الصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه. أحييكم بتحية الإسلام فالسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. هذه ليست شكوى عادية، بل هي صرخة أم تئن من الأعماق، وينزف قلبها دما حزنا وإشفاقا وجزعا على ما وصل إليه حال أعز ما لديها. فلذة كبدها أكبر أبنائها. واسمحوا لي أن أطوف بكم في سرعة على حياته.
فقد أتم دراسته المتوسطة، واقترح والده سفره لإحدى الدول العربية للعمل هناك. وكان السفر ميسرا حيث كان له أقارب هناك. وكان ابني ملتزما دينيا في هذه السن الصغيرة سن المراهقة. كان لا يفوته فرض من الصلاة في وقتها حتى صلاة الفجر. وكانت حياته تنحصر في الصلاة والرياضة والعمل.. وفجأة تعرفت عليه فتاة صينية، وهنا بدأت الكارثة التي ما زال يعاني منها رغم مرور سنوات طويلة عليها. فهذه الفتاة التي لا دين لها ظلت تطارده حتى استجاب لها وكان في العشرين من عمره، واندفع في عاطفة نحوها خاصة أنه تتحكم فيه عاطفته أكثر من عقلة. فاندفع في هذه السن الصغيرة نحوها وأعطته هي كل شيء، فهي بلا دين ولا خلق.
ودخل ابني حياة جديدة وحده ونحن بعيدا لا نعلم عن هذه العلاقة شيئا ولا يخبرنا هو أو غيره بشيء. حتى وصل إلى أسوأ حال وتركته وتزوجت وسافرت وعاد إلينا إنسانا محطما تماما، منحرفا يقدم على كل ما يغضب الله، ناقما على كل شيء. واحتويناه جميعا ظنا منا أن الأمر سينتهي ولكنا كنا واهمين. فقد كان أضعف من أن يقاوم. ووقفت بجواره بالنصح والحب وكل ما أستطيع، واستعنت بكل من حولي بأقاربي وأصدقائه لمقاومته. فكان يعتدل بعض الوقت (أحيانا شهور) وفجأة وبلا مقدمات يترك عمله ويعود كما كان. علما بأنه كان يعمل في مجالات ممتازة، وقد كان مديرا تنفيذيا لإحدى كبريات شركات السياحة، وغيرها، فهو لبق ويتقن الإنجليزية تماما وشكله وسيم إلى حد ما. ويكون سعيدا بعمله جدا. وأظن أنه أصبح إنسانا سويا.. وفجأة ينهار كل شيء. ويعود لممارسة انحرافه، فهو لا يتورع عن أخذ أي شيء من البيت لبيعه ويشرب خمرا بثمنه، بل يبيع ملابسه ويأخذ من الناس ويطالبونني هم بعد ذلك بما أخذه.
حاولت وسأظل أحاول بكل الطرق وبكل قدرتي أن أباعد بينه وبين هذه الانحرافات، وهو يستجيب لبعض الوقت ويعود.. دائما يعود. والآن بلغ 33 عاما وانفض من حولي وحوله كل من كان معنا وأصبحت وحدي أقاومه وأقاوم ابتزازه الدائم للمال. ولكن يلجأ للغير ليأخذ منهم بوسيلة أو بأخرى.. وقد حاولت علاجه ولكنه يرفض هذا تماما.. واتصلت بكثير من رجال الدين على مدى شهور طويلة، وللأسف لم أحظ منهم إلا بكلام فقط ومطالبتي بالصبر والدعاء حتى لم يفكر أحد في أن يتحدث إليه أو يطلب رؤيته، للأسف الشديد.
وأنا الآن أعود مرة أخرى للاستغاثة بكم جميعا، وأناشدكم بالله العظيم أن لا تهملوا رسالتي هذه، فإنني فعلا أصبحت عاجزة تماما عن التفكير في اتخاذ القرار السليم وحدي. وأنا قد بلغت الستين من عمري وأعاني من المرض وأكثر من كل هذا أعاني هذا الكابوس الخطير الذي يلازمني كل أيام، بل ساعات حياتي.. علما بأن والده وإخوته عانوا منه الكثير وأخيرا تركوه واجتنبوه تماما وهم أيضا وقتهم محدود نظرا لعملهم وحاولوا معه الكثير بلا جدوى.
في النهاية لكم جزيل الشكر. جعلكم الله ممن قال فيهم: من عبادي من جعلتهم مفاتيح للخير مغاليق للشر.
والسلام عليكم ورحمة الله.
2/1/2024
رد المستشار
سيدتي:
يا الله!!! أعانك الله على ما أنت فيه من بلاء.
لقد ظللت أقرأ الرسالة مرات ومرات لأرى كيف ينقلب الحال من خير إلى شر لمجرد أن يكون الفتى بعيدا عن عيون الأهل.. مهما تكن الأسباب.. ظللت أفكر فيما وصل إليه حال ابنك ثم أنظر إليك أنت.
سيدتي:
أنا أم وكأي أم أشعر بك وأشعر باستغاثة اللهفة في كلماتك وأشعر بصدقك أن تبذلي الغالي والثمين من أجل أن يعود أول فرحة كما كان قرة عين وسند السنين.. ولو كنت مكانك لطفت على الدنيا كلها وتكلمت مع المشايخ والأطباء وكل من تقع عليه عيني ويدي.
لكن لا يا سيدتي، من يستطيع أن يساعد رجلا يبلغ 33 عاما؟ لو لم يحاول هو مساعدة نفسه أولا؟ هذا ليس هروبا من المساعدة لكنه الواقع والحقيقة.
