بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة على سيدنا محمد عليه أفضل السلام ، وبعد.. إلى الإخوة، بداية أشكركم على هذه الزاوية المتميزة، والتي أتمنى لكم فيها التوفيق الدائم إن شاء الله.. لا أدري هل الذي أكتبه إليكم مشكلة، أم هي ظاهرة أصبح يعاني منها الشعب الفلسطيني على العموم عندنا، وخصوصًا الشباب منا، والتي سوف أطرحها عليكم وأريد رأيكم.
أنا فتاة أبلغ من العمر 21 سنة.. أعيش في فلسطين الحبيبة، وأعاني مما يعاني منه شعبي من رعب، وخوف، وحزن لموت زملائي في الجامعة أو في مدينتي، وكم أرى دموع الأمهات، وأبكي بحرقة عليهن، وكم أرى من أطفال يبكون آباءهم.. وللعلم أنا نشيطة في المجال الاجتماعي، والسياسي، سواء في الجامعة أم في المجتمع، حيث إنني أشارك مع زميلات لي في تفقد أسر الشهداء، وأحيانًا نشارك في الجنازات.. وهكذا أعاني بشدة، وأتألم عندما أرى الناس من حولي، فهم لا حول لهم ولا قوة، وأحيانًا أشعر بالضعف؛ لأني أنثى، ولا أستطيع فعل شيء إلا القليل.
المهم أنها مشكلتي، ولا أدري هل هي مشكلة أم ماذا؟ إنني أشعر بالحقد الشديد على العرب، بل الكره الشديد جدًّا، ولست أنا وحدي، بل هذه الظاهرة منتشرة عندنا بكثرة بين الشبان الفلسطينيين، وهي الكره الشديد للعرب، لا أدري لماذا؟
ربما لأني أرى الكثير، وأعاني بشدة هنا سواء من الخوف والحزن…
لا أتمالك نفسي أحيانًا، وأدعو على العرب بأن يبتليهم في أولادهم وأهليهم ويذيقهم حسرات ما نعانيه.. أشعر بالاشمئزاز منهم، وحتى من الشباب العربي أكرههم.. أحس بأنهم ليسوا سوى دُمى لا يملكون الشخصية، ولا يملكون الحرية، كل همهم الأغاني، والحفلات، والفتيات… مشاعر غريبة ولا أدري كيف سأعبر عنها؟؟
في العيد عندما رأيت جنازات الشهداء الـ11 الذين استشهدوا في مدينتي شعرت بالاختناق والحزن الشديد.. وأنا دائمة التفكير بالذين أراهم يموتون.. عندما سمعت أنه توجد مبادرة سلام بين العرب وإسرائيل غضبت بشدة، ودعوت الله تعالى ألا تحصل؛ لأنني على يقين أن الفساد سوف ينتشر بشدة؛ لأن العرب لا يعرفون ما هي "إسرائيل" كما نعرفها نحن، وإذا حصل سلام فعلى العرب وعلى فلسطين السلام.
عفوًا ممن يقرأ هذه الرسالة.. فأنا لا أدري حقًّا أهي مشكلة أم ماذا؟؟ أم هي عواطف أو آلام أشكوها لكم.
أيضًا أريد أن أطرح عليكم مشكلة أصبحت لدي:
إنني أصبحت متشائمة، وأصبحت كل نظرتي للحياة هي الموت فقط، حتى إنني قبل الذهاب إلى الجامعة أقوم بالصلاة والوضوء، وتجهيز نفسي كأني سأموت، لم أعد تهمني أحلام الفتاة.. أفكر كثيرًا.. غرفتي وكتبي كلها تحمل صورة شهيد أو استشهادي.
أصبحت أميل إلى النظر إلى صور الشهداء، وهم في حالات مؤلمة، ومناظر تقشعر لها الأبدان، رأسي يكاد ينفجر من التفكير.. لا أدري ماذا أفعل؟!! مشوشة وروحي حزينة.
مرة أخرى عفوًا ممن يقرأ هذه الرسالة، فأنا حقًّا لم أعُد أركِّز حتى في كلامي ولا في كتابتي.. وشكرًا لكم.. أنتظر منكم أي شيء.. لا يهم.. المهم أي شيء منكم، وشكرًا لكم، وكل عام وأنتم بخير يا أيها العرب.
