السلام عليكم
أنا امرأة في الثانية والأربعين من عمري، ولم أتزوج حتى الآن بسبب تعنت أبي شديد الثراء؛ الذي يعتقد أن كل من يطلب يدي طامع في ماله.
باختصار شديد: لجأت إلى العادة السرية منذ كنت في الثالثة والعشرين، وأشعر منذ البداية بالإثم والخزي، ولا أستطيع التوقف. اعتمرت، وحججت، وعاهدت الله ألا أعود، لكنني عدت ثانية.
أريد منكم أن تخبرونني: هل أنا مذنبة وعاصية وسأحترق في جهنم؟ هل ذنبي أن المجتمع أصبح يعتبرني "عانسا"، وانتهت صلاحيتي لأي شيء؟ هل ستصيبني هذه العادة بأمراض في المناعة وبأمراض نسائية كما تزعم محفظة القرآن في المسجد؟
صدقوني أنا لم أرتكب خطيئة أبدا، وأنا محجبة وأصلي وأصوم، لكنني معذبة، وروحي مثقلة
أغيثوني جزاكم الله خيرا.
17/2/2023
رد المستشار
الأخت الكريمة، عندما تلقيت رسالتك جلست أتأملها وأنا أشعر بالهم يعتصرني، وأشعر بغصة في حلقي، شعرت بنار الغضب تشتعل في صدري، وأنا أتمنى أن تتحول هذه النار لتحرق كل ما يحكمنا من تقاليد وأعراف بالية ما أنزل الله بها من سلطان.
وفى أثناء الثورة المكتومة بداخلي وأنا أتخيل معاناتك، وودت لو أنني التقيت بوالدك لأناقشه وأحاوره، وأنا أحمل تساؤلاتي الحائرة: كيف هانت عليك ابنتك؟ بأي منطق تسول لك نفسك أن تحرمها من سبل السعادة؟ وكيف تتركها تتضور جوعا في ظل مجتمع لا يرحم، وأنت الأب الثري القادر على أن يوفر بماله كل سبل السعادة لفلذات أكباده؟ وما هو المبرر الذي وضعته لنفسك ليهون عليك من شأن تخاذلك وتقاعسك عن تلمس سبل سعادة ابنتك؟ أين رمز العطاء والتفاني؟ أين الأب الذي تعارفنا على أنه إيثار بلا حدود وعطاء بلا انقطاع؟ أين الأب الذي يتلمس نظرات السعادة والرضا في عيون الأبناء، وهو يعتقد أن هذه النظرات أفضل جزاء ويعتبرها الحياة والسعادة وكل شيء بالنسبة له؟
ثم ما هذا المال الذي ارتفع شأنه وشأن الحفاظ عليه؟ ما قيمة هذا المال إذا لم يوفر لأصحابه سبل السعادة؟ ما قيمة هذا المال الذي أصبحنا نقيِّم الناس على أساسه ونقول مع القائلين "اللي معاه قرش يساوي قرش"؟ لماذا أهملنا الميزان الذي وضعه الله لنا للتفاضل بين الناس على أساس "التقوى" بكل ما تعنيه هذه الكلمة "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ"؟ هل تراني مبالغه إذا قلت: إن المال أصبح سببا رئيسيا من أسباب معاناتنا! فالفقير لا يجد المال ليحقق طموحاته ومنها الزواج، والثري يعتبر كل من يقترب منه طامعا في ماله! والحل أن نضع المال في حجمه الطبيعي، وأن ندرك أنه وسيله لبلوغ الأهداف وليس غاية في حد ذاته؛ حتى لا يتحول إلى سجن 5 نجوم، ولكنه بلا أي منافذ، سجن ندخل فيه بإرادتنا؛ لأنه سجن جميل من الخارج، وعندما ندخل وتغلق الأبواب ندرك الحقيقة؛ فهو سجن خانق وبارد وقاتل؛ فهل منا من يتحمل العيش في سجن كهذا؟!!
