كيف نورث أبنائنا القضية؟
أعتذر إذا لم يكن هذا هو المكان المناسب لمثل هذا السؤال، ولكن الموضوع يؤرقني ليل نهار منذ مدة.. أنا فلسطينية، ولدت وعشت حياتي كلها بعيدًا عن الوطن، تزوجت وأنجبت أبنائي في الغربة، باختصار شديد: "كيف نورث قضية فلسطين والأقصى لأبنائنا؟". كلنا يعلم أن مناهج الدراسة في الوطن العربي الممتد ليست إلا مناهج عقيمة لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تتعرض للقضية بأي حال إلا لمامًا؛ لذلك فإن هذه المسؤولية تقع على عاتقنا نحن الآباء والأمهات، لي من الأطفال ثلاثة أحاول أن أشرح لهم ما يجري أمامهم، ولكنني أشعر أن الأمر يتطلب أكثر من هذا، كيف أستطيع أن أزرع في نفوسهم حب الجهاد في سبيل الله بدل الخوف مما يرون من قتل اليهود لنا؟
كيف أوضح لهم أن القضية إسلامية، وليست فلسطينية فقط؟ كيف أغرس في نفوسهم حب الأقصى وفلسطين ونحن في هذه الغربة القاتلة التي ما زلت أستشعر مرارتها في حلقي رغم كل تلك السنين؟ أريدهم أن يشعروا بالغربة وأن يتذوقوا طعم المرارة حتى لا ينسوا؛ فإن المرء إذا عاش رغدا لم يتذكر أحدًا! هل بإمكانكم أن ترشدوني إلى بعض الكتب أو المواقع على الإنترنت التي تعينني على هذا الأمر، وبشكل بسيط بحيث أصل إلى عقولهم الصغيرة وقلوبهم المتفتحة؟
أظن الأمر يحتاج إلى عمل مكثف؛ حتى لا تضيع فلسطين مرتين: مرة عند احتلالها، ومرة من قلوب أبنائها،
جزاكم الله كل خير.
25/1/2023
رد المستشار
أختي الكريمة، هذه الصفحة أخذت على عاتقها أن تفتح صدرها، وتشغل عقلها وضمير الفريق القائم عليها بمشكلات الشباب، فهل يعني هذا أننا بعيدون عن هموم الأمة في مجموعها؟
على هذه الصفحة ناقشنا مشكلات الشباب من غرفة النوم إلى التأخر الدراسي بسبب الاندراج في الانتفاضة، ومن العلاقة بين الجنسين إلى الحياة في ظل أنظمة سياسية مستبدة، وإذا كنا لا نتوقف، ولم نتردد في الإجابة على كل ما يدور في حياتنا ورؤوس شبابنا من مشكلات.. فكيف لا ننشغل بفلسطين، وهي محور الصراع الوجودي لنا جميعًا بحيث نكون أو لا نكون.
ليست فلسطين يا أختي مجرد قطعة أرض نعيش فيها، أو خارجها –حسب الظروف- ولكنها قضية تعيش فينا، ونعيش بها ولها، ونعيشها حيثما كنا إن أردنا أن نكون أوفياء لما ننتمي إليه، ولما نحن عليه.
أختي، ما يقال كثير، لكنني سأقتصر على ما تتساءلين بشأنه، وأقول لك: إن الذاكرة هي خط الدفاع الأول، والذاكرة بصرية وسمعية وشعورية، ولقد فقدنا القدرة تدريجيًا على "الحكي" أي قص الحكايات، وهو أسلوب بسيط للغاية في بناء خيال خصب، وذاكرة حية، وكانت الجدات والأمهات في السابق يتوارثن الحكايات عن الوطن وعن الظلم، وعن الإيمان وعن الكفر في صورة حيوانات طيبة، وأخرى شريرة، أو غير ذلك من الوسائط التي تحمل القيم والمعاني المطلوب التوجيه إليها.
ورغم وجود تقنيات الفيديو والكمبيوتر فما زال الأطفال يحبون "الحكي"، ولكن الأمهات فقدن هذه المهارة، وينبغي عليهن أن يستعدنها.
أختي.. امرأة في الثلاثينات من عمرها –في مثل سنك تقريبًا- تقلب العالم اليوم بحكاياتها الخيالية التي تحقق أعلى نسبة مبيعات في كل أقطار الدنيا، وتترجم أعمالها اليوم إلى كل اللغات، وقريبًا تسمعين عنها –إن لم تكوني قد سمعت عنها بالفعل- وهي كاتبة قصص "هاري بوتر"، بدأت هذه المرأة الهاوية –التي لم يكن لها سابقة تأليف أو كتابة- تتسلى بالسرد والتأليف من خيالها، ومن مخزون ثقافتها العادية، فأخرجت شخصية "هاري بوتر"، وبدأت تنسج حوله وبه القصص فملأت الدنيا، وشغلت الناس.
وأقول لنفسي: هل عقمت عقولنا يا رب أن يخرج منا –نساءً ورجالاً- من يحكي لنا، وينسج من الخيال والثقافة قصصًا عن فلسطين وغيرها مما يزرع في نفوسنا ونفوس أبناءنا حب الحياة الكريمة الشريفة، وحب الموت الكريم الشريف، وتكون رسالة أدبية إبداعية للعالم كله تؤكد أن فلسطين هي قضية الإنسانية كلها، وهي تبحث عن الخير والحق والعدل لتنحاز إليه ضد الباطل والظلم والفساد في الأرض، وأن فلسطين هي أرض الأنبياء، والقدس هي مدينة كل المؤمنين بالله، والاعتداء عليها، وتغيير معالمها هو انتهاك لاعتقاد ومقدسات كل المؤمنين بما ينبغي أن يتكاتفوا سويًّا لإيقافه.
ليست قضية فلسطين –إذن- قضية شعب فقط، أو قضية إسلامية فحسب، ولكنها أوسع من هذا بكثير، ونحن نريد أن نناضل ونجاهد، ونعلم أبناءنا –والدنيا كلها- أين الحق والعدل؟، وأين الباطل والظلم؟.
ووسائلنا في ذلك كثيرة من الحكاية البسيطة، إلى الصورة المعبرة، والأنشودة، والمسرحية، وشريط السينما، وقرص الكمبيوتر، وقصيدة الشعر، ولوحة الرسم، وحتى الأكلات والأزياء والأذواق الحياتية في العيش بأحواله كلها تبني الذاكرة، وكلها تبني الإنسان.
آخر حلقات المعركة فقط هو ما يدور في الميدان، أما النفوس والذاكرة، والفنون، والثقافة فهي ميادين نضال كل الناس في كل مكان، ولسنا أقل من أهل جنوب إفريقيا التي ناضل شعبها الأعزل ضد التمييز العنصري، والقبضة الحديدية للأقلية البيضاء طوال عقود من الزمن حتى انتصروا في النهاية.
ليس معقولاً، ولا متصورًا أن كل الناس قادرون على حمل السلاح، ولكن كل الناس في كل مكان يستطيعون الجهاد بوسائل شتى، وأنا أفتح الباب للاقتراحات بشأن أسلحة الناس للذاكرة والوعي، واستمرار النضال حتى النصر أو الشهادة. وجزاك الله خيرًا.
اقرئي على مجانين:
دماغي محتاج تجميع: ثمن الصمود الفلسطيني
صلوات وأغاني، ثمن الصمود مشاركة
يد بيد..فلسطين وما يستَجَـد