28/1/2023
رد المستشار
أختي الكريمة : من بعض نعم الله علينا - وهي كثيرة – في هذا الموقع أن زواره الدائمين قد صاروا مثل الأسرة الواحدة، كما تقول إحدى الأخوات في رسالة لها وصلتنا مؤخرًا، وهي تشعر بأننا جميعًا من أسرتها، نتشارك في الألم والفرح، وتقول بأن "هذا الباب قد جعلنا أسرة واحدة نتواصل عبره، رغم تأكيدكم المستمر أن الإنترنت ليست وسيلة تواصل"!! وأنا هنا أذكر جانبًا من كلامها؛ لأنه لن يظهر أمامكم، فالإجابة عليها ستكون خاصة وسريَّة.
أختي.. شكرًا على صدقك في التعبير عن مشاعر قد يستخفي بها آخرون، وينكرها البعض، وشكرًا على ثقتك باختيارك أن تبوحي بداخليات نفسك ومشاعرك لنا، وعلى الملأ... طبعًا يا أختي، أنت تشعرين بهذه المشاعر؛ لأننا – نحن العرب - في إدراكك لا نملك الشخصية، وليست لدينا اهتمامات سوى الأغاني، والحفلات، والفتيات، فهل هذا صحيح بإطلاقه هكذا؟!!
تقولين: إن الشباب العربي لا يملك الحرية، وهذا صحيح، ولكنه يتناقض مع قولك بأنه لا همَّ لهم سوى كذا وكذا؛ لأن هذا الأشياء في ظلِّ انعدام الحرية لا تكون اهتمامات ولا خيارات، ولكن تكون مجرد مخدِّرات يروّج لها أناس يتكسبون منها، ويدمنها آخرون هربًا من واقع أليم لا حرية فيه، ولا تكافؤ فرص، ولا عدالة أو تنمية أو...
أختي.. قولي لي ماذا تنتظرين منا بالضبط، وستجدين نفسك بنفسك تردين، وتفهمين لماذا لا يحدث!! هل تريدين من الشباب العربي أن يعبر الحدود إليكم ليكون معكم؟! ألم يأتكِ نبأُ المحاولات التي تُجهض يوميًّا لعبور الحدود؟! ألم يأتك نبأ القوافل الستِّ التي خرجت من مصر – على سبيل المثال – محملة بأطنان من المواد الغذائية الضرورية والأدوية قاصدة فلسطين، وتم إيقافها – بنجاح!!! - فلم تتخطَّ العريش، وفسدت محتوياتها أو كادت.. الواحدة تلو الأخرى!!
هل تريدين مالاً؟ أنت أدرى إلى جيوب مَن سيذهب!! ماذا تريدين من الشعوب العربية، ومن الشباب العربي يا آنستي؟؟ هل تريدين أن تنطلق المظاهرات والمسيرات، وتنعقد المؤتمرات تعبيرًا عن التضامن والغضب؟! ألم تأتك أنباء القمع الوحشي، والحصار الأمني الرهيب الذي تتعرض له مثل هذه الفعاليات حتى أصبحت محصورة في قاعات ضيقة مغلقة تشبه حفلات التأبين أو مؤتمرات تكريم المتقاعدين عن العمل؟! هل تريدين حربًا شاملة تخوضها الشعوب العربية ضد إسرائيل؟!! حسنًا.. عليك بمؤتمر القمة العربي القادم في ...... فإن قرار الحرب يمكن فقط أن يُتخذ هناك.
عجبًا للضحية... تتوجه باللوم إلى ضحية مثلها، وإحداهما تموت في شرف، وتنال الشهادة، وتوجع العدو.. والأخرى تموت كمدًا أو ذلاًّ أو إهمالاً على أيدي الأهل، وشركاء الوطن. فمن الذي يستحق الرثاء.. ويحتاج إلى مساعدة؟!! إذا كان في الشعوب العربية شعب يواجه بالداخل دبابات الغطرسة بشجاعة المؤمن، وأحجار أرض الرباط في الأقصى، وغيرهم... إذا كان فينا أنتم.. تدفعون ثمن العزة والكرامة، وثمن أن نرفع رؤوسنا بين العالمين، ونقول: إلى هؤلاء ننتسب.. لماذا تكرهون الشعوب الأخرى المغلوبة على أمرها.. اللاهثة وراء أقواتها.. أو المخدَّرة في ترف مميت.. ويُقال لهم إن غاية المطلوب أن تدفع جزءًا من مالك لدعم الانتفاضة.. فيدفع قليلاً أو كثيرًا.. ثم يعود إلى حياته يلهث وراء اللقمة أو يشكو من التخمة!! من قال يا أختي إن الشباب العربي لا همَّ له سوى الفتيات و...؟!!
