السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
لا أعلم حقا كيف لي أن أبدأ سرد حكاية حمقاء كحكايتي، لكنني سأسردها وأنا التي لم تتوقع يوما أن تحزن كما أنا الآن، أتممت عامي 23، جامعية، مررت في حياتي بتجربة حب أولى انتهت بالفشل، لا أنكر أبدا أني عانيت بعده حقا، لكنني لم أكن لأتوقع نفسي أعاود الكرة مرة أخرى.
نعم فقد أحببت ثانية، أحببته بعمق جدا جدا، وأشعر كما لو أنه أنفاسي، يكبرني بـ17 عاما أو أكثر، عرفته عن طريق الإنترنت، مرت علاقتي بداية معه كأي شخص آخر، لم يلفت نظري بشيء، يقيم في نفس الدولة التي أقيم فيها، لم أدرك حين حادثته يوما أنني سأحبه بجنون كما أنا الآن، وأنه حين يغادرني سأبكيه كما أبكيه الآن، أعلم أنه لا يستحقني، وأعلم حقا أنه لم يتذوق طعم الحب الحقيقي يوما، لكنني أحبه وبجنووووون.
لن أنكر أبدا أنه طيب جدا، إنسان ذو طموح، عنيد بدرجة كبرى، أفنى حياته بحثا عن فتاة ذات مقاييس معينة..
تطورت علاقتنا تدريجيا فتحادثنا هاتفيا، كأصدقاء لا أكثر، إلى أن أرسلت له يوما صورة لأخرى، نعم كذبت عليه وادعيت أنها أنا، لم أكن حينها أتوقع أن أقع في غرامه، لم أكن أعلم حينها أن الحب عنده أيضا يقاس بقياسات محددة.
كنت أحمل بداخلي كما هائلا من العواطف، وكنت وبعد انتهاء قصة حبي الأولى أصبر نفسي برجل أعظم، برجل أجدر بحبي وعواطفي، نعم كذبت فقط بشكلي، لن أبرر لنفسي، لم تصل حينها العلاقة إلى درجة الحب، لكنني شيئا فشيئا أحببته جدا وبدوره مارس العشق على نفسي، كنت كالأنثى التي ولدت من جديد، أنثى تنظر بعين أخرى للحياة، شعرت وكأنني أمتلك الدنيا بأسرها، ووعدني بالزواج.
قال لي إنه يعشق روحي ويعشق دلالي، وأصر إصرارا كاملا على رؤيتي، لن أنكر أنني حاولت إنهاء الحكاية، كوني قد ابتدعت شكلا غير شكلي، لكنه قاوم وأصر مدعيا الحفاظ على الحلم، مدعيا عشقه لشخصي لا لشكلي، ولم أجد مفرا إلا الاعتراف له، كنت أعلم حينها أنني أخطأت وأنني لا بد من أن أدفع ثمن خطئي فأخسره.
وكان ذلك فابتعد عني، كان واضحا، قال لي أريدها أخرى غيرك، أريدها كما الصورة، لم يكذب حينها، لكنه كذب قبلا يوما ادعى عشقه لشخصي ولروحي، أعتقد أنها النهاية فقررت إغلاق صفحتي معه بمرارة، لكننا اتفقنا على الاستمرارية في الصداقة، وقضينا أوقاتا عدة، نعم هاتفيا ولساعات عدة، باح لي بالكثير عن حياته.
وكنت كالأذن الصاغية وله فقط، ومرت الأيام، إلى أن قررنا اللقاء يوما كأصدقاء، وكانت المفاجأة أنه اكتشف أني أحمل، ما يتمناه من مواصفات لشريكة حياته، فعاث في نفسي عشقا، وأعاد إحيائي مجددا، مارس العشق بمهارة، وأتقن فن الصيد، فأعادني أنثى تهواه مجددا، نعم أنا كذلك، أحبه بجنوووون.
كررنا اللقاءات مرات عدة، وكرر امتهان العشق معي، كان حارقا وكان رائعا، وكنت كالعمياء أحبه، أنا تلك التي تضع شروطا عدة، وتلك التي لا تقبل إلا بالكثير، أحببته وبعمق.
