سلام الله عليك وعلى القائمين على هذا الموقع الرائع، وجزاكم الله كل الخير على ما تقدمونه، وجعله الله في ميزان حسناتكم..
أختي في الله اسمحي لي أن أبدأ بسرد ما قد يخطر في بالي؛ لأنني سعيت إلى ترتيب أفكاري إلا أنني لم أنجح في ذلك، وربما أنه هنا تكمن المشكلة الرئيسية عندي، هي عجزي عن ترتيب أفكاري وأهدافي أيضا والتخبط الدائم والخوف من مرور الوقت دون تحقيقها؛ مما ترتب عليها ما أنا به الآن.
بداية أنا فتاة في بداية الثلاثينيات، البنت الكبرى في البيت، لي من الإخوة والأخوات الكثير؛ ثلاثة منهم أشقاء، انفصل أبي عن أمي تقريبا وأنا طفلة، مشكلاتي متعددة، كنت في السابق أعرف ماذا أريد، كنت أحمل من الطموحات والأحلام الكثيرة، وكنت على استعداد لبذل المجهود لنيلها، لكن لا أعلم كيف مضى العمر ولم أنجز سوى الشيء القليل، ربما يجدر بي شكر الله على ما أنا فيه، ولكن كما قلت لك كنت على استعداد لبذل المجهود الكبير، ولكني كنت في تخبط دائم، فلم يكن هناك من مرشد لي في التفكير والتخطيط للمستقبل سوى ما يمليه علي تفكيري حينها.
أمي امرأة مضحية لأبعد الحدود، أمضت عمرها تضحي لأجلنا ولأجل إخوتها من قبل، صبرت مع أبي على محدودية دخله، كانت نعم الأم والزوجة إلا أنها لم تكن بالمتعلمة التي تستطيع مجاراة تقلبات الزمان والناس، فانتهى زواجها من أبي الذي يصغرها بالسن بخيانة أبي لها، لا أعلم بالضبط حدود علاقته بها، ولم أسع لكي أعلم، انتهى الطلاق بمشاكل إذ وافق أبي على شرط ألا ينفق علينا بحجة أنه لا يستطيع، ومن ثم تزوج بأخرى، وقد انتهت بالطلاق أيضا بعد إنجابه منها، ونفس الشيء لم يتحمل أبي مسؤولية الإنفاق عليهم، وتزوج بالثالثة، وأصبح يريد أن ينجب من الأولاد دون توقف، مع محدودية دخله، وليس هذا فحسب، بل بات يتنقل من وظيفة لأخرى بتركها من طرفه وبمحض إرادته، إلى أن انتهى به المطاف في الجلوس بالبيت، ومحاولة أخذ راتب من الحكومة.
بالتأكيد ما كان الراتب ليكفي لسد الاحتياجات الأساسية لهم، ومع هذا كان يريد أن يستمر بإنجاب العديد من الأبناء، وبعض الأحيان كان يأخذ قروضا ويعجز عن السداد، وتقدم الشيكات للمحكمة ونضطر للوقوف معه، مساندة له، وخوفا على سمعتنا من المساس بها. كل هذا ولم أكن أتوقف عن تقديم النصح له بضرورة ألا يترك وظائفه، فقد كان يعمل بكبرى الشركات بالبلد، وأن يكتفي بما عنده من الأبناء، وأن يحسن من علاقته معهم، لكن دون جدوى؛ لأنه ومع كل هذا كان أبي يرى أنه على صواب دائما، ويصر على ما يقوم به بمبررات لا أعلم من أين يأتي بها!!.
كبرنا في حضن أمي وأخوالي، ولم يبخلوا علينا، ولكن بقي يؤرقنا من الداخل فكرة أن من ينفق علينا ليس أبي، وأن من تعاملوا مع أبي بهذا الشكل علينا احترامهم وتقديرهم!! فأصبحت صورة الأب تهتز كثيرا من داخلنا، وأصبحت أجتهد لإنجاح فكرة تواصل إخوتي مع أبي؛ لأنهم كانوا صغارا، ولم ينشئوا معه فباتوا يرفضونه، أبي لم يكن سيئا في طريقة تعامله معنا لدرجة أن نكرهه، ولكن كرهناه من صورة الأب المهتزة، لم يجتهد كثيرا في السؤال عنا، وكنت أشعر بأننا نجتهد في البعد عنه، ومنا من كان يخجل من فكرة الطلاق، ومنا من كان يخجل من فكرة زواجه، وأن يكون لنا إخوة غير أشقاء، وأحيانا كنت أشعر بأنني وأخي نخشى من تحمل مسؤولية إخوتي من أبي بما فيهم من يعيشون معه، وكانت ظروفنا المادية لا تساعدنا نهائيا على أن نحاول مساعدتهم أو حتى التواصل معهم.
