السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أشكركم على جهودكم وعلى ردودكم الصريحة والواقعية. أنا فتاة أبلغ من العمر 28 سنة، مطلقة منذ حوالي شهرين ولي طفلة من نتاج الزواج تبلغ 6 سنوات، ولم يكن زواجي الأول موفقا بسبب الزوج الشرير وعنجهيته وتمرده.
أنا الآن أعيش مع والديّ في نفس البيت، والحمد لله أهلي متفهمون لوضعي، لكن هذا لا يمنع بعض المنغصات مثل الكلام بأن كل خطوة محسوبة علي، وهل ستقعدين العمر كله من غير زواج معقدة من الرجال؟ ومع أنهم طيبون وهم يتكلمون لمصلحتي وأنا متأكدة من ذلك، لكن أحيانا أملّ سماع نفس الكلمات.
المهم أن طفلتي أربيها والحمد لله وبعونه، حيث أعمل في مؤسسة كبيرة يوجد فيها عدد كبير من الموظفين، كلهم متزوجون وأعاملهم كما أعامل إخوتي.
المهم أن هناك شخصا متزوجا وعمره 41 عاما، حرص على ألا يتكلم معي منذ بداية تعييني حتى شهر تقريبا، كنت أتجنبه وأقول كل إنسان حر في طريقة تعامله، وكان الكل يقول لي لا تحاولي أن تمازحيه (علاقتي بالمدير والموظفين أخوية بحتة، يوجد جو مرح وجو من الأريحية والطمأنينة بيننا ونمزح ونضحك).
في يوم من الأيام قال لهم أنا أتيت حتى أسلم فقط على ... التي هي أنا، وذهب ولم يجلس. بعدها أحسست أنه مهتم بي نوعا ما مع أنه متدين، وأنا محافظة وأصلي لكن غير متدينة، بعد ذلك بدأت زيارته تتكرر، مع العلم أنه لم يكن يأتي إلا أحيانا بحكم زمالته وصداقته لموظف عندنا.
بدأت تكثر زياراته، وكلامه معي زاد، أحسست بانجذاب نحوه (رغم أنه متزوج- أستغفر الله) وزاد انجذابي يوما بعد يوم، وكنت أحس أنه يعرف ولكن لم يظهر أي شيء بتاتا. كل يوم يأتي فيه يجلس عندي بالمكتب ويسألني عن طفلتي ويمدحني، وكثيرا ما يتصل على المؤسسة ويقول إذا سأل أحد فقولي لم يتصل.
وأهداني مرة وردة حمراء وضعها على مكتبي بعد أن أحضرها، وشعرت بسعادة لا توصف -مع أنني لست مراهقة- ووضعتها بمزهرية على المكتب حتى يراها.
كم أود لو أفصح له عن حبي لكن أخلاقي وديني وبيئتي لا تسمح، خاصة أنه متزوج، وأنا أحس أنه في صراع مع نفسه بسبب هذه النقطة حيث أحيانا يتكلم بلطافة متناهية وأحيانا يتحدث بشكل عادي كما لو أنه في صراع مع نفسه، وأنا والله لا أحب أن أخرب بيته.
أنا أحاول الآن أن أبحث عن عمل جديد حتى لا أتعلق به وأخرب بيته، مع العلم أنه كثيرا ما كان يمزح مع صديقه الأعزب ويقول له يا رب أتزوج أو أجد عروسا، وأنا جد مستغربة منه؛ لأنه متدين ومحافظ كما فهمت من الجميع. والآن أسمع بعض الكلمات من الموظفين حين يريدون منه شيئا يقولون بمزاح خلي (... أنا) تقول له ليتزوج.
أحاول الهروب وأحاول أن أجد عملا وأحاول ألا أفكر فيه ولكن لا جدوى، وأفكر في طفلتي التي يدفعني أهلي باستمرار إلى تركها لوالدها.
أنا محتارة هل هو يحبني أم أنا متعلقة بأوهام؟ وأنا متأكدة أن أهلي لن يرضوا (حتى لو تقدم لي) أن أكون الثانية، وهناك عريس متقدم لي ولكنه 46 سنة وأهلي يشجعونني، ولكن أحس أنه كبير عليّ.. أنا متألمة لوضعي وأبكي كثيرا على نفسي وطفلتي البريئة ولا أنام حاليا، وأظل أفكر إلى متى سأبقى متعلقة بأوهام، وأتذكر زوجته وأطفاله فأقول حرام علي حرام.
هل الحب للمتزوج خيانة -أستغفر الله له إن كان خيانة- أنا أعرف أنني متناقضة، حيث أقول إنه يحبني مرة وتارة أخرى متشككة، والحقيقة أنني أحس بحبه ولكن هو ينكره، فما معنى الوردة وجلوسه بمكتبي طوال الوقت وانتظاره لي عندما أغادر ويقول لي "لسه بدري خليكي"، وجلوسه بجانبي في مكتب المدير.
أنا محتارة جدا جدا في مصيري ومصير طفلتي هل أبتعد أم أهرب؟
لا أدري فعلا ماذا أفعل، أستنجد بكم وبآرائكم النيرة عسى أن تهدأ ناري. والله المستعان.