أيقن أنه كان مطمئنا لعشقي له، فمارس على الطرف الآخر البحث عن عروس ملائمة أكثر، فما يدفعه للتفكير كثيرا هو اختلاف ما نحمله من جوازات برغم الجنسية الواحدة، وكنت كالبلهاء أغلق عيني عما أعرفه من استغلاله لحبي، ومن استغلاله لعشقي له، فمارس دوره بحثا بين الأخريات، وكلما ظن أنه وجد الأفضل يقرر حزم حقائبه والابتعاد عني، وعندما يفشل يعود محملا بكلمات العشق وممارسة الحب، وبوعود مزخرفة، كررها مرة ومرتين وثلاثا وأربعا، وأنا العمياء بحبه.
يعود إلي فأحتضنه بحنان أكبر وبلهفة أكبر، كان طفلي الشقي، وكان رائعي المدلل، وكنت في كل مرة يعود فيها مجددا أغفر وأطمئن لحديثه بأنه لن يجد غيري الأفضل، إلى أن وجد أخرى فذهب إلى جنتها ولم يعد أبدا.
نعم.. قد تركني هذه المرة بلا رجعة، كانت الأفضل مني شكلا، والملائمة جوازا، وأبقى لي بأمنية الحظ الأفضل مع رجل آخر، وأمنيته البقاء بقربي كصديقة، فهو لن يستطيع الاستمرار في الحياة إلا بعروضي العاطفية السخية وحناني اللامحدود!!
وأعترف كثيرا بأنني أصبت بالصدمة التي أحالت حياتي جحيما، التي أحالت واقعي إلى مر ألعقه يوميا.
قابلته مرات عدة حتى بعد خطبته، إذ لم أستطع استيعاب الحدث المؤلم، ولم يزل حينها يمارس العشق لهوا معي، ولم أزل أقاوم استيطانه داخلي، ولم أزل أحبه بجنون كما لم أجد أحدا يوما.
أنا تلك التي ترفض الأشخاص الأفضل منه واحدا تلو الآخر، أنا مدللة والدي وأهلي، أمارس الألم عنوة، وأنا تلك التي جعلته في حياتها أجمل قصيدة عشق، فمنحته حرفي وقلمي ومنحته حبي وعشقي ودلالي، تركني وذهب لجنة الأخرى!!
أعلم أنه لا يملك المواصفات المميزة كغيره، أعي وجود فارق السن الكبير واختلاف الجوازات، واختلاف النظرة للحب، فأنا المعطاء المخلصة، وهو الذي لا يرى في الحياة إلا مصلحته وبمقاييس محددة، أحبه وأدري أنكم كما صديقتي ستنصحوني بنسيانه والابتعاد، فهو كما تقول صديقتي الخاسر الأكبر لانتهاء علاقتنا.
لكنني ورغم مرور مدة لا بأس بها على النهاية فإنني مازلت أحبه وبشدة وأرفض التفكير إلا به، أحبه رغم يقيني أنه لا يستحق نقاء حبي له، أحبه ولا أستطيع نسيانه، أراه يوميا يمارس العشق مع الأخرى وعلى مرأى نفسي.
يمارس معها الحب في تلك الفترة التي كان يمارسها معي، كيف لي أن أنساه، وهل هناك امرؤ ينسى روحه.
أراكم وقد يئستم من حديثي، أقسم بأني أحبه وبجنون، وأقسم إني لا أشعر إلا برغبة قوية في البكاء دوما، أتعبتني حالتي النفسية حقا، ففقدت روح الحياة وأباد بداخلي الفرح، ولا أدري ما الحل، فكيف لي أن أنساه!!
وكيف لي أن أعيد الوقوف مجددا للاستمرار في الحياة؟! أتعتقدون حقا أنه من حق الإنسان أن يجد سعادته على حطام الآخرين؟!
لم لا يبكي كما أبكاني؟! لم منحته الحياة السعادة حين مارس هو منح الألم للآخرين؟!
10/12/2023
رد المستشار
من يقرأ سطورك فسيتصور أنها سطور مشكلة عاطفية تملؤها الميلودراما، وسينفجر آخرون غيظا من استمرارك في تلك العلاقة المؤلمة، ولا يبقى لديهم إلا صرخة لتكون سببا في إفاقتك من غيبوبة تلك المشاعر التي تستنزفك.
وسيتصور بعض الراشدين أنك تعيشين دور الضحية، وأنك أنت من بدأ المغامرة التي انتهت بما أنت عليه، ولكنني سأنضم لمن يراك تحتاجين للتواصل مع طبيب نفسي لتتعلمي معه أن تحبي نفسك يا صديقتي، فأنت تعانين بوضوح من اضطراب التعلق والتلذذ بالألم وما استتبعه من أعراض اكتئاب وفقدان للأمل.
