تحياتي إلى كل القائمين على هذه الصفحة الرائعة..
أنا شاب أبلغ من العمر 17 عاما ومشكلتي باختصار هي عدم التفاهم والاصطدام دائما بآراء الآخرين، رغم أني ناجح جدا في الدراسة.
ومشكلتي الأخرى هي أنني لم أستطع تكوين أي علاقة مع الجنس الآخر ولو حتى مجرد الكلام، فكأن حولي سياجا ينفّر كل من يحاول أن يقترب مني. أحببت فتاة في غير معصية الله ولا نية سوء، وأريدها أن تعرف لكني خائف ومتردد؛ فمكانتي الدراسية تمنعني إلا أن أكون قويا عنيدا يجب ألا يستجيب لهذا (الكلام الفاضي). وبدأت أفكر في ذلك كثيرا، ولست من النوع الذي يفضل ترك الأمور دون حسمها.
أفيدوني ماذا أفعل؟
وشكراااااااااااا
28/8/2023
رد المستشار
الابن الكريم.. الإنسان يمر بمراحل عدة أثناء حياته على هذه الأرض، ويفيده جدا في كل مرحلة من مراحل حياته أن يتعرف على طبيعة هذه المرحلة التي يمر بها وسماتها وكيفية التعامل مع هذه السمات، فهل تدرك يا بني أنك الآن تمر بالجسر الذي يعبره كل منا لينتقل من مرحلة الطفولة بكل براءتها إلى مرحلة النضج والرجولة.
هذا الجسر تعارفنا على تسميته بـ "مرحلة المراهقة"، وإن كنت لا أفضل هذا الاسم؛ لأنه مشتق من "رهق" ليدل على الإرهاق والتعب والأرق الذي قد يسببه الناشئ الصغير لمن حوله إذا لم يحسنوا تفهم طبيعة المرحلة التي يمر بها ويدركوا أهمية التعامل السوي معها.
المهم أن هذه المرحلة تتميز -فيما تتميز به- برغبة الشباب في التأكد من تحقق الذات، وإثبات أنهم أصبحوا كبارا لهم آراؤهم، وأنهم لم يعودوا أطفالا يتحكم فيهم الكبار. ورغبتهم هذه تدفعهم للعناد إذا لم يتفهم من حولهم هذه الرغبة، أو شعروا أن من حولهم من الكبار يسفه آراءهم أو يستهزئ بها، ومع هذه الرغبة قد يشعر الشاب بنوع من رفض لذاته، وكذلك عدم الثقة بها.
ومما يضاعف من فقدانه لثقته في نفسه الرغبة الفطرية والميل الطبيعي الذي يتولد عنده للجنس الآخر إذا لم يجد من يستجيب له أو يتقرب له من هذا الجنس، وأعتقد أن هذه الخلفية -التي حاولت أن أرسمها- توضح لك طبيعة المرحلة التي تمر بها، والتغيرات التي تشهدها حياتك.
والمشكلة ليست في هذه السمات والتغيرات، ولكن المشكلة تكمن في كيفية التعامل مع هذه التغيرات، وهذا ما سأحاول أن أتحدث عنه في السطور القادمة.
ولنبدأ بالموضوع الأسهل، وهو موضوع الفتاة التي تتصور أنك تحبها وتريد أن تخبرها، وأسألك يا بني: لماذا تريد أن تخبرها، وما الهدف من هذا؟ هل تنوي الارتباط بها في المستقبل القريب؟ وهل أنت مستعد ومؤهل لهذا الارتباط؟ أعتقد أن الإجابة ستكون: بالطبع لا.
من الواضح أنك من الشباب الجاد الذي لا يحب اللهو، ولا يريد أن يرتكب إثما، إذن لن يمكنك الارتباط بها لظروفك المادية والدراسية، ولن يمكنك تطوير العلاقة بدون ارتباط؛ لأن التزامك الديني والأخلاقي يمنعك من هذا، وهذا الالتزام -بالمناسبة- يستوجب مني ومن كل عاقل كل تشجيع ودعم وتحية، ولا يوجد مبرر حتى الآن لإخبارها إلا أنك تريد أن تحجزها لتكون لك عندما تصبح أمورك ميسرة، ولكن ماذا تفعل لو وجدت في طريقك فتاة أخرى أفضل منها، ووجدت قلبك يتعلق بها ويعزف عن الأولى؟!!
يا بني.. إن ما تشعر به ليس حبا، ولكنه إعجاب، كلنا شعرنا به ومر بنا في هذه السنوات الغضة البريئة، نتصوره حبا، ولكنه لا يتعدى الإعجاب النابع من الميل الفطري للتواصل مع الجنس الآخر، ومع مرور سنوات العمر ستكتشف أنه لم يكن حبا بالمعنى المفهوم، وسيصادفك حب أكثر نضجا، وساعتها ستتذكر كلماتي وتدرك الصدق فيها.
أما بالنسبة لمشكلتك الثانية والتي تتحدث فيها عن كونك تصطدم مع آراء الغير، فما أراه حلا لهذه المشكلة هو أن تذكر نفسك دائما بأهمية ألا تتعصب لرأيك، وأن تعرض وجهة نظرك بموضوعية، وأن تعمل عقلك وتسعى لاكتساب المعارف والثقافات التي تعينك على تقوية ودعم حجتك، على أن تتعلم آداب الحوار مع الآخرين، وأهمها على الإطلاق أن تتعلم الإنصات، وأن تلتقط نقاط الاتفاق بينك وبين غيرك وتبني عليها حوارك، وتؤجل نقاط الاختلاف ما لم تدفعك الظروف لهذا.
ومن أروع ما قرأته من حوارات حوار جعفر بن أبي طالب مع النجاشي ملك الحبشة عندما جاءه عمرو بن العاص يطلب رد المهاجرين من المسلمين إلى مكة، فما كان من جعفر إلا أن بدأ حواره بذكر مثالب الجاهلية التي دفعتهم لمفارقة دين الآباء، ثم ذكر القيم والأخلاق التي جاء بها الإسلام والتي يتفق فيها مع النصرانية، وقرأ بعد ذلك آيات من سورة مريم، ولم يتطرق إطلاقا في اللقاء الأول لنقاط الاختلاف مع النصرانية، ولكنه في اليوم التالي عندما دفع دفعا للتطرق لهذه النقاط لم يسعه إلا أن يقول ما يقتنع بأنه حق.
ابني الكريم، جميل أن تحرص على التفوق الدراسي، ولكنك عليك أيضا أن تسعى جاهدا لتنمية جوانب شخصيتك؛ لأن هذا هو السبيل الوحيد لبث الثقة في النفس، فاحرص على تنمية هواياتك، واحرص أيضا على تنمية مداركك بالقراءة الواعية الناقدة، نمّ نفسك اجتماعيا بالمشاركة في المعسكرات والأنشطة الشبابية والتطوعية، وابحث عن الفن الراقي الهادف، وانفتح واطلع على ثقافات العالم، والإنترنت تتيح هذا لكل راغب، وتذكر أن هذه السنوات هي أفضل سنوات العمر، حيث الفراغ والصحة والعقل المتقد فلا تضيعها في الكسل أو في البكاء على أنه لا يوجد لك علاقات نسائية، فشخصيتك المتميزة وهدوءك وحلمك وجميل صفاتك كل ذلك سيكون -بعون من الله وفضل- أهم عناصر لجذب من حولك.
وتذكر قول الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-: "اغتنم خمسا قبل خمس: ومنها فراغك قبل شغلك، وصحتك قبل مرضك، وشبابك قبل هرمك". وتابعنا بالتطورات.