26/1/2023
رد المستشار
الأخت الكريمة،
لقد تم طلاقك منذ شهرين فقط وأنت الآن في مرحلة ما بعد الطلاق، هذه المرحلة تتميز بمشاعر متضاربة ومشاكل نفسية وعاطفية متعددة؛ فالتعرض لأزمة الطلاق يشكل ضغطا كبيرا على نفسية الإنسان، تتراوح بين الإحساس بالوحدة والغضب والإحباط، والإحساس بعظم المسؤولية الملقاة على عاتق الإنسان والخوف من التعرض لنظرة المجتمع السلبية للمطلقة، ومعها يكون هناك القلق بشأن المستقبل... هل تعيش المطلقة بدون زواج؟ هل تتزوج؟ بمن تتزوج؟ وما مصير أولادها؟
أسئلة حائرة كثيرة يضاعف من قسوتها الشعور بالاحتياج للتعويض العاطفي والجسدي، وتبرز مع التعرض لهذه الأزمة ظاهرة عدم القدرة على التوافق مع الحياة بعد الطلاق، والمهم أن هذه الأزمة تستمر لفترات تطول وتقصر حسب استعداد الفرد نفسه.
ودراسة "نانسي أوكونر" توضح أن النساء اللائي كن مستعدات للطلاق يحققن توافقا وتقبلا للذات بدرجة تفوق نظائرهن من غير المستعدات للطلاق، وذلك بعد السنة الأولى للطلاق، كما أن المرأة التي ما زالت تحب زوجها، ولم تكن مستعدة للطلاق تحتاج لوقت أطول كي تستعيد توافقها، وتواجه صعوبات في تحقيق استعادة ذلك التوافق.
كما أوضحت دراسة "هاكني" أن عملية التوافق النفسي مع الطلاق تمر بثلاث مراحل هي: مرحلة الصدمة، حيث يعاني المطلقون من الاضطراب الوجداني، والقلق بدرجة عالية... تليها مرحلة التوتر، ويغلب عليها التوتر والقلق والاكتئاب، وتتضح آثارها في الإحساس بالاضطهاد والظلم والوحدة والاغتراب والانطواء، والتشاؤم وضعف الثقة بالنفس، وعدم الرضا عن الحياة.
وأخيرا تأتي مرحلة إعادة التوافق، وفيها ينخفض مستوى الاضطراب الوجداني، ويبدأ المطلقون إعادة النظر في موقفهم من الحياة بصفة عامة والزواج بصفة خاصة.
ومما سبق يتضح لك يا أختي الكريمة أنك ما زلت في مرحلة فقد التوازن، وأنه ما زال أمامك بعض الوقت حتى تستعيدي توازنك النفسي والعاطفي. ولا ينصح في هذه المرحلة المضطربة من حياتك بأن تتخذي أي قرارات مصيرية، فأي قرارات مصيرية تتخذينها الآن لن تكون مدروسة بعناية لأنها نتاج لما تعانينه من ضغوط، وهذه القرارات غير المدروسة تحمل في طياتها احتمالات تكرار الفشل.
وحتى تستعيدي سلامك النفسي يجب عليك أن تستغلي الفترة المقبلة في مراجعة الأمور التالية:
أولا: من غير المعقول أن نخوض التجارب المؤلمة والقاسية ونتجرع مرارتها ولا نستفيد من الدروس المستفادة فيها.. فأنت تلقين بمسؤولية فشل زواجك الأول كاملة على زوجك السابق؛ فهل يعقل هذا؟ ألم تساهمي أنت ولو بسوء اختيارك أو بسوء تفهمك لمعنى الزواج في إفشال هذه التجربة؟ لا بد من مراجعة الأمر جيدا مع نفسك؛ لأن تعاملك مع أمر خطير كهذا بهذه النفسية -نفسية من لا يتحمل مسؤولية أخطائه- يعني أن احتمال تكرار الفشل وارد طالما أنك ما زلت على حالك ولم تغيري من قناعاتك.
ثانيا: ما تصورته تلميحات من زميلك المتزوج لا يمثل عندي إلا تخيلات نشأت من احتياجك للإشباع العاطفي؛ وهو ما دفعك لأن تفضلي أن تعيشي تجربة الحب والرومانسية في الخيال؛ وبالتالي كل تصرف لزميلك يؤول حسب ما يرضيك.
ولن أناقش معك أمر زواجك من رجل متزوج؛ لأنه لم يصرح لك بأي شيء حتى الآن. وهو إما أن يكون رجلا جادا ولا يقصد شيئا مما تتوهمينه أو أنه ينوي أن يلعب بمشاعرك أو ينوي الارتباط الجاد بك، وحتى تتضح نيته أرى أنه من الأفضل لك في كل الأحوال أن تكفي عن التفكير فيه وعن تأويل كل فعل يأتيه، فإذا اتضحت نيته ورغبته في الارتباط بك، وتعرفت على ظروفه جيدا فراسلينا لنتباحث حول هذا الأمر.
ثالثا: من حقك بالطبع أن تسعدي بحياتك مع الإنسان الذي ترتضينه، ولكنني لا أفضل أن يتم هذا على حساب طفلتك الجميلة، فلا بد من حسم أمرك واختيار أفضل الحلول لابنتك.
مع دعواتي أن يبارك الله لك في ابنتك وأن يرزقك بالزوج الصالح الذي يحقق لك السعادة التي تنشدينها.
واقرئي أيضًا:
نفسي عائلي: عواقب الطلاق Divorce Consequences