بالنسبة لأمي كانت حنونة جدا علينا، ولكن وللأسف لم تكن بصاحبة الشخصية القوية التي تحزم وتجزم في تعاملها معنا أو مع غيرنا، فأصبحنا مع الوقت لا نشعر بالاستقرار أبدا، فقد كانت في كثير من الأحيان تفضل مصلحة إخوتها على مصالحنا دون أن تشعر، فقد ورثت أمي بعض الأملاك البسيطة من جدي، والتي كانت قادرة على أن تحقق لنا الاستقرار المادي الذي يجعلنا في غنى عن مساعدة الآخرين، ولكن لطيبة أمي ولقلة خبرتها، نشأنا في حالة عوز دائم.
أخي لم يكمل تعليمه؛ لأن أمي "استهترت" في تربيته، ولم تعلمه تحمل المسؤولية، ومن ثم رافق أصدقاء السوء، وأصبح وللأسف الشديد مدمنا للمخدرات، وهذه من المشاكل الأساسية التي حثتني للإرسال لكم، أخي لم يكن في يوم ما شابا منحرفا؛ فهو خجول جدا، وتعود على الصلاة والصيام منذ الصغر، وذكي في دراسته، ولكنه مهمل بها، وعندما حاورته بخصوص ما وصل له، بيَّن لي أنه لم يكن يعلم عن تأثير المخدرات على الجسم، أو حتى حرمتها إلا في وقت متأخر.
كنا في السابق أنا وإخوتي نحذر أمي من رفقة أخي، ولأنهم من أقاربها وشخصيتها ضعيفة تجاههم كانت لا تأخذ بكلامنا ولا تفعل شيئا، أخي لم يكمل تعليمه، وأتقن مهنة صناعية، لكنه بعد المخدرات أهمل عمله وصحته، وبعد مشادات كثيرة، ومحاولات منا باءت بالفشل أن نوقفه، ولجهلنا الطريقة واتباع الأسلوب الصحيح في مثل هذه الحالات تم الإيقاع بأخي في السجن، وأصبح أخي من أصحاب السوابق، وكان من قبل يخشى دخول السجن، ولكن بعد الذي حصل لم يعد يأبه لشيء، بالإضافة لتوسع دائرة معارفه، و و....
وها نحن بعد مضي عشر سنوات أخي كما هو، بالرغم من أنني أحضرت له اسما لأحد الأطباء الذين تبرعوا لعلاج أمثاله بالمجان مع وجود بعض المصاريف التي يجب أن نتحملها نحن أيضا، ولكن أخي ما زال مترددا، لجأت لأبي فلم تحل المشكلة، ولجأت للشرطة كذلك لم تحل، بل عمد أحدهم إلى استغلال الموضوع للفوز بقضية على حسابنا، جو البيت أصبح كئيبا جدا، نتصور موت أخي بأي دقيقة.
وأخي عاطل عن العمل، أصبحت لا أطيق البيت؛ لأنني كلما رأيته أشعر بضيق كبير.. بالإضافة للعبء المادي الذي تسبب لنا به.. وأصبحت أنا غالبا وبطريقة غير مباشرة المنوطة بأمور البيت، والتي يستوجب عليها محاورة أقاربي في حال كان الموضوع يختص ببيتنا، أنا لا أحب تجاهل دور أخي، ولا أفضل أن أقوم بدوره، وأود أن يكون هو رجل البيت؛ لأن هذا هو الصواب، أحاول جاهدة معه أن يكون كذلك لكنني أرى أنه لا يهتم لذلك، ويتعمد التهرب من المسؤولية، لا أعلم هل يمكن إصلاح ما به بعد أن أصبح عمره 30 عاما.
