السلام عليكم
الموضوع باختصار أنني أريد تغيير نفسي وما حولي، ولكني أجد صعوبة كبيرة، وكنت أرى أن في اقتراب شهر رمضان فرصة عظيمة وإن لم أغتنمها فلن تتاح لي فرصة مماثلة إلا بعد زمن قد يطول.
أنا ابنة عائلة عربية مسلمة، ولكن الإسلام بالنسبة لنا هو الأخلاق فقط، بمعنى أن أبي وأمي يعتقدان بأن الله راض عنهما طالما أنهما لا يكذبان ولا يسرقان ولا يغشان، وللحق فإن والدي بالذات رمز للأخلاق في مجتمعنا والكل يحب أن يحذو حذوه، حتى في تعامله معنا نحن أولاده فإنه رائع ويشجعنا دومًا لنكون أفضل ويعامل البنات أحسن من الذكور.
طبعًا لا يخلو الأمر من بعض المشاكل مثل أي عائلة، ولكني فعلاً مرتاحة جدًّا من ناحية المعاملة، ولكن أمي وأبي لا يصليان ولم يزورا بيت الله الحرام أبدًا، وأبي لا يصوم ولا يزكي ويشرب (أي الخمر) مع أنه لا يشرب كثيرًا، بل فقط عندما يجد أصدقاءه يشربون، وهم جميعًا يشربون قليلاً، بمعنى أنهم لا يسكرون ولكنهم يؤمنون بأن قليلا منه ينعش الفؤاد، أمي ولله الحمد تصوم وتزكي ولم تقرب الخمر في حياتها، وهي التي علمتنا جميعًا حرمة هذا الأمر؛ ولذلك فإننا لا نقربها، بل حتى نأبى لمس الآنية الموضوعة فيها، وكم تشاجرنا مع والدي لرفضنا إحضار الزجاجات له حتى تعوّد في النهاية على رفضنا.
أمي ليست محجبة وكذلك كل نساء العائلة ما عدا جدتي التي تحجبت بعد وفاة جدي، أي منذ عهد قريب. وأنا تحجبت منذ سنتين بتشجيع من صديقاتي ومن خطيبي السابق، وكنت أفكر في موضوع الحجاب منذ أمد بعيد، ولكني كنت أجد صعوبة كبيرة في وضعه، وأنا أرى أمي وأختي وبنات خالي وخالاتي يلبسون أجمل الثياب ويذهبن إلى مصففي الشعر ويظهرن جميلات جدًّا، وطبعًا في فترة مراهقتي كنت أريد الظهور بينهن؛ لذلك لم أستطع أن أضع الحجاب، ولكني كبرت وعقلت نوعًا ما؛ لذلك لم تَعُد تهمني المظاهر كثيرًا، واقتنعت بأن الحجاب سترة لي من الأعين الطامعة، والحمد لله أقدمت على إحدى أهم الخطوات في حياتي.
ولتعرفوا مشكلتي سأرصد لكم رد فعل عائلتي في أول يوم لي مع الحجاب، أختي لم تقل لي كلمة مبروك، بل كان يظهر عليها الامتعاض، أمي تفاجأت.. ضحكت عليّ قليلاً وعلى شكلي الجديد، ثم عدلت عن ذلك وقالت لي مبروك، أبي لم يعلق بتاتًا، وربما أحس بالارتياح؛ لأنه لا يحب الملابس القصيرة التي كنت أرتديها، ولم يكن يعجبه ذهابي إلى حمامات السباحة المختلطة مع أنه لم يمنعني يومًا. هذا ليس كل شيء، فهذه عائلتي المصغرة، أما عائلتي الكبيرة فقد كانت ردود فعلهم أعنف؛ فأبناء خالتي -وهم بالمناسبة أقرب لي من إخواني بحكم تربيتنا سويًّا- كانوا يتعمدون الدخول إلى المنزل دون إعلامي ليفاجئوني ولا أستطع ارتداء حجابي فهم ضد الحجاب إن لم يكونوا ضد الإسلام كله، فهم لا يؤمنون بكلمة من ديننا، كما أنهم كانوا يتعمدون تقبيلي على غفلة مني؛ لأنهم يعلمون أنني لم أعد أقبل تقبيلهم.