سيدتي:
أنا مستعدة للمساعدة من كل قلبي.. فماذا أستطيع أن أفعل؟ هل أطلب موعدا للقاء ولدك؟ ولنفترض جدلا أنه وافق هل سيسمح لي أن أتدخل في شئونه وأنصحه أن يعدل من مسار حياته وأن يحاول أن يستقيم.. وهل سيهتم؟ هل سيتعظ؟ سيعتبرني على أحسن الفروض شخصا يتدخل فيما لا يعنيه.. مهما تأكد من قيمتي بين علماء الدين والمتخصصين النفسيين.
سيدتي:
لا تجلدي نفسك.. لقد حاولت وبشدة وبإخلاص طوال 13 عاما كما تقولين أن تصلحي اعوجاجه ولكنه يعود مرة أخرى إلى شرب الخمر وانحرافات أخرى لم تذكريها.. وهذا الرجل لا بد أن يشعر أنه يحتاج إلى أن يعود إلى الله وليس أنت ولست أنا وليس أي شخص بل نفسه هي من ستدله على الطريق.. ولا تظلمي المشايخ فهم قد نصحوك بآخر ما يستطيعون ولم يقصروا.. فلا نحن ولا أي شخص آخر يملك له شيئا.. وأنت نفسك لا تملكين له إلا الدعاء بالهداية.. ولكن دعينا نفكر في بعض الوسائل المساعدة.. قد تساعد.
1- حاولي أن تضعي في طريقه أشخاصا على خلق ودين.. بمعنى يا سيدتي لن تعدمي وجود قريب أو أقارب له ولك على دين.. قريب يخشى الله ويتقيه، ناشديه أن يظهر في حياتكما وأكثري من دعوته، لعل الألفة تنشأ بينهما ويبدأ ابنك يستعيد شيئا من توازنه.
2- هناك نوع العمل الذي يمارسه.. إن السياحة مجال مفتوح للأجانب بكل ما يحملون من تحرر وانفلات بما في ذلك شرب الخمر التي هي سبب بلاء ولدك.. نظرا لصعوبة أن تطلبي منه أن يترك عمله ليبقى في البيت عاطلا.. يجب محاولة البحث نيابة عنه عن فرصة ما.. عمل خاص لدى أحد المعارف، مشروع عن طريق صندوق التنمية أو من مدخراتك الشخصية.. أي مجال آخر غير الالتقاء بالأجنبيات واستعادة رغبته اليومية في احتساء الخمر.. فالمريض بالأنفلونزا لا يجب أن يتواجد في تيارات الهواء.
3- نأتي لأصعب نقطة:
المال.. لم تذكري يا سيدتي أنه يلجأ للعنف معك ليحصل على المال ولست أدري كيف يبتزك.. ولكن أرجوك ألا تعطيه مالا وإذا لجأ لغيرك لا تسددي ديونه.. وأعلمي الجميع أنك لن تفعلي ذلك. وأنك غير مسؤولة عما يقترض.. ولا تحتفظي بأي أموال في البيت تذكر.. ولا بأي مصاغ حتى لا يتهور عليك للحصول عليها.. ضعيها في أي صندوق في البنك مع كل ما هو ثمين ولا تتركي في البيت إلا ما ليس له قيمة بيعية أي لا يستطيع أن يبيعه ليحصل على الخمر.
4- أخيرا سيدتي يجب أن تقاطعيه.. وتعلميه أن هذه المقاطعة لأنه شارب للخمر.. تارك للصلاة.. مع كل حبك له ولكن لا تأكلي معه ولا تصادقيه واحتفظي بأقل القليل من العلاقة بما أنه ما زال مقيما معك.
ولا أظنه وحشا لن يهتم بغضبك منه أو مقاطعتك له.. لقد ساعد على فساده هذا الحنان الفياض والرغبة في احتواء مشكلته مع أنه رجل ويجب أن يتحمل مسؤولية أعماله.. يا سيدتي إن أبناءنا حين يبلغون النضج يصبحون مسؤولين عن اتجاهاتهم وتصرفاتهم ولا يعقل أن يرفض رجل أن يعود إلى جادة الطريق لمدة 13 سنة وأنت ما زلت باكية على حاله.. إن في هذا ظلما لسائر الأبناء ولقد فهمت من رسالتك أنه ليس وحيدك.. فكيف ستقفي أنت شخصيا أمام الله الواحد القهار وقد أنفقت حق كل الأبناء على أحدهم؟ وليس الإنفاق مالا فقط بل جهدا واهتماما وكأنك تعاقبينهم على استقامتهم.
سيدتي:
إن قلبي يقطر دما على حالك أنت، ولكنه رجل يا أختي العزيزة.. لم يعد مراهقا أو شابا يافعا، يجب أن يدفع فاتورة تصرفاته بنفسه، وحين يبدأ المرء في الدفع يبدأ في محاسبة نفسه.. والاقتصار في تصرفاته على ما يملك ثمن فاتورته سواء كان ذلك مالا حقيقيا أم علاقات.. ولكن إذا ظل الإنسان ينطلق في الدنيا يدوس بقدميه كل ما ومن يحلو له ويجد من يلملم ما بعثر ويرأب ما صدَع ويعالج ما أتلف.. فأخبريني بالله ما الذي يجعله يتوقف عن صفاقاته؟؟ إنها بالطبع ممتعة وهي أيضا مجانية.
أعانك الله وجعل في كلماتي لك بعض العون.