بالنسبة لي.. بعد انفصال أمي وأبي مضت عدة سنوات وأنا أعجز عن النوم بشكل طبيعي، وغالبا ما كان النوم يتخلله دموع، إلا أنني قررت بيني وبين نفسي أن أتناسى ما سبق وأمضي قدما، وفي الثانوية العامة لم أحظ بمعدل كبير يساعدني لدخول الجامعة برغم تميزي في الدراسة، واجتهادي قبل ذلك فاكتفيت بالدبلوم على مضض، وكانت من أهم أحلامي شهادة كبيرة تضمن لي وظيفة جيدة، وتسمح لي بتطوير قدراتي، حاولت بعدها أن أكمل دراستي؛ لكن كل محاولاتي باءت بالفشل؛ لأنه كان يتوجب علي العمل، وكانت الجامعات في العاصمة، ولا أستطيع تحمل أعباء السفر والدراسة معا.
بالنسبة لعلاقاتي الخاصة، بالرغم من حرصي الشديد على تجنبها إلا أنني لم أنج منها، وبالرغم من تأخر سني في الزواج، إلا أنني كنت لا أجد الرغبة الكبيرة عندي بالارتباط، وكنت أطمح لنجاحي في الدراسة والعمل، ولكن بعد التخرج والعمل، وعندما أدركت أنني لم أدرس ما تمنيت، وعملي كنت لا أشعر فيه بالاستقرار؛ لأنه في قطاع خاص، والراتب الذي أتقاضاه لا يساعدني على تطوير نفسي، أو مساعدة أهلي.
أصبحت أشعر لفترة ما أنني أصبحت مسلمة لما تأتي به الأيام، فتارة أجتهد للرضا بالواقع وبنصيبي، وتارة أجدني أتمرد على ظروفي.. مرت الأيام ونويت من داخلي أن أنتظر نصيبي في الزواج، ولكن كنت أجد أن كل من هم حولي، يتمسكون بتقاليد وأعراف بعضها بعيد عن الدين، وبعيد عن الإنسانية، لا يرغبون في تعليم المرأة، لغتهم العنف والضرب؛ بمعنى تمسكهم بالعادات والتقاليد الرجولية البالية الخالية من تحكيم العقل، تغريهم العائلة والشكل الخارجي فقط، حينها اشتركت بأحد المواقع للبحث عن زوج، ووفقت في ذلك.
الشاب من بلدي، طموح، مثقف، أفكاره وتطلعاته تعجبني، إنساني إلى أبعد الحدود، حنون، لم يستغلني، يقف بجانبي في كثير من الأمور، وجدت معه ما لم أجده عند أخي وأبي من إدراك وواقعية، حدثته عن أخي وخيرته بين الفراق أو الاستمرار، اتهمني بالسخافة، وأنه لا ينظر للأمور بهذا الشكل، أستشيره في بعض أموري التي أشعر بالحيرة فيها، كما أشعر أن الله عوضني به عن كل ما مر بي..! اتفقنا على الزواج في أقرب فرصة، ولكن مضت على اتفاقنا سنتان، ولم يقم بأي خطوة عملية، تحدثنا كثيرا بالموضوع، وكانت حجته في السابق أنه غير مستعد ماديا بالشكل المناسب، حتى إنه أخبرني عن المبلغ الذي يدخره وهو فعلا لا يكفي، والآن يشعر بعدم الاستقرار الوظيفي، بالرغم من أن شهادته كبيرة، وهو جاد بالعمل، أعلم أنه على حق في ذلك، ولكنني لم أكن أرغب بإقامة علاقة، وما يترتب عليها من تعب وإرهاق نفسي، وشعور بالخوف تارة، والحنين تارة أخرى، وأنا الآن بحاجة للاستقرار ولوجوده بالقرب مني باستمرار، وبما لا يتنافى مع الشرع، وأحتاج لعاطفة الأمومة التي أصبحت أكثر ما يشغلني.
أنا أعمل اليوم بوظيفة جيدة، وبدأت بمساعدة أهلي بشكل أكبر، وأحب عملي، حاولت إقناعه بضرورة اتخاذ خطوة، وأنني لن أطلب منه سوى الضروريات، ونتجاهل الكماليات؛ لأن العمر يمضي وكلانا بحاجة للاستقرار، ولكنه متردد.. ولا أعلم ما العمل..؟
سيدتي، أرسل إليك بداية لتنصحيني ما الذي يجب علي عمله تجاه أخي، وأبي (اللذين يفتقران للقدرة على اتخاذ قرارات سليمة)، إخوتي من أبي، وتجاه من أحب، كيف لي أن أشعر براحة نفسية وتصالح مع الذات ومع كل ما مر بي، هل لك أن تساعديني؟؟.