معذرة أختي الحبيبة؛ فأنا أعلم أن والدك قد لا يقرأ هذه الكلمات؛ لأنه محبوس في سجنه الاختياري ومشغول بجمع المال والحفاظ عليه، ولكنها كلمات قد تنفع غيره؛ ويكفينا أننا حاولنا أن نخرج شحنة الغضب المكتوم بداخلنا. تمنيت أيضا وأنا أقرأ كلماتك القليلة التي تعبر بصدق عن آلامك أن أرتدي روب المحاماة، وأنصب نفسي مدافعه عنك أمام المجتمع الذي يضغط عليك وعلى أمثالك ممن تأخر بهن سن الزواج، هل للفتاة ذنب في ذلك؟ فلنمد يد العون لهؤلاء الفتيات بشكل أو بآخر، أو لنتركهن في حالهن ونكفّ عن أن نَصِمهن بهذه اللفظة الكريهة التي لا أحب أن أكررها، ولنكف عن تجريحهن بنظرات الإشفاق. أختي الحبيبة، هوني عليك؛ فليس لك ذنب فيما تكابدينه من عذاب، الذنب هو ذنب والدك والمجتمع الذي يضغط عليك، وذنب من يتطوع للفتيا بغير علم (فمصيبتنا تكمن في كثير من الأحيان في "أبو العريف" الذي يتصور أنه يعلم كل شيء عن كل شيء؛ فهو طبيب أكثر من الأطباء، وفقيه أعلم من الفقهاء)
لم أسمع –وأنا بالمناسبة طبيبة– بأن الاستمناء يؤدي لأمراض المناعة!! فاسألي محفظة القرآن عن هذه الأمراض، واسأليها أيضا عن ماهية الأمراض النسائية التي تزعم أنها تصيب من تمارس العادة السرية!! لسنا موقعا للفتوى، ولكن الثابت أن العلماء اختلفوا في حكم الاستمناء، ولكنهم أجمعوا على أنه قد يكون واجبا إذا ضغطت الشهوة على صاحبها ولم يجد لها مصرفا غير ذلك، وخشي على نفسه من الوقوع في الفاحشة، والفاروق عمر -رضي الله عنه وأرضاه- لم يطبق حد السرقة في عام المجاعة؛ لأنه تفهم مقاصد وروح الإسلام؛ فالإسلام ليس نصوصا جافة لا رحمة فيها ولا عدل، الإسلام بروعته وبكماله ينمّ عن عظمة خالقنا، وقناعتنا أن الله -سبحانه- أرحم بعباده من عمر، فكيف يحرق الله بالنار من يتضور جوعا وتضغط عليه شهوته، ولا يجد لها مصرفا إلا الاستمناء؟!!
هوني عليك –أختي الحبيبة- وكل ما أطلبه منك ألا تستدعي شهوتك وأن تتجنبي قدر الإمكان التعرض للمثيرات، وأن تستغفري ربك وتعاهديه من اليوم على الانضمام لحزب "مقاومة المسخرة" بموقعنا هذا، وأن تبدئي برنامجا عمليا للتخلص من هذه العادة، والكثير منها موجود على صفحتنا هذه، وأن تشغلي ذهنك ووقتك بما يفيد من أعمال الخير والهوايات؛ فإذا ضعفت مقاومتك مرة فضعي الأمور في نصابها، ولا يخدعنك الشيطان بفقدان الأمل، ولكن لنبدأ من جديد؛ فقد ورد عن الرسول الكريم "أن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها".
الأخت الكريمة، في تصوري أن خطأك الوحيد هو أنك استسلمت للأمر الواقع الذي فُرض عليك، ولم تحاولي تغييره، وللأسف فهذا مسلك الكثير منا رجالا ونساء، ويزداد الأمر سوءا بين النساء، فانفُضي عنك رداء السلبية، واسلكي كل السبل المشروعة لتغيير الأمر الواقع؛ بداية من محاورة الوالد ومناقشته بكل هدوء وأدب، أو الاستعانة بمن له كلمة مسموعة عنده من الأقارب (عم أو خال مثلا)، وفى هذه الأثناء التمسي العون من الله سبحانه، فإذا لم تفلح هذه المحاولات فاطلبي من أحدهم أن يمد يد العون لك ليخرجك من هذا السجن، ويعاونك في اختيار الزوج المناسب ممن يتقدمون إليك، ويزوجك بمن ترجح حسابات العقل والقلب معا الارتباط به، وقد يكون من المناسب لك أن تقبلي الزواج من أرمل أو مطلق. والخلاصة أن عليك أن تنزعي عنك قيود الثروة والمال التي تقتلك، واتركي والدك يستمتع بها كيف يشاء، واعملي على أن تعيشي حياتك وتستمتعي بها، وكفي عن ترديد أنك امرأة انتهت صلاحيتها؛ فللإنسان أن يسعد بحياته ما بقي على وجه الأرض،
وأتمنى أن أسعد بسماع أجمل الأخبار عنك في القريب العاجل، وتمنياتي لك بالسعادة الدائمة.
ويتبع >>>>>>: انتهاء الصلاحية ... بين العنوسة والعادة السرية مشاركة
التعليق: إن كان الأب فعلا كما تقولين ويتقدم لك أحد وأنت موافقة والمتقدم كفء وصالح والأب يرفض لهذه الأسباب ويمنعك من حقك ففي هذه الحالة يكون الأب معضلا، وتنتقل الولاية لمن بعده الأقرب فالأقرب كالأخ أو العم ولك أن ترفعي أمرك للقاضي وتطلبين حقك من غير إساءة للوالد، فهذا حقك شرعا وليس من حق والدك أن يعضلك ويحرمك من هذا الحق طالما أن المتقدم ذا دين وخلق.
اسألي مراكز الفتوى عندكم ولا تسكتي على هذا الأمر وهناك من تتزوج فى سن الـ60 فلا تيأسي أبدا فكل شيء مكتوب ومقدر قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: "إذا منع الولي تزويج امرأة بخاطب كفء في دينه وخلقه فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة الأولى فالأولى، فإن أبوا أن يزوجوه كما هو الغالب، فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي، ويزوج المرأة الحاكم الشرعي، ويجب عليه إن وصلت القضية إليه وعلم أن أولياءها قد امتنعوا عن تزويجها أن يزوجها لأن له ولاية عامة ما دامت لم تحصل الولاية الخاصة.