فالتعلق اضطراب في السلوك، فيتعلق بعض البشر بغيرهم بحثا عن الحب أو الجنس أو الصداقة أو الدعم أو المساندة، فيصير التعلق مسألة وجود، فينهار المتعلق إذا ابتعد عنه الطرف الآخر ولا يهنأ بحياة طبيعية بعده.
وهو نوع "غير ناضج" من العلاقات، وسببه يرجع إلى تأخر ما نسميه بـ"النضج النفسي"، أو وجود حرمان شديد من الحب، أو وجود احتياج نفسي غير مشبع مثل التقدير، الحنان، الاهتمام، الأبوة، الأمومة، وأحيانا يكون السبب تعودا زائدا على الأخذ لدرجة النهم (لاحظي أنك قلت إنك مدللة جدا) أو قد يكون ضعف الثقة بالنفس، ولكل الأسباب السابقة يكون الطرف المتعلق محتاجا بشدة الطرف الآخر لأنه "معنى" وجوده في تلك الحياة (لاحظي حياتك قبل ظهوره) وقد يصل في بعض الحالات إلى ما يشبه الجنون، كمجنون ليلى وكثير عزة.
ومن علامات التعلق الرغبة في الاستئثار بالطرف الآخر وعدم مشاركة أحد له في صداقته أو حبه (لاحظي إحساسك عندما عرفت أنه يرغب في الزواج من أخرى) فأي أنثى حين يتركها محبوبها ويتزوج أخرى يفضلها عليها رغم وعوده لها بالزواج تتركه فورا، ولكنك لم تفعلي، وتسمينه حبا حقيقيا.. إن الحب تكامل وتبادل واهتمام ومسؤولية، والآن هوني على نفسك وحاولي إدراك ما أقول:
* أنت "تملكين" التخلص من هذا التعلق؛ لأنه اضطراب في السلوك سببه كما أوضحت سابقا، فعليك أن تدركي أن وجودك في هذه الحياة ليس مرتبطا وليس قائما على شخص بعينه.
لأنك تؤذين نفسك وتؤذين من تتعلقين به، فلو كانت المشكلة في كيفية نسيانه فقد تنسينه اليوم، ولكن قد تتعلقين بآخر غدا، ولكن المشكلة في الاقتناع بأن التعلق هو حب مرضي يحتاج منك لعلاج وقوة وإرادة.
* التعلق الوحيد السليم في حياتنا هو التعلق بالله عز وعلا، فهو الوحيد الذي لا يتبدل ولا يتغير ولا تأخذه الحياة منا، بل العكس هو ما يحدث، وهو التعلق الوحيد الذي يزيدنا إرادة وحرية وثقة بالنفس؛ لأنه عز وعلا هو من أراد لنا ذلك، فلتراجعي علاقتك بالله عز وعلا من جديد.
* أريدك أن تعيدي بهدوء علاقتك بوالدتك ووالدك وإخوتك وزملائك وجيرانك، وأن تعددي علاقاتك دون أن تفرطي فيها لأحد مهما كانت مكانته وحلو خصاله واهتمامه بك.
* حين نتألم ويستمر ألمنا وقتا طويلا نحتاج لوقفة نظام لنراجع فيها أنفسنا من جديد، فنعرف كم أسهمنا نحن بوجود هذا الألم، وكيف نعالجه حتى وإن كان الطريق شاقا، لكن نهايته ستكون حتما أفضل.
وإذا قمت بما قلته لك ووجدت في نفسك "ضعفا" فلتسارعي بالتواصل مع طبيب أو معالج نفسي، وقد تتصورين أنني أقسو عليك، ولكنها ليست قسوة، فكثيرا ما تأتي الرغبة الحقيقية في العلاج والشفاء مما اعتلت منه النفس بمعرفة طبيعة وحقيقة ما يمرضنا، فلا تتأخري في هذا التواصل.
واقرئي أيضًا:
الحب الإليكتروني حقيقة أم سراب؟!
غرام الإنترنت في النار حياة وحريق!
هل كان حبا؟ ربما!
الشات: الحب في الفضاء والزواج في الأرض!
رائع في كل شيء: أطياف الواقع الافتراضي!