وأتابع – بحكم وظيفتي – في هذه الصفحة حركة الجنس العربي على الإنترنت، والعرب كانت لهم منتديات كثيرة تتناول الجنس بطرق مختلفة، ووسائل شتى، وهي متنوعة، منها ما هو الجاد الهادف، ومنها ما هو الهابط الذي يخاطب الغرائز... والملاحظة التي أقصدها هنا هي أن أغلب هذه المنتديات قد هجره أهله، وقلَّ الدخول إليه أو عليه منذ اندلاع الانتفاضة الأخيرة.. وبدلاً من نشاط هذه المنتديات، فقد بدأت منتديات أخرى الهدف منها مناصرة القضية الفلسطينية.. وما زالت هذه المنتديات ناشطة تتابع ما يجري عن كثب.. وتتناقل الأنباء والأفكار.
وهذا الموقف من الشباب العربي ليس غريبًا عليه.. فهو يتعطش للجنس بكل تأكيد، ولكن لا يوجد عندي تفسير لموقفه هذا غير أنه قد صار يعشق شيئًا آخر، أو على الأقل قد استحيى من نفسه، ومن ربه، ولا يراه أو يعرف به على الشبكة أحد، ولكنه توقف من تلقاء نفسه، وهو مجرد مثال ، ومنذ بدء الانتفاضة، وأنا أرى الشباب العربي - أو لنقُل الأغلبية - يترنحون من الألم، ويبحثون عن سبيل لإخراج هذه الأمة من الظلمات إلى النور، ولكن وعيهم ومهاراتهم بسيطة متواضعة، فهم لا يستطيعون مقاومةً بالساعد والسلاح.. هذا إذا كانت متاحة أصلاً؟!!
وهم لا يعرفون كيف تكون المقاومة السلمية المدنية الموجعة للعدو بطول الأرض وعرضها. لم يدربهم أحد، ولم يعلمهم أحد؛ ولذلك بقيت مشاعرهم حبيسة صدورهم، وصراخهم داخل غرفهم، أو داخل تلك الصالات المغلقة التي حُوصروا فيها.
تكرهين الشباب العربي.. لماذا؟!! ماذا بوسعهم أن يفعلوا إلا ما اتسع له واقعهم القابض، أو وعيهم البسيط من جهود المقاطعة للسلع، أو محاولات الدعم المتاحة، وغير أن عيونهم لا تكاد تجف، وكثير منهم حرم على نفسه الفرح الحقيقي حتى تفرحوا، وكسر نظرته لنفسه ولمستقبله وللعالم، وأصبح العيش في حلوقهم مرًّا حتى تنتصروا!!
أختي.. شهداؤكم أفضل منا ومنكم، ودماؤكم الزكية دَين في أعناق الأحرار المؤمنين إلى يوم النصر، أو يوم أن تنفتح في جدار الظلم أو أسوار الفصل بيننا وبينكم ثغرة.. فهل أنت حزينة على الشهداء وهم عند ربهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؟! أم أنك حزينة على المبتلين، وهم أهل الفضل كله، يوم القيامة، يؤتى بهم ويُجزل لهم العطاء حتى يتمنى أهل العافية في الدنيا لو أن أجسادهم كانت قرضت بالمقاريض أو نشرت بالمناشير حين يرون ما حلَّ بأهل البلاء في الدنيا من فضل يوم الدين.
هل أنت حزينة لأن مبادرة سلام تلوح بين وقت وآخر؟! وهل السلام إلا قرار فوقي يتخذه البعض لينساق وراءه الكل؟؟ أما المقاومة فهي قرار الناس.. وهكذا ستظل؟!!
