السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
في البداية أود أن أشكركم على هذه الموقع الرائع الذي تتابعه أختي منذ بداية ظهوره على الإنترنت وأتابعه منذ ما يقارب 10 سنوات، خاصة صفحة الاستشارات التي أتابعها باستمرار يوميًّا .. حتى وإن لم تكن هناك مشاكل وردود جديدة .. ما لفت نظري أكثر من أي شيء آخر مشاكل الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي، وأشكر لكم جهودكم في مساعدة هؤلاء الفتيات، وأنا من ضمنهم.. لكن ما يجب أن تعرفوه أننا لا نستطيع نسيان هذا الشيء أبدًا .. فكيف تتوقعون من طفلة في السادسة من عمرها يقوم باغتصابها شخص هو صديق للعائلة وقريب منها عدة مرات نسيان ذلك.
وإلى الآن لا أحد يعرف شيئًا عن هذه الحادثة إلا الله، وأنا بلغت من العمر 25 سنة وإلى الآن لا أستطيع نسيان هذا الكابوس الذي يراودني كل ليلة، وأفكر فيه وأشعر به وبآلامه، تألمت كثيرًا، ترجيته أن يوقف ذلك، لكنه لم يستمع لي .. أتمنى أن يكون لي أطفال، فأنا أحب الأطفال كثيرًا، لكني في نفس الوقت لا أريد الزواج وأخافه، وأخاف من كل شيء، ولا أعرف إن كنت عذراء للآن أم لا؟ ولا أريد أن أعرف؛ لأنني لن أتزوج
تقدم لي الكثيرون من جميع المستويات وبشهادة الجميع، وليس غرورًا مني أعرف أنني جميلة جدًّا ومرغوبة، ومتعلمة وجامعية .. وأنا أحب شخصًا وهو يبادلني هذا الحب، ويتمنى أن يتزوجني منذ سنتين، وهو فعلا إنسان تتمناه كل فتاة، ويتمنى مني الموافقة على الزواج منه، لكنني لا أستطيع، لا أستطيع أحبه كثيرًا، ولا أتخيله يقوم بإيذائي؛ لأنني سأكرهه
إن تساءلتَ: لِمَ أبعث لك بهذه الرسالة التي أكتب فيها للمرة الأولي في حياتي عن هذه المشكلة؟
فأنا نفسي لا أعرف .. ولقد تعبت كثيرًا كثيرًا
27/3/2023
رد المستشار
الأخت الفاضلة، انفجرت فينا الأمراض التي كانت متجاهَلة، ومسكوتًا عنها!!
وكل يوم نتعثر في لغم جديد، ونحن عازمون على المواصلة بإذن الله، فمن لمن انتهك عرضها؟! ومن لمن ضاقت عليه الأرض بما رحبت؟! ومن للشباب الحيارى، والفتيات المجروحات مِن الحبيب الغادر، أو مِن الآباء المهملين، أو الأمهات الغافلات؟! نحن لها بإذن الله.
وبعد شكري لك على ثقتك بنا حتى فتحت لنا قلبك، وكتبت لنا بالسر الكبير في حياتك، أرجو أن تشتركي معنا في التفكير حول سبيل المعالجة الفعالة لقضية "الاعتداء الجنسي على الإناث" .. نفكر فعلاً بعمل بحث علمي منضبط لهذه الظاهرة، قد يكون من خلال أطروحة دكتوراة في إحدى الجامعات العربية تستهدف استكشاف أبعاد القضية من خلال حالات واقعية، وتحليل علمي منهجي، هذه الدراسة ستكون أساساً منضبطاً للانطلاق في التعاطي مع المشكلة تشخيصاً وعلاجاً.
العقبة الأكبر في طريق هذه الخطة ستتمثل في تجميع عدد معقول من الحالات يصلح ليكون موافياً لشروط الضبط المنهجي المطلوب لأية دراسة علمية؛ فما هي اقتراحاتك بهذا الصدد؟!
كما أنني أرجو ممن تعرضت لمثل هذا الاعتداء أن تتصل بنا لبحث سبل التواصل، والمضي في هذا التفكير الطموح مع التعهد ـ طبعاً ـ بالحفاظ على سرية المعلومات، وخصوصية الأسرار، وأحب أن أقول لك يا أختي: إن الهدف من علاج مثل هذه الحالات لا يكون نسيان الحادثة، ولكنه يكون بالتعامل معها على كونها خبرة مؤلمة مرت، ووضعها في حجمها بحيث لا تكون حائلاً دون استمرار الحياة، إذا حدثت لأحدنا "حادثة سير"، وأصيب خلالها ـ لا قدر الله ـ بإصابات متعددة.. هل تكون هذه الحادثة هي نهاية الحياة؟! هل من الممكن أن نطلب منه أن ينساها؟!
لا.. ولكن المطلوب أن يتجاوزها، ويضعها في حجمها، ومكانها في الذاكرة بين أفراح الحياة الأخرى، وأحزانها، ويخرج من حالة العجز والشلل النفسي والعاطفي التي أصابته الحادثة بها.. هناك برامج علاجية نقوم بتطبيقها بالفعل على بعض الحالات "بشكل فردي" وتأتي بنتائج طيبة للغاية تعود فيها الضحية إلى ممارسة حياتها بشكل يقترب من الطبيعي، وتصبح فيها الحادثة مجرد ذكرى.
جانب آخر يستحق الاهتمام، ويكمن في التفكير في تشديد عقوبة انتهاك العرض للأطفال، وهو الجانب الذي يبقى غائباً؛ فتعيش الضحية بوصمة العار إلى الأبد بدافع الخوف أو غيره، ويسعى المجرم إلى غيرها، أو على الأقل ينجو بفعلته.
ولا يفلح قوم ضاع الحق بينهم يا أختي، والعرض هو حق الله وحق الأسرة قبل أن يكون حق الضحية وحدها؛ حيث تستقل بتقدير عقاب المجرم أو مسامحته، بمعنى أنه ليس من صلاحيات الضحية أن تستقل بالغفران للمجرم، والتغاضي عن فعله؛ لأنه لم يخطئ في حقها وحدها؛ لذا يلزم أن ينال المجرم عقابه ليكون عبرة للآخرين، وليكن هدفنا إيقاف هذه الممارسة الخبيثة المتفشية في مجتمعاتنا، والمسكوت عنها لأسباب مفهومة تفسر، ولكنها لا تبرر استمرار الصمت على هذا المنكر.
مرحباً باقتراحاتك، وكوني على صلة بنا.. حتى يفتح الله علينا ـ وربما بنا ـ فنتعاون جميعاً في درء هذه المفسدة: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان" صدق الله العظيم.