء المسؤولية عليه في تدهور علاقتكما بدلاً من أن تواجهي نفسك بدورك في تدهور هذه العلاقة.. إننا لا نقول إنك المسؤولة الوحيدة عن ذلك، ولكن نقول: إن مسؤوليتكما مشتركة عن ذلك، ويجب أن تعيدي النظر في غيابك صباحًا ومساء عن البيت، خاصة وأنه يبدو أن زوجك غير راضٍ عن هذا الغياب، وأنكما في غير حاجة مادية له..
ننا لا نريد أن نقول: إن جزءًا من هروب زوجك إلى الأخريات حتى ولو كانت تلك عادة سابقة له ـ أنت مسؤولة عنه بسلوكياتك وصدك وغيابك، إن كثيرًا من الأزواج قد يبدءون حياتهم الزوجية متمسكين بسلوكياتهم وعلاقاتهم قبل الزواج، ولكن الزوجة الذكية الفطنة تستطيع أن تسترده من كل هذا وتجعله رجلاً منزليًّا عاشقًا لبيته وزوجته وأولاده؛ لذا فإن الزوجة التي لا تستطيع أن تفعل ذلك ينبغي ألا تلقي باللوم كله على الزوج وعبثه، خاصة وأنه كما تذكرين في رسالتك قد تخطَّى سن العبث.. هذه الزوجة يجب أن تراجع نفسها وتبحث في أسباب فشلها في تحقيق ذلك بعد خمسة عشر عامًا من الزواج، خاصة وأن الزوج يقدّم المبادرات الحسنة، ويتغير ويغازل ويدلل، فبدلاً من التفسير بأنه يفعل ذلك لشعوره بالذنب، فلماذا لا نقول: إنه قد كبر ونضج وضج بالعبث، ويريد أن يستقر في بيته ومع زوجته، فماذا يجد؟! إنه لا ينتظر نومك حتى يحادث العابثات، ولكنك تنامين وتتركينه لأنك متعبة ومرهقة من الخروج صباحًا ومساء فلا تكوني قادرة على محادثته، ومسامرته، فيلجأ للأخريات ونحن طبعًا لا نبرر تصرفه ولا نوافق عليه، ولكننا نلقي الضوء حتى تدركي أنك تسلميه جاهزًا إلى الأخريات، فإذا أردت استرداده، فالأمر بيدك أولاً وأخيرًا
وفي انتظار سماع أخبار خير منك.