أنا إنسانة طموحة جدا، وأجد صعوبة في تقبل وجودي بمكان وجودي به أو عدمه واحد، كنت أسعى للتميز لكني أفتقر له حاليا، أتمنى أن أنجز شيئا ما ومهما في حياتي العملية، أتمنى التقرب من الله كثيرا، لكني ما زلت أشعر بالتقصير، وأشعر بتشتت في تحديد أهدافي، حتى إنني بدأت أشعر ومن فترة بضعف في الذاكرة والتركيز.
إخوتي من أبي بحاجة لي لكنني لا أشعر بالاستقرار، ولا حتى بالقدرة على الوقوف معهم بالشكل المناسب، أبي لم أستطع إلى الآن مسامحته عما بدر منه اتجاهنا، ولا أستطيع أن أبره كما يجب، فأبي يطمح دوما أن أساعده ماديا، وأنا إمكانياتي لا تسمح بذلك، وبيتنا يحتاج للكثير، أمي تستصعب اتخاذ أي قرار، وقراراتها غالبا ما تأتي متأخرة، فأصبحنا وكأننا أفقر من في العائلة مع قدرتنا على تجاوز ما نحن فيه، بالتفكير السليم، واتخاذ قرارات صائبة.
أشعر بأن أهلي هم من يجلبون النحس لنا، وليست الظروف فقط
لذلك أشعر بأن العمر مضى بي ولم أنجز سوى القليل..!!!.
11/12/2023
رد المستشار
شكراً على استعمالك الموقع ومشاركتك بروايتك.
روايتك كثيرة التكرار في مختلف الثقافات مع نمو الإنسان في بيئة فشلت في سد احتياجاته المختلفة وعدم تحلي أولياء الأمور، أحدهما أو كلاهما بالمسؤولية تجاه بقية أفراد العائلة. يتولى أحد أفراد العائلة المسؤولية ورعاية بقية الأعضاء ويصبح هو الأخ الشقيق، الأم، والأب. هذا الارتباك في دور الإنسان في العائلة لا يساعد على تحقيق أهدافه الذاتية وبالتالي لا يؤدي إلا إلى شعور الإنسان بعدم السعادة. يحاول الإنسان خداع نفسه بأن ما يفعله هو الإيثار الذي يجب يتحلى به ويتخلص من تأنيب الضمير. لكن الحقيقة غير ذلك لأن الإيثار الحقيقي نتيجته شعور الإنسان بالسعادة والرضى، أما الإيثار الذي نتحدث عنه في استشارتك هو الإيثار المدمر الذي يؤدي تدريجياً إلى استسلام الإنسان لظروفه البيئية وتحديات بقية أفراد العائلة وسد احتياجاتهم بدون مقابل. الاستسلام الإيثاري نتيجته واحدة فقط وهي شعور الإنسان بعدم السعادة طوال عمره.
أنت الآن على مفترق طريق، وحان الوقت أن تفكري جيداً بخطوات المستقبل. شقيقك تجاوز مرحلة البلوغ وعليه أن يتحمل المسؤولية بدلاً من منحه وسام ضحية الظروف والعائلة. الإنسان الذي يطالب بالحرية علية التمسك بالمسؤولية وعليه تدبير أموره وحل مشاكله بدون تدخلك. وكذلك الأمر مع بقية أفراد العائلة فأنت ليست بربة البيت ولا ولية الأمر ويجب على كل فرد القيام بدوره لتحسين ظروفه الشخصية. ما يجب أن يكون هدفك هو السعي نحو فراق هذه البيئة وحسم الأمر مع شريك حياتك الذي تفكرين بالارتباط به مستقبلاً.
الراحة النفسية الحقيقية التي تبحثين عنها موجودة في ابتعادك عن هذه البيئة واستقلالك عن العائلة. دون ذلك ستدخلين يوماً ما في زنزانة الاستسلام الإيثاري ولن تشعري بالسعادة.
حان الوقت للتخطيط للانفصال عن العائلة والاستقلال ذاتياً.
وفقك الله.