في أحد الأيام خرجت مع خالتي وأختي وابن خالتي، وعند عودتنا كان الوقت متأخرا بعد منتصف الليل فإذا بخالتي تقترح الذهاب إلى الديسكو، طبعًا أنا طلبت منهم أن يعيدوني إلى البيت، ولكنهم رفضوا ذلك وذهبوا إلى الديسكو، ونزلوا جميعًا من السيارة وبقيت وحدي حوالي ساعة في السيارة أنتظرهم، ولا أستطيع أن أصف لكم ألمي وأنا وحيدة في السيارة بعد منتصف الليل. ومرة أخرى كانت صديقة خالتي عندنا في المنزل وأبناء خالتي الأخرى معنا، وكنا نلعب الورق على شرط أن الفائز له الحق بتنفيذ حكم على الخاسر، ففاز ابن خالتي وخسرت صديقة خالتي، وكان حكمه عليها أن تخلع قميصها، وهي بالمناسبة مطلقة شابة.. فماذا كان رد فعلها؟؟؟ رفضت أن تخلع قميصها، ولكنها قالت جملة لن أنساها ما حييت، قالت لي: أنا لا أستحي من أبناء خالتك، وكنت سأخلع قميصي لو لم تكوني موجودة، ولكني أستحي منك أنت لأنك محجبة ولا أستطيع أن أفعل ذلك أمامك. عندما سمعتها قمت من فوري إلى غرفتي وأجهشت بالبكاء.
أحس بأني أصبحت غريبة بين ظهراني عائلتي، مع أنني بعد سنتين من الحجاب والإصرار جعلتهم جميعًا يحترمونني، وتوقفوا عن تصرفاتهم الشاذة معي، وتقبلوا حجابي كأمر مسلم به، ولكني ما زلت أحس بالغربة الشديدة، فمنذ أسابيع قليلة كانت أختي وابنة خالتي تخرجان وتسهران بينما أبقى وحيدة في البيت، وهذا يحصل كثيرًا عندما يذهب الجميع إلى أماكن لا أقبل الذهاب إليها، ولكن ما يحز في نفسي فعلاً هو وضع أمي وأبي، فأنا أحبهما كثيرًا وأريد لهما الهداية، ولكني لا أستطيع فعل ذلك، أعلم بأن الله يهدي من يشاء وأني لن أستطيع هداية من أحببت، ولكن عندما أذهب لتعزية إحدى صديقاتي في والدها أقول لها: إن شاء الله تجتمعان في الجنة فقد كان والدك صالحًا، وأحس عندها بالألم؛ لأني لا أعلم إن كنت سأجتمع بأهلي في الجنة.
في رمضان الماضي استطعت أن آخذ أختي معي إلى المسجد، وكانت تلك أجمل أيام حياتي، وعندما كنت أصلي بانتظام كنت أتعمد أن أحدث ضجة عند استيقاظي لصلاة الفجر حتى يستيقظ من في المنزل ويصلوا معي، ولكن لم يكن أحد يصلي سواي، وأختي أحيانًا، مع أن أمي كانت تتشجع كثيرًا عندما تراني أصلي ولكنها لم تحاول الصلاة.
الآن فترت همتي ولم أعد أصلي بانتظام، خصوصًا أني أسمع من صديقاتي عن أهلهن وكيف يوقظوهن للصلاة ويوبخوهن على تفويتها.. أحس بأني أحتاج لمن يساندني ولمن يحثني فلم أعد أستطيع وحدي أن أكمل الطريق.. أحس بأني بدأت الابتعاد عن ديني رويدًا رويدًا وهذا ما لا أريده، فالمفروض أن أجرهم معي لطريق الصلاح لا أن يجروني هم.
لا أعلم ماذا أريد منكم بالضبط، ربما مجرد التشجيع وبعض الأمل لا غير.. وبالتأكيد الكثير من الدعوات الصادقة.. لن أطيل أكثر من ذلك، ولكني أعدكم بأن أكتب لكم حصيلة شهر رمضان معي، ادعوا لي الله أن يتقبله مني ويثقل به ميزاني وشكرا لكم.. إلى اللقاء.
23/10/2022
رد المستشار
أختي الكريمة، انتظرت أن تصلنا حصيلة شهر رمضان كما وعدتنا في نهاية رسالتك، ولكن ذلك لم يحدث للأسف، فلعل المانع خير.
رسالتك فعلت في نفسي كثيرًا، وفكرت ماذا يمكن فعلاً أن نقدم لك وسط المناخ الذي تعيشينه؟ وأعود لهذه النقطة بعد حين.. أرجو أن تكوني من زوار صفحتنا المنتظمين الدائمين، وأن تكوني قد اطلعت على أكبر قدر من حكاياتها وإجابتنا؛ فهذا يفيدك قطعًا بمشيئة الله.