فليتفاوض من شاء، وليضع الحبر على الورق، أما نحن فلن نبرح الأرض حتى يأذن الله تعالى بفجر بعد طول الليل، أو يحكم الله سبحانه لنا، وينصرنا على القوم الظالمين... أنت تشاهدين الموت الحقيقي فتتألمين، ونحن نعيشه يوميًّا في حياة بلا طعم أو لون أو رائحة.. ولا بأس أن يفقد "الدائخ" حياته حرقًا في قطار شحن كتل البشر إلى حشرها.. أو انفجارًا في طائرة لا نعرف حتى الآن من أسقطها ولماذا.. أو حتى في حادث سير مجنون.. أو تنهار فوق رأسه مع أسرته وذويه جدران بنايةٍ تَلاعب فيها المقاولون والمهندسون وموظفو تراخيص البناء وعماله فخرَّ السقف ليدفن الناس تحته أحيا
أيهما أشرف وأعظم؟؟ أن يسيل الدم أو تذهب الروح فيموت المرء شهيد التضحية والعزة والكرامة، أو أن يموت في بيته أو مصنعه أو مركبته شهيد الإهمال والفوضى والتخلف؟!! إذا لم يكـن من المـوت بـدّ ****** فمـن العـار أن تمـوت جبـانا، وأنتم في فلسطين تعلمون هذا، وتمارسونه، ونحن نحسدك.. والله نحسدكم.. ونتمنى لا أن تزول تلك النعمة عنكم، ولكن أن تعمنا أجمعين، فنموت مرفوعي الرأس بلا تنكيل.. والله اشتقنا للموت بلا تنكيل.
أختي.. الصورة مقلوبة في إدراكك تمامًا، فنحن والله نحتاجكم بأكثر مما نستطيع أن نضيف إلى ملحمة عزكم شيئًا... أيدينا مغلولة إلى أعناقنا، وحيلتنا قليلة، وألسنتنا مقطوعة، وعقولنا غائبة أو مغيبة، وليس هذا مبررًا لأي تقصير...
نرجوكم.. نتوسل إليكم.. أن تفهموا وضعنا، وأن تمدونا ببعض روحكم لعلَّنا نستطيع أن نفعل شيئًا لأنفسنا.. نخرج به مما نحن فيه.. ونستطيع معًا أن نفعل شيئًا من أجل فلسطين، ومن أجل هذا العالم البائس الذي يحتاج إلى روحكم، وأسلوب نضالكم، ويحتاج إلى استمرار صمودكم لينتصر الإنسان على الشر.
تعالوا أنتم - فهذا أسهل - وادخلوا بيوتنا، وأنديتنا، وتجمعاتنا في القاهرة، وبيروت، والدار البيضاء، والدوحة، والخرطوم... تعالوا لتعلموننا كيف يكون النضال بأبسط السبل، والصمود رغم قلَّة الإمكانات... تعالوا لنتعلم منكم أن الإنسان يمكن أن يعيش عزيزًا مرتاحًا، وهو لا يأكل إلا القليل الخشن من الطعام، ويلبس الرخيص القديم من الثياب، ويذهب في الصباح ولا يعرف هل سيعود على قدميه إلى بيته أم يواصل محمولاً على الأعناق إلى قبره.
أما التشاؤم والنظرة السلبية للحياة وغيرها من الأعراض التي تنتابك فهي طبيعية كرد فعل للمناخ الذي تعيشين فيه، إلا إذا أدت إلى تعويق أنشطة حياتك، أو التأثير على علاقاتك بمن حولك، أو إنجازاتك في دراستك، أو كانت مصحوبة بأوجاع جسمانية مزمنة، أو قلة في النوم، أو ضعف أو زيادة في الشهية، فعند ذلك تحتاجين إلى عون مباشر من طبيب متخصص؛ لأن هذه الأعراض – حين تخرج عن السيطرة - تحتاج إلى تدخل دوائي.. وعلاج نفسي، ولا تنسونا من صالح دعائكم.
ويمكنك مراجعة مشاكل سابقة لنا خاصة بالقضية الفلسطينية ، منها :
• حتى لا تضيع فلسطين مرتين
• بعض ضريبة الأمومة.. خصوصية فلسطين!
• من ضحايا الانتفاضة: فلسطيني في الشتات!
• الصمود الفلسطيني: دعم ودعوة ودعاية م1
كما نرجو منك قراءة قصيدة من لافتات الشاعر أحمد مطر وهي بعنوان طلب انتماء للعصر الحجري،
اللهم اجمع شملنا، ورد غائبنا، واشف مرضانا، وارحم شهداءنا، وألحقنا بهم غير خزايا ولا مفتونين.