من قال يا ابنتي إن رمضان هو الفرصة الوحيدة للتغيير؟!
إن العلاقة مع الأحبة ليس لها مواسم، وعلاقتنا مع مالك الملك ليست مرتبطة بزمان ومكان، بل ينبغي أن تتحرر من قيود الزمان والمكان والبيئة المحيطة؛ لتكون مباشرة وحيَّة ونابضة ومستمرة، رغم أنها قد تفتر أحيانًا لأننا بشر، وفي الحديث الذي جاء فيه الصحابة يشكون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتورهم عن العبادة والطاعات حين لا يكونون معه، مقارنة بأحوالهم وهم في صحبته، فيقول لهم الحبيب الحكيم بما علمه الله تعالى: "لو تدومون على ما تكونون عندي في الخلاء لصافحتكم الملائكة حتى تظلكم بأجنحتها عيانا، و لكن ساعة و ساعة"، حديث صحيح.
لا أقول لك هذا لأشجعك على المزيد من فتور الهمة الذي تشتكين منه، ولكن لتعرفي ونعرف جميعًا أن أي علاقة متينة هي عملية مستمرة ومتواصلة تحتاج إلى خطط وبرامج ومبادرات وأفكار، وتشجيع وتدبير، ومحاسبة ومراقبة، وقد تمر بها فترات تقل فيها، والإيمان يزيد وينقص، ولكن الأهم هو الاستمرار على نفس الطريق، "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا"، هذا هو منطق أي علاقة. والعلاقة بالله سبحانه وتعالى أساسها الحب، ومن غاب عن قلبه حب الله واقتصر على الخوف منه أو الرجاء فيه أو كليهما فقط دون الحب كان كمن يريد لطائره أن يطير بجناحين سليمين، ولكن دون قلب، فهل يستقيم هذا؟!
ربما نحتاج جميعًا إلى مراجعة حبنا لله سبحانه وتعالى؛ لأنه أصل ومنبع كل خير، وهو أصل ومنبع كل حب متوجه إلى خلق الله كذلك، وكل حب في سبيله.
وأذكرك أيضًا بالأصل وهو أنك غير مسؤولة عن رعاية أو هداية أسرتك إلا بمقدار ما تستطيعين دعوتهم وجذب اهتمامهم، وإغراءهم بالالتزام. وهذه أيضا "عملية" تحتاج إلى وقت وجهد، ولا تتم بالأماني ولا بالدعوات الصالحة فقط، ولكن تتم بتخطيط وتدبير... إلخ، كما وصفت لك منطق أي علاقة، وتذكري أنك لن تستطيعي القيام بهذه المهمة إلا إذا كان قلبك عامرًا بالحب لهم مع إنكار أفعالهم وأخطائهم، وكثيرًا ما نقع في الخلط بين الإنسان وأفعاله فنخسر علاقتنا به لأنه يخطئ، ويخسر هو فرصة للهداية بسبب جهلنا بطبيعة مبادئ الإسلام في تعامله مع الخطأ والمخطئين، وكل إنسان مسؤول عن نفسه.
وعائلتك كما تصفينها تحمل العديد من المميزات والإيجابيات المفتقدة في ملايين الأسر وهذه المميزات تستحق الشكر والثناء وحمد الله عليها، وتغري باستكمال السجايا الحسنة لأن القعود عن هذا عيب كبير، كما يقول الشاعر:
ولم أرَ في عيوب الناس عيبًا كنقص القادرين على التمام
وفي علاقتنا مع من نحب ونرغب في هدايته ينبغي أن نكثر من ذكر المزايا والنواحي الإيجابية، وننطلق منها إلى إصلاح العيوب برفق وهدوء وأدب ودأب وإصرار وحزم.
ربما تحتاجين إلى معرفة أكثر بكل من حولك من العائلة؛ لأن المعلومات هي أهم معطيات وضع خطة "الغزو" .. غزو القلوب والعقول، مثلاً فإنك تحتاجين لمعرفة اهتماماتهم وهواياتهم ومفاتيحهم الشخصية والمزاجية (ماذا يحبون، وماذا يكرهون، ماذا يريدون وماذا يرفضون؟) ليمكنك التسلل والتأثير، وربما تختارين التركيز عليهم فردًا فردًا، أو خطوة خطوة مع الجميع، بمعنى أنك قد تحرصين على كسب والدتك أولاً بحكم العلاقة الطيبة التي بينكما، وبحكم التزامها النسبي، ومكانة المرأة عندكم في الأسرة كبيرة، فإذا ربحت "ماما" حسم نصف المعركة لصالحك، وربما أكثر، وسامحيني إذا تعاملت بألفاظ الغزو.. والمعركة.. التسلل.... إلخ، فنحن في حياتنا كلها نخوض مواجهة مع الشيطان والنفس الأمارة بالسوء، والشهوات والشبهات... إلخ.
أغلب الظن أن أسرتك الصغيرة وعائلتك الكبيرة تحمل نفس التشويش والتشويه عن الإسلام، ودورك أن تكوني المدخل لتصحيح هذه المفاهيم بسلوكك، وبشبكة اتصالات تحتاجين إلى تكوينها لتيسير وتوريد مفاهيم ومنتجات وأفكار وأشخاص تتراكم نتائج الاتصال بهم لتنتج التغيير المنشود.
وعلى سبيل المثال فإن الالتزام بالحجاب أو الدين عمومًا يرتبط لدى بعض الناس في أذهانهم أو أفعالهم بالتجهم أو الانعزال عن الناس أو الكسل عن القيام بالأدوار الاجتماعية والأسرية، وبعض الملتزمين والملتزمات -للأسف- يغذي هذا التصور بأفعاله، وغير الملتزمين يعممون ما يرونه أو يسمعونه من أو عن أحدهم أو إحداهن ليكون حكمًا يشمل كل ملتزم أو ملتزمة، فيجد أحدنا نفسه مطالبًا بالحرص على الاستقامة من ناحية، وبدرء الشبهات وتصحيح المعلومات والانطباعات الخاطئة من ناحية أخرى.
ومن المهم أن تفهمي وتمارسي إسلامنا الجميل الناصع، ولن تمارسي حتى تفهمي، وأعطيك مثالاً واحدًا يقع فيه أغلب الملتزمين وهو ما يتعلق بالترفيه.
فالالتزام عند الأغلبية يعني تحريم الترفيه لأنه -ربما- ينتمي إلى الدنيا، والمؤمن يؤثر الآخرة، أو لأن الترفيه المتاح السائد يحمل في طياته الكثير من المعاصي والذنوب أو التجاوزات الأخلاقية والشرعية، وبدلاً من أن يتحرى المسلم رضا الله سبحانه في نوع النشاط الذي يختاره للترفيه نجده يميل إلى نفض يديه من الأمر برمته، ويظن أن في هذا إرضاء لله سبحانه وتعالى أو تقربا إليه، وهذا يضحكني على سذاجة بعض المسلمين ويبكيني على بعدهم عن الفهم الصحيح للدين.
لن أطيل في هذه النقطة لأني قد أطنبت فيها كثيرًا من قبل، وأضع حديثًا نبويًّا يقول فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم: "وكل ما يلهو به المرء المسلم باطل إلا رميه بقوسه وتأديبه فرسه وملاعبته امرأته فإنهن من الحق". وكما تلاحظين فإن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول بأن هذه الأنواع مباحة، أي أن الترفيه مطلوب وهو جزء أساسي من الحياة الإنسانية، ولكن يبقى السؤال أي ترفيه، وأي حياة؟.
من المتوقع أن يضغط عليك المحيطون بك أدبيًّا ومعنويًّا، ولن تستطيعي مقاومة هذه الضغوط إلا بتوفيق الله -فلا تفارقي عتباته- وبصحبة صالحة تعينك على أمور دينك ودنياك بنفس الفهم المنفتح الشامل للإسلام، لعل الله سبحانه يرزقك إياها وإلا كانت مجموعة الأصدقاء وبالاً عليك.
هذه بعض إشارات سريعة، وتوصيات عاجلة أرجو أن تكون قد حققت لك ولو بعضا مما كنت تنتظرينه منا. وسأنتظر تقريرك عن رمضان، وأفتح رسالتك للنقاش العام لتعرفي أننا جميعًا في هذه الصفحة فريقًا وجمهورًا معك بقلوبنا ومقترحاتنا.. وتابعينا بأخبارك.
ويتبع>>>>>: كثيره يقلب الحال: متى سنفرح ولماذا؟! م